بارزان في المصادر والمراجع اليهودية

عرض ونقد

القسم الأول

أ.د. فرست مرعي

المقدمة في العصور القديمة كانت الديانة اليهودية ديانة توحيد في محيط وثني، وكانت تكتسب هويتها من هذا التمايز الواضح والبسيط، أما في العصور الوسطى الغربية وفي العالم الإسلامي، فقد اختلف الأمر تماماً، إذ وجدت اليهودية نفسها في محيط توحيدي إسلامي أو شبه توحيدي مسيحي أدى إلى انطماس معالمها. ولذلك حاول علماء اليهود أن يخلقوا فجوة بين اليهود وأعضاء الديانات السماوية الأخرى. وكان كتابهم المثير للجدل (التلمود)(1) هو ثمرة تلك المحاولة. خلال هذه الفترة ظهر تعريف الشريعة (=هالاخاه) للهوية اليهودية، فعرف اليهودي بأنه من ولد لأم يهودية أو من تهوّد. وقد ساد هذا التعريف منذ ظهور اليهودية الحاخامية مع بدايات العصور الوسطى وإلى بداية القرن التاسع عشر، وهو تعريف ديني إثني (عرقي) حيث أدى إلى ظهور إشكالية أساسية تتعلق بالجانب القومي أو العرقي، حيث يتضمن أن من يولد لأم يهودية يظل يهودياً حتى ولم لو لم يمارس تعاليم الدين اليهودي، فهو يهودي بالمعنى العرقي(2). أما اليهودي المتهوّد، فكان عليه أن يقوم بتنفيذ جميع الأوامر والنواهي، أي بعبارة أخرى يجب أن يكون يهودياً بالمعنى الديني، لكن هذه الإشكالية كانت هي الأخرى في حالة كمون (=

سكون) لأن عدد الذين يتهوّدون أي يدخلون إلى اليهودية كان قليلاً إلى حدٍ كبير، فضلاً أن الترابط كان من المتانة بحيث أن أي يهودي يترك دينه كان عليه أن يتبنى ديناً آخر ويندمج في المجتمع الخارجي وينصهر فيه تماماً، الأمر الذي يحل الإشكالية. وكان الفيلسوف الهولندي (اسبينوزا Baruch Spinoza )(3) أول يهودي يترك الدين اليهودي ولا يتبنى ديناً آخر، أي إنه كان أول يهودي إثني علماني. أما التعريف الصهيوني اليهودي فهو إعتبار اليهودي كعنصر عرقي متميز. فهم يتحدثون عن (الجنس اليهودي) وعن اليهود باعتبارهم جنساً متميزاً، وقد عرّف كثير من الزعماء الصهاينة، اليهودية: بأنها (مسألة تتعلق بالدم)؛ وتأسيساً على ما تقدم يرى مفكروا الصهيونية اليهودية بأن التزاوج بالأجانب سيؤدي إلى تدهور العرق اليهودي وأنه لا بد من تأسيس وطن قومي ودولة مستقلة يعبر فيها عن عبقريته، ولكن تم التخلي عن هذا التعريف بسبب لا علمية النظريات العرقية وعدم قبوليتها في الغرب خصوصاً بعد أن استطاع الزعيم الألماني هتلر عن طريق هذه النظريات إقامة جينوسايدات لليهود في ألمانيا وغيرها من الدول الأوربية التي وقعت تحت سيطرته. لذا رأى فريق من الصهاينة أن اليهود جماعة مترابطة ذات تاريخ مشترك منفصل ومحدد، وأن ثمة روابط تراثية (وليست عرقية) فريدة بقيت على مدى قرابة أربعة آلاف سنة بين اليهود. كما أن أصحاب الاتجاه الديني عرّفوا اليهودي على أساس أن هوية اليهود القومية مصدرها الدين، إذ لا يمكن التفرقة بين القومية اليهودية والعقيدة اليهودية. ومن جانب آخر فإن الدراسات والأبحاث المتعلقة باليهود الكرد قليلة، و الدراسات التي ظهرت الى عالم الوجود تتعلق غالبيتها بالدراسات الوصفية والسياسية والاجتماعية، ماعدا الدراسة الاثنولوجية القيمة التي قام بها الباحث اليهودي الالماني(إريك براور- Irek Braur))4( وأكمله الباحث الانثروبولوجي اليهودي الامريكي(رافائيل باتاي)(5) حول يهود كردستان و الصادرة عن دار ئاراس في اربيل في سنة2002م، بعنوان (يهود كردستان) . دراسة (إريك براور) ومن بعده اضافات (رافائيل باتاي) لم تتطرق في حقيقة الامر الى كيفية انتقال اليهود الاسري من فلسطين الى كردستان على يد الاشوريين، و انما كان جل اعتمادها في المجال التاريخي على دراسات الرحالة اليهود الذين جابوا كردستان طولاً و عرضاً و كان همهم الاكبر البحث عن الاسباط اليهودية العشرة (الاسطورية) المفقودة، لذا بدأ بحثه ابتداءً من القرن الثاني عشر الميلادي عندما قام الرحالة اليهودي (بنيامين بن بونة التطيلي الاندلسي) برحلته الى كردستان سنة 1171م لذلك فان اكثر من1500 سنة من تاريخ اليهود الكردستانيين مازالت غامضة و بحاجة الى ابحاث و دراسات معمقة تزيل الغموض عن هذا التاريخ الطويل، ولا اظن ان دائرة المعارف اليهودية (= الانسكلوبيديا اليهودية) استطاعت ان تميط اللثام عن هذا التاريخ المجهول الى حد كبير.

