لعالم يتشكل من جديد

علياء الانصاري/ كاتبة ومديرة تنفيذية لمنظمة بنت الرافدين . .

أيّ قدرة هذه أستطاعت أن تلغي صراع القوى العظمى، وتقول لها: لم يعدّ لك فصل القول.. تم إخراس كل الاصوات. ايّ قدرة هذه أستطاعت أن توقف كل المؤتمرات والفعاليات السياسية والاقتصادية والرياضية والفنية والثقافية والتجارية ووو .. العالمية، وتجعل قادتها وأصحابها جليسي بيوتهم.. لا يقوون على تحريك رخّ واحد من رقعة الشطرنج خاصتهم. أيّ قدرة هذه أدخلت أطباء الكون كلهم، في إنذار طارئ، جعلتهم جنود الخط الأول للنار.. ولم يعدّ بأستطاعتهم العودة. أيّ عظمة هذه التي أوقفت كل المشاريع والبرامج والخطط لكل الناس.. وجعلتهم قعود في بيوتهم .. لا يعرفون متى ستعود الحياة لتلك المشاريع والبرامج والخطط!! من هذا الذي يريد أن يجعلنا جلوس منازلنا.. نخشى الخروج، نخشى الاختلاط.. نتوخى الحذر عند لمس أي شيء من حولنا، ونحن الذين كنا نمرح ونتحرك ونفعل ما يحلو لنا سواء كان صحيا أم غير صحي، حسنا أم غير حسن.. من كان يبالي!! من هذا الذي أجبرنا على الإنصياع لممارسة طقوس لم نكن نألفها سابقا، طقوس الأكل، طقوس النظافة، طقوس النوم، طقوس التواصل مع الآخرين!! أي قدرة كبيرة وعظيمة فعلت كل ذلك؟ هي قدرة تريدنا ان نتساءل: (لمن الملك اليوم)؟. هي يد حنونة تدفعنا الى (لعلهم يفقهون / لعلهم يعلمون / لعلهم يتذكرون). هي حكمة تطلب منا التأمل في : (وخُلق الإنسان ضعيفا).. نعم، ضعيف جدا.. هزّه مخلوق صغير جدا لا يُرى .. كائن مجهول دمرّ حياته، سلبه سطوته وجبروته، سلبه تفاصيل يوميه التي أحبها .. سلبه راحته وأمانه. فيا أيها العالم.. بعد أن توقفت، أتمنى أن تكون هذه المرحلة، إستراحة مقاتل، لتعود من جديد الى الحياة، ولكن بحليّة جديدة.. وبرؤية أخرى. ما تريده هذه القوة العظمى منا، أن نعيد النظر في كل حساباتنا كأفراد ومجتمعات ودول.. ما تفعله هذه القوة العظمى معنا، يشبه عملية تطهير … سيسقط منا الكثير، سنخسر الكثير، لكننا سنتعلم، من المفترض أننا سنتعلم (وإلا سنكون من الخاسرين فعليا). سنطهر عقولنا، قلوبنا، أرواحنا، أفكارنا، طقوسنا، عاداتنا، أدواتنا، قوانينا… (كما نطهر ونعقم أيدينا)!! سنطهرها من الظلم والكره والحقد والعدوان والتجاوز على الآخرين، والعنف ضدهم. سنطهرها من الإنانية والجشع والطمع، وسلب الآخرين حقوقهم. هذا الكائن الصغير غير المرئي، لم تكن مهمته إجلاسنا في البيت، هذه ليست المهمة، هذه وسيلته لإيصالنا الى الغاية المنشودة.. كما نحن نحرص الآن وبشدة على غسل اليدين للوقاية منه، هو أيضا يحرص وبشدة على أن يعيد تربيتنا من جديد.. أفرادا ومجتمعات ودول. أي مخلوق عجيب هذا، منح الكون كله إجازة مفتوحة، لم يستثنى غنيا أو فقيرا، حاكما أو محكوما، ظالما أو مظلوما، أنثى أو ذكرا، كبيرا أو صغيرا.. ياه، كم هو عادل لا يفقه ثقافة التمييز كما نحن! وهذا الكون أمام تحدي كبير، إما يخرج من هذه الإجازة وهو معافى، أو ينتهي! نعم، فمهمة هذا الكائن هو إعادة تشكيل العالم من جديد. فيا أيها الإنسان: أنت في إجازة مفتوحة.. أستثمرها!! وأهم تحدي سيواجهك في عملية الاستثمار، هو إجازتك نفسها! أنت في صراع الآن معها (جزء من صراع الكون الدائر حاليا). إما تنتصر هي عليك، بالملل والإحباط واليأس والتعب والضجر وضيق الخلق وفراغ وقتك.. أو تنتصر أنت عليها، بالايجابية والعمل النافع والتفكير والتأمل وممارسة كل ما هو جديد وغير مألوف، بعبارة مختصرة (عش حياتك بطريقة أخرى لم تكن معتاد عليها)، هذا ما تريده القدرة العظمى منك.. أن تجرب ممارسة حياة بطريقة جديدة أخرى.. فكيف ستمارسها؟ بالأمل والايجابية والصبر والعمل والإنتاج… أم؟! ذلك هو الرهان.. وذلك هو الدرس الذي أُريد لنا أن نتعلمه. شكرا كورونا.. لأنك كنت سببا في كل هذا.. أما الموت، فهو قدر كل إنسان، يأتيه في حينه، سواء بكورونا أو غيرها! أتمنى أن نكون جزءا من العالم الجديد عندما يعيد تشكيل نفسه.. وأهم أداة نحتاجها لإدارة هذه الإجازة،

لحضور هذا الدرس الكوني، لإجتياز هذا التحدي.. هو (الحبّ). نحبّ أنفسنا، فنحتاط لها ونحميها.. نحبّ اولادنا وابناء مدينتنا، فنجلس في بيوتنا.. نحبّ كل الناس.. فنعيد النظر في حساباتنا وطريقة تعاملنا معهم (باطنيا وظاهريا).. نحبّ الكورونا نفسها.. فهي مخلوق كوني جاء إلينا بمهمة سيؤديها ويرحل! نحبّ من نحيا معهم، فلا نسمعهم إلا طيب الكلام وحلو المعشر! وهذا تحدي آخر أمامنا..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here