الحسين بن علي 2

علي الابراهيمي
لقد فصّلنا في أبحاث أخرى ان عدم فهم غالبية الناس لحقيقة الإمامة العلوية وخلط الأوراق على الناس من قبل القوى الانقلابية ودعاة بني امية وذهاب جل زعماء القبائل الواعين الذين كان لهم الدور المشرف والحقيقي في نصرة الإسلام وقيام دولته في معارك مثل صفين والذين كانت تدور حول رأيهم آراء أفراد قبائلهم جعل مثل الامام الحسن بن علي – على حكمته – غريباً في وسط هذه الامة . حتى وصل الامر ان يدخل اليه احدهم ويسميه ( مذل المؤمنين ) ، بعد اضطراره لعقد الصلح مع معاوية بن ابي سفيان ، رغم ان هذا المتحدث كان محباً للأمام الحسن وموالياً له ، لكنه لم يبلغ بعد فهم الإمامة ، حتى وان كان من قبيلة همدان المعروفة بولائها .

لذلك كان اول وزير لبني العباس أبو سلمة الخلال من همدان وقد كان شيعياً لم يعط الامامة حقها , فلقي مصرعه على يد بني العباس انفسهم[1] . ولنفس السبب انفرط عقد بعض أعراب بني اسد ، فانقلبوا ضد الامام الحسن وطعنه بعضهم ، فتحصن عند عّم المختار الثقفي ، رغم ان قبيلة بني اسد هي من حملت لواء التشيع لاحقا ، أي بعد جهود الحسين بن علي التضحوية لدفع الناس باتجاه مدرسة ال محمد بالهزة العاطفية ، ومن ثم جهود الأئمة الثلاث السجاد والباقر والصادق في تعليم الناس عبر جامعة العلم المحمدية العلوية[2] .

ولم يكن فهم عقيدة الإمامة أمراً يسيراً بسبب تركة خلفاء الانقلاب الحديثية ، وكذلك دعاية بني امية وسلطانهم الظالم وتشددهم ضد اتباع علي بن ابي طالب اذ التقطوا خيار شيعته وذبحوهم مثل حجر بن عدي وعمرو بن الحمق ، بل ذبحوا ولده ريحانة رسول الله الحسين بن علي ، وبسبب انشغال الناس بإقبال الدنيا من مال الفتوحات ، وكون الكثير من القبائل لازالت أعرابية لم تتحضر ، والتقية المكثفة التي عاشها بعض الأئمة مثل علي بن الحسين السجاد . فالأمر كان معضلاً الى زمان الصادق جعفر بن محمد ، اذ اختلف الناس في الامام بعده هل هو الأكبر سنا ام هو الأكثر علما[3] . وكان الامام أبو جعفر الباقر يحاول جاهداً إفهام الناس ومنهم شيعته منزلة الامام الحقيقية ، التي كان يرى ان الناس اجمعين يجهلونها[4] . بل ان أصحاب الأئمة اختلفوا في المقام الحقيقي للإمام، كما حدث من نقاش بين ابن ابي يعفور وبين معلى بن خنيس ، حتى أجابهما الامام أبو عبد الله[5] .

حتى ان ابن امير المؤمنين علي المسمى محمد بن الحنفية استطاع ان يغطي على امامة علي بن الحسين السجاد لحمايته لان الناس ما كانت تدرك الحقيقة العظمى للإمامة والإمام[6] . اذ يبدو ان محمد بن الحنفية كان يتظاهر لفترة طويلة بانه الامام حماية للسجاد اعتماداً على السن امام قريش . بل ان أبا خالد الكابلي الذي خدم ابن الحنفية دهراً لم يكن يشك ان الامام هو محمد بن الحنفية , حتى اتى اليوم الذي اقسم فيه عليه ان يعلمه من الامام , فاخبره ابن الحنفية ان الامام المفترض الطاعة عليه وعلى الناس اجمعين هو علي بن الحسين[7] . ويبدو ان الاشتباه في الامام بسبب تغطية محمد بن الحنفية لإمامة علي بن الحسين انطلى حتى على المختار واصحابه لفترة من الزمان[8] .

