المحطة رقم 4 الفرزة الاولى

المحطة رقم 4 الفرزة الاولى
ألـقـيـنـا رحـالـنا وعصا تِرحالنا في بيت العلويه مياسه جـدّة والـدي من أمّـه والـذي ما زال قـائماً في محلة
الـشـرقـيه وهـذه الـمحـلّة هـي الـنـواة الاولى لـمـديـنة الكوت وموقعه في دَخـلـةٍ صغـيرةٍ / دربونـه حـملـنا المـوجـود
من عـفـش من بـيت أم إبراهيم الى بيت العلوية وفي هـذا الـزقاق يقع بيت جبار العطيه عن اليمين وبيت نوري
حطحوط عن اليسار وفي نهايته بيت العلويه حيث يجد الداخل إليه باباً من الخشب السميك الجاوي مرصع
بمسامير علاها الصدأ وكأنه بابٌ لحصنٍ من الحصون القديمةِ دلـجـتُ الى الـداخل فوجدتُ نفسي في مجاز
واسـع وزاويةٍ تُـشـير الى أنها كانت مكاناً لوضع حُـبِّ الـماء تُـرِكَتْ بعد أن أصبح الماء الـنـقي مـتـيـسـراً عن طريق
الاسالة العامه مـوصـولاً بالمواسـير الى البيوت وعن يـسار الداخل بابٌ لحجرةٍ أحسـبها حجرةً للضيوف ثم
يُـفضي المجاز الى فـتحةٍ واسعةٍ تنتهي الى باحـةٍ هي صحن الدار وعلى اليمين سُـلّـمٌ يرتقي بالصاعد الى السطح
وبصعود درجتين عن اليمين يوجد بيت الخلوةِ أو المُـسـتراح والذي لفتَ انتباهي هو أنّ سطح الدار لا توجد له
ستارة عالية كما كان في البيوت التي سكناها فسألتُ والدتي فقالتْ : هكذا كان الناس لا يبنون لهم الستائر
العالية لثقتهم بجيرانهم ولزيرات نساء الجيران عن طريق السطوح وفي وسط باحة البيت توجد حنفية الماء
مع حوض صغير تنساب منه مياه الغسيل الى حوضٍ يُـحـيـطُ بـنـخـلةٍ تـتـوسط الـبـاحـة وعلى إمتداد الحجرة التي
تطل بابُها على المجاز توجدُ حجرة أخرى ترتبط بالاولى ولها بابان واحدة تَطّلُ على باحةِ الــدار والاخـرى من
الـداخل مع الحُـجـرة ألاولى ثم تأتي حُجرتان متجاورتان واحدة كانت لجـدتي زنوبه والاخرى ملاصقةٌ لها كانت
لأمها العلويه وهي مُغلقـة ولا أعرف ما بـداخـلها وذكروا لي أن فيها جــنّي فـتـركـتُها إلّا حُجـرة جـدتي زنـوبـه فـقـد
دخلتُـها عِـدّةَ مـرّاتٍ عـنـد مجيئ جدتي الى بـيت أمّـها الـعـلوية وكان فـيها سـريـرها وهـو من الخشب الجاوي وتخت
الملابس أي صندوق من الجاوي أيضاً مرصع بـنـجومٍ صُفـرٍ لحـفظِ الـملابـسِ والحاجات الـثمـيـنة مصبوغ
باللـون الاسـود وفـيه زردةٌ صفراء وهي للـقُـفْـلِ و لا تـسـمح جـدّتي بالـتـقرب منه وهـذا الصنـدوق يُعـتـبر الاهـم في
الحجرة وهناك بعض المـنادر والـمخـدات مفـروشـة في الارض للـقـعود عليها .
والحجـرتان مـبـنيـتان من ألْـلـبـن أي الطـين غـير المـفـخـور أمّـا الحجرتان الأُولتان والـمرتـبطـتـان بالـمجاز والـسُـلّـم
مع بـيـت الخـلوةِ فـبناؤها بالطابوق وهو بناء يـبدو أحـدث من الحجـرتـيـن الـسـابـقـتـيـن .
