الكل الذي يريد لايريد وما مدى أمكانية العراق أخراج القوات الأمريكية

الكل الذي يريد لايريد وما مدى أمكانية العراق أخراج القوات الأمريكية

أ.د.سلمان لطيف الياسري
يبدو أن إيران تريد تحويل انتقامها لمقتل سليماني لمكاسب استراتيجية، وأكبر هذه المكاسب هو إخراج القوات الأمريكية من العراق، فهل تستطيع بغداد إجبار واشنطن على سحب قواتها وهل تنصاع إدارة ترامب أم تبقي الجيش الأمريكي بالعراق رغم أنف الحكومة والبرلمان؟.
مازال طلب إخراج القوات الأمريكية من العراق في مرحلة ما قبل الجدية، إذا صح التعبير, فرغم إصدار البرلمان العراقي قراراً يطالب الحكومة بسحب القوات الأمريكية من العراق، إلا أن اللافت أن البرلمان لم يصدر قانوناً ملزماً بهذا الشأن بل قرار، وبالتالي هو غير ملزم عكس القانون.

ولهذا انتقد التيار الصدري القرار واعتبره غير كاف !!! وقال رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر إن القرار الذي يدعو لإنهاء وجود القوات الأجنبية غير كاف

وقال الصدر الذي يقود أكبر كتلة في البرلمان في رسالة للبرلمان تلاها أحد أنصاره «أعتبره رداً هزيلاً لا يفي أمام الانتهاك الأمريكي للسيادة العراقية والتصعيد الإقليمي كما دعا الصدر إلى ضرورة إلغاء الاتفاق الأمني مع الولايات المتحدة على الفور وإغلاق السفارة الأمريكية وطرد القوات الأمريكية بصورة مذلة وتجريم التواصل مع الحكومة الأمريكية والمعاقبة عليه.

ولكن إذا انتقل البرلمان والحكومة العراقيين خطوة إلى الإمام في محاولة تنفيذ القرار، فسوف يكون لهذا تبعات هائلة على العراق ///

القوة الاقتصادية أحد أوراق أمريكا في الرد.. ادفعوا التكلفة
عقب قرار البرلمان العراقي، هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأحد 5 يناير/كانون الأول 2020، بفرض عقوبات على بغداد وقال إنه إذا غادرت قواته فسيتعين على بغداد أن تدفع لواشنطن تكلفة قاعدة جوية هناك ترامب أبلغ الصحفيين على متن الطائرة الرئاسية: «لدينا قاعدة جوية هناك باهظة التكلفة بشكل استثنائي. لقد احتاجت مليارات الدولارات لبنائها منذ فترة طويلة قبل مجيئي. لن نغادر إلا إذا دفعوا لنا تكلفتها الرئيس الأمريكي قال أيضاً إنه إذا طالب العراق برحيل القوات الامريكية ولم يتم ذلك على أساس ودي، «سنفرض عليهم عقوبات لم يروا مثلها من قبل مطلقاً. ستكون عقوبات إيران بجوارها شيئاً صغيراً».

سيناريو محتمل.. القرار قد يكون فرصة لإشعال حرب عصابات ضد القوات الأمريكية ***في حال عدم تفعيل الحكومة العراقية للقرار، أو رفض الأمريكيين الالتزام به فيمكن للميليشيات الشيعية الموالية لإيران استغلاله كمبرر لتنفيذ هجمات ضد الوجود الأمريكي بالعراق لكن المشكلة أنه في السابق كانت إيران تلجأ للضغط على القوات الأمريكية بهذا الأسلوب، في وقت كانت البلاد تمتلئ بعشرات الميليشيات والجماعات المسلحة كثير منها سنية ومعادية لإيران، وبالطبع كانت الهجمات المدفوعة من طهران تتوارى داخل هذه الفوضى.
أما اليوم فإنه لا توجد ميليشيات إلا ميليشيات إيران، بل إن هذه الميليشيات أصبحت منظمة تماماً تحت مظلة الحشد الشعبي، وبالتالي فإنه لا يمكن لإيران وأنصارها التبرؤ من أي هجمات ضد الأمريكيين كما كان يحدث من قبل، كما أن رد الفعل الأمريكي القاسي على الهجوم الذي استهدف قاعدة في شمال العراق وأدى لمقتل متعاقد أمريكي أظهر أن عهد الصبر الأمريكي قد انتهى.

