أربعون يوما…يا فارس الأربع العجاف

مديحة الربيعي

منذ اربعون يوما مضت مازالت الدموع تعرف طريقها جيدا حجي جمال فالعيون عبرى حتى صرنا نؤمن بعبارات العجائز (حلو ذوق المكابر تاخذ الزينين),عندما تتصفح الوجوه باختلاف المذاهب والمشارب تدرك كيف أجتمع واجمع الفرقاء على محبة شيبة المجاهدين ابو مهدي المهندس.

اذا أردت ان تسترجع مواقف الحاج ابو مهدي المهندس وهو يتجول بين أبناء العراق النازحين من بطش ستجد أن الامر اكبر من دور قائد يؤدي مهمة جزء يسير من حواراته يفصح عن نفسه (شسمك بابا حبيبي؟ عدكم أكل, شباب انطوهم ارزاقكم, حجية نريد عمرج طويل حتى نجيكم تطبخونة وتضيفونة ببيوتكم, رجعوهم لبيوتهم بأسرع وقت, حجي انت شايب مثلي بس تصبغ) اما عندما يتنقل بين المقاتلين (انت منين يابطل, خلونا نتبرك بترابكم, تعالو نصلي, تعالو اخذ صورة, هذي بركة دماء سيد الشهداء)

المهندس جمال الذي جادت به باسقات البصرة يثبت في كل مرة أنه يتفوق على ضجيج الذوات الفارغة, ونوازع النفس البشرية في مواضع الصراع على المناصب والكراسي, والبحث عن الابهة واستعراض محموم اشبه باستعراض الطواويس, يختار حجي جمال ان يفترش الأرض ويشارك المقاتلين طعامهم بلا مواكب, ولا سيارات فخمة ولا بدلات ماركة, ابو مهدي ضمير يمشي على قدمين في زمن الضمائر الممسوخة, ومبادئ تعلن عن نفسها في وقت المبادئ المعروضة للبيع في مزادات السياسية البخسة ووقت الرخص والسمسرة, ابو مهدي راية نصر في في زمن الخسارة والانكسارات التي أنتجتها تجار السياسة.

منذ اربعون يوما والسواتر تبحث عن مهندسها, والمقاتلون ينتظرون من يمسح التراب عن وجوههم, منذ اربعون يوما مضت حجي جمال والجرحى يترقبون أن تطرق ابوابهم, منذ تلك الايام المرة التي نشهد مثلها لم نسمع صوت صلواتك في الميدان, منذ اربعون يوما تبحث الانتصارات عن صوت فارسها وتبحث الميادين والخطط عن شيبة المجاهدين عقل الحشد وروح الضمير, كتلة الخلق التي تمشي على قدمين, وهو ينسج طيب احاديثه ويرسم أبتسامة على محياه ليشحذ الهمم ويساند ابنائه على السواتر.

أخبروا السواتر ان حجي جمال لن يصلي عليها بعد اليوم فقد اختار مكانا آخر, اخبروا الجرحى ان يضعوا الملح على الجرح فالحاج جمال في سفر طويل, أبلغوا البصرة أن أبنها قد اوفى كل ما عليه تجاهها وأوفى كل نذوره لفيحاء الجنوب, فارس الاربع العجاف لم نفجع بمثلك قط, ولا خسارة تعدل خسارتك, ننعى فيك الأنسان والخلق والضمير وكل تلك المضامين تستحق النعي في زمن تخلو فيه السلطة والسياسة من كل تلك القيم والمفاهيم, ولا عجب في ذلك فلست سياسيا بل مجاهد تقرب له اهل السياسة وترك لهم كل ما فيها من قبح, واختار لنفسه جمال العطاء فأوصى ان يكتب في شهادة وفاته (متطوع في الحشد الشعبي)!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here