وعلى إمتداد الحجرتين الطينيتين يوجد سُـلّم متهدم يرتبط بسطح حجرة العـلـوية وحـجـرة جـدّتي ويـقـع قُـربَ
الـسُـلّـم تـنّـورٌ ومـن جانـبـهِ تـوجـد طـارمـةٌ تـرتـبـط بحجرتين طينيتين يسكنهما أخو جدتي الحاج سـلـمان خـلـف
الـمـنصوري وهما مـتـداخلـتان وتـرتـبطان بالـسُـلّـم وبهـذا يـكـون شـكل الـبـيـت قـد إكـتـمل من الـداخـل وهـو عـنـدي
أفـضل من بـيـت أمّ إبـراهـيـم الـركابي الـتي هـي بالاصل من قـضـاء بـدرة ، وتـبـلـغ مـسـاحـتـهُ أكثر من ألـف مـتر مربع
أو أكـثر والذي لَفتَ نظري أن جميع البيوت التي تحيط ببيت العلوية لا توجد لها ستائر عالية وانما هي سياج
من اللبن لا يزيد ارتفاعه عن شبرين وحسب تـقـديري أن تـداخـل الـحُـجُرات هو لمـبـيت الضـيوف فللرجـال
حجرة وللنـسـاء الاخـرى وفي الـحـالـة الـعـاديـة فـلـلأولاد واحـدة وللأبـويـن الاخـرى والـبـاب بينهما للتواصل
أمّــا الــجـيـران فـمن الجـانـب الملاسـق لـجـدارِ الـسُـلّـم بيت الـقـابـلة أوالـجـدّة دوخـة ويتقدمانه نهاية بيت البناء
نـوري حـطـحـوط وبـيـت الـسـيـد هـاشـم الذي يعمل مـأمـور الاســتـهـلاك وهـذه الـوظيفـة تـرتـبط بمـديـرية مال
الكوت وعـملها الـتـفـتـيـش ووضـع العـلامة الصحيه على الـذبـائح وجـبـايـة الـرسـوم عـلـيها وعلى المزروعات
وزوجـتُـه تُـدعى تــرواحه وأولادهُ مـنها هُـم يـونـس كان كاتـبًا فـي مـتـوسـطـة الكوت للبنين ثم إنتقل الى إعدادية
الكوت وبـعـده موسى الملقب بمروان لـنـفـاقـه وهو معلم ويـأتـي بـعـدهـما طالب تخرج من كلية الشرطه
وللـسـيـد هـاشـم ولـدان من زوجته الاولى هما صادق كان يعمل في البلديه مراقبًا وبنت لا أعرف إسـمها .
أمّـا من الجانـب الخلفي الملاسق الى حجرة العلوية وحجرة جدتي يقع مـسـكن العلوية نـجـيـبـه وأخـتها العـلـويه
ثـريـه وهُـنَّ بالاصل من الـبـصرة .
وكانت علاقـتـنا بالعـلويه نـجـيـبه مـتـيـنـةً فهي تـتـردد عـلينا كـثـيراً ولـها إبـنٌ يُـدعى صـادق إشـتـغـل مُـخـبـراً في أواسـط
الخـمسـيـنـات من الـقرن الـعـشـرين ومـن جـهـة الـتـنـور كان مـنـزل بـيـت الـعـبـدان وهـذه الـتـسـميـة للـونـهم الاســود
وبـهـذا تـكتـمـل صورة بـيـت الـعـلـويـه والـجـيـران .
كان سـكـنـنا في دار العلويه أربـع ســنوات أو أكـثـر بـأشـهـر انـتـقـلـنا مـنـه فـي شــهـر تَــمــوز من عـــام 1954 .