إن أقدم وجود لليهود في العراق عامة وإقليم كردستان خاصة، يرجع دون شك إلى عهد الإمبراطورية الآشورية الحديثة الذي دام ثلاثة قرون كاملة من سنة 911 لغاية 612 ق.م، وذلك حين حرر الآشوريون فلسطين من اليهود في عدة حملات عسكرية منظمة قاموا بها ضد الممالك الإسرائيلية المغتصبة لأرض فلسطين، تمكنوا خلالها من جلب عدة ألاف من اليهود كأسرى، وتم إسكانهم في أراضي نهر الخابور والبليخ وحران شمال سوؤيا وفي بلاد ميديا (= كردستان وايران). تقول الرواية الاسرائيلية بأن الملك داود)1004-963 ق.م) قد أسس مدينة داود( = اوروسالم- يروشالايم – أورشليم – القدس) سنة 1000ق.م، بعدها خلفه في قيادة المملكة الاسرائيلية ابنه سليمان(963-923 ق.م). وبعد وفاة النبي والملك سليمان بن داود ( عليهما السلام)انقسمت مملكته حوالي سنة930 ق.م إلى قسمين شكّلا دولتين منفصلتين: يهودا في الجنوب، واسرائيل في الشمال وهاتان الدولتان كانتا متعاديتين في كثير من الأحيان، وعانتا من الفساد الداخلي والضعف العسكري والسياسي والنفوذ الخارجي، فعند وفاة سليمان اجتمع ممثلو قبائل بني إسرائيل الأثنتي عشرة في شكيم (قرب نابلس) لمبايعة (رحبعام بن سليمان)، ولكن ممثلي عشر قبائل اتفقوا على عدم مبايعته لأنه لم يعدهم – حسب الروايات – بتخفيف الضرائب، وانتخبوا بدلاً منه (يربعام) من قبيلة أفرايم ملكاً وأطلقوا اسم (إسرائيل) على مملكتهم وعاصمتها شكيم (ثم ترزة ثم السامرة)، أما قبيلتا يهوذا وبنيامين فقد حافظتا على ولائهما ل(رحبعام بن سليمان ) وكونتا تحت حكمه مملكة (يهودا) وعاصمتها أورشليم (=القدس). أما مملكة (إسرائيل) فقد استمرت خلال الفترة 923 – 721 ق.م، وقد سمتها دائرة المعارف البريطانية ازدراء ًب(المملكة الذيلية). كان الملك عمري(أشهر ملوك مملكة إسرائيل 885 –874 ق.م) بنى مدينة السامرة وجعلها عاصمته، أما خليفته (آخاب 874-852 ق.م) فقد سمح لزوجته (إيزابل) بنت ملك صيدا وصور بفرض عبادة الإله الفينيقي (بعل) مما أدى إلى ثورة قام بها أحد الضباط واسمه (ياهو) أطاحت بآخاب وأعاد عبادة (يهوه). وفي عهد الملك (يربعام الثاني 785-74ق.م ) وهو الثالث من سلالة (ياهو) توسعت مملكته شمالاً على حساب الأراميين، لكن ذلك لم يستمر طويلاً إذ أدى ظهور الملك الآشوري (تجلات بلاسر الثالث 745-727 ق.م) إلى الحد من هذا التوسع، وقام خليفته (شلمنصر الخامس724-722ق.م)، ومن بعده (سرجون الثاني722-705ق.م) بتأديب (هوشع) آخر ملوك ( مملكة إسرائيل) وقضى على دولته سنة 721- 722 ق.م، وقام الآشوريون بنقل سكان إسرائيل إلى منطقة حران ونهري الخابور والبليخ في شمال سوريا وبلاد ميديا (= كردستان وايران) وأحلوا مكانهم جماعات من الآراميين، ويظهر أن المنفيين الإسرائيليين اندمجوا تماماً في الشعوب المجاورة لهم في المنفى فلم يبق بعد ذلك أثر للأسباط العشرة من

بين إسرائيل. وفي موضوع بحثنا؛ تمكن الآشوريون من القضاء على مملكة إسرائيل (= المملكة الشمالية) نهائياً، ومن تحطيم مملكة يهودا(= المملكة الجنوبية)، وجعلها فريسة سهلة لإسلافهم البابليين حينما قضوا عليها نهائياً سنة 586ق.م في عهد عائلها الملك (نبوخذنصر بن نبوبلاصر 605-563ق.م) الذي قتل ايضاً اولاد ملك يهودا (صدقيا 598-587 ق.م) أمام عينيه ثم سمل عينيه، بعدها دمر الهيكل (= المعبد – مسجد سليمان) وخرب أسوار المدينة، وساق الاسرى اليهود الى بلاد بابل، وقدر عدد الذين جيء بهم بأكثر من خمسين الف في وقت ذهب قسم منهم الى مصر وسكنوا في جزيرة الفنتاين(= جزيرة الانس في جنوب مصر)؛ لذلك ما أن سقطت بغداد بيد المحتل الأمريكي في 9 نيسان/ ابريل عام 2003م، حتى سجد حاخامات إسرائيل شكراً لإلههم(يهوه) على سقوط بابل(= عاصمة العراق زمن السبي البابلي)؛ أي بعبارة أخرى إن العراقيين القدماء من الآشوريين والكلدانيين البابليين هم من اسقطوا الممالك الإسرائيلية الواحدة تلو الأخرى، وحرروا بلاد كنعان(= فلسطين) من الاحتلال الإسرائيلي(=العبراني). وفي اعتقاد الباحث أن إحدى أسباب الحرب على العراق واحتلاله وتدميره هو الانتقام منه؛ بسب قيام أسلافهم بالقضاء على الدويلات العبرانية، بالإضافة إلى أسباب أخرى.

