لماذا ستفشل استراتيجية “مناعة القطيع” في بريطانيا والسويد؟

Attachment thumbnail
إيهاب مقبل

 تتخذ بريطانيا والسويد استراتيجية غريبة من نوعها لمواجهة فيروس الكورونا، وهي ترك الفيروس بحرية لمهاجمة نحو ٦٠ % من سكان البلدين للوصول إلى “المناعة الجماعية الطبيعية” أو “مناعة القطيع”، رغم ما يرافق ذلك من خسائر في الأرواح، ولاسيما في فئة المرضى وكبار السن وأصحاب المناعة الضعيفة.

 وفيما يهدف النموذج الإيطالي والصيني إلى وقف العدوى، فإن بريطانيا والسويد تهدفان إلى انتشار العدوى بين أكبر عدد ممكن ولكن بين أصناف معينة من الأشخاص، وهم الأشخاص الأقل عرضة للإصابة بمضاعفات خطرة. فالأشخاص ذوو المناعة لا يمكنهم نقل العدوى إلى الآخرين، وكلما زاد عدد هؤلاء كلما قل خطر الإصابة. وهذا هو مفهوم “مناعة القطيع” في أورقة الحكومتين البريطانية والسويدية. فمن المؤكد أن هذا التفسير خاطئ لمفهوم مناعة القطيع، وذلك لأن قبل تطوير لقاح شلل الأطفال، أصيب الناس بشلل الأطفال ولم يحصلوا على مناعة القطيع. تعتمد مناعة القطيع على التطعيم، وهو اللقاح الذي يشكل القطيع، وليس المصابين به. فإذا لا يوجد لقاح يعني فقط المزيد من الأمراض، وليس المزيد من المناعة!

 وبالنسبة للمدارس، فإن الأطفال لن يصابوا بالكورونا على نحو خطير، وبالتالي تستطيع الحكومتين البريطانية والسويدية استخدامهم كأداة لإيصال العدوى لغيرهم في الوقت الذي يريدان فيه ذلك. وعندما تريد كلا الحكومتين إنقاص العدوى، فإنهما يعلقان المدارس وبالتالي إغلاق مصدر العدوى. ولكن التصريح بهذا الأمر يعد أمرا خطيرًا على جوانب عديدة.

 وإذا أصبت بمرض كوفيد-١٩، هو مرض معد يسببه فيروس كورونا، فكل ما عليك في بريطانيا والسويد المكوث في المنزل ومراعاة نفسك بنفسك، ولا ينبغي عليك طلب المساعدة من المستشفيات إلا في حالة تأزم حالتك الصحية أو اقترابك من الموت!

 وبغض النظر عن الأبعاد الإقتصادية وراء مثل هذه استراتيجية، إلا أنها تبقى محفوفة بالمخاطر على الجانب الصحي، وذلك لأنها تركز على تحمل الأذى الفردي بدلاً من التدخل الطارئ العاجل. وينطوي ذلك ضمنيًا على قبول أعداد كبيرة من وفيات الأشخاص الضعفاء، ولذلك قال بوريس جونسون أن العديد من العائلات ستفقد أحبائها. يبدو هذا مشابهًا بشكل خطير لما وصفه توماس مالتوس في عام 1798 بأنه “فحوصات إيجابية” ، مما أدى إلى الوفاة المبكرة بسبب المرض والتجويع والحرب، مما أدى إلى ما يسمى “كارثة مالتوس”.

 يجب ألا نشكك فقط في الصلاحية العلمية لمناعة القطيع، التي ترفضها منظمة الصحة العالمية بإعتبار أن فيروس الكورونا مستجدًا وليس معلومًا بعد كيف يتفاعل من الناحية المناعية، ولكن أيضًا أخلاقها التي تقبل ضمنيًا الموت المحتمل لآلاف الأشخاص، فلا عجب ان تستخف معظم البلدان بهذه الاستراتيجية وتعتبرها أمرًا مخجلًا. وحتى اذا نجحت مناعة القطيع، فسيكون ذلك على حساب الوفيات التي يمكن تجنبها، سواء للمرضى أو الأطباء أو العاملين في القطاع الصحي، ولذلك فهي تجربة اجتماعية فاشلة تسبب العديد من الوفيات التي يمكن تجنبها.

 وأخيرًا، إذا تكشفت المذبحة ونواياها الشريرة، فستنظر بريطانيا والسويد في تجربة البلدان الأخرى، وإذا كانت معدلات الوفيات أعلى بكثير من غيرهما من الدول، فلن يُغفر لبوريس جونسون وستيفان لوفين ضلوعهما في المذبحة، وذلك لأن عبارة “أن تكون في المقدمة” لها معنى عميق في أوروبا

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here