وفي هـذا الـبـيت أي بـيـت الـعـلـويـه إسـتـقـبلنا ضـيـفـاً جـديـداً ولادةَ مـولـودةٍ أسـمتها والدتي آمـال فـاشـتـرى والـدي
عـنـزةً لـتـوفـيـر الـحلـيـب الى الـمـولـودة لجـفـاف صدر والدتي وبـقـيـتْ الـمـولـودة في رعـايـة أمّـي ثم إرتـأتْ أن تـضعها
عـنـد مُرضعـتها كِــزْرايــه فأعـطـتها الـمولـولـدة والـعـنـزة وبـعـد أســابـيع تـعـود كـزرايه بـالمـولـودة في حـالـةٍ رثّـةٍ
وبـوضعٍ صحيٍّ سـيّءٍ ومعها العـنـزة ثم بـقـيـت آمــال فـي رعـايـة أمّـي فـعـاد لها شيئٌ من عـافـيـتها وبعـد فـتـرةٍ وجـيـزةٍ
فـضّـلتْ أمّـي أن تضع آمــال عـنـد دايـةٍ أي مُـرضـعـة أخـرى تـتـولّى رعـايـتها فتـسـلمـتها المرضعة الجـديـدة مع العـنـزة
وخرجتْ بها وكان لهـذه المرضعـة عـددًا من الاولاد وعلى صدرها طـفـل بعـمـر أختي آمــال ومـا هـو الّا أسـابـيـع
وتعود المرضعة او الـداية بأختي وهي بالرمق الاخير ومعها العنزة .
بـقـيـتْ آمــال في رعـاية أمّـي عِــدّة أيــامٍ ثــم ودعـتـنـا راحـلـةً الى جـوار إخـوتـها الذين سـبـقـوها الى رحـمة الله فأخـذهـا
والــدي الى الـمـقـبـرة التي تقع في جـانـب الفيصلية اي العـزّة في مـنـطقـة الـكـريـمـيـة الواقعة خلف السايلو وجـاءت
تـسـمـيـة هذه المنطقة في زمن الزعيم عـبـد الكـريـم حـيـث تـــــمّ تـوزيـعـهـا فـي عـهـده عـلى الـفـلاحـيـن الـذيـن تــركـوا
أراضـيـهـم بـعـد فـشـل مـشـروع الاصـلاح الـزراعي وذلك لأســبـابٍ عــديـدةٍ مـنـهـا جهـل الـفـلاح الـعـراقي وتـقاعسه
و اهمال مــوظـفـي الاصـلاح الزراعي فـي الادارة وعدم الاشـراف المباشر لتـلـبـيـة احـتـيـاجات الـفـلّاح من ماء
ومكائن وهما من مستلزمات الزراعة مع وجود التاثير الاقطاعي رغم وجود الجمعيات الفلاحية والاهم
اغراءات العمل في المدينة كل هذه الاسباب وغيرها ادّت الى فشل هذه التجربة وانحسار الناتج الزراعي
في العراق وبعـد الانـقـلاب الـبعـثي في 8 شـبـاط 1963 غَــيّـروا إسـمها من الكـريـميـة الى الـنَـصِـر ولا أدري مـا
هـو إسـمها الآن بـعـد سـقـوط نـظام البعث في 2003 ذهبتُ وابي الى هـذه الـمـقـبـرة وكـان الـدفّــانُ الذي
دفن اختي هو نـفـس الـشـيـخ محـمـود اللـذيـنـه ومن عادات هذا الشيخ الحضور الى الفواتح وقراءة القران
للحصول على الصدقة من اهل المتوفى واخر مشاهدتي له في وفاة والدي في 25 / حزيران / 1976 .
وبـعـد مـرور عـامٍ على وفـاة أخـتي آمــال وفـي أحـد الاعـيـاد زرتُ قـبـرهـا عصرًا وفي عـودتـي تـوقـفـتُ عـنـد شـاب
مـن الـريـف كان يعـزفُ على شــبّـابـتـهِ أي المطـبج وهي قـصبـتـان مـتـلاصقـتان وهو واقـفٌ عـنـد أحـد الـقـبـور يعزف
توقفتُ لأستمع الى عزفه الـشـجيِّ وكان سـاحراً بـقـيـتُ واقـفًـا وهـو ينـظـرُ إليَّ لـيـزيـدني من نغمه العذب ثـم غـادرتُ
الـمكان بعد أن أدركني الغروب تـاركاً ذلكَ الـشـاب يعزف ولا أدري لِـمَـنْ يعزف كانـتْ زيـارتـي هذه لـقبـر أخـتي آمـال
الاولـى والاخـيـرة .
**************************************
الدنمارك / كوبنهاحن الخميس في 2 / نبسان / 2020

الحاج عطا الحاج يوسف منصور

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here