ويسألونك عن الموت

ادهم ابراهيم

يعد الموت من اهم المواضيع التي شغلت بال الإنسان على مر الزمان ، ولعل اساس كل خوف هو الخوف من الموت , والموت ظاهرة تلازم كل الكائنات الحية وغالبا مايكون الحديث فيه من الاحاديث المؤلمة التي يتجنبها الافراد , والانسان وحده من دون المخلوقات الحية يعرف ان نهاية الحياة هي الموت والفناء .

ومن أقدم الاساطير المعروفة حول الموت ملحمة جلجامش في بابل . حيث اكتشف جلجامش أنه سيلقى نفس المصير الرهيب لرفيقه العزيز ” أنكيدو” أي الموت . فراح يبحث عن عشبة الخلود حتى يتجنب مصير صديقه ويبقى خالدا دون جدوى .

والمصريون القدماء حنطوا المومياءات منذ عهد السلالة الاولى ( 3100 قبل الميلاد) ، حيث يعتقدون ان بقاء الجسد يفضي الى الخلود ، وكانوا يفرغون احشاء الموتى عدا القلب ، لكونه يحدد مصير المتوفى في المحاكمة الالهية وبالتالي سيذهب الى مايشبه الجنة والحياة الابدية ، او تلتهمه (أميت) فيتعرض الى العقاب الشديد .

والخشية من الموت كفناء شامل للانسان دفع كثير من الاقوام في العالم للايمان بالحياة مابعد الموت .

وهذا الموضوع اي الحياة بعد الممات هو نتاج الفكر الديني ، ليتجاوز الانسان فكرة الفناء ، ويستمد من الوحي والخيال بعض المعتقدات في الحياة الاخرى لتبديد هذه المخاوف

ويتحدث بعض علماء الأحياء عما يحدث للانسان بعد الموت من عطل الدماغ نتيجة توقف القلب وانقطاع الاوكسجين اللازم ، ومن ثم تحلل الجسم تدريجيا . الا ان هذه الاجابات غير كافية لتلبية حاجة الانسان لازالة الغموض ونقص المعرفة في مآل الموت . . فقامت الاديان بالاجابة على هذه التساؤلات ، رغم ان هذه الاجابات ينقصها الكثير لسد الفراغات في المعرفة على وجه اليقين ، الا انها قد تحقق الرضا النفسي لبعض المؤمنين

الديانات الإبراهيمية الثلاث – تلك التي تستند على النبي ابراهيم الاب الروحي للديانات التوحيدية (اليهودية والمسيحية والإسلامية) أجابت على هذا السؤال بطرق متشابهة تقريبا . وهي العلاقة بين الروح والجسد ، ومن ثم انتقال الروح بعد الموت الى السماء لتغادر العالم المادي الى العالم السرمدي .

اما الديانات الشرقية الاخرى (الهندوسية والبوذية والسيخية) فإنها تؤمن أن الروح او بالاحرى مايشبه الروح تنجو من موت الجسد ، وتحل في جسم اخر تعيش فيه ، اي ان الارواح تتناسخ في ولادة جديدة .

العهد القديم وهو الكتاب المقدس العبري ، يعد من أقدم النصوص اليهودية – لم يوضح تمامًا الحياة في الاخرة . اي انه ليس كالمسيحية والاسلام ، فهناك مكان يذهب اليه جميع الاموات – سواء كانوا مصلحين او فاسدين – لقضاء الأبدية كظل لأنفسهم. ولا يوجد هناك أي عقاب أو معاناة .
النصوص المتأخرة للتلمود جاءت بافكار اكثر وضوحا ، حيث هناك الجحيم والجنة . ففي يوم القيامة ، ينتقل من يتبعون الشريعة اليهودية من هذا العالم إلى العالم الاخر ،في جنة عدن حيث يكون عرش الله. . أما جهنم Gehenna فهي موطن الناس الاخرين او السيئين ، هنا سيتم معاقبتهم أو تطهيرهم – لمدة اثني عشر شهرًا على الأكثر. بعد هذه الفترة ، سيكونون على استعداد للانضمام إلى الله. لكن الاشرار العتاة – اعتمادًا على بعض العلماء الكتابيين – سيتعين عليهم قضاء الأبدية في الجحيم

اما العهد الجديد في المسيحية – فيخبرنا كيف مات يسوع وعاد إلى الحياة – ويأمل المسيحيون أن يمنحهم الله حياة أبدية جديدة بعد الموت. كما يعتقدون أنه في مرحلة ما ، سيتم الحكم على حياتهم من قبل الله. أولئك الذين وضعوا إيمانهم بيسوع سوف يذهبون إلى الجنة وأولئك الذين رفضوه سوف يذهبون إلى الجحيم . ويصور الجحيم في كثير من الأحيان كمكان مليء بالألم والمعاناة ، ولكن لا ينبغي أن تؤخذ حرفيا . فالمعاناة تعني الخوف الذي نشعر به عندما يحكم علينا في حياة أبدية من دون الله – خالق الحياة والخير – . والجنة ليست مكانًا عالٍ جدا في السماء. إنه المكان الذي نتحد فيه مع الله ، الذي هو مصدر حياتنا وسعادتنا

