لإِنتفاضةُ..قِراءةٌ وطنيَّةٌ [القِسمُ الثَّاني] والأَخير

*المرضُ الإِجتماعي أَخطر من المرضِ البايولوجي، فلماذا نعترف بالثَّاني حال الإِصابةَ بهِ ونبدأ فوراً بتشخيصهِ لأَخذ العلاجِ اللَّازم، ولا نفعل الشَّيء نفسهُ معَ الأَوَّل؟!.
نـــــــــــزار حيدر
٢/ إِنَّ الإِنتفاضة نجحت في؛
*إِسقاط الحكومة بعد أَن تلطَّخت يديها بالدِّماء إِلى المِرفَقَين، وعندما أَطلقت العنان لميليشيات أَحزاب السُّلطة لتقنُص وتقتُل وتخطُف المُحتجِّين السِّلمييِّن.
وهذه أَوَّل مرَّة يُسقط فيها الشَّارع الحكُومة منذُ عقُود.
*تغيير المفوضيَّة وقانُون الإِنتخابات كمُقدِّمة ضروريَّة وأَداة مِفصليَّة من أَدوات الإِصلاح الحقيقي المُرتقب.
*إِجبار [العِصابة الحاكِمة] على الدَّعوة لإِنتخاباتٍ مُبكِّرة، كذلكَ لأَوَّل مرَّة، على الرَّغمِ من كلِّ مُحاولات التَّسويف والمُماطلة والعرقلة.
٣/ إِنَّها عرَّت أَحزاب السُّلطة الفاسِدة والفاشِلة؛
أ/ عرَّت ولاءاتها غير الوطنيَّة.
ب/ وكشفت عن حجمِ الهُوَّة بينها وبين الشَّارع، فلقد باتَ الوضعُ الآن يشبه إِلى حدٍّ بعيد الحال بُعيد سقُوط الصَّنم عندما انتابَ الخوفُ والذُّعر ذيُول النِّظام البائد وأَيتام الطَّاغية الذَّليل، ما دفعهُم للإِختباءِ في جحُورهِم.
وها هُم ذيُول أَحزاب السُّلطة الفاسِدة والفاشِلة و [جوكرهُم] يختفي من الشَّارع خَوفاً وذُعراً.
ج/ إِنَّها عرَّت أَدوات أَحزاب السُّلطة، وتحديداً أَداتان؛
السِّلاح الذي تحملهُ ميليشيات أَحزاب السُّلطة والذي وظَّفتهُ لقمعِ الإِنتفاضة، والإِعلام الذي وظَّفتهُ للطَّعن بشرفِ الإِنتفاضة وطهارتها وأَهدافها وولاءها الوطني، عندما قادَ حملةً شرسةً من الأَكاذيب والدَّعايات والإِشاعات مُستخدماً كلَّ المُصطلحات القذِرة للطَّعن بالإِنتفاضة، خاصَّةً المرأَة التي أَثبتت بمواقفِها الوطنيَّة البطوليَّة والشُّجاعة أَنَّ كلَّ واحدةٍ منها تُعادل حفنة الزَّعامات السياسيَّة الذَّليلة للغُرباء الذي يتلاعبُون بهِم كما يتلاعبُ الصِّبية بكُرةٍ صغيرةٍ.
لم تتعرَّض المرأَة، التي شاركت في كلِّ ثَورات وإِنتفاضات الشُّعوب قديماً وحديثاً وفي الإِتِّجاهات الأَربعة من الكُرةِ الأَرضيَّة، للطَّعن بشرفِها وطهارتِها وشخصيَّتِها وعِرضها كما تعرَّضت لهُ المرأَة العراقيَّة التي شاركت في هذهِ الإِنتفاضة الباسِلة.
حتَّى في زمنِ الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين لم يَطعن أَحدٌ بشرفِها كلَّما شاركت في إِنتفاضةٍ أَو ثَورةٍ، كما يحصل اليَوم عندما تعرَّضت لأَقسى أَنواع الهجُوم على الشَّرف من قبلِ الجيُوش الإِليكترونيَّة التي تُديرها [الأَحزاب (الدينيَّة) التي في السُّلطة وميليشياتها].
د/ كما أَنَّها عرَّت [تديُّن] الزَّعامات المُنافق والمُخادع، لتُثبتَ حقيقيةً في غايةِ الأَهميَّة ينبغي أَن لا نغفلَ عنها عندَ تقييمِ المسؤُول لننجحَ، وهيَ؛ أَنَّ المِعيار هو السُّلوك وليسَ الخلفيَّة والتَّاريخ والخِطاب مهما كانَ نوعها.
