شيخ الإسلام (2)،

الدكتور صالح احمد الورداني
—————————-
بقية أقوال الفقهاء في ابن تيمية..
وكان الإمام العلامة شيخ الإسلام في زمانه أبو الحسن علي بن إسماعيل القونوي يصرح بأنه من الجهلة بحيث لا يعقل ما يقول ، ويخبر أنه أخذ مسألة التفرقة عن شيخه الذي تلقاها من أفراخ السامرة واليهود الذين أظهروا التشرف بالإسلام ..
واتفق الحذاق في زمانه من جميع المذاهب على سوء فهمه وكثرة خطئه وعدم إدراكه للمآخذ الدقيقة وتصورها ، عرفوا ذلك منه بالمفاوضة في مجالس العلم ..
ثم استعرض الحصني بعد ذلك ما ذكره ابن شاكر في تاريخه في حوادث سنة خمس وسبعمائة في ثامن من رجب والمحاكمات التي جرت لابن تيمية بسبب ما قاله في عقيدته الواسطية ، وإشهاد ابن تيمية على نفسه أنه شافعي المذهب والمعتقد ..
ثم عقد له مجلس ثان في أمر العقيدة بعد أن تظاهر أتباعه بأقواله وقالوا إن الحق معه ، فأحضروا إلى مجلس القاضي جلال الدين القزويني وأحضر ابن تيمية ، وصفع ورسم تعزيره..
ثم عقد له مجلس ثالث في أمر العقيدة وطلب إلى مصر بعد وقوع أشياء كثيرة من الحنابلة فيها ، وعقد له مجلس بقلعة القاهرة بحضور القضاة والفقهاء والعلماء والأمراء ..
وعند ذلك حكم القاضي المالكي بحبسه في برج من أبراج القلعة ، فتردد إليه جماعة من الأمراء ، فسمع القاضي بذلك فاجتمع بالأمراء ،وقال : يجب عليه التضييق إذا لم يقتل وإلا فقد وجب قتله وثبت كفره ..
ووصل من الديار المصرية قاضي القضاة نجم الدين بن صرصري وكانوا قد بيتوا على الحنابلة كلهم بأن يحضروا إلى مقصورة الخطابة بالجامع الأموي بعد الصلاة ، وحضر القضاة كلهم وقضاة العسكر ونظر الأوقاف وقرئ مرسوم السلطان ، وفيه ما يتعلق بابن تيمية في عقيدته وإلزام الناس بذلك خصوصاً الحنابلة ، والوعد الشديد عليهم ، والعزل من المناصب والحبس وأخذ الأموال والروح لخروجهم بهذه العقيدة عن الملة المحمدية ..
وأحضروا بعد القراءة الحنابلة واعترفوا أنهم يعتقدون ما يعتقده الشافعي ..
ثم حبس ابن تيمية بعد ذلك بسبب مسألة الطلاق وقوله بمنع شد الرحال ..
ونقل الحصني كلام الذهبي عما ذكر ابن تيمية في عقيدته الواسطية ، وكان مما ادعى عليه أنه قال 🙁 الرحمن على العرش استوى ) حقيقة وأنه تكلم بحرف وصوت ، ثم نودى بدمشق وغيرها من كان على عقيدة ابن تيمية حل ماله ودمه .
وأشار الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه تاريخ المذاهب الإسلامية إلى أن ابن تيمية في تصويره لمذهب السلف يقول بظاهر النصوص القرآنية ، وأن تصويره فيه نظر ..
ثم استعرض كلام ابن تيمية : ليس في كتاب الله ولا في سنة ، ولا عن أحد من سلف الأمة ، ولا من الصحابة والتابعين ، ولا عن الأئمة الذين أدركوا زمن الأهواء والاختلاف حرف واحد يخالف ذلك ، ولا نصاً ظاهراً ، ولم يقل أحد منهم أن الله ليس في السماء ، ولا أنه ليس على العرش ، ولا أنه في كل مكان ، ولا أن جميع الأمكنة بالنسبة إليه سواء ، ولا أنه لا داخل العلم ولا خارجه ، ولا متصل ولا منفصل ، ولا أنه لا تجوز الإشارة الحسية إليه بالأصابع ونحوها ..