وبالفعل فإن الرئيس الأمريكي أظهر عزماً بالرد على هجمات إيران إذ حذر ترامب، في وقت سابق، من أن بلاده سترد «بشكل سريع وكامل» إذا هاجمت إيران أي شخص أو هدف للولايات المتحدة.

وقال ترامب، في تغريدة، إن «هذه النشرات الإعلامية بمثابة إخطار إلى الكونغرس الأمريكي بأنه في حال قامت إيران بضرب أي شخص أو هدف أمريكي، فإن الولايات المتحدة ستضرب بسرعة وبشكل كامل، وربما بطريقة غير متناسبة. مثل هذا الإخطار القانوني غير مطلوب، ولكنه يُعطى مع ذلك!».

هذا هو التحذير الثالث الذي يوجهه ترامب خلال الـ24 ساعة الماضية لإيران من استهداف أي مكان أو شخص أمريكي. وكتب ترامب عبر «تويتر» في وقت مبكر الأحد: «هاجمونا، وجاءهم ردنا، وإذا هاجموا مرة أخرى، وهو ما أنصحهم بشدة بعدم القيام به، فسنضربهم بقوة أكبر مما تعرضوا له من قبل كما أضاف في تغريدة أخرى: «أنفقت الولايات المتحدة تريليوني دولار على المعدات العسكرية، نحن الأكبر والأفضل على الإطلاق في العالم! إذا هاجمت إيران قاعدة أمريكية أو أي أمريكي فسنرسل إليها بعض تلك المعدات الجميلة الجديدة وبدون تردد والأغرب أن الرئيس الأمريكي هدد أمس الأول السبت، بقصف 52 «هدفاً مهماً» لإيران حال استهدفت طهران أي مواقع تابعة للولايات المتحدة، رداً على تصريحات مسؤولين إيرانيين بـ«الانتقام» على خلفية مقتل قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني، في غارة أمريكية بالعراق.
سيناريو الفوضى محدودة العنف والحصار – يبقى هناك خيار أمام العراق أو بالأدق القوى العراقية الموالية لإيران، وهو خلق فوضى منخفضة العنف للأمريكيين في العراق، عبر مظاهرات تبدو شعبية تشمل محاولات اقتحام للقواعد أو المقرات الأمريكية في العراق وإمكانية عرقلة عمل هذه القواعد عبر أعمال شغب أو محاصرة أو مطاردة العاملين فيها، بشكل لا يوفر لأمريكا مبرراً باستخدام قوتها لاستهداف الميلشيات العراقية لكن ما يقلل من أثر هذه المحاولات هو أن الأمريكيين في العراق أصبحوا شبه معزولين في مقرات وقواعد محصنة، كما أن الرد الأمريكي على الاعتداء على محيط السفارة يظهر حساسية أمريكا حتى لمثل هذا العنف المنخفض، كما أن السفارة الأمريكية ينطبق عليها جغرافياً مفهوم دولة داخل دولة، إذ إنها أكبر
كما أن الأمريكيين أغلقوا قنصليتهم في البصرة كي يتجبنوا الاحتكاك مع الميلشيات الشيعية في معاقلها بالإضافة إلى أن معظم القواعد الأمريكية في العراق موجودة في الشمال الكردي أو الوسط السني، ومحيط بغداد ويقود هذا التوزيع الجغرافي إلى قضية في منتهى الخطورة تتعلق بوحدة العراق.

هل يلجأ الأمريكيون إلى تشجيع الأكراد على الانفصال؟يمكن أن يرد الأمريكيون على مسعى القوى الموالية لإيران لإخراج القوات الأمريكية من العراق، عبر التركيز على أن القرار اتخذ في غيبة أغلب الكتل السنية والكردية في البرلمان
كما ألمحت تقارير إعلامية إلى أن رئيس الحكومة العراقية مستقيل وبالتالي لا يحق له اتخاذ قرارات أساسية ومفصلية كهذا القرار فالأمريكيون يقدمون أنفسهم كحماة للأقليات في العراق، خاصة في ضوء المخاوف السنية والكردية من هيمنة الأحزاب الشيعية الطائفية الموالية لإيران.

