الإمام الكاظم.. سجين وشاية ابن أخيه

7 أبريل 2020

تحولت ذكرى الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ت183هج)، إلى مظلومية أبدية أخذت تنخر في الطائفة نفسها، بحيث إن قادة سياسيين مِن الأحزاب الدِّينية لا يريدون خسارة مجد «المظلوم»، وهم في مجد السُّلطة! لذا تراهم حريصين على لبس دور الضّحية لنيل المجدين، الثوار والحكام معاً، وإن كان هذا يأتي على حساب تعرض الأرواح لوباء فتاك، فالوقت عندهم مناسب لضخ الخرافة، وقبل أن يصوروا للناس مكانة أصحاب المراقد، يحرصون على بث المعجزات، وأخطرها المعجزات الطّبية، ومعلوم أنهم لا أطباء ولا مهندسون، يحترمهم الجميع لسيرهم الأخلاقية.
لا نشك بمنزلة الكاظم مما عرفناه مِن قراءة معاجم الرِّجال، كان هو وآباؤه رجال فقه ووجاهة، ليسوا ميالين للسياسة بمعناها الثَّوري، وربَّما أبلغ قول قيل بحقِّ والد موسى الكاظم: «ولا نازع أحداً في الخلافةِ قطّ، ومَنْ غرفَ من بحرٍ لم يطمع في شطٍ» (الشَّهرستاني، الملل والنِّحل).
كان تاريخ السِّياسة الإسلامية، الثَّورات والحكومات، تجاربَ مريرة، فالسلطة عضوض، وسرعان ما تنقلب الثورة إلى عضوض أيضاً، قيل: «إِنَّ دِينَكُمْ نُبوَّةٌ وَرَحْمَة، ثُم خِلافَة وَرَحْمَة، ثُمّ مُلْك وَجَبْرِيَّة، ثُمَّ مُلْك عَضُوض» (الطبراني، المعجم الكبير)، كذلك مَن تَسلم السُّلطة باسم آل البيت، كثيراً ما صار عضوضاً، ومِن أجل ذلك قُتل عبيد الله بن علي بن أبي طالب شقيق أبي بكر! على يد المختار الثَّقفي (67هج)، وهو الذي أدعى بأخذ ثأرهم، في معركة «المذار»(الأصفهاني، مقاتل الطَّالبيين).
نأتي على قضية الكاظم، وقد جعل له الذين يسمون أنفسهم بـ«الرساليين» تنظيماً ثورياً، ونأخذ خبر سجنه ووفاته مِن عدة مصادر شيعية، فما نسمع به مِن على المنابر فاق التَّصور، حتى صارت ذكرى الإمام مناسبة لاستعراض القوة وطغيان بنشر الأوهام.
يذكر اليعقوبي (ت292هج)، أنه توفى في الحبس ببغداد، وأحضروا قواد الجيش، والهاشميين والطالبيين والقضاة، وكُشف عن وجهه، فشهدوا ليس فيه أثر اغتيال، وكفن ودفن في مقبرة قريش(تاريخ اليعقوبي)، وكانت حينها بمثابة مقبرة ملكية، فقبل عام دفن فيها قاضي قضاة الدولة العباسية، وجعفر بن المنصور، وزبيدة زوجة الرشيد وغيرهم.
ذَكر أبو فرج الأصفهاني (ت356هج)، أن موسى بن جعفر كان مِن الأثرياء الكرماء، واشتهر بمنح صرار الدَّنانير، حتى صارت مثلاً «صِرار موسى» (مقاتل الطَّالبيين). وأورد أنه سجن بوشاية من ابن أخيه، حضر الأخير إلى بغداد بترتيب مع البرامكة، وسعى بعمه بأنه يعد للخروج، وأن الأموال تجبى له، لهذا حبسه الرشيد، ولما انشق جماعة «الواقفية»، بقولهم إن موسى لم يمت، وضعت جنازته على جسر بغداد، لينتهي القائلون بمهدويته(المصدر نفسه).
كتب ابنُ الطقطقي (ت708هج)، أن بعض الحُساد مِن أقاربه، دون تسميته، وشى به إلى الرشيد، بأنه يعزم على الخروج، فحُبس ودبر له أمر خفي (الفخري في الآداب السلطانيَّة).
أما أبو الحسن المسعودي(ت346هج)، فينفرد برواية إطلاق سراحه وإكرامه(مروج الذهب)، غير أن فرقة شيعية مِن الغالية بثت أنه مات في الحبس، مسموماً بأمر مِن البرامكة (النوبختي، فرق الشِّيعة).
ما تقدم، روايات مؤرخين شيعة، بُني عليها الكثير مِن الأوهام، وكتبوا قصة تحاكي «مقتل الحُسين»، وأخذت تمثل شخصيته، بتشييع جنازته سنوياً.
لا يُبرر السجن ولا القتل، ولكن هل نعتقد أن زمن الرَّشيد والكاظم لم يكن فيه الحكم استبدادياً عضوضاً، وإذا أخذنا رواية سعي ابن إسماعيل بعمه، فالخلاف على إمامة الشِّيعة وصل إلى حد السعاية لدى السّلطة والتكذيب، وهذا ما ورد في الخلاف بين الأخوين جعفر بن علي الهادي(ت271هج) وأخيه الحسن العسكري (ت260هج) الحادي عشر عند الإماميَّة، والإمامية يسمونه «الكذاب» والسُّنة يسمونه«الزَّكي» لأنه ابن إمام. كان شأن النِّزاع على الإمامة شأن الخلاف على السلطة بين العباسيين أنفسهم، سجن المعتصم (ت227هج) ابن أخيه المأمون حتى مات(223هج)، لأنه سعى ضد عمه الخليفة (ابن كثير، البداية والنّهاية)! إن البقاء على تسخير المظلومية في زمن السلطة لا يعني غير قدم في الثَّورة وأخرى في السلطة، وهذا ما يفعله العديد مِن الجماعات الدِّينية! وضحية هذه الازداوجية هم النَّاس، والأئمة أيضاً.
*كاتب عراقي
الكاتب
رشيد الخيّون

الاتحاد الإماراتية

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here