هل سيمر الزرفي عبر البرلمان؟ وماذا عليه أن يفعل لينجح بمهمتهِ؟

محمد وذاح

لم أشئ أن أكتب عن أول ما ورد في عاجل “تكليف عدنان الزرفي بتشكيل الحكومة من قبل رئيس الجمهورية برهم صالح”، حتى تنتهي الفورة في مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام والتي ترافق كل مكلف لرئاسة الوزراء كما حصل من قبل مع المُعتذر محمد توفيق علاوي الذي لم تبصر حكومته النور.

 يواجه الزرفي الآن- بعد أن نجح بإقناع من أوصله لرئاسة الوزراء- التحدي الأهم والأكبر، ألا وهو؛ العبور من داخل قبة البرلمان مع كابينته الوزارية والذي فشل من قبله محمد توفيق علاوي في هذا التحدي، بسبب عدم إرضاء الكتل السياسية ورغباتها في الإبقاء على مبدأ تقاسم المناصب، والذي توهم للحظة وصدق “الميديا” بأن رئيس الحكومة يمكن أن يكسر هذا المُسلّم ويكون مُطلق اليد في تسمية من يشاء ويقرب من يريد، بعيداً عن مفهوم المحاصصة الحزبية والمكوناتية التي تمثل أبرز ملامح النظام العراقي الجديد منذ عام 2003 وحتى الآن.

 ولكن هنالك رهان على امتلاك الزرفي القدرة على تمرير حكومته في مجلس النوّاب، عبر نيل رضا معظم الكتل السياسية وعلى رأسها المكون الكردي والقوى السنيّة والتي كانت واضحة بمطالبها بأن رئيس الوزراء يجب أن يراعي حقوق المكونات، أما القوى الشيعية فهنالك شبه إجماع على تولي الزرفي لرئاسة الوزراء، والذي كان جلياً من خلال حضور ممثلين عن معظم الكتل السياسية الشيعية ساعة التكليف في القصر الرئاسي، باستثناء تحالف الفتح والذي أعلن في بيان مقتضب، أمس الثلاثاء، عن رفضه للتكليف وحمل رئيس الجمهورية مسؤولية مخالفة الدستور لأنه تجاوز حسب ادعائهم الكتلة الأكبر في منحها الحق بتقديم مرشح الحكومة، على الرغم من فشل اللجنة السباعية في التوصل الى اتفاق خلال المهلة الدستورية وحكم المحكمة الاتحادية لصالح في صلاحيته بتسمية من يريد لتشكيل الحكومة استناداً إلى أحكام المادة (76) من الدستور العراقي. 

 هذا الموقف الرافض لتكلف الزرفي لا يمنع من وجود بعض تشكيلات داخل تحالف الفتح لديها شبه رضا عن الرزفي لكن خجلها السياسي ولاعتبارات إقليمية على رأسها إيران منعها من التصريح والتفكير بصوت عالٍ.

 الخبرة والتجربة الإدارية

 ويعتمد من يراهن على نجاح الزرفي بمهمتهِ وعبور عقبة البرلمان، على الكثير من المعطيات أبرزها، يعد الزرفي أبن العملية السياسية الجديدة منذ تأسيسها ما بعد لحظة 2003 وإلى اليوم والعالم بخباياها وأهواء مكوناتها وكتلها السياسية والمعارض البارز ما قبلها.

 كما أن الزرفي ومن خلال تجربته في المناصب الإدارية في النظام السياسي الجديد، فقد استطاع أن يراوغ عبر البراغماتية التي يمتلكها، أعتى القوى والأحزاب الشيعية الأصولية ويقنعها بالوصول إلى المنصب الأول في تلك المحافظة ولأكثر من مرة ويدير شأنها وهو المعروف بعلمانيته وقربه من الشباب وطموحاته بدولة مدنية، كما أنه استطاع تأسيس مركزاً وشارعاً ثقافياً يجمع النشاطات الاجتماعية وتداول الكتب المختلة كاسراً جميع التابوهات التي رسمت ملامح المدينة العتيقة التي تمثل فتيكان الشيعة منذ أكثر منذ قرون مضت، عدا عن نشاطه في إدارة جهاز الاستخبارات في وزارة الداخلية.

