الناقد الأدبي المثالي: الأهليّة والأداء

ترجمة: هاشم كاطع لازم – أستاذ مساعد – كلية شط العرب الجامعة – البصرة

أولا / المزايا الأساسية

1. لابد أن يتمتع الناقد الأدبي المقتدر بأحساس رفيع وأن يمتلك قدرة كبيرة على تلقي الأنطباعات والأفكار وألأحاسيس التي تنشأ عن العمل الأدبي الذي يعكف على دراسته.

2. لابد أن يكون الناقد واسع الأطلاع وذا معرفة عميقة لأن ذلك سوف يعزز فهمه وعليه أن يختزن الكثير من الأفكار والأنطباعات التي يمكن أن تعدّل وتحدّث لاحقا من خلال أية فكرة لاحقة تحتضنها الأعمال الأدبية التي يفكر مليا فيها. وبهذه الطريقة سوف يتمكن الناقد من تاسيس نظام افكار وأنطباعات تمكنه من اطلاق أحكام عامة ذات صلة بالجمال الأدبي. ومثل هذه المقدرة على التعميم تعتبر جوهرية للناقد المثالي ولاسبيل الى بلوغها الا بالأطلاع الواسع.

3. يتعين على الناقد المتمكن أن يكون موضوعيا وحياديا الى حد بعيد فعليه أولا أن لاينساق بفعل صوته الداخلي أنما لابد أن ينقاد الى نوع من المرجعية التي تقع خارج نفسه. في هذا السياق يورد أليوت Eliot نوعين من النقاد غير مكتملي الأهلية يمثلهما كل من أرثر سايمونز Arthur Symons وأرنولد Arnold ، فسايمونز يتصف بالذاتية المبالغ فيها والأنطباعية أما أرنولد فهو جاف للغاية وميال الى الدرس والتفكير والتأمل والنزعة التجريدية. وينظر أليوت الى أرسطو بأعتباره ناقدا متكاملا لأنه يتحاشى كلا الخللين حيث أن النقد على يديه يبلغ حد العلم.

4. لاينبغي أن يكون الناقد المتمكن عاطفيا لأن ذلك يتنافى مع صفة الموضوعية التي تميزه. وعليه أن يسعى لضبط تحيزاته وأهواءه الشخصية ، ولابد أن يتمتع بأحساس تدرب عليه كثيرا وكذلك أحساس بالمباديء البنيوية وأن لايرضى بالأنطباعات الغامضة والعاطفية فالنقاد الذين يطرحون أنطباعات ووجهات نظر وأهواء غامضة وعاطفية فحسب يتسببون في أفساد ذوق الناس.

5. يعتبر توفر أحساس متطور للغاية في التعاطي مع الحقائق أمرا هاما بالنسبة للناقد المثالي. والأحساس بالحقائق لايعني بمفهوم أليوت المعرفة الأجتماعية أو تلك المتعلقة بالسيرة الذاتية أنما المعرفة بالتفاصيل الفنية لقصيدة ما ويشمل ذلك أصلها وخلفيتها وغير ذلك. ومثل هذه المعرفة بالحقائق تجعل من النقد عمليا وموضوعيا ، ثم أن الناقد يستخدم تلك الحقائق في بلورة تقييمه للأعمال الأدبية. أضف الى ذلك يقف اليوت موقف الضد من مدرسة (عاصرة الليمون) lemon-squeezer النقدية التي تعمد الى (عصر) كل جزئية معنى يمكن اقتناصها من المفردات والأبيات الشعرية.

6. على الناقد الأدبي المثالي أن يتحلى بحس عال للغاية بالتقاليد والأعراف ، فأطلاعه الواسع ينبغي أن لايقتصر على أدب بلاده فحسب أنما يتعين عليه الأحاطة بالأدب الأوربي أبتداء من هوميروس الى الوقت الحاضر.

7. يمكن للشعراء أن يكونوا نقادا بارزين ، فالناقد والكاتب المبدع يمثلان في الغالب الشخص ذاته. ومثل هذه الفئة من الشعراء – النقاد يتوفرون على معرفة واسعة وفهم متميز لعملية الأبداع الشعري لذا فهم في وضع يجعلهم قادرين على نقل فهمهم الى قراءهم.

8. يتصف الناقد المثالي بفهم واسع للغة الشعر وبنيته وينبغي أيضا ان يكون مطلعا على موسيقى الشعر لكون الشاعر يتواصل مع قراءه عبر معاني الكلمات فضلا غن أصواتها.

9. لابد أن يكون الناقد الأدبي متمكنا من كل من (المقارنة والتحليل) أثناء تقييمه النصوص الأدبية حيث أن أستخدامهما لابد ان يكون دقيقا وماهرا. وعليه أيضا ان يعرف طبيعة المقارنات وكيفية اجراءها وكيفية تحليل النصوص. وهو في عمله النقدي لابد أن يقارن الكتاب المعاصرين باقرانهم الذين عاشوا في الزمن الماضي ليس من باب أصدار الأحكام أو تحديد مواطن الجودة أو الرداءة فحسب ، أنما العمل على أيضاح سمات العمل الأدبي الذي يتصدى لنقده. بمعنى أخر على الناقد أن يكون ذا معرفة شاملة تعينه على أستخدام أدواته بفاعلية.

10. على الناقد أن لايطبق معايير الماضي ومبادئه على الحاضر في أطلاق أحكامه حيث أن كل عصر يتصف بمتطلباته الخاصة به وعليه فأن القواعد والموازين الأدبية لابد أن تتغير من عصر لآخر. من هنا يتعين على الناقد أن يكون ليبراليا في أبداء آرائه وأن يكون على استعداد لتصحيح أرائه ووجهات نظره وتنقيحها من وقت لآخر في ضوء الحقائق الجديدة.

