سياسي كويتي يكشف خفايا مغامرات صدام ومواقف ايران من الغزو.. والجلسة السرية بين عزة الدوري ورفسنجاني

كتب رئيس مجلس التعاون الخليجي السابق عبدالله بشارة

حافظت الكويت على علاقاتها مع إيران على خط من الاعتدال الذي يتيح للبلدين الاتصال وتبادل وجهات النظر والتشاور حول قضايا ثنائية وقضايا خليجية واقليمية، منذ استقلال الكويت، مستذكرين الموقف القوي من شاه إيران ضد ادعاءات عبدالكريم قاسم بالمطالبة بالكويت في استحضاره لادعاءات تصورها منجدة تنقذه من تخبط قيادته للعراق، كان الشاه يقف ضد أي تحولات في حدود العراق شمالاً أو جنوباً، فخريطة الحدود التي ورثناها في المثلث الغليظ، حيث تلتقي حوله حدود إيران بحدود العراق في شط العرب بمحاذاة خطوط الكويت، هذا المثلث الضيق لا يتيح لأي طرف من الأطراف الثلاثة أن يمارس تمنيات التغيير في خريطة المنطقة بسبب حساسيته الجيواستراتيجية وأبعادها في توازن القوى اقليمياً، وترابطه مع قواعد الأمن والاستقرار العالمي وقد كانت العلاقات مع الشاه واقعية وعملية وعلى خط مستقيم يعني correct، ليس فيها انحدارات ولا مبالغات في السلوك.

وجاءت الثورة الايرانية، وغيرت قواعد الاستقرار في المنطقة عبر أحلام النظام في تصدير مشروعه الاسلامي الراديكالي، ومع كل ما شهدته إيران من تحولات، أصر الجانب الكويتي على التمسك بالذخيرة التاريخية التي توافرت للبلدين من خلال حكم الشاه، فلم تنقطع الاتصالات وكان سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد أول من ذهب لمقابلة الزعيم الروحي والسياسي آية الله الخميني، مع قيام مجلس التعاون، وواصلت الكويت أحياناً باسم مجلس التعاون وأحياناً بمبادرة منها للاتصال مع طهران لجس النبض بحثاً عن تحول يدفع بالعلاقات الخليجية – الإيرانية إلى الأمام.

ورغم تعرض العلاقات بين إيران والكويت إلى مرحلة حرجة عندما تمكنت إيران من احتلال الفاو العراقية، وهي البقعة الرخوة في الأطراف الشرقية للعراق، غير أن الوعي التاريخي لأهمية وقاية العلاقات بين البلدين وإدراك الطرفين بضرورات الحفاظ عليها، رغم الابتهاج الإيراني بالوصول إلى الفاو، أثر كثيراً في تجاوز الأزمة العابرة. وعندما ارتكب صدام حسين حماقة القرن بغزوه لدولة الكويت وتدشين مرحلة الاستعراض الوهمي للقوة وبشاير النصر، غير أنه أدرك الدور المؤثر لإيران في مصير الغزو ومستقبل النظام العراقي.

وبعيداً عن كل التجميلات الاستعراضية أعاد صدام حسين اعتراف العراق باتفاقية الجزائر التي وقعها مع الشاه في مدينة الجزائر عام 1975، بعد أن ألغاها خلال الحرب العراقية – الإيرانية التي استمرت من 1980 – 1988 ويرسل طارق عزيز في سبتمبر 1990 للبحث عن صيغة جديدة يحقق فيها ترضية من إيران وحيادها خلال عمليات تحرير الكويت وفق القرارات التي اتخذها مجلس الأمن الدولي. وفي شهر نوفمبر 1990 مع تبني مجلس الأمن الانذار الموجه إلى العراق بسحب قواته من الكويت قبل منتصف يناير 1991، يذهب نائب الرئيس عزت الدوري إلى طهران متودداً، وقد نشر الكاتب العراقي سعد البزاز في كتابه «الجنرالات آخر من يعلم» في ص 146، أن الرئيس رفسنجاني في جلسة مغلقة بحضور المترجم فقط، طالب بمعرفة أهداف العراق غير المعلنة، لأن المعلنة معروفة، وعاد عزت الدوري إلى بغداد حاملاً وعداً من إيران بتأييد العراق إذا تعرض للعدوان.

ومع اقتراب المعارك الجوية تتجه طائرات الخطوط الجوية العراقية إلى إيران بحثاً عن مأوى، وتلحق بها الطائرات العسكرية، بكل أنواعها، وتهبط في إيران لتصادرها حكومة إيران تعويضاً عن خسائرها خلال الحرب الطويلة، ويصرخ صدام لقد خدعنا الإيرانيون. نحن في الكويت لا ننسى هذا الموقف الذي أملته حقائق المصالح فوق أنه ملتزم بأهلية النظام الاسترايتجي في منطقة المثلث الرابط لحدود الدول الثلاث الذي سعى صدام حسين لاختراقه، فلم ينجح لأن إيران التزمته والمجتمع الدولي أصر عليه، ومجلس الأمن أكد شرعيته التاريخية بترسيم الحدود بين الكويت والعراق، وأمن وقائيته والدفاع عنه.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here