وقد يترجم هذا على الأرض أن أمريكا ربما تعتمد في وجودها في العراق على القواعد العسكرية الموجودة في كردستان العراق، وبالطبع فإن الأكراد سوف يستغلون ذلك من أجل محاولة جذب الدعم الأمريكي لتحقيق مطالبهم الانفصالية علماً بأن الولايات المتحدة اعترضت على رغبة الأكراد في الانفصال عبر الاستفتاء الشهير الذي أقيم في عام 2017، وقالت إنها لا تعترف بنتائجه.

وقد مكن هذا الموقف الأمريكي قوات الجيش العراقي والحشد الشعبي بقيادة قاسم سليماني من استعادة مدينة كركوك الغنية بالنفط من البشمركة الكردية مما شكل ضربة قاصمة لحلم الاستقلال الكردي فانحياز العراق تحت قيادة الأحزاب الطائفية الشيعية لإيران بشكل كامل من شأنه دفع الولايات المتحدة للانحياز السافر لكردستان العراق، وهو ما يهدد وحدة العراق بالفعل.

فالإيرانيون باستخدامهم العراق ساحة للانتقام لمقتل سليماني يقامرون بوحدة هذا البلد العربي بعد أن سبق أن بددوا استقلاله عبر الهيمنة على مقدراته وإذا كانت إيران قد افتعلت هذه الأزمة منذ البداية عبر تنفيذ ميليشياتها لهجمات على القاعدة الأمريكية في شمال إيران حتى يتم وأد الحراك العراقي المطالب باستقلال البلاد عن الإيرانيين والأمريكيين معاً، فإنها اليوم أمام خيار عراق تتقاسم فيه الهيمنة مع الأمريكيين رغم أنفها، أو عراق مبتور منه شطره الكردي أو عراق يلحق به في دائرة الحصار.

من الطبيعي أن أي شخص لديه الحد الأدنى من الانتماء لوطنه سيرفض أي وجود لقوات أجنبية على أراضي بلده، لكن قضية الوجود العسكري الأمريكي مختلفة ومعقدة وتنطوي على تساؤلات عديدة حول طبيعته
من المعروف أن القضية الأكثر تفاعلًا في الساحة العراقية حاليًا هي مستقبل الوجود العسكري الأمريكي في العراق، وقد أصبحت مواقف الفصائل المسلحة والقوى السياسية المختلفة حول هذه القضية معروفة لكن هناك جانب مهم يجب تسليط الأضواء عليه، وهو مواقف مكونات الشعب العراقي المختلفة والناس العاديين (غير المرتبطين بالجهات المسلحة والسياسية) تجاه هذه القضية، خاصة وأن الاحتجاجات الأخيرة في العراق (بدأت مطلع أكتوبر/ تشرين أول 2019) أثبتت وجود خلافات وتناقضات كبيرة في الرأي والرؤية بين الشعب والطبقة السياسية، حول مجمل القضايا الداخلية والخارجية المتعلقة بالشأن العراقي من الطبيعي أن أي شخص لديه الحد الأدنى من الانتماء لوطنه سيرفض أي وجود لقوات أجنبية على أراضي بلده، لكن قضية الوجود العسكري الأمريكي مختلفة ومعقدة وتنطوي على تساؤلات عديدة حول طبيعته. ومن هذه التساؤلات: هل القوات الأمريكية في العراق بعد عام 2011 هي قوات احتلال أم قوات حليفة؟ ولماذا تصاعدت المطالبات بانسحابها في هذا الوقت بالذات؟ ولماذا هذه المطالبة تصدر فقط من الجهات السياسية-المسلحة العراقية المرتبطة بإيران؟ وهل رأي الجهات المرتبطة بإيران يمثل رأي جميع مكونات الشعب العراقي بخصوص هذه القضية؟

احتلال أم تحالف؟يشعر الكثير من العراقيين والمراقبين للشأن العراقي بالحيرة بشأن توصيف طبيعة الوجود العسكري الأمريكي “الحالي” في العراق، حيث مر بمراحل مختلفة ومتناقضة.

بعد الغزو الأمريكي-البريطاني للعراق، في أبريل/ نيسان 2003، كان توصيف القوات الأمريكية في العراق سهلًا وواضحًا بأنها “قوات احتلال”، حتى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1483، الصادر في 22 مايو/ أيار 2003 بإجماع الأعضاء، وصف القوات الأمريكية والبريطانية في العراق بأنها “قوات احتلال”.

