السياسة والزمن الجميل..عن أي زمن جميل نتكلم؟

علاء كرم الله

أستكمالا لمن كتبوا عن الزمن الجميل أو من تحدثوا عنه، فطالما أستوقفتني عبارة الزمن الجميل ومنذ فترة ليست بالقصيرة ، لكثرة تداولها بين العراقيين على مستوى وسائل الأعلام ومواقع التواصل الأجتماعي. وقد كنت أعتقد بأن العراقيين الوحيدين الذين يرددون عبارة الزمن الجميل عند تذكرهم للماضي!، بسبب واقعهم المؤلم الحالي الذي يعيشونه وخاصة السنوات ال (17) الأخيرة، ولكني تفاجأة بأن الشعب الكويتي يردد عبارة الزمن الجميل أيضا!، في حالة تكاد تكون متناقظة الى حد ما؟!، حيث واقعهم المشرق والمتحضر والمتواصل مع كل التطورات التي تحصل بالعالم والذي لا يمت بصلة عن ماضيهم الذي أقل ما يقال عنه أنه ماضي تعيس وبائس!. ومن يدري لربما العالم الحالي بكل دوله ومجتمعاته يحنون الى الزمن الجميل ويرددون نفس العبارة الساحرة والأثيرة وخاصة بعد كارثة وباء كورنا، حيث باتوا يتحسرون الى ذكريات يوم من الأيام قبل هذا الوباء!!. نعود الى العراقيين والزمن الجميل الذين يحنون أليه الى حد البكاء!، أقول أن الزمن الجميل في أي بلد كان، لا يكون جميلا ألا أذا كان نظامه السياسي نظاما رصينا قويا متعافيا من كل الأمراض والأوبئة السياسية التي ما أن تصيب الجسد السياسي حتى تحطمه بالكامل. فالنظام السياسي القوي والمتعافي ينعكس مباشرة على النظام الأقتصادي فيزيده تقدما وأزدهارا، لكون السياسة والأقتصاد صنوان لا يفترقان، وأحدهما يكون بمثابة النصف الثاني للأخر يكمله في كل شيء. ومن الطبيعي أذا كان الوضع السياسي والأقتصادي قويا مزدهرا سينعكس ذلك على باقي مناحي ومفاصل الحياة الأخرى التي سرعان ما ستزدهر وتتألق، فلا فقرولا جوع ولا تخلف ولا جهل ولا بطالة ولا ولا ولا أي شيء . تعالوا معي لنبحث عن الزمن الجميل في الدولة العراقية الحديثة والتي عمرها ناهز 99 سنة!، منذ بداية التأسيس عام 1921 ولغاية الآن، وهل مر العراق بزمن جميل حقا؟ أم هي ذكريات للحظات عابرة ومواقف ومشاهد هنا وهناك فيها شيء من الجمال وراحة في النفس ظلت عالقة بالذاكرة العراقية شكلت فيما بعد ذكرى لزمن جميل!. ونسأل : ما المقصود بالزمن الجميل؟ هل هو الزمن السياسي، أم الأقتصادي، أم الأجتماعي، أم الأمني، أم القانوني والقضائي، أم الأجتماعي، أم الزمن الثقافي، أم الزمن الأخلافي زمن المباديء والقيم الأنسانية النبيلة، زمن الشهامة والنخوة والغيرة العراقية وزمن الكرم العراقي، أم يقصد

