ًوي هه وال(الجزء الاول)

ًوي هه وال(الجزء الاول): كلمة فيلية كوردية متكونة من مقطعين “وي” و” هه وال” .
“وي “هو نحيب وبكاء نسائنا في العزاء. وتختلف درجات الحزن والضرب على الصدور والرأس بحسب علاقة الناحبة بالميت فمنهن يتمرغن في الطين ومنهن تشق ردائها او تجرح خدودها بأظافرها لدرجة ان الدماء تسيل من وجنتهن ومنهن من تقص شعرها .
كل هذه تكون مصحوبةً بولولة ولكن كلمة وي وي لا تنقطع ابدا ويرددنها مع بعض وبطبيعة الحال يكون اللون الأسود والملابس السوداء هي الطاغية على المشهد ومع قدوم معزية جديدة للعزاء يزداد قوة الولولة ويرددن عبارات عن خصال الميت والنكبة والجلل التي تصيب عائلته بعد فقدانه.. في وسط كل هذا العزاء المر تتواجد “ملايه” مهنتها حضور هذه التعزيات مقابل اجر وهي تؤجج الموقف بانشاد المور و هو نعي الفقيد وتشحذ همم النساء للبكاء بحرقة..تمر هذه المشاهد امامى الان… ففي الشهر الاول لذهابي الى المدرسة الفيلية الابتدائية في باب الشيخ قتلت الشرطة عمي عزيز في وثبة نوفمبر ١٩٥٢ في موقع يبعد أمتار عن مدرستي وأتذكر جيدا بإنهم نسوا تماما وجودي في بيتي لايام لان الأولويات والألم والبكاء في بيتنا كان منصبا على حادث مقتل عمي عزيز ومازاد الطين بلة هو ان عائلة عمي عزيز كانوا يعيشون في بيتنا. أردية نسائنا كانت دائما سوداء لان أحزاننا كانت لاتنتهي وهكذا ترعرعنا ورضعونا في حقول الحزن السوداء.. وسرادق الموت وطرحت اشجار عمرنا دموعا لن تجف لسنوات وسنوات دموع تبكيها قلوبنا لا اعيننا ..
وبعد كل هذه العقود عندما ازور قرى ونجع مصر وارى نسائها بجلابيبهن السوداء يزيد حناني لطفولتي وملابس وعباءة امي وعماتي وخالاتي. وكأننا لم نأخذ نصيبنا من الملابس والاردية السوداء ففي شهر عاشوراء شهر العزاء عند الشيعة يتذكرون فيه حادث مقتل الامام الحسين على يد الأمويين قبل ١٤٠٠ عاما ومساهمتنا نحن الصغار كانت بأن يلونوا اهلنا دشاديشنا(جلابيات) باللون الأسود وكأن كان ينقصنا السواد في حياتنا. اتذكر جيدا بأن زوجة عمي عزيز الذي استشهد عام ١٩٥٢ قد خلعت السواد قبل سنين استبدلتها لارديه داكنة ليست ببعيدة عن اللون الاسود
.المقطع الثاني من الكلمة اي “هه وال” يعني خبريه فكلمة “وي هه وال ” تعني إيصال او اعلان خبر وفاة شخص مات منذ فتره .في الايام الخوالي كانت “وي هوالات ” پيشتكو ارض اجدادنا عشائر الكورد الفيليه في عيلام تصل الى بغداد بعد اسابيع ان لم تكن شهورا.ً عشائرنا كانت مرتبطة تاريخيا ببغداد ولم تكن لها اي اتصال مع عاصمة ايران طهران. كان اهلنا في بغداد يترقبون ويلاحظون كل حركة او كلمة تصدر من القادمين المنهكين من عيلام او مندلي او بدره اوجصان لمعرفة اذا كان الزائر معه “وي هه وال” يخصهم. وأسباب تأخر وصول الوي هوالات وحامليها معروفة وهي صعوبة السفر ومخاطر عبور الحدود واستعمال الحيوانات للتنقل. انا ابن عشيرة عليشيروان ذات الأربعة أفخاذ وهي سفروني، هيروني، جراخوني و داراوني. نحن كنا سفرونيه وكان كل من يقدم الى بغداد من السفرونيه يلقى الترحيب والضيافة في بيتنا وسرداب بيتنا يسعهم. وكان اهلي يتحاشون السؤال عن صحة وأحوال أقاربنا في پيشتكو خوفا من ان يكونوا ضمن قائمة الأخبار السيئة التي يحملها الزائر. وكان زوارنا يجلبون معهم عسل والجوز و البلوط و يشبه الكستناء والنو (اللباد على شكل بسط صغيره اوصديري يلبس فوق الملابس ) ويجلبون الكلنك (فروان). لقد عاصرت كل هذه الاحداث في الخمسينات حين كان يجلس ابي على الكنبة ( كرويته) في البروان ( الطارمة ) مع الزائر بعد عدة ايام من وصوله واستراحته من عناء السفر وفي تلك اللحظات كان يخبر الزائر والدي بالوي هه آلات التي معه وأتذكر بأن عمي حسن مراد كان يحضر تلك الاستجوابات التي كانت تقال للنساء بعد انتهاء جلسة استجواب الزائر في الطارمه.
طالب مراد

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here