هـ/ ولا ننسى هُنا أَن نُشير إِلى حجمِ الفضيحة التي تسبَّبتها الإِنتفاضة لمُدَّعي الوطنيَّة والإِصلاح من الذين صدَّعُوا رؤُوسنا بخطاباتِ التَّغيير والإِصلاح وبالخِطابات التي كانُوا يفضحُونَ بها الفاسدينَ والفاشلينَ فكانُوا يدعُون العراقيِّين للإِنتفاضِ عليهِم لإِسقاطهِم وإِزاحتهم عن السُّلطة واستبدالهِم بمَن هو أَفضل منهم وأَنزه.
ولمَّا [اقتنعَ] العراقيُّون بخطاباتهِم وقرَّرُوا الإِنتفاضة لتحقيقِ ما كانَ يدعو لهُ هؤُلاء، إِذا بهِم ينقلبُون على كلِّ كلمةٍ تفوَّهُوا بها لِيخذُلُوهُم بوقوفهِم على التلِّ ليسلمُوا.
لقد عرَّت الإِنتفاضة نِفاقهُم وازدواجيَّتهُم.
وعندما تخندقَ المُحتجُّون خلفَ ساتر الوطنيَّة تخندقُوا هُم خلفَ ساتر الطائفيَّة وخلفَ أَنانيَّاتهم ومصالحهُم الشخصيَّة، ليرمُوا بأَنفسهِم في أَحضان أَحزاب السُّلطة الفاسِدة والفاشِلة من حيث يشعرُون أَو لا يشعرُون.
وصدقَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) الذي وصفهُم بقولهِ؛
أَيُّهَا النَّاسُ، الُْمجْتَمِعَةُ أبْدَانُهُمْ، الُمخْتَلِفَةُ أهْوَاؤُهُمْ، كَلامُكُم يُوهِي الصُّمَّ الصِّلابَ، وَفِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمُ الاَْعْدَاءَ! تَقُولُونَ فِي الَمجَالِسِ: كَيْتَ وَكَيْتَ، فَإذَا جَاءَ الْقِتَالُ قُلْتُمْ: حِيدِي حَيَادِ! مَا عَزَّتْ دَعْوَةُ مَنْ دَعَاكُمْ، وَلاَ اسْتَرَاحَ قَلْبُ مَنْ قَاسَاكُمْ، أَعَالِيلُ بِأَضَالِيلَ، دِفَاعَ ذِي الدَّيْنِ المَطُولِ، لاَ يَمنَعُ الضَّيْمَ الذَّلِيلُ! وَلاَ يُدْرَكُ الْحَقُّ إِلاَ بِالْجِدِّ! أَيَّ دَارٍ بَعْدَ دَارِكُمْ تَمْنَعُونَ، وَمَعَ أَىِّ إِمَام بَعْدِي تُقَاتِلُونَ؟ المَغْرُورُ وَاللهِ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ، وَمْنْ فَازَ بِكُمْ فَازَ بَالسَّهْمِ الاَْخْيَبِ، وَمَنْ رَمَى بِكُمْ فَقَدْ رَمَى بِأَفْوَقَ نَاصِل.
أَصْبَحْتُ وَاللهِ لا أُصَدِّقُ قَوْلَكُمْ، وَلاَ أَطْمَعُ فِي نَصْرِكُمْ، وَلاَ أُوعِدُ العَدُوَّ بِكُم.
مَا بَالُكُم؟ مَا دَوَاؤُكُمْ؟ مَا طِبُّكُمْ؟ القَوْمُ رِجَالٌ أَمْثَالُكُمْ، أَقَوْلاً بَغَيْرِ عِلْم! وَغَفْلَةً مِنْ غَيْرِ وَرَع! وَطَمَعاً في غَيْرِ حَقٍّ؟!.
أَو كما وصفهُم الحُسين السِّبط (ع)؛
{النَّاسُ عبيدُ الدُّنيا والدِّينُ لَعِقٌ على أَلسنَتهِم فإِذا مُحِّصُوا بالبَلاءِ قلَّ الدَّيَّانُونَ}.
ولولا أَنَّ المرجعَ الأَعلى احتضنَ الإِنتفاضة ودافعَ عنها أُسبوعيّاً لسحقتها ميليشيات أَحزاب السُّلطة الفاسِدة والفاشِلة وبتغطيةِ أَصحابِ الخِطابات المُنافِقة والتَّافهة.