 مرشح الساحات

 الرزفي ومن خلال المتابع لمواقفهِ منذ انطلاق شرارة الاحتجاجات الشعبية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي والى اليوم، يلاحظ أنه لم يخفي دعمه ومساندته للاحتجاجات الشعبية التي عمت مدن وسط وجنوب العراق، وقد دان بشكل واضح العنف والقتل بحق المتظاهرين، محملاً السلطات وعلى رأسها رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي المسؤولية الكاملة عما يحصل.

 وهذه المواقف ترفع من رصيد الزرفي في ساحات الاحتجاج لأن مثل تلك المواقف كان لها صدى واسع خاصة من تحالف النصر الشيعي الذي كان يمثل الزرفي رئيسه داخل مجلس النواب العراقي، مقابل المواقف المهادنة والخجولة والمخونة التي تطلقها القوى الشيعية الأخرى بحق المتظاهرين، وما وسم “الجوكرية” و”المندسين” إلا أبنت تصريحات أعضاء الكتل الشيعية بحق المتظاهرين.

 إضافة إلى ذلك أن ثقافة الزرفي وقربه من عُمر الأجيال الصاعدة التي تمثل إيقونة التظاهر وسلاحها الأكبر، قد يكون جسر التواصل بين جيلين ويستطيع أن يعيد الثقة بالعملية السياسية عبر تقريب وجهات النظر بين القوى السياسية والمتظاهرين ويردم الهوة الكبيرة التي حصلت بعد فشل النظام بتكوين دولة محترمة تحقق طموحات الشباب وتلبي احتياجاتهم العامة من خدمات وبنى تحتية ومستقبل واعد.

 ماذا عليه أن يفعل لينجح بمهمتهِ؟      

 الزرفي إذا ما أراد أن ينجح بمهمته في تشكيل الحكومة وإدارة العراق والعبور به من الأزمات الاقتصادية والأمنية والصحية التي تحاصر البلاد، عليه الاعتماد واستمالة الخط الثاني من القيادات السياسية الشبابية الطموحة خاصة من الشيعة، التي تدرك الواقع العراقي بعلاتهِ وضيمه، وتعلمت كثيراً في سيرها في ظل الصقور، الذين قلت في مقال سابق أن الانتخابات النيابية الأخيرة عام 2018 وبالرغم من التزوير الذي شابها، انحت وعزلت الكثير من صقور وتركتهم في طي النسيان بعد أن كانوا يتصدرون الواجهة ويعتلون أعلى المناصب في البلاد ويتحكمون بقراراتهِ ومستقبله.

 وهذه القيادات الشبابية الطموحة التي تعرف عمق الأزمة ومخاطرها، كما عبر عنها بوضوح تام القيادي في تحالف الفتح ورئيس كتلة السند الوطني أحمد الأسدي؛ أن التاريخ لن يرحم الشيعة إذا ما فشلت تجربة النظام ما بعد 2003 لأنهم هم الأخ الأكبر وهم من يمتلك القرار العراقي على الرغم من مشاركة المكونات الأخرى السنية والكردية في إدارة البلاد. على حد قوله خلال استضافته في قناة العهد الفضائية قبل أيام.

 وهذه المكاشفة مع النفس والجمهور، نادراً أن نراها في القيادات الشيعية التقليدية والتي إلى الآن للأسف تمنعها نرجستيها من الاعتراف بالفشل الذريع في تشكيل وتأسيس دولة محترمة تكون نموذجاً للمحيط العراقي مع وجود الكثير من مقومات النجاح من المال والدعم الدولي والإقليمي الذي يحظى به العراق، لأنها بقت رهينة للصراعات والتبعية دون أن تكون لها الشخصية في إدارة نفسها بنفسها بعيداً عن أملاءات المتفضلين أيام المحن والاِغتراب.

 هذه المعطيات عن نجاح الزرفي في مهمته المقبلة، لا يمكن التسليم بها لان السياسة في العراق ومهما امتلكت من دراية واستقراء للمشهد لا يمكن التكهن بنتائجها وممآلاتها لأن المواقف بالعراق تتغير في ليلة وضحاها ومن أعلن تأييده القطعي للزرفي قد يتراجع في آخر لحظة إذا ما تعارضت وتهدّدت مصالحه، ويبقى أن نقول كل التوفيق للمكلف في مهمتهِ بما يكون خيراً على البلاد وأهله الذين شبعوا من الضيم والنكبات والحروب منذ قرابة النصف قرن وما بقي للنفس من متسع للمزيد منها.  

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here