المرأة و الحديد …. هل يلتقيان ..؟؟!!..

د. اكرم هواس

في حقبة تاريخية تتقاطع فيها الحدود بين الآلام و الآمال و بين الأحلام في التغيير و الاحباط من فيضان العواصف و الأوبئة و بين رؤىالثورة و الانقلابات المنتمية و غير المنتمية الى استراتيجيات … في عالم تختلط فيه كل القيم و تنعدم فيه الرؤية لشدة التحولات “المفاجأة“… ومعها تثار اسئلة تقبع في عمق الذاكرة التاريخية  حول مفاهيم كثيرة و منها مفهوم الثورة و مفهوم التحول في البنية السوسيوسايكوليجيةللمرأة ..

في العالم العربي و الشرق الأوسط حيث عادت الحالة الثورية منذ أواسط السنة الماضية عاد ايضا السؤال عن دور المرأة و طموحها و وعيهاالسياسي و مشاركتها في ادارة التطور المجتمعي ..

لا ادري من الذي يملك “الحق المقدس” في تقديم المفاهيم العابرة “للأنا” أو في الحكم على دور هذا و ذاك من الفاعلين … لكن النمطيةالثورية الكلاسيكية حيث يطغى خطاب “اهمية دور المرأة و ضرورة مشاركتها ووووو”  قد يكون من التبسيطية خاصة الركون الى فرضية انالمرأة تملك كل الامكانيات للقيادة “لولا هيمنة الذكورية“… هكذا دون دراسة التحول في الثقافة و السلوكيات المترتبة على تغيير الدورالاجتماعي ..

في الذاكرة الثورية للمرأة  المتعطشة للتحرر و التغيير تتجلى صور جميلة للعطاء و مقاومة الارث التاريخي للكلاسيكيات التقليدية و الصورالنمطية عن “تقسيم العمل” بين المرأة و الرجل … لكن تبرز هناك ايضا طموحات تتجاوز احيانا كينونة المرأة من خلال تقمص الدكتاتورية فياعتى نماذجها..

هنا اريد ان اعود بالذاكرة الى شهور قليلة مضت .. الى تلك اللحظات حيث اخيراً ذرفت تيريزا ماي الدموع على عدم نجاحها في التحولالى آلة معدنية حيث استقلت من رئاسة الوزراء … و لا ندري ان كانت تبكي على سلطة هوى من بين يديها أم غبطة كونها حافظت على بقاياالمرأة فيها…!!..

وفق منطق الأنثروبولوجيا التاريخية فان الرجل “اعتاد” ان يرنو الى العنف و التسلط في فكره و سلوكه و حتى في ابتسامته و بكائه.. وربمايعود ذلك الى التراكم التاريخي في مسؤولية اتخاذ القرار واستخدام القوة الجسدية في تنفيذ كل ذلك  مما حالت دون تحوله الى “الانسانالنموذجي” كما تصوره الأساطير و تدعو اليه القيم الدينية و الكثير من المفاهيم الثقافية والفلسفية …. و لكن العلم الحديث و خاصة علمالجينات و دراسة طبيعة الهرمونات اضافت ايضا عناصر اخرى الى تفسير التكوين الصراعي داخل المنظومة النفسية لدى الرجل… 

بطبيعة الحال هذا الكلام ليس تبريرا لأحد ان يستمر الرجل في غيه و لا يسعى الى تغيير منهجه الثقافي و السلوكي… لكن الموضوع هو عناشكالية ما قد يندرج تحت عنوان “انسلاخ” المرأة عن اسس تكوينها النفسي و الاجتماعي لتتحول الى مسخ رجالي رهيب في ظل الحماسةالثورية” لتحرر المرأة من هيمنة الذكورية الرجالية… و بذلك تحول طاقتها في بناء الأنسان و المجتمع الى مجرد آلة أو روبوت تبحث عنالسلطة و تزرع الدمار بدل الابتسامة