المصادر والمراجع والهوامش 1 – لفظ التلموذ يعني التعليم ، وهو يشمل المشنا والجمارا، ولا يختلف التلمودان الا في الجمارا أوالشروح فهي في التلمود البابلي أربعة امثالها في التلمود الفلسطيني فيشتمل الاول على 2049 ورقة كبيرة ، ويشتمل الثاني على 800 صفحة . وتنقسم المشنا الى ستة فصول وكل فصل الى عدة مقالات يبلغ مجموعها ثلاثة وستين وتنقسم كل منها الى عدة تعاليم ، ولغة الجمارا البابلية والفلسطينية آرامية ، اما لغة المشنا فهي العبرية تتخللها الفاظ ومفردات من اللغات المجاورة . ينظر: ترجمة متنا التلمود( المشنا) ، ترجمة وتعليق:، مصطفى عبدالمعبود سيد منصور، تقديم: محمد خليفة حسن أحمد (الجيزة: مكتبة النافذة،2008م)، القسم الاول، ص7 – 22؛ ويقول المسعودي : أول من تكلم بالعبرية ابراهيم الخليل بعد ان خرج من بابل الى حران وعبر نهر الفرات فتكلم بها فسميت العبرانية وبها نزلت التوراة، غير ان لغة يهود العراق هي اللغة السريانية وتعرف ب(الترجوم ) يفسرون بها التوراة من العبرانية لوضوحها عندهم ولتعذر فهم العبرانية على كثير منهم . ينظر: أبو الحسن علي بن الحسين بن علي، المسعودي : التنبيه والاشراف (بيروت: دار مكتبة الهلال، 1981م)، ص85. 2 – اليهودية: يشير اليهود الى عقيدتهم بكلمة (التوراة). أما مصطلح اليهودية فيبدو أنه ظهر في العصر الهيليني للاشارة الى ممارسات اليهود الدينية لتمييزها عن عبادة جيرانهم. وقد سلك هذا المصطلح مؤرخهم (يوسيفوس فلافيوس) ليشير الى العقيدة التي يتبعها أولئك الذين يعيشون في مقاطعة (يهودا)، فبدأ المصطلح يشير الى سكان مكان معين، ثم أصبح يشير الى عقيدتهم. وقد اصبحت كلمتا (يهودية ) و(توراة) مترادفتين، لكن بينهما فرقاً هو أن مصطلح (يهودية) يشير الى الجانب البشري، بينما مصطلح (توراة) يشير الى الجانب الإلهي. ويرى دارسو الدين اليهودي أن اطلاق مصطلح (يهودية) على نلك المرحلة المبكرة من تاريخ اليهودية التي تسبق تدوين العهد القديم يتضمن تناقضاً لأن العبرانيين فيها لم يصبحوا يهوداً. ولذا فنحن نطلق عليها( مرحلة عبادة يسرائيل) ، ثم بعد إنشاء الهيكل ( العبادة القربانية المركزية).ينظر: عبدالوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية ( القاهرة: دار الشروق، الطبعة السادسة، 2010م)، مج2، ص19 – 20. 3 – سبينوزا: ولد سبينوزا في 24نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1632م في مدينة أمستردام- هولندا، لعائلة برتغالية من أصل يهودي تنتمي إلى طائفة المارنيين، فقد كان والداه يهوديين هاجرا من البرتغال. اضطر كثير من يهود شبه جزيرة أيبريا (إسبانيا والبرتغال) إلى الهجرة لكثير من دول غرب أوروبا هروبًا من اضطهاد السلطات المسيحية هناك. وفي البداية اضطروا إلى اعتناق المسيحية، أما بعد أن وجدوا مناخًا متسامحًا في هولندا فقد عادوا مرة أخرى إلى اليهودية، كان والده تاجرا ناجحًا في أمستردام، ولكنه متزمت للدين اليهودي وبالإضافة إلى تجارته تولى كثيرًا من المناصب الدينية في المجتمع اليهودي هناك، بل وعددًا من المهام التدريسية المنصبة على تعاليم التلمود. كانت تربية باروخ اورثودوكسية، ولكن طبيعته الناقدة والمتعطّشة للمعرفة وضعته في صراع مع المجتمع اليهودي. درس العبرية والتلمود في يشيفا (مدرسة يهودية) من 1639 حتى 1650م. في آخر دراسته كتب تعليقا على التلمود. وفي صيف 1656م نُبذ سبينوزا من أهله ومن الجالية اليهودية في أمستردام بسبب ادّعائه أن الله يكمن في الطبيعة والكون، وأن النصوص الدينية هي عبارة عن استعارات ومجازات غايتها أن تعرّف بطبيعة اللهّ. بعد ذلك بوقت قصير حاول أحد المتعصبين للدين طعنه. كان سبينوزا تلميذًا نجيبًا وموهوبًا، وتلقى تعليمًا دينيًا في مدرسة الجالية اليهودية بأمستردام، وعلى الرغم من تعمقه في دراسة التوراة والتلمود، إلا أنه لم يتم إعداده ليصبح كاهنًا يهوديًا كما اعتقد الكثير من كتّاب سيرته. بعد وفاة أبيه تولى أخوه الأكبر شئون