الحسن بن علي بن ابي طالب :

كان بقية أصحاب علي بن ابي طالب من زعماء القبائل وتقاة الصحابة هم أصحاب الحسن بن علي , مثل سعيد بن قيس الهمداني وعدي بن حاتم الطائي وقيس بن سعد بن عبادة . لكن مع رحيل اغلب أصحاب علي من الزعماء والفرسان والصالحين , اذ اخذتهم الحروب الثلاث الكبرى , كان الحسن بن علي بن قلة موثوقة , وجماعة خارجية تريد قتال معاوية لا نصرة الحسن , وشكاك قبليين متعصبين لزعماء قبائلهم تقذفهم الريح حيث شاءت . ويجمع كل هؤلاء حوله انه رئيس الدولة حينئذ , لا التشيع له ولأبيه , وشيئاً ما معرفة ذلك الجيل بسوء دين وقبلية معاوية بن ابي سفيان[9] .

ودليل ذلك انه بعد اول خطبة اختبارية للحسن في عسكره بدر اليه الخوارج لا غيرهم واتهموه بالكفر , قبل القتال , فكيف لو كان قاتل , ربما كانوا سيدفعونه بينهم وبين جيش معاوية .

وليس في تاريخ المسلمين من فئة تكفّر الامام سوى الخوارج , وهذه الفئة كانت الأقرب في طلب الثأر من علي بن ابي طالب وولده , اذ كانت اخر المعارك لعلي قبل تولية الحسن ابنه هي النهروان التي قتل فيها علي المارقين من الخوارج من اعراب القبائل الذين كفروه في صفين وخرجوا عليه .

ولم يكن من مطيع ومدافع عن الحسن سوى القبائل المتحضرة التي كانت شيعة لأبيه , ولهذا طلبها حوله بالاسم وهي همدان وربيعة .

فيما كان قسم كبير من بني اسد اعراب قبل انقسام القبيلة الى قسمين كبيرين , احدهما ناصبي خرج من العراق الى الشام بعد مقتل الحسين بن علي , والآخر موالي لأهل البيت شديد الولاء . فهجم بعض اعراب بني اسد على الحسن وجرحوه[10] .

وعند ذلك لم يكن امام الحسن بن علي سوى الإبقاء على شيعته لئلا تطحنهم الحرب فيندثرون كما اندثر من سلف , فهم قطعاً سيكونون اشد الناس اقداماً ومن ثم اكثرهم تعرضاً للخطر , ولن يبقى في ظل هذا الخلط القبائلي والحضاري سوى المنافقين ومتشتتي الرأي , وسيكون بنو امية وشيعتهم قادة الدين والرأي بلا معادل موضوعي .

فكان اختيار الحسن للصلح مع معاوية – على مرارته – نجاة لشيعته من الاندثار الكلي , ومن ثم نجاة للخط الديني ذي العمق الفلسفي النقي . وبالتالي سينتشر التشيع بالعقل[11] . لذلك حين خرج الحسن من الكوفة وبلغ دير هند نظر الى الكوفة نظرة الآمل المنتظر وقال :

ولا عن قلى فارقت دار معاشري هم المانعون حوزتي وذماري[12] .

الحسين بن علي :

قال صاحب اعيان الشيعة : حاش لله ان يكون الذين قتلوه هم شيعته , بل الذين قتلوه بعضهم اهل طمع لا يرجع الى دين , وبعضهم اجلاف اشرار , وبعضهم اتبعوا رؤساءهم الذين قادهم حب الدنيا الى قتاله , ولم يكن فيهم من شيعته ومحبيه احد[13] .