تاريخياً ايضا هناك للاسف بعض الدراسات تشير الى  حقيقة مؤلمة و هي ان اغلب الحروب في تاريخ البشرية و أكثرها دموية كانت تقودهانساء (https://www.economist.com/europe/2017/06/01/who-gets-into-more-wars-kings-or-queens?fsrc=scn/fb/te/bl/ed/princessesofthebloodwhogetsintomorewarskingsorqueens

)… و هذا هو الجرس الذي عادته تنتبه اليهالمجتمعات لكن بعد حدوث الدمار (مع الاحترام  لارنست هيمنغواي و روايته “لمن تدق الأجراس“)…

في التاريخ الحديث فان شخصيات نسائية عديدة أظهرت  درجات عالية من الطموح السياسي مثل مارجريت ثاتشر و مادلين اولبرايت وكوندوليزا رايس لكنها للاسف قدمت نماذج مرعبة في مركب “المرأة و الحديد“…

لاشك ان النماذج النسائية المذكورة أعلاه لا يمكن اعتبارها “نماذج ثورية” وفق الرؤية الاخلاقية و الايديلوجية للكثير من الحركات السياسيةفي العالم الا ان هناك ايضا نماذج لا يمكن التهرب من تأثيرها التاريخي مثل ويني مانديلا التي تحولت الى قائدة مافيوية في ظل رئاسةزوجها المناضل الإنساني نيلسون مانديلا… 

لكن المهم ان هناك ان الكثير من النساء في العالم و في الشرق الأوسط من المعجبات بنموذج “المرأة  الحديدية” و منهن بعض زميلاتناالعزيزات من الباحثات في الدراسات الانسانية و حتى بعض الشاعرات … و الأسباب كثيرة تتحرك بين محور القلق و التجربة الذاتية ومحور الصورة الذهنية التي  ترسمها وسائل الاعلام عن نماذج كبرى مثل ثاتشر بريطانيا و أفلام هوليوود و النيو فيمينيزم Neo-Feminism المدعومة بقوة من حركة Me-Too و طبعا لا ننسى طبيعة التغيير في وعي المرأة عن ذاتها و عن العبء التاريخي الطويل والشديد الثقل نتيجة التعرض للظلم و الاهانة و التهميش على مدى آلاف السنوات ..

كما ان هناك الكثيرين من السياسيين  في العالم الذين يعتبرون المرأة الحديدية نموذجاً لنكران الذات و مثال للقيادة الصلبة و المدافع عنالمصلحة الوطنية…. الخ.. من أوصاف ليس لها علاقة بقيمة الوجود الإنساني لان التاريخ مليء بالكثير من الرجال “الأشداء” من الذين خلقواالدمار في مجتمعاتهم وفي العالم تحت ذريعة ذات العناوين السياسية و التأويلات الثقافية و الفلسفية ..

في المقابل فان في نموذج تيريزا ماي يمكننا ان نتذكر الوجه الاخر … الوجه الإنساني لدور المرأة المجتمعي … الام تيريزا التي و ان لم تكنملاكاً بل انسانة … لكن في صورتها و في صورة مثيلاتها في كل الثقافات يمكننا ان نقرأ ان المرأة هي الحاجز النفسي و الاجتماعي بينالانسان و الوحش… او بين الانسانية و الهمجية … المرأة هي اخر جدار بين الواحة و الصحراء … بين الجنينة و الغابة و لِمَ لا بين الجنة والنار … هي اخر هفوة بين الحقيقة و الخيال … بين الحلم و الموت .. و بين الحياة و ما دونها..

مثيلات الام تيريزا كثيرات و كثيرات من النساء الثوريات عبر التاريخ و الان و لابد ان تكون غدا اذا كان للانسان ان يتجاوز ازمة الوجودبسبب التلوث و اللهاث وراء الصراع .. و اعتقد ان الوعي الثوري لدى المرأة و داعميها من المثقفين لابد ان يقرأ التجارب بعناية اكبر خاصة انالتطور الراسمالي عموما و التقدم التكنولوجي المتسارع يحول الانسان بشكل اكثر اتساعًا و عمقا الى “الروبوت السعيد” …. حبي للجميع

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here