رفقا بمواطني العراق من الفقراء

باسل عباس خضير

ما أن تمر أزمة على البلاد ، ويا مكثر الازمات على العراقيين منذ عقود وسنوات ، إلا وكان المتضرر الأكبر هو المواطن ( الفقير ) وكأنه الصيد السهل ، فحجم الظلم عليه يزداد كلما كان أكثر فقرا وعوزا من الآخرين ، والسبب معروف طبعا وهو إن الفقير ليست لديه العديد من الفرص والبدائل لغرض التعويض كما انه غالبا ما يقف على خط الفقر أو تحته ، والفقر الذي نقصده ليس تنازلا عن الترف والرفاهية وإنما فقدان الأمل و عدم القدرة على توفير السبل الأساسية للحياة والتي تقع في الحدود الدنيا ، والتي نقصد بها الأكل والشرب والسكن والكهرباء والماء الصالح للشرب والأمن والأمان وفرص الدراسة والخدمات الصحية والكرامة الإنسانية وحرية التنقل وتوفر الإمكانية للزواج وإنجاب الأطفال ، ومن المعروف إن نتائج النقص بهذه الحاجات يؤدي إلى اليأس والبطالة والمراضة والعنوسة والكآبة والتوحد والشعور بالوهن وضعف الثقة وعدم التلذذ بالحياة والاستسلام السريع للأمر الواقع ، ، ووجه الخطورة في الوضع الذي يعيشه الفقراء هذه الأيام التي اضطروا لالتزام الحظر من باب التحوط من جائحة الوباء ، هو إنهم يشعرون بان الحلول سوف لا تكون سريعة لأنهم يدركون ما يمر به بلدنا من أزمات سياسية واقتصادية غاية في التعقيد ، نقول هذه الكلمات ليس يأسا وإنما بسبب ما نشهده هذه الأيام لبعض الحالات الإنسانية التي تعطي العديد من المؤشرات في التكافل وتلبية نداء المتعففين من قبل بعض المتبرعين الذين يروجون بوسائل التواصل الاجتماعي إلى إمكانية استجابتهم لنداءات الاستغاثة في تلبية احتياجات الفقراء من الأكل وبعض التجهيزات البسيطة ، وهي مبادرات محترمة ومشكورة ولكنها محدودة ولا يمكن أن تغطي كل الاحتياجات ولكنها تعبر عن حالات ايجابية تجعل الأمل قائما بالخير والخيرين ، وهي مبادرات أكثر فاعلية من رد الفعل الرسمي ، إذ استغاث الكثير بالحكومة ومجلس النواب لنجدة الفقراء بتوزيع حصص تموينية او دفع منح الطوارئ بمبالغ معينة كأن تكون 100 ألف دينار لكل فرد ، ولكن الحال باق على نفسه دون أي تغيير ، واغلب الفقراء يلزمون بيوتهم ( وأكثرها من التجاوزات او الحواسم او من الصفيح ) وهم بلا موارد بعد إن انقطعت مواردهم عند توقف أعمالهم بسبب الحظر ، والبعض من هؤلاء تعرضوا إلى الخسائر لا بسبب توقف أعمالهم فحسب بل لأنهم تركوا ما يملكوه من ما بسموه برأس المال في أماكن عملهم التي لا يستطيعون الوصول إليها لأنهم لا يملكون استثناءات واغلبها ربما تعرضت للعبث او التلف ، وهم يخافون كسر الحظر لما يترتب عليهم من حالات اعتقال او غرامات ، وهؤلاء يلتزمون الحظر ليس لأنهم متمسكون بالحياة لان بعضهم يعيش بالصدفة يوما بيوم وإنما بشعورهم بان الحظر من متطلبات المواطنة رغم إنهم لم يجنوا من مواطنتهم الشيء الذي يمدهم بسبل العيش بمثل هذه الأيام ، وهم بهذا المعنى يعدون من صنوف الشعب الأكثر نبلا وحبا وتضحية للوطن لان هذه الأشياء لا علاقة لها بدرجة الغنى بدليل إن أكثر الشهداء عددا على مر السنين والعقود هم من الفقراء ، لأنهم اقل قدرة على الكذب والتسويف والاحتيال والاختباء والهروب عندما يحتاجهم الوطن لان شمس الحقيقة أول ما تشرق عليهم لان معظمهم ينامون بلا غطاء ، وليس القصد إن الشمس هي من تظلم الفقراء لان المسؤول عن فقرهم المجتمع بكل مكوناته وفي مقدمتهم الحكومة التي فرضت الحظر بالظروف والاضطرار المعروفة للجميع دون أن تضع حسابات وحلولا خاصة بالفقراء ، فما عانوه خلال الأيام الماضية تخللته العديد من الحالات المأساوية التي لم تسلط عليها الأضواء لان اغلب الاهتمام موجه للوباء وتداعياته ولا يعطي كل التركيز على تلك الفئة من السكان ، وهي ليست فئة قليلة لان الإحصاءات الرسمية تشير إلى إن نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر قد ( انخفضت ) إلى 20% من السكان ، وإذا قبلنا بهذه النسبة فان عددهم هو 8ملايين مواطن وهؤلاء يتعرضون يوميا إلى مختلف أشكال العوز ، وان مبادرات الخيرين التي اشرنا إليهم لا يمكن أن تغطي مليون منهم فكيف سيعيش أكثر من 7 ملايين من السكان ؟؟ ، علما بان نسبة 20% ربما تضاعفت إلى ما يزيد عن 40% بعد الحظر بسبب توقف الأعمال الخاصة وعجز بعض الشركات الخاصة والمختلطة في توزيع مرتبات العاملين كلا او جزءا في ظل توقف أعمالها وشحة مصادر الإيرادات ووقوف الجهات الرسمية في حالة العجز التام ، انه سؤال موجه إلى الحكومة لكي تتخذ إجراءات محددة لإيصال سبل العيش لهؤلاء لأنهم مواطنين من الدرجة الأولى ولا يفرقهم عن أي منا إلا بدرجة الفقر التي صنعت بسوء الإدارة والأداء وعدم العدالة في توزيع الدخل ، لا نريد أن نضيف أكثر سوى دعوة مجلسي النواب و الوزراء الموقرين وخلية الأزمة ومنظمات المجتمع المدني لإغاثة الفقراء ، ليس من باب الاستجداء لان أزمة كورونا لم تحل بيوم او أسبوع او شهر ، وإنما من باب الاستحقاق إذ ليس من العدل أن نسعى لإنقاذ المواطنين من الإصابة والموت بهذا الوباء ، وفي الوقت نفسه نسمح للفقر والعوز والمرض بان يفتك بالفقراء فيسبب لهم مزيدا من المعاناة بالحرمان والإحباط والموت .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here