كورونا وكشف المستور في الدولة العراقية

لا نبالغ إذا قلنا بأن الشعب العراقي يعيش في دوامة من الخوف في ظل الظروف اليومية الحالية القاسية التي يمر فيها في المحجر من تردي الخدمات العامة وفي تكدس القمامة في الشوارع و الصحية على نطاق واسع في عدم تطوير المستشفيات والمستوصفات وبنائها رغم الجهود العظيمة التي يبذلها الكادر الطبي بجهود ذاتية والتي لا يمكن انكارها ولهم جزيل الشكر والتقدير وعجز الجهات الامنية في حمايتهم من المتطفلين من العنف وحتى القتل؟ وتراجع الموارد و النقص في الأنظمة والقوانين التي تنظم مؤسسات الدّولة المختلفة، وتحدّد علاقة بعضها مع البعض الآخر، إضافة لنقص الكفاءة البشرية الصحية ومستلزماتها في الازمة الحالية لمقاومة فيروس كورونا المنتشر والتي تشابهت في إدارة مؤسسات الدّولة الاخرى، الاجتماعية والخدمية منها على سبيل المثال لا الحصر البطالة و الفقر ونقص الخدمات ،الكهرباء، مياه الصرف الصحي، تبليط الشوارع، خدمات النظافة، قلة المدارس وغير ذلك الكثير ولو كانت هناك نيات حسنة لكان العراق قد تطور كثيراً خلال ست عشرة سنة الأخيرة وبحكم المبالغ الضخمة المنهوبة من المبالغ المخصصة في الموازنات السنوية الانفجارية العامة. ومن المؤلم أنْ يستمر البعض من كبار المسؤولين والوزراء، بأحالة المشاريع خلاف القوانين المرعية واستغلال ضعف وغياب الدولة ومنها عقود ضمان المتقاعدين لهيئة التقاعد العامة والمعلمين في وزارة التربية والتعليم والفساد في الاحالة الى تلك الشركات الوهمية التي لا تمتلك اي مؤهلات للعمل المدعومة من جهات سياسية “بدل الشركة الوطنية للتأمين العريقة التابعة للدولة “والتي تم الحديث والكشف عنها اخيراً وكثرة المرتشين والفاسدين والتعامل بمبدأ المحسوبيّة والمنسوبيّة على حساب العقول والكفاءات العلمية .

هناك عاملاً آخر أثّر سلباً في رسم معالم الدّولة الديمقراطيّة الصحيحة، هو عدم وجود ثقافة الديمقراطيّة عند أغلب القائمين على العمل السياسي، ونقص الحسّ الوطني عند البعض منهم.و غياب عملية المتابعة، التي تبدأ من رأس الهرم إلى قاعدته، للوصول إلى الأهداف المنشودة فكان فشل رئيس الجمهورية وما أقدم عليها في ترشيح اشخاص مثل عدنان الزرفي بطريقة غير دستورية ومخالفة قانونية لرئاسة مجلس الوزراء وفي عملية مقصودة فيها مضيعة للوقت ويعلم مسبقاً بعدم مقبولتهم عند الاحزاب والكتل السياسية و بخطوةً استفزازية بدل لتفكيك الأزمة الحالية التي يواجهها في التكليف بسبب الخلافات الحادة بين الكتل وتعيش الحكومة في أجواءٍ ضبابيَّةٍ ولا تزال الأزمات السياسية في العراق تتفاعل و قد تولد أزمات فرعية ،فيما تستمر الكتل السياسية في الهيمنة على مفاصل القرار والتسابق لتعزيز نفوذها استعدادًا لاستئناف الصراع .