تجارته، وعندما مات هذا الأخ، وقع على عاتق سبينوزا إدارة الشركة التجارية التي تركها الأب، لكن لم تكن لسبينوزا مواهب تجارية ولم تكن شئون المال والأعمال من اهتماماته، ولذلك أهمل التجارة حتى تراكمت الديون وتوقفت الشركة عن نشاطها. وعلى الرغم من ذلك فقد حصل سبينوزا على قليل من مال أبيه مكّنه من إكمال دراسته، وعندما لم يكف الميراث لمتطلبات حياته، انشغل في عمل ذي طابع نادر في تلك الآونة وهو صنع العدسات الطبية، وعمل فيها من 1656 حتى 1660م ويبدو أن هذه المهنة كانت هي الوحيدة التي شدت انتباه سبينوزا وكانت متفقة مع ميوله، إذ كانت مهنة ذات طابع علمي تعتمد على جانب نظري متعلق بعلم البصريات وجانب عملي يعتمد على العلم التجريبي والخبرة المعملية. وفي عام 1660 حتى عام 1663 أسّس حلقة فكر مع أصدقاءٍ له وكتب نصوصه الأولى. ومن عام 1663 حتى 1670م أقام في بوسبرج وبعد نشر كتابه (رسالة في اللاهوت والسياسة) سنة 1670م ذهب ليستقرّ في مدينة لاهاي حيث اِشتغل كمستشار سرّي لجون دو ويت. في سنة 1676م تلقّى زيارة من الفيلسوف الألماني (لايبنيتز). ويعتبر كتابه الأخلاق الذي الفه سنة 1677م من أهم الكتب المؤثرة في الفلسفة الغربية، والذي عارض فيه ثنائية العقل – الجسد للفليسوف (رينيه ديكارت). توفّي سبينوزا في مدينة لاهاي – هولندا في 21 فبراير/ شباط 1677م وهو بعمر 44 سنة نتيجة أصابته بمرض رئوي ربما السل أو السحار السيليسي بسبب غبار تنعيم العدسات. ينظر: عبدالوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، مج1، ص344. 4- إريك براور: ولد إريك براورفي 28 حزيران/ يونيوعام 1895م في مدينة برلين لفاني كريبس وأدولف براور، عندما كانت جزءًا من الإمبراطورية الألمانية تحت القيادة البروسية، في شبابه اهتم بالرسم، وأضاف لاحقًا دراسات في الإثنولوجيا، كان رسامًا ألمانيًا وعالمًا إثنيًا. كفنان اختار أن يعرف باسم (إريك تشيرام براور). وغالبا ما وقع عمله الفني تحت اسم (شيرام). حتى بعد أن قام بتغيير مهنته ، كان لا يزال يزين رسائله وكتاباته بالأعمال الفنية الرسومية وسيجعل رزقه في وقت لاحق من القيام بالأعمال الفنية الرسومية للصندوق القومي اليهودي، ينتمي براور إلى حركة شباب يهودية، شباب ينتمون أساسًا إلى أسر يهودية مندمجة كانت قد اهتمت بالصهيونية، والتي أطلقوا عليها اسم يونغ جودا (يهودا الشباب). كان من أبرز أصدقائه (غيرشوم شوليم) أحد المشاركين في هذه المجموعة. خلال سنوات الحرب العالمية الأولى 1915-1916م، قام الاثنان بتحرير ونشر مجلة ليثوغرافية بعنوان Die Blauweisse Brille (نظارات باللونين الأزرق والأبيض)، والتي صدرت فيها ثلاث أعداد (50-100 نسخة مطبوعة) طبع في المطبعة التي يملكها والد شوليم، والتي تعاملت مع الحرب من منظور صهيوني- يهودي، لكن تمت كتابتها بأسلوب فكاهي وروح الدعابة. أكمل إريش براور أطروحته في عام 1924م في جامعة لايبزيغ عن دين هيرو( الهيرو ، المعروف أيضًا باسم أوفيهيرو، وهي مجموعة عرقية تعيش في أجزاء من جنوب إفريقيا، وأغلبيتها تعيش في ناميبيا مع وجود البقية في بوتسوانا وأنغولا، كان هناك ما يقدر بنحو 250،000 شخص من الهيرو في ناميبيا في عام 2013م، وهم يتحدثون أوتجيهيرو، وهي لغة من البانتو بجنوب غرب إفريقيا. في عام 1925م أرسله متحف لايبزيغ الالماني للفولكلورإلى فلسطين التي كانت واقعة تحت الانتداب البريطاني لجمع القطع الأثرية للعرب الذين يعيشون في البلاد، على الرغم من عودة براور إلى ألمانيا فقد ترك براور مسقط رأسه ألمانيا في الحياة اللاحقة ليستقر بشكل دائم في فلسطين حيث كان يقيم في تل أبيب، وبعد ذلك في القدس. في أوائل ثلاثينيات القرن العشرين عاد براور إلى ألمانيا لنشر كتابه المكتوب حديثًا باللغة الألمانية تحت عنوان( إثنولوجيا اليهود اليمنيين)، والذي نُشر أخيرًا في هايدلبرغ في عام 1934م في ظل النظام النازي الهتلري، وفي نفس العام حصل أيضًا على منحة لورد بلومر تقديراً