قصة عبدالكريم قاسم وثعلبِه:

 

د. عبدالحميد العباسي

عام 1936 اول انقلاب

عسكري في العراق. واقول هنا, واهمٌ مَن

يثرثر ان ما قام به عبدالكريم قاسم في 14 تموز عام 1958, قد فتح الباب امام سلسلة

انقلابات تلت وعصفت بالبلاد وكأن إنقلابا دمويا في 1936 لم يقع قبل ذلك. إنه الجهل, صار سِمة مَن يكتبون اليوم. ولم يكن ما حدث

في عام 58 انقلابا, بل ثورة جيش وشعب. قام بانقلاب 1936, الذي نحن بصدده (*) الفريقُ بكر صدقي, كردي من ضباط الجيش

العثماني السابق الذين شكلوا نواة جيش العراق عند قيام دولة العراق الحديث. كان الفريق بكر صدقي قائدا للفرقة الثانية ومعظم جندها من

اهل الشمال وهي الفرقة التي اخمدت بقسوة, قبل ذلك وبقيادته, اخمدت ثورة *الفرات الاوسط* (التي مَررت عليها سابقا). نفَّذَ

الانقلاب قائدُ القوة الجوية, العقيد الطيار محمدعلي جواد (بن خالة الزعيم عبدالكريم قاسم), قائد القوة الجوية, هذا قام بنفسه مع ضابط

طيارحَدَث من معيته بقصف مَقَّر رآسة اوزراء والإطاحة برئيس الوزراء, يسن الهاشمي, سياسي مرموق. ثم زحف بكر صدقي عِبر

محافظة ديالى نحو بغداد, فاسرع الفريق جعفر العسكري وزير الدفاع (منفردا) لملاقاته في محاولة لثني الجيش عن دخول

بغداد, كي لا يبدوا الامرُ وكأنه احتلال, الا ان بكر صدقي خاف ان يَفُتَّ وجودُ الفريق جعفر العسكري بين القطعات لعسكرية, ان يفُتَّ

في عضدها, لما لجعفرَ وهو مؤسس الجيش, من احترام, فارسل بضع عسكريِّن, التقوا جعفر في *خان سعد*, قرب بعقوبة وقتلوه.

شكَّلَ بكر صدقي حكومة في بغداد برآسة حكمت سليمان وهذا الرجل من مواليد ومواطني دولة *جورجيا*, كما كانت بعض

العوائل البغدادية من اصول جورجية او من أمصار الدولة العثمانية, تقلد افرادُها, بل احتكروا المناصب الرفيعة من

وزارات زوما شاكل, في العهد الملكي, وبقي بكر صدقي يتحكم من وراء الستار وعل ما اذكر كان من وزراس تلك الحكومة, على ما

اذكر: صالح جبر وجعفر ابو التمن ( استقالا بعد ذلك) وكامل جادرجي وناجي الاصيل وشاكر الوادي وغيرهم. توَجَسَ بعض رموز

العشائر العربية في العراق, توجسوا, مما بدى لهم ان بكر صدقي له تطلعات بعيدة غيرُ مشروعةٍ,

فترصدوا له يريدون اغتياله,

كما جاء في مذكرات الشيخ (محسن ابوطبيخ)

بعد فترة وقد استتب الامر له, قرر بكر صدقي ان يسافر ومعه قائد القوة الجوية

محمدعلي جواد الى المانيا (قيل لشراء اسلحة وطائرات وقيل لمقابلة هتلر وقيل وقيل). وفي استراحة مطار الموصل اطلق

احدهم النار على بكر صدقي وقتله وحاول العقيد محمدعلي الامساك بالقاتل فاطلق هذا لرصاص عليه ايضا وقتله مع ان قتل هذا الرجل ام

يكن في نية القاتل (هكذا قيل). كان (الملازم) عبد الكريم قاسم ضمن الوفد مرافقا لابن خالته, فائد القوة الجوية, الا انه لم يكن حاضراً في

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تلك اللحظة, اذ كان ذهب للسوق لاحضار حاجة.

وبعد تصفية آثار الانقلاب واصحابه وعودة الامور الى ما كانت قبله, فُصل عبدالكريم

قاسم من الجيش لقرابته من قائد القوة الجوية الذي كان لولب الانقلاب. ثم حصل عبد الكريم قاسم على وظيفة معلم في مدرسة

ريفية في محافظة الديوانية. وكما يفعل البعض في اقتناء ما يستأنسون به في وِحدتهم ووحشتهم (قطة او كلب او بلبل او ببغاء او

غزال…الخ) اقتنى عبدالكريم ثعلبا. ترى لماذا اختار ثعلباً؟ هل وجَدَ فيه تناغما مع ما في نفسه هو, أم اراد التعلم منه على المراوغة

والايهام؟ وقد تعلمها فعلا كما سنرى.

وفي عام 1957 إلتحقتُ بوحدة الميدان الطبية الثامنة في بعقوبة وهي وحدة تلتحق

(تتجحفل) مع لواء الزعيم عبد الكريم قاسم اثناء الحركات او الحرب وكانت قد عادت بعد مرافقتها لواء الزعيم عبد الكريم

في الاردن قرب سوريا. وسمعت بعض منتسبي الوحدة يَشكُون شدة الزعيم. ومنهم من قال انه من ازلام نوري السعيد, بيد ان هذه

الاشاعات سرعان ما تبددت لدي عندما التقيته اول مرة عندما جاء وحدة الميدان الطبية, يراجع طبيب الاسنان وكذلك اثناء عملي

بامرته في احد التمارين (بدون قطعات وكذلك عندما كنت آمر طبابة موقع المنصور, موقع لوائه, قبيل الثورة. رأيت فيه ما لم

اعهده في كثير ممن التقيت من الضباط, خلال خدمتي الطويلة في الجيش, حَزْم وكفاءة ونزاهة وخُلق رفيع وشجاعة, شهدت

له بها سوح شمال الوطن وفلسطين وكان احترامه للاطباء مُمَيَّزاً ولم يعاقب

بعضهم مع وجود المبرر وقوله عند ذكر سهوٍ او خطأ

طبيب ممن يعملون بامرته *لا, لا هذا طبيب (غير متقصد)*, قول طالما سمِعته. كانت الاشاعاعات التي `عرَّجت عليها اعلاه دليلا

على قدرته على خداع الخصم وايهامه حتى اليوم الموعود. الواقع انه حتى يوم 13 تموز وقد نصع الامر, لم تفطِن السلطة او انكرت

ما كان جليَّاً. فقد أتى الخداع والمراوغة أُكلَهما. ترى هل كان الثعلب يقدر على هذا كلِه ام *ان صانع الاستاذ,

استاذ ونص*. رحِم الله الزعيم

واسكنه فسيح

جناته.———–

—————–

(*). إستقيب كثيرا مما جاء اعلاه عن

انقلاب 1936, مِن كتابَين, (ايام النكبة) و (المروج الخضراء) استعرتهما من مكتبة (الرسالة) التي أُفتتِحت في الكرادة الشرقيىة,

محلة (هويدي) عام 1949 واغلقت بعد عام من افتتاحها وتبيَن, فيما بعد انها كانت نشاطا اعلاميا سِرِّياً لحزب البعث.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here