في أكتوبر/ تشرين أول 2008 توصلت الحكومتان العراقية والأمريكية إلى اتفاقية تعاون أمني استراتيجي تنص على إكمال انسحاب القوات الأمريكية من العراق نهاية 2011، وإبقاء عدد “محدود” من الجنود الأمريكيين في قواعد عسكرية “محدودة”، لأغراض تدريب القوات العراقية وتقديم الدعم اللوجستي لها.

تم تنفيذ بنود الاتفاقية، وانسحبت القوات الأمريكية رسميًا من العراق بحلول نهاية 2011.

بعد ظهور تنظيم “داعش” الإرهابي وسيطرته على مدن وأراضٍ واسعة من العراق، في يونيو/ حزيران 2014، طلبت الحكومة العراقية من الولايات المتحدة مساعدتها للوقوف بوجه تهديدات ومخاطر داعش، وضرورة زيادة حجم ونوع الدعم العسكري الأمريكي المقدم للعراق، تطبيقًا لاتفاقية التعاون الأمني الاستراتيجي.

وفي سبتمبر/ أيلول 2014، تشكل التحالف الدولي لمحاربة “داعش” من 82 دولة، بقيادة الولايات المتحدة، وتطلبت ظروف الحرب ضد “داعش” زيادة أعداد القوات الأمريكية في العراق وزيادة قواعدهم العسكرية. بحلول نهاية الحرب على “داعش” في 2017، وصل عدد الجنود الأمريكيين في العراق إلى أكثر من 5000 جندي، ينتشرون في 9 قواعد عسكرية في وسط وغربي وشمالي العراق.

لم تواجه القوات الأمريكية في العراق أية مشاكل مع الجهات السياسية-المسلحة العراقية المرتبطة بإيران خلال الحرب على “داعش”، لكن بعد أن قررت الولايات المتحدة الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، في مايو/ أيار 2018، وتشديد العقوبات الأمريكية على طهران، تصاعدت المواجهة بين واشنطن وطهران، ويبدو أن العراق أصبح الساحة الرئيسية لهذه المواجهة. بدأت الجهات السياسية العراقية القريبة من إيران تصعد من لهجتها ضد الوجود العسكري الأمريكي في العراق، وبدأت الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران تهدد بشن ضربات ضد القوات الأمريكية في العراق. هذه المواجهة وصلت ذروتها بعد مقتل الجنرال الإيراني، قاسم سليماني، بضربة جوية أمريكية قرب مطار بغداد، فجر 3 يناير/ كانون ثاني الماضي.

بعد هذا الحادث بيومين أصدر مجلس النواب العراقي قرارًا يلزم الحكومة بالبدء بمفاوضات لإخراج القوات الأمريكية، بعد جلسة طارئة حضرها معظم النواب الشيعة وعدد قليل جدا من نواب العرب السُنة، وغياب معظم النواب الأكراد من جهة أخرى تزايدت بعد مقتل سليماني الهجمات الصاروخية التي شنتها الفصائل الموالية لإيران ضد القواعد العسكرية التي تحوي القوات الأمريكية، وأصبح الخطاب الإعلامي للجهات السياسية-المسلحة القريبة من إيران يصف القوات الأمريكية في العراق بـ قوات احتلال)!

مواقف الرأي العام – إن القوى السياسية الشيعية التي تصدرت المشهد السياسي في العراق بعد انتخابات 2018 هي “ائتلاف الفتح” (الحشد الشعبي) و”ائتلاف سائرون” (الصدريين).

وهذه القوى هي التي تقود حاليًا الحملات السياسية والإعلامية للمطالبة بانسحاب القوات الأمريكية من العراق، وتتكون تلك القوى من فصائل مسلحة لديها أجنحة سياسية، أو أحزاب سياسية لديها أجنحة مسلحة، وجميع هذه القوى قريبة من إيران وتوجهاتها.

لكن السؤال هو: هل يمثل “الفتح” و”سائرون” معظم الشارع الشيعي في العراق؟ بالطبع لا، فهذه القوى لديها نوعين من الجمهور في الوسط الشيعي بالعراق، الجمهور المنتمي لها تنظيميًا وعقائديًا، والجمهور “النفعي”، الذي يؤيد توجهات تلك القوى لمنفعة شخصية.