لعمله المتميز في مجال الأنثروبولوجيا(= علم الانسان)، وقد مكنه ذلك من العمل كزميل باحث في الجامعة العبرية في القدس، وهو المنصب الذي شغله لمدة أربع سنوات. وعلى الرغم من الجهود التي بذلها براور فشل في جعل الأنثروبولوجيا من مجالات الاهتمام الأكاديمي للجامعة العبرية في القدس، لأنه لم يتمكن من حشد الدعم لأبحاثه الخاصة، عندما لم تعد الجامعة قادرة على الدفع مقابل أبحاثه المستمرة في مجال الأنثروبولوجيا، ولكنه واصل في إجراء أبحاثه الخاصة في هذا المجال، حتى أجبره المرض على التوقف. كتب براور مخطوطة عن (يهود كردستان) أكمله وأضاف اليه فصول أخرى الباحث اليهودي المجري (روفائيل باتاي) عام 1947م، وهو كتاب ترجم لاحقًا إلى الإنجليزية والتركية والعربية. هذان العملان هما الدراسات الأكثر شعبية له، في حين أن أعماله الأخرى هي مقالات مكتوبة في منشورات مختلفة. كتب الباحث اليهودي الالماني (شيلومو دوف جويتين) عن براور وعن دراسته الأولى بشعور من الرهبة والمودة العميقة قائلاً: ” لقد تعلم براور وتلقى تعليمه في مدرسة برلين للاثنولوجيا، التي كانت معروفة بإشادتها في ذلك الوقت؛ كان محققًا حاد العينًا، ورجلًا موهوبًا بإنسانية وحكمة عميقة، بالإضافة إلى ذلك كان رسامًا رائعًا ومصورًا ممتازًا وكان منهجياً وشاملاً، يعتبر كتابه [عن اليهود اليمنيين] عملاً أدبيًا يعد تحفة في مجاله “. تعتبر مكانة براور الرائدة كما تنعكس في بحثيه عن يهود اليمن ويهود كردستان، علامة بارزة في دراسة هذه المجتمعات في إسرائيل، حيث يعتبر أحد أسلاف الأنثروبولوجيا المحلية كما تطورت في فلسطين الانتداب . عانى براور من مرض نادر (مرض شويرمان)، وتوفي في 9 أيار/ مايوعام1942م عن عمر ناهز 46عامًا في مستعمرة بتاح تكفا في فلسطين الواقعة آنذاك تحت الانتداب البريطاني، ودُفن في مقبرة نهالات يتسحاق في جفعتايم. وعند وفاته ترك براور وراءه خمسة كتب غير مطبوعة، تم إيداع نصوصها بشكل دائم عام 1975م في المكتبة الوطنية لإسرائيل من قبل الجمعية الإثنوغرافية الإسرائيلية، بالإضافة إلى نسخ من النصوص والرسوم. كتب جويتين تأبينًا مؤثرًا للرجل عند وفاته، نُشر في كتاب شيفت تيمان عام1945م، بقوله عن براور:” أنه كان أول عالم إثنولوجيا علمي في هذا البلد وأول من وضع أساسًا لعلم الإثنولوجيا المقارن”. بعد الحرب العالمية الثانية غادر أفراد من المجتمع اليهودي الكبير في كردستان العراق وطنهم واستقروا في إسرائيل، أجرى عالم الأنثروبولوجيا إريك براور مقابلة مع عدد كبير من هؤلاء اليهود الكُرد، وكتب يهود كردستان قبل وفاته في عام 1942م، أكمل رافائيل باتاي المخطوطة التي تركها براور، وترجمها إلى اللغة العبرية ونشرها في عام 1947م. هذه اللغة الإنجليزية الجديدة وفرت المجلد الذي أكمله وحرره باتاي دراسة إثنولوجية فريدة متاحة للمجتمع العلمي الأوسع، وفي الوقت نفسه يُعد بمثابة نصب تذكاري لعالم ما زال عمله غير معروف إلى حد كبير خارج الدائرة الضيقة للعبرية- قراءة علماء الأنثروبولوجيا ليهود كردستان هو وثيقة تاريخية فريدة من نوعها لأنه يقدم صورة للحياة والثقافة الكردية اليهودية قبل الحرب العالمية الثانية. إنها الدراسة الإثنية الوحيدة لليهود الكردستانيين الذين كتبوا على الإطلاق وتقديم نظرة شاملة على ثقافتهم المادية ودورات حياتهم وممارساتهم الدينية ومهنهم وعلاقاتهم مع المسلمين. بين أعوام 1948—1951م، مع الهجرة الجماعية لليهود الكردستانيين إلى إسرائيل، عالمهم ومجتمعهم الذي كان موجوداً قبل الحرب العالمية الثانية في كردستان العراق لم يعد له وجود؛ بسببب هجرتهم الى فلسطين المحتلة (= اسرائيل)، يعكس هذا الكتاب حياة وثقافة المجتمع اليهودي الكردستاني الذي اختفى من البلد الذي سكن فيه من العصور القديمة. في مقدمته يقدم رافائيل باتاي بيانات يعتبرها مهمة لاستكمال كتاب براور، والتعليقات على قيم الكتاب وحدوده بعد خمسين سنة من كتابة براور، أضاف باتاي Patai معلومات إضافية تم الحصول عليها من اليهود الأكراد في القدس، وتم التحقق من الاقتباسات، وتصحيح بعض المقاطع التي تمت ترجمتها بشكل غير دقيق من المؤلفين العبريين، واستكمال المراجع، بالاضافة الى إشارات عرضية وإلى سمات موازية موجودة في المجتمعات اليهودية الشرقية الأخرى. 