وقال معلقاً: وعلى ذلك يقرر ابن تيمية أن مذهب السلف هو إثبات كل ما جاء في القرآن من فوقية وتحتية واستواء على العرش ووجه ويد ومحبة وبغض ، وما جاء في السنة من ذلك أيضاً من غير تأويل وبالظاهر الحرفي ..
فهل هذا هو مذهب السلف حقاً ..؟
ونقول في الإجابة عن ذلك : لقد سبقه بهذا الحنابلة في القرن الرابع الهجري ، وادعوا أن ذلك مذهب السلف ، وناقشهم العلماء في ذلك الوقت وأثبتوا أنه يؤدي إلى التشبيه والجسمية لا محالة..
وكيف لا يؤدي إليهما والإشارة الحسية إليه جائزة ، ولذلك تصدى لهم الإمام الفقيه الخطيب الحنبلي ابن الجوزي ، ونفى أن يكون ذلك مذهب السلف ، ونفى أن يكون ذلك مذهب الإمام أحمد..
وقد اعترف الوهابي المصري خليل هراس في كتابه ابن تيمية السلفي أن ابن تيمية يرى أن الله يتكلم بحرف وصوت تكلم القرآن العربي بألفاظه ومعانيه بصوت نفسه كما تكلم بالتوراة العبرية كذلك ..
وكان الألباني المحدث الوهابي المعاصر قد رد على ابن تيمية في مسألة قيام الحوادث بالله تعالى في معرض شرحه لحديث ( إن أول شئ خلقه الله القلم )
ورد عليه في قوله بفناء النار ووجه النقد إليه وإلى تلميذه ابن القيم ..
وذلك في سلسلة الأحاديث الصحيحة ج 1 \ 208
وفي مقدمته على كتاب رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار..
ومن بين ما قاله : فكيف يقول ابن تيمية : ولو قدر عذاب لا آخر له لم يكن هناك رحمة البتة ، فكأن الرحمة عنده لا تتحقق إلا بشمولها للكفار المعاندين الطاغين ، أليس هذا من أكبر الأدلة على خطأ ابن تيمية وبعده هو ومن اتبعه عن الصواب في هذه المسألة الخطيرة؟
ورد الألباني قول ابن تيمية باستقرار الله سبحانه على ظهر بعوضة ..
وقال : وهذا يستلزم نسبة الاستقرار عليه لله تعالى ، وهذا مما لم يرد ، فلا يجوز اعتقاده ونسبته إلى الله عز وجل ..
ورد الألباني قول ابن تيمية بقعود الله سبحانه على العرش ومحمد (ص) إلى جواره ..
وقال معلقاً على ما استند عليه ابن تيمية من أقوال مجاهد وغيره : إن قول مجاهد هذا وإن صح عنه لا يجوز أن يتخذ ديناً وعقيدة ما دام أنه ليس له شاهد من الكتاب والسنة ..
ورد الألباني على ابن تيمية في مسالة إنكاره للمجاز ..
ورد حديث : خلق الله آدم على صورة الرحمن ..
ورد قول ابن تيمية : بأن صفة العلو والفوقية حقيقية وأن معية الله بالعلم ، وقول الوهابيين أن معيته ذاتية ..
ويظهر لنا من خلال ما سبق من أقوال – وهى مجرد نماذج- أن مجمل الردود على ابن تيمية والمحاكمات التي جرت له من قبل فقهاء أهل السنة تدل دلالة قاطعة على شذوذه وانحرافه عن منهجهم وعقائدهم وهو ما يسحب منه الصفة الشرعية في التحدث بلسانهم ولسان السلف ، وينفي من جهة أخرى فكرة القول بالإجماع ..
وهو ما يقطع الطريق على الوهابيين الذين جعلوه إمامهم ويضعهم في دائرة المشبهة والمجسمة ويسحب بساط أهل السنة من تحت أرجلهم ..
ويضرب من جهة اخرى منصب شيخ الإسلام الذى اخترعوه له..
والذي لم يذكر على لسان أحد من أهل العلم في حق ابن تيمية..
وكيف يكون شيخا للاسلام وقد نفر منه شيوخ الإسلام المغاصرين له وتحالفوا ضده وأفتى بعضهم بكفره..
وما يؤكد كذبة شيخ الإسلام أن الوهابيين منحوا هذا اللقب لابن القيم وابن عبد الوهاب، ولو كان هذا اللقب يختص ياين تيمية ما منحوه لغيره..
وكما يقال الكذاب ينسى كذبه..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here