كورونا … ونهاية سلطة القانون

لم يكن مسموحاً قبل اليوم البوح بما هو وحول ما يمكن أن يكون عليه العالم ، لكن الأقدار المجهولة قد باغتت العالم من غير رحمة ومن دون تمييز لتقلب الحياة رأساً على عقب ، لقد نبهت منظمة الصحة العالمية بعد حين وبعبارات صادمة ما يمكن أن يحدثه أو يسببه هذا الوباء على الصعيد الدولي ، و كان ملفتاً هذا التجييش غير المسبوق من جميع الدول والقطع المبرمج للحدود وللصلات بين الدول والمجتمعات يُنبئنا هذا وكأن أمراً كبيراً ما سيحدث لا حقاً حتماً .

وبعيداً عن الضوضاء والصخب الإعلامي كان لابد من وقفة مع هذا التسونامي الجارف الذي أختلف الناس في تصنيفه كلاً حسب طبيعته وطبيعة المتبنيات التي يتبعها .

ان وضعاً جديداً سيقرر للعالم حسب مقاسات جديدة ومعطيات جديدة وهي بحدود ما يقوله أهل الشأن ( سيادة النزعة استبدادية القائمة على هيمنة المعرفة الذكية ) ، وفي أوربا وضمن مصانع القرار الإستراتيجي تبدو هذه النظرية غالبة ، وقيل لنا إن لها ما يبررها بعدما سادت الفوضى في النظام الإجتماعي والثقافي والإقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية ، والغرب عموماً يتعرض جراء هذا الوباء إلى هزات عنيفة في المال والإقتصاد وحتى على الصعيد السياسي ، وليس سهلاً ما يتعرض إليه السكان الأصليين من هذا الوباء اللعين ، لكنهم مؤمنين بأن المستقبل هو المهم وإنه لا بد من إعادة النظر بمفهوم ( سيادة القانون والديمقراطية والأسواق المفتوحة ) ، والمشرع الغربي يعتبر نظرية سيادة القانون في شكلها الحالي عبئاً كبيرا وله آثارا خطيرة على المستوى الإجتماعي والإقتصادي والثقافي والنفسي .

كذلك ولم تكن الديمقراطية ولا الأسواق المفتوحة بقادرة على صناعة ثقافة التعايش في ظل القانون ممكنة ، وبعدما زاد عدد المهاجرين بنسب خطيرة مما يشكل هذا خطرا جديا على مستقبل أوربا والغرب عموماً ، ولم تكن نشأت القوى المتطرفة والراديكالية خارجة عن السياق ، بل عدها المشرع الغربي نتيجة طبيعية للخلل في ميزان الحياة الإجتماعية والثقافية ، ناهيك عن الطريقة السيئة التي يُقدم الشرق فيها نفسه للعالم ، من خلال متبنياته الثقافية والإجتماعية والسياسية ، ولم يكن ممكناً القبول بهذا الكم من صناعة العنف والتطرف وتصديره تحت مسميات دينية عممت الفوضى وأرهقت المجتمعات بثقافات بدائية ، ساعد في هذا صعود وتنامي نوعاً من الأحزاب والمنظمات والشخصيات التي تبنت ذلك وروجت له وفقا لمصالحها ورغباتها ، وكانت الحروب المحلية والأهلية ذات الطابع المذهبي والطائفي الوجه البشع عن ذلك التقديم السيء .

في ظل هذا لم يكن ممكناً القبول بالديمقراطية ولا بنظرية الحقوق الطبيعية ذات معنى في ظل هذه الفوضى ، وفي المقابل عجز النظام الغربي أن يجد آلية يمكنها التغلب على هذه الظواهر المتطرفة ، وكان ما يقدمه من حلول ومعالجات عبارة عن ردود أفعال أو إفتعال مشاكل هنا وهناك على أمل التخفيف من عبء التحدي .

وإذا برأنا الإنسان من صناعة هذا الوباء فهناك اعتقاد واقعي بانه قد جاء في وقته ، ليساهم في معالجة ما كان يعتبر تحديا للقانون وسيادته وللحقوق ، كما لم يكن ممكناً جعل التغيير في القوانين طبيعياً لدى قطاعات واسعة مؤمنة بنظرية الحرية والعدالة والقانون ، لهذا كان الوباء هبة من الله أو من الطبيعة وقد جاء في وقته ليرفع عن كاهل المشرع ما كان يخشاه أو يعتبره تحدياً إجتماعياً ، فكان هذا

الوباء النموذج الذي يحدد شكل العالم القادم من غير ان يحدث إهتزاز إجتماعي ، خاصةً وصناع القرار والمشرعين كانوا مؤمنين بالتجديد والإلغاء للنظام القديم في نفس الوقت .

وهنا سأستعير تلك المقولة التي تبناها كورباشوف ونادى بها قبل نهاية الحرب الباردة إنها ( البيرسترويكا ) إنه الإلغاء والتجديد ، ولكننا هنا سنوظفها وفقاً لنظرية المعرفة الجديدة حول سلطة التكنولوجيا الذكية وقدرتها في إنهاء حقبة عالم الإستهلاك والرفاهية ، وبالتالي إعادة تشكيل العالم على أسس ومضامين جديدة ولعل من أبرزها ذلك المصطلح الذي يقول : إنما ( الإنفاق بقدر الحاجة ) ، وهذا التعبير يعيدنا للحقبة التي تبناها ماركس وأنجلز في زمن ما ، وهو ما يظهر جليا في ذلك المقال المنشور في الجيوبلتيكس للكاتب الفرنسي جاك أتالي .

نعم إنه عصر جديد وعالم جديد سوف يُبنى ولن يكون فيه للضعيف دورا ولا قدرة ، وكأننا على أعتاب مرحلة من الإستبداد الذي تتحكم به التكنولوجيا الذكية وعالمها المتعدد الإتجاهات ، وفي ظل ذلك سينكمش دور العالم القديم بنسخته التي تشكلت بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي وتلك حتمية تاريخية وواقعية ، ومعه ستزول تلك المجتمعات البدائية ذات التقاليد البالية ، وأعني هنا زوال الكثير من المجتمعات العربية ذات الثقافات والتقاليد العتيقة .

وكان مقدمة ذلك أن سد العالم أبوابه ومايؤدي إليه ، وفي ذلك أيذآن وتفكير جدي بطرد المهاجرين وإعادة توطينهم في بلدانهم الأصلية ، يشمل هذا القرار قطاعات واسعة ممن يعتبرون عالة على المجتمعات الغربية ، وسوف ينتهي مفهوم السوق المفتوحة وستعود أوربا كما كانت قبل الإتحاد ، وسيعمم المفهوم الوطني

للدولة القطرية ، وقد أشار إلى ذلك أحد المسؤولين في السويد من غير قصد ، وهذه حقيقة يجب النظر إليها بعناية وجدية ، حيث سيكون الإقتصاد من الآن فصاعداً أكثر صرامة ، وستتحكم فيه قوى جديدة تخضع بدرجة كبيرة للتكنولوجيا الذكية ، فكانت الكورونا إذن إيذآنا بنهاية عصر وبداية عصر جديد ..

آية الله الشيخ إياد الركابي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here