5 – رافائيل باتاي: يهودي هنغاري الاصل ولد في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1910 في بودابست عاصمة المجر (= هنغاريا)، اعتنق الفكرة الصيونية في مطلع شبابه، وتلقى تعليمه في جامعة بودابست، ونال شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعتها عام 1933م، متخصصاً في تاريخ حضارات الشرق الاوسط ولغاته، بعد نيله الشهادة مباشرةً أي عام 1933م هاجر الى فلسطين لاجئا ليقيم فيها من 1933 الى 1947م، وعمل طالباً ومحاضراً في الجامعة العبرية بالقدس، حيث تابع تخصصه في الشؤون الفلسطينية اولاً ثم العربية ثانياً. وفي عام 1936م نال من الجامعة العبرية في القدس شهادة الدكتوراه الثانية، وكان أول يهودي يفوز بالشهادة من تلك الجامعة، أقام باتاي في القدس خمسة عشرعاماً زار خلالها عدد من الاقطار العربية، وعقد صداقات مع مثقفين بارزين في القدس وفلسطين العربية، وفي عام 1947م هاجر باتاي الى الولايات المتحدة حيث تجنس بالجنسية الامريكية، وعمل استاذاً في علوم الانسان لمدة عشر سنوات، كان يحاضر فيها عن حضارات الشرق الاوسط وشعوبه في جامعات عديدة، مثل: برينستون وكولومبيا وبنسلفانيا، متخصصاً في الانثروبولوجيا والدراسات الثقافية، واشرف على فريق عمل في جامعة نيوهافن، اصدر ثلاثة كتب عن كل من سوريا ولبنان والاردن، كما اصدرت له جامعة بنسلفانيا عام 1962م، كتاباً مشهوراً بعنوان (نهر ذهبي الى طريق ذهبي: المجتمع والثقافة والتغيير في الشرق الاوسط )، وله علاوة على مؤلفاته الكبيرة في التاريخ اليهودي كتب عديدة عن الشرق الاوسط والمجتمع العربي، نذكر اهمها: 1- في الاتصال الثقافي وتأثيره في فلسطين الحديثة. 2- الجنس والعائلة في الانجيل والشرق الاوسط. 3- ثقافات في صراع. 4- العقل اليهودي. 5- العقل العربي الذي أثار جدلاً واسعاً على الساحتين الغربية والعربية، بصدوره عام 1973م أثناء حرب أكتوبر/ تشرين الاول عام 1973م، بالاضافة الى ذلك له مؤلفات أخرى جاوزت العشرة،. حقق شهرته بعد تأليفه للكتاب – العقل العربي- المثير للاعجاب في الغرب وللجدل عند العرب، ولا مغالاة في القول أن هذا الكتاب يعتبرمن ابرز المحاولات التي تقوم بها المنظمة الصهيونية العالمية لتشويه صورة الانسان العربي، وذلك لاستناده الى جهد كبير في عملية التوثيق وجمع المراجع، وتكمن المشكلة في احتفاء الاوساط الرسمية الغربية بهذا الكتاب، انهم يرون فيه مرجعاً لفهم الثقافة والعقلية العربية . رغم ان كاتبه استاذ جامعي هنغاري الاصل، اسرائيلي الجنسية، أمريكي الاقامة، حاصل على شهادتي دكتوراه، وألف اكثر من خمسة وثلاثين كتاباً وستمائة دراسة، لا يحتل هذا الكتاب ولا كاتبه أية مكانة علمية أو أكاديمية تذكر سواء في مراكز البحوث والدراسات أو الجامعات المختصة بالإستشراق لولا أنه: أولا، لم يكن الكتاب (الأكثر رواجا ضمن المؤسسة العسكرية الأميركية، بل أنه الكتاب الأكثر رواجا عن العرب) بحسب ما كتبه جورج حشمة. وثانيا، لولا أنه لم يعتمد كنبراس ومرجع ودليل، من قبل البعض هنا في الولايات المتحدة، من أجل فهم وإستيعاب الطريقة التي يفكر ويتعامل بها العرب أينما كانوا وأينما حلوا. حتى أن الباحث والصحافي الامريكي المشهور( سيمور هيرش) وسمه بـ (إنجيل المحافظين الجدد).”.. أمّا عن أسس ومنطلقات ودوافع وغايات وأهداف القيام بعرض لهذه المخطوطة بعد مرور (وليس إنقضاء؛ بمعنى، أن مفعول هكذا دراسات لا يزال ساريا، فاعلا، بل ومستفعلا حتى) ستة وأربعين سنة على تاريخ نشرها لأول مرة (= 1973م)، فمرتبط أساسا بضرورة فهم صنف معينة من المخطوطات والدراسات المتدوالة على نطاق واسع ضمن العديد من الأوساط الفاعلة أميركيا وعالميا. وهو أحد أبرز الباحثين اليهود في مجال الأثنولوجيا (علم دراسة الانسان ككائن ثقافي) خلال سنوات الثلاثينيات من القرن الماضي.