التظاهرات لم تسقط الحكومة ولن تشكل حكومة

د. علي المؤمن

ما حدث في العراق خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة يؤكد أن التظاهرات المطلبية في النظم الديمقراطية، لا تستطيع تحقيق مطاليبها السياسية عبر الضغط والقوة الجماهيرية، ومنها مطلب إسقاط الحكومة وتشكيل حكومة جديدة.

صحيح أن النظام السياسي التوافقي في العراق نظام بائس فاشل؛ لكنه ديمقراطي الى حد الإنفلات، أحببناه أو كرهناه. هذا اللون من النظم لا يسقط بالتظاهرات والإنتفاضات والإعتصامات السلمية، ولا بأعمال العنف والحرق وقطع الطرق؛ بل يسقط بثلاثة طرق فقط: إنقلاب عسكري، إحتلال عسكري، استفتاء وانتخابات.

ولا تتشكل حكومات النظم الديمقراطية، سواء الفاشلة التوافقية، أو الناجحة الأغلبوية؛ إلا عبر الإنتخابات؛ لأن سياقات عمل هذه النظم ترتكز الى الأحزاب وإراداتها حصراً، وهي أحزاب لها مجسّاتها وأدواتها وجماهيرها أيضاً، بما يوازي الجماهير المحتجة أو يتفوق عليها عددياً.

والسيء جداً في الإحتجاجات الشعبية في النظم الديمقراطية التوافقية، كالعراق، هو أنها تنتهي ـ عادة ـ لمصلحة أحد الأحزاب المشاركة في السلطة، على حساب أحزاب أخرى منافسة، في إطار عملية استثمارية سياسية روتينية، بعد أن يقوم الحزب المستثمِر بالتحريك أو ركوب الموجة والإستغلال وطرح الشعارات باسم الجماهير المنتفضة أو باسم الشعب. وبعد أن يصل الحزب المستثمِر الى أهدافه السياسية الخاصة، تنتهي شراكته الحقيقية مع التظاهرات؛ لتعود الجماهير المتظاهرة الى بيوتها بخفي حنين.

صحيح أن العراق يتفرد في نوعية محركات الواقع السياسية، والتي من أبرز دلالاتها حضور المرجعية الدينية وتأثيرها، وكونها الركن الأساس المحرك في مقابل الكتل والأحزاب، والأكثر تعبيراً عن نبض الشعب وتوجهاته؛ إلّا أن نتائج الإستثمار السياسي ومخرجات الإحتجاجات تبقى كما هي.

ما أريد قوله؛ أن استقالة حكومة السيد عادل عبد المهدي جاءت بإشارة من المرجعية، وليس بضغط الجمهور المتظاهر. و ربما لو لا إشارة المرجعية لما استقالت الحكومة حتى اللحظة. كما أن تعديل القوانين وإقرار الإنتخابات المبكرة أيضاً قد حصلا بفعل ضغط المرجعية. بالإضافة الى أن وجود جمهور بعض الأحزاب النافذة داخل ساحات التظاهر (جمهور التيار الصدري تحديداً)؛ هو الذي وفّر أجواء الضغط على الدولة، وليس جمهور التظاهرات المستقل.

وتكليف السيد محمد توفيق علاوي هو الآخر لم يكن بضغط الجمهور المتظاهر؛ بل بتوافق الأحزاب، وتحديداً أحزاب تحالف الفتح والتيار الصدري. ولو لم يتفق هذان الطرفان اللذان يحظيان بكتل برلمانية كبيرة عددياً، لما تم تكليف علاوي.

و هذا يعني أن الذي يستطيع أن يفرض قراره السياسي في النظم الديمقراطية هو من يمتلك عدداً معتداً به من المقاعد البرلمانية. أي أن المعيار دائماً هو صناديق الإقتراع، وليس الصوت المرتفع والتهييج الإعلامي والشعارات، وليس أعمال العنف بكل أشكالها.

لقد ذكرت هذه الحقيقة أكثر من مرة، منذ بدء الحراك الشعبي الإحتجاجي في العراق، واقترحت على الأحبة المتظاهرين السلميين أن ينظموا صفوفهم في إطار كتل وأحزاب سياسية جديدة؛ استعداداً للانتخابات المبكرة القادمة، ويُدخلوا ممثليهم في السلطة التشريعية؛ على أن يكونوا نزيهين كفوئين، ولايكرروا أخطاء الأحزاب الحالية؛ لكي يتسنى لهم تغيير أوضاع الفساد والفشل من داخل أجهزة الدولة، إذ أن طبيعة النظم الديمقراطية؛ لاسيما البرلمانية، تفرض وجود أحزاب تتنافس انتخابياً، ولا يمكن قيام نظام ديمقراطي دون وجود أحزاب وكتل سياسية متنافسة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here