العاهرة البتول…!!(قصص من الأدب الساخر)

نبيل عودة

1 -دعوة لوجبة فاخرة

السيد منير رجل غني جدا، خرج من مكتبه، ركب سيارته الفيراري الفاخرة وانطلق بها الى بيته. كان سعيدا بما انجزه في حياته من امول واملاك تكفي لأحفاد أحفاده حتى عشرات الأجيال دون ان يرهقوا أنفسهم بالعمل.

كان يحسب أرباحه من الصفقة الجديدة، يبتسم بسعادة ويستمع لأغنية الفنانة الكبيرة هيفاء وهبي:

” ليك الواوا بوس الواوا خلى الواوا يصح

لما بوستو الواوا شيلتو صار الواوا بح ”

كان فكره مشغولا كيف يوظف الملايين الجديدة، وكم ستدر عليه من أرباح ترفع من مكانته الاقتصادية.

أشعل سيجار كوباني فاخر لا يقل ثمنه عن 100 دولار أمريكي، نفث دخانه بمتعة وانبساط، حين فجأة شاهد رجلا وزوجته وحولهم أربعة أولاد بملابس ممزقة ورثة وشبه حفاة يأكلون حشائش نبتت بجانب الطريق.

بما ان السيد منير ولد في بيت فقير سابقا، رق قلبه لما يرى، وقرر ان فعل الخير هو واجب انساني، ويكسبه رضاء الله وربما يبيض صفحته يوم الحساب، مع انه على قناعة ان مكانته المالية تضمن له مكانة أيضا في السماء، فهو لن يدفن تحت التراب بل بغرفة واسعة وانيقة من الداخل والخارج، بناها وجهزها لأبناء العائلة يوم يحين رحيلهم.

رق قلبه لمرأى الأولاد ووالديهما.

أوقف سيارته الفيراري، ترجل منها، اقترب للرجل وزوجته واولادهما وسأل:

– لماذا تأكلون الحشائش .. الا تضر بصحتكم؟

– كما ترى يا سيدي، نحن فقراء وجائعين، وليس لدينا في البيت حتى كسرة خبز للأولاد.

– هذا أمر مؤسف .. اذن سأدعوكم لوجبة فاخرة في منزلي، اصعدوا لسيارتي.

ما أن أكمل السيد منير جملته والا الأولاد يركضون لسيارة الفيراري، وورائهم والدهم وامهم.

انطلقت الفيراري نحو بيت السيد منير والأولاد يتوقعون وجبة كثيرا ما حلموا عليها، والوالدين يشعرون بالسعادة ان يتذوقوا بعض الطيبات من منزل هذا الغني، لعل ذلك ينقذ أولادهم من فقر الدم الذي يعانون منه.

دخلت الفيراري من بوابة ضخمة نحو مساحة ارض كبيرة جدا، في صدرها قصر كبير، وامام القصر حديقة كبيرة جدا تملأها النباتات والزهور من اشكال والوان متعددة، عدا مساحة الأرض الواسعة بأشجارها المتنوعة، واحواض عديدة بمزروعات متنوعة.

نزلوا من السيارة وهم مصدومون من جمال القصر واتساع الأرض حوله، قال السيد منير:

– تفضلوا .. هل ترون هذه الحديقة؟ العامل الذي يرعاها ويقص النباتات حتى لا تغطي على جمال الزهور، مريض وغائب منذ أسبوع، تفضلوا، هنا الكثير مما يؤكل، كلوا حتى الشبع، ان نباتات حديقتي أفضل وأنظف من نباتات الشارع.

2 -العاهرة البتول…!!

وضع المحاضر قدمه على مدخل القاعة فساد الصمت، كان ذلك اللقاء الأول مع محاضر العلوم السياسية.

جال بأنظاره كأنه يدرس وجوهنا او مدى حضورنا وجاهزيتنا لبدء دراستنا السياسية. نظاراته السميكة تجعله يبدو أكبر من جيله بعقد كامل على الأقل. قال بعد ان جال بعينيه بيننا عبر نظاراته السميكة:

– انا محاضر موضوع العلوم السياسية، لا أحب الحديث في القاعة اثناء إلقائي محاضرتي، فقط إذا طرحت سؤالا اسمح لمن يرفع أصبعه ان يجيب.

وتابع يقول:

– أنا سياسي له صولات وجولات وتجارب سياسية ستفيدكم في التعرف عليها لممارستها في المستقبل إذا صار أحدكم سياسيا. مثلا كيف نواجه سياسيين معادين؟ مبدئي الذي لا يتغير اني سياسي مستقيم وديمقراطي… ارى أصبعا مرتفعا في وسط القاعة، حسنا سأسمح لك أيتها الطالبة بطرح ما لديك.