ولربما لهذا السبب قام باتاي صاحب الكتابين الشهيرين ‘العقل اليهودي’ و’العقل العربي’ بإعادة الحياة كما يقول إلى كتاب باور، الذي ما كان له أن يرى النور لو لم يكمله باتاي ويصدره بنفسه. صحيح أن نظرة الاعجاب بجهود إريك باور كما يبدو كانت دافعا قويا لباتاي، إلا أن هذا اليهودي ذا النزعة الصهيونية المتطرفة إنما وجد في الكتاب وفي الحدود التي تناقشها كتاباته (الأنثروبولوجيا) ما يدعم مشروع الدولة اليهودية والبحث عن هوية يمكن لليهود أن تلتئم جموعهم المتناثرة حولها، وهم القادمون إلى الدولة من أصقاع وبيئات وثقافات لا يجمعها رابط سوى الدين. وفي معنى آخر فإن باتاي الذي اتجهت جهوده قبل تأثره بصاحب هذا الكتاب نحو البحث في الفولكلور التاريخي لما يقول عنها أنها حقب الكتاب المقدس والتوراة، سرعان ما اتجهت اهتماماته لدراسة الأنثروبولوجيا المعاصرة لأقوام الشرق الأوسط وللمجتمعات اليهودية باهتمام أكبر، وهي الاهتمامات التي دفعته لتأليف الكتابين سابقي الذكر اللذين أثارا حين صدورهما ضجة كبيرة، لما فيهما من الرأي المتطرف والافتراء الكبير على العقل العربي، في مقابل ما يسبغها باتاي من الصفات الحسنة لعقل اليهود الذين يجمع مؤرخون وباحثون كثيرون غربيون وشرقيون على حد سواء، بأنهم إنما عاشوا كمجموعات هامشية وسط الشعوب غير اليهودية في هذا البلد أو ذاك، حتى وإن كان كل من باور وباتاي قد وجدا في يهود كردستان الجذر الذي يمكنهما الحديث عنه، باعتباره أحد الجذور التي ستقوم عليها أسطورة الدولة التي سوف تقوم بسرقة وجودها من ضمير التاريخ الذي إن لم يكن لليهود فيه وجود مؤثر، فإن باتاي الذي أعاد الحياة لكتاب إريك باور بعد كل تلك السنوات التي انقضت على موت الرجل، سيعمل من أجل تزيين صورتهم، وهو يبحث لهم عن هوية ووطن، بعد أن نكون قد رأيناهم في هذا الكتاب الذي ليس هو من كتب السيرة أو الرواية أو غيرهما مما يرتبط بالقص وعالمه، يعيشون في تميز واختلاف عن بقية الكرد من الأكثرية المسلمة كما يسميها، بالنظر إلى أكثر من دالة في مقدورنا رؤيتها بوضوح، على الرغم من الانتقادات التي تقدم لهم هنا وهناك في صفحات الكتاب، والتي سرعان ما تجد تبريرها من خلال إلقاء تبعة ذلك على جيرانهم المسلمين. يقول باتاي في التقديم إلى الكتاب على سبيل المثال ‘إن مزودي باور بالمعلومات (كما كانت الحال معي لخمس سنوات بعد ذلك) أوضحوا بجلاء أن اليهود الكرد في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية، كانوا يتعاملون مع بعضهم البعض بفظاظة وخشونة وعنف سواء في الجد أو الهزل، فالقوي يضرب الضعيف، والمتنفذ يضرب من هو أدنى منه، والمعلم والوالدان يضربون التلميذ، والنساء يضربن من قبل بعولتهن .. هكذا كانت الحال، والسرقة والتخريب اللذين تحرمهما التقاليد في العادة، كانا من الأمور العادية، وباتت متعة اليهود الكرد منصبة على الجنس والدعارة، وقد انتقل البعض من هذه العادات مع المهاجرين إلى إسرائيل. ويظهر التبرير الذي يبرئ فيه باتاي بني ديانته على النحو التالي ‘وبما أن اليهود كانوا قلة والمسلمين الكثرة، فيمكن أن نتوصل إلى استنتاج أن هذه السمات التي اتسم بها اليهود الكرد ظهرت كنتيجة لتأثيرات البيئة الثقافية التي تشربها اليهود عن الغالبية المسلمة. أي بمعنى آخر فإن لدينا مجتمعا يهوديا تشرب بهذه الصفات الغريبة جدا عن طبائع اليهود من البيئة الاجتماعية غير اليهودية التي عاشوا ضمنها لأكثر من ألفي سنة. يقع الكتاب في ستة أقسام. وباستثناء ما يعدها باتاي من النواقص كغياب فصل خاص باللغة، وآخر خاص بالموسيقى اليهودية وغيرهما خاص بالنظام العقائدي لليهود الكرد، إلا أنه يعتبر من الوثائق الهامة التي يمكننا أن نطل من خلالها على الكثير من جوانب حياة اليهود الكرد، وعلى الرغم من الملاحظات التي