لقد كانت خطبة معاوية في اهل الكوفة بعد استلامه منصب الخلافة المغصوب – والتي استهان فيها بالصلاة والزكاة والحج وبالمسلمين[14] – ضرورية لتغيير فكرة الفئة الخام من المسلمين باتجاه التشيع ومعرفة حقيقة ما يبطن بنو امية من اسرار الكفر بالنبوة . ثم كان استلحاقه لزياد بن ابيه تنبيهاً للامة ان معاوية لا دين له[15] , وان سيرة بني امية هي سيرة اهل الجاهلية . ثم كانت امارة يزيد اعلاناً صريحاً للكفر والفسوق وخلاعة الحاكم , وهذا ما أشار اليه الحسين بن علي وجعله يرفض السكون والسكوت , اذ كان معاوية يبطن الفسوق ويظهر الصلاح , فكان الخروج عليه اصعب لما في ذهن الامة من شبهة معرفية , لكنّ حكومة يزيد أظهرت الموبقات للدعة التي اصابت الامة وذهاب عظماء الإسلام ورجالات الصحابة[16] .

وقد كان معاوية يؤسس لمفاهيم الجاهلية , ويبتدع الفرقة بين ما عليه علي بن ابي طالب من دين وما عليه غيره ليسهل انتزاع الناس عن الامامة , ومن ثم يمكنه بهذين الطريقين ان يتم الولاية لولده يزيد ويجعل الخلافة ملكاً عضوضا , فكان الحسين يرد عليه ويحتج[17] .

لقد كان التشيع آخذاً بالانتشار في المناطق العثمانية الهوى والناصبية , ففي البصرة بكى الناس عند وفاة الحسن بن علي رغم ولاية زياد بن سمية لبني امية[18] وهو سلطان جائر وكان اهل البصرة عثمانية الهوى وفيهم الكثير من الاعراب , والاعراب كما قلنا المادة الخام للنصب والعداء لعلي .

وكان لازالت الفئة المنافقة تخترق صفوف الفئتين العلوية والعثمانية , اذ لم تتميز الطوائف بعد . فكان ان صنعت عائلة منافقة ذات وجوه متعددة هي عائلة الاشعث بن قيس زعيم كندة الاعاجيب , فبعد ان كسر ابوهم جيش علي بتردده سمّت ابنته الحسن بن علي زوجها بدفع من معاوية بن ابي سفيان[19] , ثم ساهم اخوها بخذلان وكف الناس عن مسلم بن عقيل رسول الحسين بن علي , ثم اشترك بقتل الحسين ذاته .

وكان الحسين بن علي على سيرة ال محمد مع الفقراء والارامل والمساكين ينقل الجراب على ظهره[20] .

[1] اعيان الشيعة \ دار التعارف \ ج 1 \ ص 191

[2] رجال الكشي / مؤسسة النشر الإسلامي / ط ١ / ص ١٠٥ – ١٠٦

[3] رجال الكشي / مؤسسة النشر الإسلامي / ط ١ / ص ١٣٩

[4] رجال الكشي / مؤسسة النشر الإسلامي / ط ١ / ص ٢٠٤

[5] رجال الكشي / مؤسسة النشر الإسلامي / ط ١ / ص ٢١٣

[6] رجال الكشي / مؤسسة النشر الإسلامي / ط ١ / ص ٢٦٤

[7] رجال الكشي / مؤسسة النشر الإسلامي / ط ١ / ص 113

[8] رجال الكشي / مؤسسة النشر الإسلامي / ط ١ / ص 119

[9] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 568

[10] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 569

[11] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 571

[12] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 575

[13] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 585

[14] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 570

[15] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 572

[16] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 581

[17] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 583

[18] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 576

[19] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 576

[20] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 580


المدونة الشخصية :

http://freepapers1980.blogspot.com

( اوراق )

مدونة حرة .. تهدف الى تحرير العقل من قيود الاستعباد والاستغلال

صفحات التواصل الاجتماعي :

facebook

Ali H Ibrahimi

twitter

https://twitter.com/a1980a24

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here