بأختصار ، يتعين على الناقد المثالي أن يتحلى بالصفات الآتية وبشكل متميز: الحساسية وسعة المعرفة والأحساس بالحقائق وكذلك التاريخ والقدرة الكبيرة على التعميم.

ثانيا / وظيفة الناقد

1. تتمثل وظيفة الناقد في تسليط الضوء على الأعمال الأدبية ويتحقق ذلك من خلال (المقارنة والتحليل). ولاتنصب المهمة على تفسير الأعمال الأدبية حيث أن التفسير يتسم بالذاتية والأنطباعية. من هنا فأن نقادا مثل كوليردج Coleridge وغوته Goethe اللذين يميلان الى تفسير الأعمال الأدبية أسهما في أفساد ذائقة الجمهور كثيرا فطرحهما يقتصر على الاراء والأهواء الذاتية فحسب مما يؤدي في الغالب الى تضليل القراء. يتعين على النقاد أذن أن يضطلعوا بمهمة وضع الحقائق أمام القراء فحسب لأن ذلك حري بأعانتهم على الشروع بتفسير الأعمال الأدبية بأنفسهم. بوجيز العبارة ، وظيفة الناقد تحليلية وتوضيحية وليست تفسيرية أو تأ ويلية ، لذا فأن التحليل والمقارنة المنهجية والحساسية والذكاء وحب الأستطلاع والعاطفة الشديدة والمعرفة الواسعة كلها تمثل أدوات ضرورية للناقد المقتدر.

2. لابد أن يتحلى الناقد بذائقة مهذبة وصائبة ، فمن خلاله يمكن تهذيب ذائقة الناس بمعنى أن بمقدوره أن يمكّن الناس من الحكم الأيجابي والمفيد على النصوص الأدبية المقروءة فضلا عن ما يتعين علينا تجنبه بأعتباره غير ذي قيمة أو أهمية. كما يجب عليه تطوير فهمهم وقدرتهم على التمييز.

3. على الناقد أيضا أن يعزز الأستمتاع بالأعمال الأدبية وفهمها ، ولهذا الغرض ينبغي عليه أن يطور الأحاسيس الجمالية والفكرية لدى القراء.

4. يمثل نقل أهتمام القاريء من الشاعر الى الشعر ذاته وظيفة أخرى للناقد فالأحساس الفني أمر موضوعي يتميز عن أحساس الشاعر لأن القصيدة كيان قائم بذاته ولابد من أصدار حكم موضوعي عليها دون أية أعتبارات شخصية أو أجتماعية أو تاريخية. وحين يضع الناقد الحقائق ذات الصلة بالقصيدة أمام القراء فأنه يسلط الضوء على طبيعتها اللاشخصية المجردة وبذا يتعزز الفهم الصحيح.

5. لابد أن يكون النقد في خدمة الأبداع حيث أنه يؤدي دورا بالغ الأهمية في العمل الأبداعي نفسه فالشاعر يبدع في كتابته القصيدة غير أن الناقد في داخله يعمل على التمحيص والربط والتصحيح وأقصاء كل مالاتمت صلته بجوهر العمل الأبداعي ، وبهذه الكيفية يضفي التمام والكمال على العمل الأبداعي. بوجيزالعبارة ، لايمكن للعمل الأدبي أن يتحقق دون جهد نقدي.

6. تشمل وظيفة الناقد أيضا العمل على أيجاد مباديء مشتركة سعيا وراء أهداف النقد. ولبلوغ مثل هذا الهدف (يتعين على الناقد أن يتحكم في ميوله وتحيزاته وأن يتعاون مع النقاد الآخرين من الماضي والحاضر بهدف الوصول للأهداف الصحيحة). وعليه أيضا أن يدرك بأن سائر الحقائق غير نهائية بطبيعتها وعليه عندئذ أن يصحح آرائه ويعدلها حيثما برزت حقائق جديدة.

7. لاتأخذ وظيفة النقد منحى قضائيا فليس من واجب الناقد أن يبدي حكما أو يبين مواطن الجمال أو القبح فوظيفته الأساسية هي وضع أبسط أنواع الحقائق أمام القراء لأعانتهم على بلورة أحكامهم الخاصة بهم. كما أنه لايطلق التصريحات أو ينقل المشاعر بل يتعين عليه تحفيز العملية. والناقد يمثل مصدر أثارة للفكر من خلال ضمان مشاركة القراء الفاعلة في العملية النقدية.

8. على الناقد أن يسعى للأجابة عن سؤالين هما: (أ) ماالذي يعنيه الشعر؟ و (ب) هل القصيدة المعنية جديرة بالدراسة؟ أضف الى ذلك يأخذ النقد شكلين فهو نظري في مايخص طبيعة الشعر ووظيفته وكذلك العملية الشعرية ، وهو أيضا عملي من خلال تقييم الأعمال الأدبية. من هنا يتعين على الناقد أن يربط دروس الزمن الماضي بالزمن الحاضر.

خلاصة

يتسم مفهوم أليوت حول الناقد بكونه تقليديا فهو يصر على (أحساس كبير بالحقائق) وهو يشدد على المعايير الموضوعية والأحساس بالتقاليد والأعراف الأجتماعية ، لكنه يرفض ذاتية الرومانسيين. أن الأهتمام بالقصيدة بأعتبارها شيئا موضوعيا يحظى بأهمية خاصة في أطار المذهب الكلاسيكي الذي يتبناه اليوت.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here