بالزمن الجميل، زمن أنتشار الفن والمسارح ودور السينما والمنتديات الأدبية والصالونات الثقافية، وقاعات الرسم والفنون التشكيلية، أم الزمن الرياضي بكافة ألعابه، أم ،أم ،أم ماذا؟ وهل أن ترديد عبارة الزمن الجميل والحنين لها ، تعني أننا فقدنا كل ما ذكرناه آنفا، حتى غيرة وشهامة ونخوة وكرم العراقيين لا سامح الله؟. فأذا رجعنا الى حقبة النظام الملكي والتي أمتدت 37 سنة، فهي بقدر ما كان فيها جانب مشرق، حيث شهد بدايات لنهضة وبناء وتأسيس الدولة العراقية المدنية المتحضرة في كافة الأوجه والمجالات، بالمقابل كان في الحقبة الملكية جانب مظلم ومرعب ومخيف حتى!، حيث الثورات والأنتفاظات والتظاهرات الجماهيرية شبه المستمرة ( كانت اغلب التظاهرات يقودها الشيوعيون والبعثيون)، كذلك شهدت الحقبة الملكية الكثير من مظاهر خنق الحربات والأغتيالات والأعتقالات السياسية والتعذيب في السجون والمعتقلات وأيضا شهدت هذه الحقبة الكثير من التدخلات الخارجية الدولية وخاصة البريطانية، والأهم في كل ذلك أن النظام السياسي أبان الحقبة الملكية أتسم بالفساد وسطوة العشائر وقوتها!. ولو رجعنا الى قصائد أمير الشعر الشعبي ( الملا عبود الكرخي) مثل قصيدة (المجرشة، وقصيدة قيم الركاع من ديرة عفك)، وغيرها من القصائد للمسنا كيف كانت هذه القصائد تعكس بكل صدق حال الواقع البائس الذي كان عليه العراق والعراقيين. ونفس الشيء يقال عن أغاني المنلوجست المرحوم ( عزيز علي) التي عكست بؤس الواقع السياسي والأجتماعي والأقتصادي والديني أيضا في تلك الحقبة. ثم جاء الشاعر الكبير (بدرشاكر السياب) ليؤكد بمصداقية ذلك الواقع في أحد أبيات قصيدة (أنشودة المطر) عندما وصف حال العراق ( ما مر عام والعراق ليس فيه جوع)!. ثم نعبر للفترة الجمهورية التي بدأت من بداية ثورة تموز عام 1958، ولكي نوضح للقاريء الكريم ذلك سنجزء الفترة الجمهورية الى فترة جمهورية الزعيم (عبد الكريم قاسم) والتي أمتدت للفترة من 1958 الى 1963، فبقدر ما شهدت هذه الفترة تقدم العراق وبناءه وأزدهار الحياة بكافة تفصيلاتها وتفرعاتها وبشكل واضح وكبير، فأنها بالمقابل شهدت الكثير من الصراعات والتناحرات السياسية تحديدا بين (البعثيين والشيوعيين) وكذلك شهدت هذه الفترة أحباط عدد من المؤامرات لللأطاحة بنظام الزعيم، وأيضا أتسمت الفترة هذه بصراعات كثيرة ومحاولات دولية للتدخل بالشأن العراقي، وأجمالا لم تشهد هذه الفترة أستقرارا سياسيا، حتى أنتهت جمهورية الزعيم قاسم، بمجزرة ووحشية أنقلاب 8/شباط/ من عام 1963. جاءت بعدها حقبة جمهورية الأخوين ( عارف/ عبد السلام محمد عارف، وعبد الرحمن محمد عارف)، والتي أمتدت لخمسة سنوات من 1963 ولغاية 1968. حيث لم تشهد هذه الفترة فترة بناء كبيرة كما شهدتها فترة الزعيم، حيث أتسمت بالكثير من الصراعات

