العراقي المتديّن ومرض الكورونا والارهاب

عباس راضي العزاوي

العراقي يحب الشكليات كثيرا لاسيما الاشياء المعروضة في واجهة حياته الزجاجية اما المضمون غير المرئي فليس مهما بقدر كبير, هو مثلا يحب ان يكون عند حسن ظن الناس به اعلى بدرجات من رضى نفسه او حتى ربه ,ان يراه الناس كريما خلوقا مؤدبا احب الى قلبه وسكينة لروحه من ان يكون كذلك فعلا ,هذا لايعني ان الجميع مشمول بهذا التصنيف القاسي, ولكنه الحقيقة والحقيقة دائما طعمها منفّر ومزعج في كثير من الاحيان.

في المناسبات الحزينة والمفرحة نقدم اشهى المأكولات والمشروبات وبافراط شاذ لايتناسب ولا بقدر ضئيل ومواقفنا تجاه الفقراء سواء كانوا الجيران او ابناء المنطقة ,اما الاقرباء فلا يشملهم الكرم والعطاء ابدا مع ان اغلب مجالسنا لاتخلوا من اجترار الاحاديث المشهورة بهذا الصدد ومنها حديث ” الاقربون اولى بالمعروف” ولاننا نهتم بالمظاهر كثيرا فكلما كان العمل علنيا وعلى الهواء مباشرة ويحضى بمشاهدات كثيرة هو اقرب الى قلوبنا وارواحنا, فطعم المديح والاطراء الذي نسمعه من الناس مباشرة ونشنف له آذاننا له حلاوة اشد من طعم العسل واروع من لحظات العشق الرومانسي الى قلوبنا.

لهذا نجد ان الكثير منا يحرص بشدة على نشر الفيديوهات المثيرة والمفبركة والكاذبة وجني اكبر عدد ممكن من المشاهدات بل ونذهب احيانا ابعد من ذلك فلقد اصبح العراقي بعد معرفته عالم اليوتيوب لا يتورع عن نشر فضائح الناس وزلاتهم وهو سعيد بذلك ومبتهج بتفرده بنشر هذه القصص المخجلة.

يمنعنا الاصطفاف مع المنطق العقلي والحكمة احيانا ,عندما تُشكل هذه اليافطات المهمة والحيوية خطرا على الصورة النمطية المعروفة عنا, او انها تبدو كذلك. لهذا اما ان نلوذ بالصمت كي لانحسب على جهة او نحارب كل مايدعو له العقل كي نحسب من الاتقياء والوطنيين وكأننا نبعث برسالة للجميع مفادها اننا جهلة وسنبقى جهلة ومتخلفين.

ومن جهة اخرى ربما تشعب الخنادق في العراق الجديد تجعلنا نرفض الكلام الاقرب للواقع كي لاندعم وجهة نظر الخصوم ,كما فعل الكثير من الموتورين ايام حرب العراق ضد داعش والارهاب وبقي السواد الاعظم منهم صامتاً كي لايُتهم بالتشيع واتخذ الاخرون موقف التشكيك والكذب وخلط الاوراق وتشتيت الاذهان.

ايام الارهاب الاسود وقطع الرؤوس على الطرق الخارجية في المناطق الواقعة على طريق المراقد المقدسة, كنت اسمع ان الكثير من الشيعة لايكترثون بما يحدث ويصرون على الذهاب الى حتوفهم بدون طائل ولم يفكروا طوال سنين الحرب الطائفية المعلنة من جهة واحدة انذاك بتفويت الفرصة على ضباع الارهاب او ان يحجموا لفترة وجيزة عن الذهاب الى زيارة الائمة حفاظا على حياتهم.

كتبت في حينها مقالة مطولة عن الموضوع ولم انشرها بعد ان نصحني صديقي المرحوم السيد عادل الحسيني بانها ستجعلني في صفوف الكفرة والملحدين فلا داعي لها, حتى اني ذكرت ان هذه الاعداد الهائلة التي تذهب هباءا كصيد سهل بسبب الزيارات المستحبة سنحتاجها مستقبلا في حربنا الفاصلة وفعلا حدث ماكنت اتوقعه بعد دخول داعش الى المناطق الغربية.

الان جاءنا خطر من نوع اخر وهو مرض ” الفيروس كورونا ” شديد العدوى ونظرا لامكانياتنا المتواضعة في العراق لايمكن الحد من انتشار هذا الوباء ان هو اصاب اعداد اكثر من الارقام المعلن عنها رسميا لاسامح الله , فمجتمعنا العراقي يتحرك بشكل جماعي وتكاد تكون تجمعاته في جميع المناسبات عادة لايمكن الحد منها, خصوصا في الزيارات والاحتفالات الدينية والاحداث الرياضية علاوه على تجمعات المتظاهرين , فهو ـ اي المجتمع ـ يتبادل القبل والاحضان بكثرة ويتبادل الخبرات والجراثيم والفايروسات في كل مناسبة.

ان تتحدى الارهاب وتخسر حياتك فهذه سذاجة وسفاهة لاتغتفر مع معرفتك المسبقة بمصيرك, ولكن ان تتحدى الامراض والاوبئة فانت شخص غير مسؤول ومشترك بجريمة نشر المرض والتسبب بقتل الاف وربما الملايين من الناس وهذا لادخل له بقدسية الائمة ومكانتهم عند الله, فان كنت تريد ان تُسقط استنتاجاتك الساذجة وتفكيرك البسيط على اهمية وقيمة المراقد المقدسة واصحابها, فانت واهم وتريد ان تبرر العبثية واللامبالاة التي تعيشها طوال حياتك.

فالعدوى ستنتشر وتقتل كبار السن والضعفاء واصحاب الامراض المزمنة والوراثية, ولا دخل لعظمة الائمة المعصومين بهذا العمل الساذج الذي صنفه عقلك القاصر وليس الشرع, فلو توجهت الى الله بشفاعة اهل البيت عليهم السلام وزرت من بيتك ستقبل الزيارة حتما ,فكل الغرباء في العالم يزورون الامام الحسين ع كل خميس ويتوجهون صوب مرقده الشريف وهم يبعدون الاف الكيلومترات! فهل تستطيع ان تدعي بان التصاقك بالمرقد يحقق زيارتك ويمنحك بركة الامام ؟ ولايتحقق ذلك لغيرك من مكان بعيد وهل من يدعو الله في جوف الكعبة اقرب اليه ممن يسكن في ابعد نقطة من ارجاء المعمورة!؟

والسؤال الاهم هل تعتقد لو افترضنا وفرض المحال ليس بمحال , انك انت نفسك احد الائمة , تخيل نفسك كذلك على ان تعيش تفكيرهم وروحيتهم ـ هذا ان كنت قد قرات كلمة واحدة عن حياتهم ـ واحد محبيك وعاشقيك منعه مانع الموت او المرض من زيارتك او احياء امرك؟ فهل ستغضب منه؟ هل ستتخلى عنه؟!!

والله لو ندرك فقط بعض مما وصلنا من احاديث اهل البيت ومواقفهم لكنا نفكر بطريقة اخرى غير هذا التعصب الاعمى وهذه الجاهلية الغريبة وانا ادعوكم ان تفكروا للحظة واحدة بهذه الاقوال الكبيرة!!

علي ع : فزت ورب الكعبة!!

الحسين ع : اخشى ان يدخل هؤلاء القوم النار بسببي!!

زينب ع : والله ما رأيت الا جميلا!!

ارحمونا وانفسكم يرحمكم الله.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here