يمكننا الاشارة إلى أهمها كالتعصب لأبناء الملة، والتحامل على الآخر المسلم، والاكتفاء بالاعتماد على عنصر السماع وعدم المعاينة، وهي من الأمور التي تضعف المنهج وتسحق حيادية ونزاهة الباحث، إلا أنه مما يثري ويضيف لما عند الواحد منا من الخزين المعرفي حول اليهود عموما ويهود كردستان بشكل خاص، صحيح أنه من الصعب وضع حدود تفيد في معرفة ما أنجزه كل من باور وباتاي، إلا أنهما كليهما في ورشة كتابتهما المشتركة، قدما لنا درسا في كيفية ظهورالهويات، ومثله في كيفية تحقيق الانبعاث من تحت الرماد، لتأسيس دولة من العدم، وفي مكان آخر سوء الذي عاشت فيه المجموعات اليهودية باستثناء الفلسطينية منها، وهو المكان الفلسطيني، الذي سيحمل إليه كل من باور وباتاي الفرد اليهودي الذي عاش كما يقول باتاي منذ أكثر من ألفي عام في كردستان، حتى وإن كانت الهجرة من المكان الأصلي إلى الآخر الموعود توراتيا قد وقعت قبل طباعة الكتاب وظهوره للوجود. سوف نقرأ في المحتوى عن تاريخ اليهود الكرد، وعن تراثهم المادي، والآخر الروحي. وسنقرأ عن العائلة اليهودية وخصائصها المميزة لها عن غيرها. سنقرأ حول الزواج والوفاة وطقوسهما. أيضا سوف نقرأ عن اليهود المزارعين، وعن التجار منهم. سنقرأ الكثير مما يرتبط بأنثروبولوجيا هذه المجموعة من الكرد ذات الديانة اليهودية، وعن الأعياد وما يرتبط بمختلف جوانب تراثهم الثقافي. وفي صريح العبارة فإن رافائيل باتاي الصهيوني إنما يقدم الدرس البليغ أيضا وبالنظر إلى عمله في مواصلة جهد باور الذي مات كما أشرنا قبل أن يكمل الكتاب، لكل من يسعى لمعرفة الكيفية الأفضل للمحافظة على التراث من طغيان الآخر، ولن يضعف من قوة تعصبه لصهيونيته استشهاده برأي لهذا أو ذاك من الرحالة الذين جابوا أرض كردستان وكتبوا عن اليهود الذين شاهدوهم، فذكروا عيوبهم ومساوئهم الكثيرة، كمثل ما يأخذه عن الظاهري في وصفه ليهود كركوك الذين قال عنهم بأنهم رجال خطيئة خليعون فاسقون، وكمثل ما يأخذه عن بنيامين الثاني الذي يقول في يهود بارزان : “إن الجهل الذي يعانيه إخواننا اليهود هنا كبير لدرجة أنهم لا يقدرون معه على تلاوة صلواتهم. وعليّ الاقرار هنا متألما، بأني لم أرهم في أي مكان في مثل هذا الوضع المزري غارقين في مثل هذا الفساد الخلقي، كما رأيتهم هنا.إنها عبارة بليغة هذه التي يقدمها مؤلفا الكتاب ” . لكن اتجاهات هجرة اليهود متنوعة، فاليهود الكرد (وهو ما علينا تأكيده) ليسوا بشعب متجانس، بل إنهم جاؤوا إلى كردستان في موجات عديدة، هي بليغة لأنها في جانب منها تؤكد صواب ما أشرنا إليه. وعلى أية حال، فقد اعتاد الكتاب اليهود : روفائيل باتاي، وإريك براور من بينهم على تحويل اللاتجانس إلى تجانس، كما هي الحال في تحويلهم الأرض المليئة بسكانها الاصليين من الفلسطينيين إلى أخرى بلا شعب، تنتظر من يملأها ويحقق فيها تجانسه الذي لا نعتقد بأنه سيتحقق تماما بحيث يصبح على غرار ما هو عليه التجانس عند غيرهم من الشعوب، وهو ما ينذر بزلزال سوف يحدث، إن لم يكن في وقت قريب، ففي زمن لا بدّ ان يأتي. هل يعقل ان يؤلف كتاب مكون من 466 صفحة ويصدرعام 1973م، وفي طبعات منقحة ومعدلة في الاعوام 1980، 1984، 2007م، وهذا الكتاب أُقرعلى جنود القوات المسلحة الامريكية المكلفين بالخدمة في الشرق الاوسط والعراق بالتحديد على مسمع ومرأى من العالم الغربي، فيقابله جهل مطبق وتجاهل من العرب من دون التعامل مع هذا الكتاب في شكل ترجمات وسلسلة من القراءات والمناقشات، يعقبها قيام فرق من الباحثين يقودها نخبة من العقليات العربية بتكليف من المؤسسات الثقافية والاعلامية العربية لاصدار مجموعة من المؤلفات باللغات الاجنبية لمخاطبة العقل الغربي وتقديم صورة حقيقية عن العقل العربي؟. توفي باتاي في 20 يوليو/تموزعام1996م في مدينة تكسون في ولاية أريزونا في الولايات المتحدة الامريكية عن عمر تجاوز الخامسة والثمانون عاماً.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here