اما حكومة تصريف الاعمال المتمثلة برئيسها الدكتور عادل عبد المهدي ووزرائه والتي أصيب العراقيون بخيبة امل كبيرة منهم في قطع الوعود المعسولة وتوغَّلت بعض الوزارات في الفسادِ وسوء الإدارةِ و التي تتحمل تبعات الإخفاقات في العملين السياسي والإداري والتي اشارت الى اصلاحها في برنامجها الحكومي ، بقيت تناور بشكل كبير من أجل اخفاء الفشل في إدارة الدّولة وسياسة التنكيل والإفساد وشراء الذمم ولم تكشف اسباب التلكؤ وحقائق المسببين أمام الشعب العراقي و لم تعط حكومته في هذه المدة أي إشارات لإرادة سياسية حقيقية في بيان اسباب الانحدار ولاعادة الحياة العامة، وقطع كل مظاهر الفساد والرشوة والريع واستغلال للنفوذ،رغم إقرار الجميع بخطورة ذلك على مستقبل البلاد والتنمية الشاملة المستدامة، ولم تنكب على معالجة أوجه المشاكل المختلفة التي يعاني منها الشعب وواقعه المتردي وخابتْ بها آمالُ الجماهير؛ فلمْ تتوقَّف معاناتُهم, جرَّاءَ تعاقبِ الحكومات المتتالية والمتهمة بالفشل ، ولم تخطوا ولوخطوة واحدة لتصحيح هذا الوضع المختل، واسترجاع ثقة المواطن،من خلال تطبيق فعلي وحقيقي لمبدأ مراقبة البرلمانيين والمسؤولين ، وربط المسؤولية بالمحاسبة . وأخلت بالوعود مع مختلف شرائح المجتمع التواقة إلى الاصلاح وتحسين أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمهنية ، عوض تأهيل هذه الطبقات وتمكينها من المقومات الأساسية للمشاركة بعقلية متفتحة،في مسار التطور التنموي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي و خرج الناس الى الشوارع لكشف عورات هذا النظام وعجزه عن أن يكون نظاماً فاعلاً لإدارة المصالح والحاجات الاجتماعية، محتجين على النخبة وفسادهم، وتجريدهم، ولو رمزياً، من الشرعية التي يدعونها لانفسهم .

واعضاء مجلس النواب العراقي المتغيبن عن الولاء للشعب في تنفيذ العهود التي قطعوها على أنفسهم وأقسموا على تنفيذها والشعارات التي طرحوها خلال توليهم مسؤولياتهم الرسمية قد ولد أزمة الثقة بينهم وبين الشعب العراقي على المستويات التشريعية والقانونية ، و لا يزال هناك الكثير مما ينبغي عليه عمله لتنفيذه على أرض الواقع، وبلوغ الغاية المرجوة في الورش الوطنية الاستراتيجية المتمثلة في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وتحقيق الحوكمة الصحيحة ،من خلال تحلي الفاعلين السياسيين بالإرادة الحقيقية لتفعيل هذا الطموح وخلق جو حقوقي ايجابي، وتصفية الأجواء العامة، وتوفير الشروط الضرورية ،لمحاربة الفساد واستغلال النفوذ ، والحد من افلات الفاسدين من العقاب،واستحضار المصلحة العليا للوطن .

هنا لا بد وان نكون صريحين من ان الشعب العراقي يتحمل جزءًا من المسؤولية في الوضع الذي وصال اليهم من خلال الولاء المطلق والسريع في الأنتخابات لجهات وإنقيادهم الى كتل سياسية نكلت بهم وبشكل أعمى دون بصيرة انتخبوهم واقفين في دعمهم لنظام المحاصصة الطائفية وإنسياقهم لقبول حالة الأحتلال للبعض الاخر وترويج لقيم الديمقراطية الكاذبة ووعود الغير الواقعية بتوزيع الثروات عليهم خلافاً للمصداقية ورغم ان الثروة الوطنية لكل مواطن الحق فيها، وقد كشفت الظروف أن الولاءات الطائفية ليست وطنية انما تتسم بالانانية بالهامشية والسطحية وسريعا ما تخرج عن الطبيعية وتتشتت في إتجاهات متباينة، وتشكل خطورة الى حد ما إذا كانت الأتجاهات متعارضة بشكل خطيرقد تهدد بدفع البلاد الى حافة الأنهيارلا سامح الله

عبد الخالق الفلاح- باحث واعلامي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here