– حتى اليوم دكتور لم اسمع عن سياسي مستقيم وديمقراطي كما تقول. يا لها من طرفة، ما ان يجلسوا في منصب حتى يصبحوا أشباه آلهة يجب قبول كل كلمة يلفظونها…حتى ضراتهم يجب التصفيق له. هل حقا يوجد مثل هذا المخلوق سياسي مستقيم وديمقراطي؟

– سؤال هام، مستقيم ليس شرطا، لكني أتحدث عن نفسي وتجربتي وقناعاتي.

– اذن أستاذي السياسي المستقيم والديمقراطي، اسمح لي بسؤال مجنون: هل يمكن ان نقول انه توجد عاهرة بتول؟!

3 – ليلة حب

عجزها عن تحقيق امنيته بولد من صلبه يشعرها بالخذلان، يتفجر الدمع من مقلتيها ولا تنسى نفسها الا حين يلج جسده بجسدها، فتصل لقمة نشوتها، ترجوه ان يأخذ عليها من تستطيع تحقيق امنيته فيردها خائبة:

– تطلبين البعد وانت في قمة القرب؟

– أشعر بالخيبة والقصور.

– ما عليك، الموضوع يخصني فلا تلجيه.

– ويخصني.

احتضنها بقوة، ضغط عظامها بين ذراعيه، ضغطت بأسنانها على شفتيها متحملة لذة الاحتضان وهمس بأذنها:

– حبي لك هو الجذور، انا احبك لنفسك، لذاتك، أحببتك لأنك انت، لا تخلطي بين مشكلة الحبل وحبنا، حبنا قدس الأقداس… فهمت؟

شهقت والتفتت اليه بدموع ملء وجهها:

– أكره نفسي لعجزي، اريد ان أعطيك شرف الأبوة، الرجولة تكتمل بالأبوة.

أصمتها بقبلة وهمس بأذنها:

– انت دنياي ولا يهمني بعدك شيء، لا الرجولة ولا الأبوة.

فتحت فمها لتقول شيئاً فزجرها:

– اصمتي ولا تعكري ليلتي.

4 – المهمة الإنسانية

وصلت مجموعة رجال بقيادة رجل المهمات الخاصة يوري، إلى الصين بمهمة إنسانية عظيمة لتحسين نسل قطيع البقر الصيني، الذي يعاني خلل وظيفي في النمو الطبيعي.

منذ حطت قدماه على ارض المطار لاحظ يوري أن الصينيات يتمتعن بجمال نادر وجاذبية لا تقاوم. اتصل فورا بالمركز البيطري الذي أوفده مستفسرا إذا كان بالإمكان استبدال المهمة بتكليفهم بتحسين نسل الصينيات بدل نسل البقر؟

كان الجواب قاطعا ان الاتفاق بين الدولتين واضح ومحدد وقد انتدب من وزارة الزراعة في الوطن لتنفيذ مهمة بيطرية فريدة من نوعها وعليه الالتزام بالمهمة.

مضى أسبوعان واقترب موعد انتهاء المهمة البيطرية مع البقر الصيني، بقيت لهم ليلة واحدة في إسطبلات البقر، قرر في سره ان يستغل انشغال الزملاء ويهرب من مهمته تلك الليلة الى معاشرة صينية حسناء بدل بقرة ضخمة.

انتهز انشغال زملائه بمهامهم، وهرب من الإسطبل.

كان حظه جيدا، فما ان اطل على البلدة المجاورة حتى شاهد عشرات الصبايا الصينيات الجميلات. ارتفعت معنوياته وثارت شهوته للبدء فورا بالانصهار مع صينية حسناء.

لوح يوري بعشرة دولارات لأنه يجهل اللغة الصينية والبقر يمكن جماعه بدون لغة وبدون دولارات، لكن الصينيات لغتهم صعبة وهو مفكر وذكي فهم ان الدولار في بلاد الصينيين يصنع العجائب.

فورا تجمعت الصينيات حوله.. تأملهن واختار من رآها الأجمل.

قضى ليلة من العمر.. استيقظ صباحا وهو يشعر بألم شديد بين ساقيه. نظر الى نفسه وهاله ما رأي من الوان صفراء وحمراء وزرقاء وحكة قوية ..

فورا مع وصول الطائرة عائدا من الصين، توجه إلى عيادة طبيب.

شرح للطبيب انه كان في مهمة رسمية في الصين لتحسين نسل البقر، لكنه في اليوم الأخير كرس جهده لتحسين نسل صينية جميلة، بل ساحرة.

