نيابة الإمام ووباء كورونا

الإمام الغائب

عرض عليَّ رئيس تحرير مجلة دينية (في أواسط التسعينات) مقالا كتبه حاصل على الدكتوراه في علم الأحياء. أراد الإثبات علميا بأن الإنسان يمكنه البقاء أكثر من ألف عام يُرزق مثل المهدي المنتظر. قَبل رئيس التحرير، على الرَّغم أنه من المؤمنين بالغياب والظهور، ما أشرت عليه بعدم نشر الموضوع، لأنه حوَّل الإمام الغائب إلى مجرد خلية، وبما أن الغياب والانتظار عقيدة دينية، وعلم الأحياء دنيوي، فالأمر يتعلق بقلق صاحب دكتوراه الأحياء من العقيدة نفسها، فأراد تأكيدها علميا، والأمر لا يختلف عن “الإعجاز العلمي للقرآن”، كمحاولة لإخضاع العلم للدين.

أرى أن أصحاب هذه الأفكار مهتزون عقائديا، وإلا لماذا هذا اللهاث وراء نظريات الفيزياء والكيمياء والأحياء؛ لأجل إثبات العقيدة الدينية علميا، أو النظرية العلمية دينيا؟! بينما إخوان الصفا (العاشر الميلادي) أدركوا أن “الله لا يتدخل في الطبيعة” (رسائل إخوان الصفا)!

بمعنى أن الأوبئة والكوارث ليست من صنع الله، فالله خلق الطبيعة، لتُسَير نفسها بنفسها، هذا ما لا يقرّه رجل الدِّين، لأن وظيفته ترتبط بفعل الله في الطبيعة، وفي المجتمع، فولاية الفقيه شأن رباني، لأن الفقيه نائب الله، عبر الإمام الغائب، وهي الحاكمية نفسها عند الجماعات الدينية السُّنيّة، مع اختلاف الإخراج.

يطرح نائب الإمام نفسه حاكما إلهيا، كنائب للمعصوم، ومعلوم أنه يعتبر دولته ممهدة لدولة الإمام، والأخيرة هي “المدينة الفاضلة”، مثلما يراها الفارابي (ت.339هـ)، و”دولة الخير”، مثلما يراها إخوان الصفا، ولها أوصاف الجنة، ليس فيها مرض ولا وظلم ولا فقر ولا بؤس ولا ترح. إنها أمنية مثالية للإنسان، أيّ إنسان، لكنها تحوّلت إلى واقع في أذهان الأتباع، عن طريق واضعيها.

يقف نائب الإمام أمام شكوك الجيل الجديد، فخلال أكثر من أربعين عاما، ونائب الإمام يملأ العقول بأفكار مستحيلة التَّصديق، في عصر الإلكترون، فهل من المفهوم أن تكون دولة نائب الإمام بلا حصانة من وباء وهي إلهية؟! المفروض، حسب الاعتقاد الديني، أنها والوباء من فعل الله.

لكنَّ المجتمع الذي يحكمه نائب الإمام بدا من أكثر المجتمعات تضررا بالوباء، ومنه أخذ ينتقل إلى مجتمعات أُخرى؟!

أين المنابر، التي قدمت الأضرحة مقدسات لشفاء المرضى، هل أسقط وباء “كورونا” قرونا مِن الاتكاء على تلك الأفكار، حتى صار الخطاب الديني يُحرج الدِّين نفسه، لأنه عقيدة، ومواجهة الأوبئة عِلم؟! إنها طريقة دكتوراه الأحياء، الذي أراد إثبات حياة الإمام الغائب عن طريق المختبر، لكنه ابتذل عقيدته دون أن يدري!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here