في الاسلام ، يعتقد المسلمون أن لدى الانسان روح تنجو من موت الجسد . وتبقى في البرزخ ، الى ان يحين يوم القيامة ، وفيها يحكم الله على كل البشر ، وفي هذا اليوم ، يتم إرسال الجميع إما إلى (الجنة) أو الى الجحيم (جهنم). المؤمنون يذهبون إلى الجنة ، التي تصور كحديقة غناء فيها كل اطايب الطعام والشراب ، ويبقى الانسان خالدا فيها . وفي الجوار السفلي ، ستكون هناك جهنم التي يعذب فيها الانسان السئ او الشرير ، والعقوبات مختلفة حسب الاثم المرتكب . لكن هذه العقوبات ليست بالضرورة أبدية

يختلف التقليد البوذي عن الديانات الثلاث المذكورة أعلاه بفكرتين رئيستين. ألاولى ، لا يذهب الانسان بعد الموت الى عالم آخر في السماء ، ولكنه يبقى في هذا العالم الدنيوي . فعندما يموت الجسم ، يولد انسان من جديد في مكان مختلف. والثانية ، لا يؤمن البوذيون بوجود روح أو نفس. . ولكن إذا لم تكن هناك روح أو النفس ، فما الذي يمكن أن تولد من جديد؟ وفقا لبوذا ، فإن (الطاقات الانسانية) تاخذ شكلا جديدا . اي ان الانسان لايبقى كما هو وانما يتحول الى كائن اخر . ففي الديانة البوذية كل شيء يتغير ، ولا شيء دائم مطلقا . لذلك عندما يموت الانسان تتحول طاقاته الى شكل جديد . .شكل مختلف حيث ترتبط الحياة القادمة بحياته السابقة من خلال ما يسمى (الكرمة) . الفكرة هنا أن أعمال الإنسان في الحياة السابقة تنعكس على الحياة الأخرى . فاذا فعل الانسان شيئا سيئا في الحياة السابقة ، فقد يولد من جديد باعتباره دودة او افعى او اي حيوان اخر ، ويبدو ان هذه هي عقوبة الاعمال الدنيوية غير السوية ، أما إذا فعل أعمالا جيدة ومفيدة فسيكون إنسانا جديدا يتصف بالتنوير والسكينة

خارج كل هذه الاديان يميل الإنسانيون إلى الأساليب العلمية في محاولة فهم عمل الطبيعة ، وحركة الكون ، ويرفضون فكرة الخالق . وهم لا يؤمنون بالحياة بعد الموت . ونتيجة لذلك تؤمن هذه الشريحة من البشر أنه يتعين عليهم السعى لإيجاد السعادة في هذه الحياة وليس في حياة أخرى ، ومساعدة الآخرين على فعل الخير من أجل سعادة البشرية ، مع الايمان بقدرة الإنسان على ذلك .

الجميع يرغبون في معرفة ما هية الموت ، ذلك لأن الكثيرين يفترضون أن الموت رهيب وشيء مؤلم يتوجب الخوف منه ، وتبقى الاسئلة المحيرة حول الموت ومدى امكانية العودة للحياة بعد الموت من اهم المعتقدات الانسانية

يعزوا بعض العلماء الاحاديث الجارية عن رؤية الانسان لنفق مظلم في لحظة الوفاة والخروج منه الى المجهول او الى نور في نهايته ، الى تفاعلات كيمياوية تجري في الدماغ نتيجة نقص او انعدام الاوكسجين وقت الوفاة

ويعتقد الكاتب الانكليزي كولن ولسون في كتابه مابعد الحياة ، ان الحياة بعد الموت حقيقة قائمة وليس من بنات افكار الكتاب والمفكرين واستند في ذلك على روايات ممرضات واشخاص وصلوا إلى حافة الموت وعادوا للحياة

كما أن الصحفي الألماني رولاند شولتس قد الف كتابا عن الموت وعالمه الغامض، يناقش فيه مشاعر المقبلين على الموت وذويهم بشكل مرهف وموضوعي

أما فريدريش نيتشه فيقول
“الكل يريد أن يكون قبل كل شيء في المستقبل – لكن الموت و سكون الموت هو الشئ الوحيد المؤكد والمشترك للجميع في هذا المستقبل !

ويبقى الموت اللغز الذي يحير العلماء والأطباء، حيث إن الكثير من حالات الموت لا يستطيع الأطباء تفسيرها ولا تبريرها، فيما يعمل الطب الحديث من أجل إيجاد الوسائل العلاجية التي تبقي الانسان مدة أطول على قيد الحياة.

وبحسب تقرير نشرته جريدة ديلي ميل البريطانية عن جمعية الكيميائيين الأميركيين، فإن العلماء يشرحون ماهية التغيرات الكيميائية التي تطرأ على دماغ الإنسان وبالتالي مشاعر الانسان في اللحظات التي تسبق الموت بقليل ، حيث لوحظ أن كثير من الناس يشاهدون لقاءات مع أقاربهم الموتى مثلا ، أو يحلمون بالسفر إلى مكان مجهول ، أو استعراض سريع لحياتهم الماضية ، أو عند الطفولة وهناك من يرى الضوء الكلاسيكي في نهاية النفق ايضا، وهذه المشاهد أو الحديث عنها تريح الناس وتقلل من خوفهم من الموت

وشخصيا اعتقد بأن الموت أشبه بمصباح يحترق لانتهاء مدته او صلاحيته ، وليس فيه مايدعو إلى المبالغة في الخوف منه . والانسان في هذه الحياة يشبه الممثل على خشبة المسرح ، فعندما ينتهي دوره يغادرها، ليصعد شخص آخر لاكمال المسرحية . أما موضوع الحياة الأخرى فهذا يتعلق بإيمان الإنسان وعقيدته الدينية أو الفلسفية في الحياة .
اطال الله في اعماركم .
ادهم ابراهيم

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here