قال الطبيب ان وضعه بالغ الصعوبة ولا بد من إجراء عملية قطع وسيلة تحسين النسل لأنها باتت تشكل خطرا على حياته اذا استفحل المرض الذي نقلته له الصينية.

صرخ بقوة انه يرفض عملية القطع، فهو رجل في مقتبل العمر ويريد ان يتمتع بالنساء ولا يمكن ان يقبل عملية استئصال رجولته.

خرج من عيادة الطبيب بشعور اليأس والخوف الشديد، استفسر لدى عشرات الأطباء عن وسيلة علاج غير الاستئصال. كان رأي الجميع ان لا حل آخر هناك.

كاد يصل إلى حد الانتحار، لكن الطبيب الأخير قال له انه يوجد في المدينة القريبة صيني يعالج بالطريقة الصينية، لعله يملك حلا لمشكلتك.

فورا ركب يوري دابته وانطلق إلى المدينة القريبة وسرعان ما وصل عيادة المعالج الصيني.

فحصه المعالج الصيني، قال له يوري ان رأي الأطباء كان إجراء عملية قطع .. وهو يرفض ذلك لأنه ما زال يحب الحياة ومعاشرة النساء، والقطع قد يفقده وظيفته في وزارة الزراعة قسم البيطرة، حيث يوفد إلى مختلف الأقطار لتحسين نسل البقر.

قال له المعالج الصيني: لا ضرورة للقطع، أطباؤك لا يعرفون شيئًا عن تطور هذا المرض.

قال يوري للتأكد: حقا، لا ضرورة للقطع؟ كم انا سعيد !!

وبدأ يرقص في العيادة .. شاعرا ان جبلا قد نزل عن كتفيه. لكن المعالج الصيني لم يفهم سعادة يوري، قال له:

– عزيزي يوري، انت لم تفهمني جيدا، لا ضرورة لعملية قطع، لأن هذا المرض الذي أصابك من الفتاة الصينية لا يستحق تعذيبك بإجراء عملية قطع، انتظر عدة أيام أخرى وسترى انه سيسقط لوحده بلا عملية!!

5 -الله لا يحب الملحاحين

– من أين كسبت هذه الأموال؟

– منذ ركعت في الكنيسة لوداع البلد فتحها الله بوجهي، أصبح الحديد الخردة تجارة مربحة، اليوم لدي عدة شاحنات وعدد من العمال، اشتريت بيتا، المسيح فتحها في وجهي بعد ان رجوته في صلاتي الوحيدة ان يتطلف بي وبالأولاد.

– انا كاهن واصلي يوميا بإخلاص عدة مرات، ولا نحصل على ما يساعدنا في تغيير مقاعد الكنيسة مثلا ؟

– الصلاة ليست بالكم، ولا بالصراخ والصوت المرتفع، ليست بالشكل الذي نظهر به في الشارع بملابس غريبة عجيبة. الصلاة يا أبونا الخوري من القلب والقلب لا يغير شكله ولا قوة دقاته.

– لكني أصلي بصمت ومن القلب وعدة مرات كل يوم؟

– يبدو انك ملحاح يا ابونا الخوري .. هل تظن ان الله يحب الثرثرة والإلحاح…؟!

6 -المراهنة…

كان صديقان يجلسان في مقهى يحتسيان الشاي. على طاولة ليست بعيدة عنهم كان يجلس شخص أقرع الرأس.

قال الأول:

– هل لاحظت الشخص الأقرع على الطاولة في الزاوية الشمالية ؟

اجابة صديقه :

– أجل لفت نظري منذ جلسنا.

– انا على ثقة مطلقة انه نيكيتا خروتشوف الرئيس السوفياتي الأسبق .

اعترض الثاني:

– ولكن خروتشوف قد مات وشبع موتا ؟

– هذه دعاية سوفياتية من يصدقها ؟

– حقا قرعته تشبه قرعة خروتشوف، ولكن ليس كل قرعة تخفي تحتها خروتشوف؟ والمثل يقول “يخلق من الشبه أربعين”.

– انه خروتشوف بعينه ، وانا مستعد ان اراهنك .

– وانا أقبل الرهان، 100 دولار مقابل 100 دولار.. اذا تبين انه خروتشوف فانت الرابح؟

رد الأول بحماس:

– موافق.

قام واقترب من الرجل الأقرع:

– تحية ايها الرفيق خروتشوف. التفت اليه الأقرع غاضبا:

– انصرف من امامي ايها المغفل.

عاد الى طاولة صديقه وكأن شيئا لم يحدث، جلس رشف من الشاي وقال بكل هدوء:

– رأيت كيف صرخ بوجهي؟ الآن لا يمكن ان نعرف ما هي الحقيقة اطلاقا.

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here