و/ كما أَماطت الإِنتفاضة اللِّثام عن حجمِ الفشل في إِدارة الدَّولة، عندما اضطَّرت الحكومة والبرلمان لإِصدار وتشريع حُزمةٍ [عظيمةٍ] من الإِصلاحات الإِقتصاديَّة المزعومةِ والتي لم تُشرِّع الدَّولة عُشرها طوال [١٦] عاماً المُنصرمة، ما يُشيرُ إِلى غِيابِ الرُّؤيةِ عندَهُم.
ز/ وللإِنتفاضةِ الباسلة دورٌ مُهِمٌّ في تحريكِ الرَّأي العام وتنبيههِ لحقائق ظلَّ غافلاً عنها أَو خائِفاً مِنها.
فلدماءِ الشُّهداء الأَبرار وجِراحات المُضحِّين الأَبطال حقٌّ في رقابِ العراقيِّين، وفضلٌ كبيرٌ سيُثمِرُ أَهدافهُ الوطنيَّة الإِستراتيجيَّة ولَو بعدَ حين.
وأَخيراً؛ فإِنَّ الإِنقسام السِّياسي والمُجتمعي والثَّقافي الذي تسبَّبت بهِ الإِنتفاضة هو أَمرٌ طبيعيٌّ يُرافقُ كُلَّ الثَّورات في العالَم، فليسَ كلُّ النَّاسِ مع الإِنتفاضة، كما أَنَّهُ ليسَ كُلَّهُم ضِدَّها، فالمواقفُ تختلفُ باختلافِ الخَلفيَّة والوعي والمصالح والقُرب أَو البُعد من السُّلطة وأَحزابها.
إِنَّ مِن المصلحة العظيمة أَن تُميط الإِنتفاضة اللِّثام اليَوم قبلَ الغد عن هذهِ الإِنقسامات ليعرفَ كلَّ واحدٍ أَينَ يقف هوَ وأَينَ يقِف الآخر، فإِلى متى النِّفاق والإِزدواجيَّة والمُداراة المُخادعة من أَجلِ أَن نحمي الوهم ونُبرِّرهُ؟!.
ينبغي أَن لا نخجل من الإِنقسامات ولا نتردَّد في الحديثِ عنها فهي تحصيلُ حاصل، بشرط أَن لا نتجاوز أَخلاقيَّات الحوار ولا نكتفي بتوصيفِها فقط، فإِذا لم نعترف بها لا يُمكننا أَن نتجاوزها ونبحث لها عن حلولٍ سليمة.
المرضُ الإِجتماعي أَخطر من المرضِ البايولوجي، فلماذا نعترف بالثَّاني حال الإِصابةَ بهِ ونبدأ فوراً بتشخيصهِ لأَخذ العلاجِ اللَّازم، ولا نفعل الشَّيء نفسهُ معَ الأَوَّل؟!.
أَفضل مِن أَن نبذل جهودنا [الجبَّارة] لمُداراة الإِنقسامات وتأجيل إِنفجارها أَو لتجاوزها بالخداعِ والتَّضليل، تعالُوا نبذل ولو بعض الجُهد الوطني لمُداواتِها.
لو كانَ العراقيُّون قد تقبَّلُوا ما كتبهُ عالِم الإِجتماع الدُّكتور علي الوَردي وقتها عن طبيعةِ مُجتمعِنا واستوعبُوا الأَمراض الإِجتماعيَّة التي شخَّصها بدقَّة الباحِث المَيداني وانشغلُوا بمُداواتِها بدلاً من أَن ينشغلُوا باتِّهامِ دوافعهِ والطَّعن بنواياه لدرجةٍ أَنَّ أَحدهُم [مُؤَسِّس حزب الدَّعوة الإِسلاميَّة السيِّد مُرتضى العسكري] أَهدرَ دمهُ بفتوى دينيَّة! لما شهِدنا اليَوم كلَّ هذهِ الإِنقسامات المُرعبة والتي هي نتاجٌ طبيعيٌّ لتلكَ الأَمراض الإِجتماعيَّة المُزمنة والمُستديمة.
٢٩ شباط ٢٠٢٠
لِلتَّواصُل؛
‏Face Book: Nazar Haidar
‏Twitter: @NazarHaidar2
‏Skype: nazarhaidar1
‏WhatsApp & Viber : + 1(804) 837-3920
*التلِغرام؛
‏https://t.me/NHIRAQ
*الواتس آب
‏https://chat.whatsapp.com/KtL7ZL3dfhi8dsTKUKjHOz

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here