السياسية الخفية وغير الظاهرة!، مع أستمرار حرب الشمال القاسية وتمرد الأكراد الذي كان يمثل صداعا مزمنا ومزعجا، لكل الحكومات التي قادت العراق من ملكية الى جمهورية!. كما وشهدت هذه الفترة الكثيرمن التدخلات الخارجية العربية في الشأن العراقي وتحديدا من جمهورية مصر وزعيمها الراحل جمال عبد الناصر. ولم يشهد المجتمع العراقي تطورا كبيرا في هذه الفترة فظلت هناك الكثير من مظاهر الفقر والجوع والتخلف والأمية، وكثرة العاطلين عن العمل بمن فيهم خريجي الجامعات. ثم جاءت بعد فترة الأخوين عارف، جمهورية البعث، والتي أمتدت قرابة 35 سنة، من عام 1968 ولحين الغزو الأمريكي للعراق وأحتلاله عام 2003. وهذه الحقبة يمكن تقسيمها الى فترتين فترة حكم الرئيس البكر( 1968- 1979 )، ورغم أن هذه الفترة شهدت طفرة نوعية كبيرة على مستوى الأقتصاد العراقي حيث قصة تأميم النفط الخالدة، والذي أنعكست مردوداته المادية وخيره على وجوه العراقيين، ألا ان كل ذلك حدث في اجواء من الخوف والترقب والصراعات والمؤامرات الداخلية الرهيبة تارة بين القيادات البعثية نفسها، وتارة بين البعثيين والشيوعيين في صراعهم التاريخي والتقليدي!. أنتهت جمهورية البكر بكل ما شهدته من أضطرابات وصراعات سياسية، ليدخل العراق الى مرحلة (جمهورية صدام) والتي أمتدت من عام 1979 ولحين سقوط النظام وأحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية عام 2003، حيث تعد فترة حكمه مثار جدل كبيرلدى الباحثيين والمتابعين للشأن السياسي العربي والدولي، فبقدر ما أتسمت هذه الفترة بهيبة الدولة وسلطانها، بسبب من قبضة الحكم الفولاذية الرهيبة التي كان عليها رئيس الدولة والتي يشببها البعض بقبضة الزعيم السوفيتي الراحل (ستالين)!. فأن هذه الفترة أتسمت بالحروب الخارجية مع أيران ومع أمريكا وحرب العراقيين مع الحصار، حتى أن المعارضين للحكم أطلقوا على فترة حكم صدام تسمية ( جمهورية الخوف)!. وأستمرت جمهورية صدام 24 سنة منذ عام 1979 ولحين سقوط هذه الجمهورية بأحتلال العراق من قبل الأمريكان عام 2003 والذي لازال مستمرا منذ 17 عام ولحد الآن. حيث شهدت فترة الحكومات في ظل الأحتلال والوجود الأمريكي للعراق والتي عاشها غالبية العراقيين من الجيل القديم والأجيال الجديدة، تحطيم بنية الدولة بالكامل وتدمير وتمزيق بنية الأنسان العراقي. ويمكن تسمية جمهورية العراق في ظل الأحتلال الأمريكي، بجمهورية الرعب والموت والخوف والتخلف والجهل والأمية والفساد الرهيب وسرقة الحجر والبشرعلى السواء. هذه أجمالا وبأختصار حياة العراقيين بكل أجيالهم وأختلافها في ظل الدولة العراقية على مدى 99 سنة! منذ تأسيسها سنة 1921 ولحد الآن. فأين الزمن الجميل فيها؟. من وجهة نظري أرى أن الزمن الجميل هي لحظات ومواقف

ومشاهدات وذكريات هنا وهناك، لا تشمل الجميع!، فكيف يكون الزمن جميلا وهو يخص شريحة أو طبقة معينة من المجتمع دون أخرى؟!. فبالوقت الذي كان الزمن جميلا لك لربما كان زمنا أسودا وضيم وقهروتشرد وخوف ورعب بالنسبة لغيرك.! وحقيقة الأمر أن أيقاع الحياة السريع والتطور المذهل الذي يشهده العالم يوميا في كل مجالات الحياة أفقد كل شعوب العالم طعم الحياة ولذتها وجمالها وأفقدها الكثير من الأحاسيس والمشاعر الطيبة والحلوة. وقد كشفت جائحة كورونا الذي ضربت العالم كله تبدل تلك المشاعر والأحاسيس وقسوة القلوب وتغير الطباع وحتى تغير الأخلاق!. وأخيرا أقول: بالنسبة لنا نحن العراقيين، لو كان حاضرنا الذي نعيشه ونحياه حلوا ومزدهرا وطيبا وكل مفاصل الحياة تسير بشكل منظم وقانوني ومتحضر لربما لم نكن نأتي على ذكر عبارة الزمن الجميل!! بمثلما نتذكرها الان في كل لحظة ونعقد المقارنات بين الماضي والحاضر؟!، ولربما تغيرت أفكارنا ومشاعرنا وأحاسيسنا ومسمياتنا للأمور تبعا لذلك. أختتم مقالي المتواضع هذا، بالقول بأن نقاء النفس وطهرها وراحة البال والضمير والقناعة والأيمان المطلق بالله هي من تشعرنا بجمال الحياة والزمن الذي نعيشه مهما أختلفت الظروف والأزمنة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here