إن جمهور هذه القوى لا يشكل النسبة الأكبر من المكون الشيعي في العراق، بدليل أن النسبة (الحقيقية) للمشاركة في التصويت في الانتخابات الأخيرة بمحافظات وسط وجنوب العراق الشيعية لم تتجاوز 20%.

والدليل الآخر هو الأعداد الكبيرة من الجماهير الشيعية التي شاركت في الاحتجاجات الشعبية الأخيرة، علمًا بأن تلك الاحتجاجات تركزت في مدن وسط وجنوب العراق الشيعية، وأن جوهر مطالبها هو إزاحة القوى السياسية-المسلحة القريبة من إيران من المشهد السياسي بالعراق.

لكن هذه القوى ما زالت تفرض سيطرتها ونفوذها في الشارع الشيعي في العراق بقوة السلاح والدعم الإيراني وإن الجماهير الشيعية من خارج “الفتح” و”سائرون” لها رأي آخر في قضية الوجود العسكري الأمريكي في العراق، فهم يرون أن هذا الموضوع هو قضية استراتيجية تتعلق بأمن وسيادة ومستقبل العراق، ويجب مناقشتها واتخاذ القرار بخصوصها ضمن توافق وطني شامل موحد، وليس ضمن إطار المصالح والتوجهات الإيرانية، ولا يجوز للجهات السياسية-المسلحة المرتبطة بإيران أن تحتكر حق القرار في هذه القضية، واحتكار قرار الحرب والسلام في العراق و الكثير من شيعة العراق خارج إطار “الفتح” و”سائرون” يرون أنه لا يجوز تعريض الأوضاع الأمنية والاقتصادية في العراق للخطر خدمةً للأجندات الإيرانية هؤلاء العراقيون الشيعة يرون أن القوات الأمنية العراقية ما زالت بحاجة لدعم القوات الأمريكية لمواجهة خطر الإرهاب المتنامي، وأن المؤسسة العسكرية العراقية بدأت مؤخرًا تؤيد انسحاب القوات الأمريكية؛ بسبب ضغوطات القوى السياسية-المسلحة المدعومة من إيران، كما أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، هدد بأنه إذا أجبر العراقيون القوات الأمريكية على الانسحاب، فسيفرض عقوبات اقتصادية على العراق “أقسى” من المفروضة على إيران أما العرب السُنة، فموقفهم الحالي من الانسحاب الأمريكي يعد من المفارقات التاريخية، فبين عامي 2003 و2011 كان العرب السُنة أكثر مكونات الشعب العراقي رفضًا للوجود الأمريكي، وشهدت مدن ومناطق العرب السُنة الجزء الأكبر من العمليات المسلحة التي استهدفت القوات الأمريكية، ولحد الآن يوجد المئات من العرب السُنة في السجون العراقية، بتهمة المشاركة في أعمال مسلحة ضد الأمريكيين!

أما الآن، فإن معظم العرب السُنة (من خارج بعض القوى السياسية السُنية المتحالفة مع ائتلاف الفتح) لا يشعرون بالارتياح لانسحاب الأمريكيين في هذا الوقت لعدة عوامل :من هذه العوامل أن العرب السُنة (من خارج الطبقة السياسية) لديهم نفس الهواجس والشكوك والانتقادات الموجودة لدى العراقيين الشيعة (من خارج ائتلافي الفتح وسائرون)، فضلًا عن أن العرب السُنة يعتقدون أن الانسحاب الأمريكي في هذا الوقت سيجعلهم ومناطقهم مكشوفين أمام تهديدين خطيرين، هما تهديد بقايا “داعش”، وتهديد الميليشيات المدعومة من إيران أما موقف معظم الجماهير الكردية من الوجود العسكري الأمريكي فهو متطابق تمامًا مع موقف القوى السياسية الكردية، فهم يرفضون أي انسحاب أمريكي من العراق حاليًا.

إن هذا الموقف الكردي ينطلق من عوامل عديدة، وهي تجمع بين تحفظات وانتقادات الشيعة (من خارج الفتح وسائرون) ومخاوف العرب السُنة من تهديدات “داعش” والميليشيات ويبدو أن المكون التركماني في العراق هو الأكثر انقسامًا حول هذه القضية، فهناك تركمان شيعة وتركمان سُنة، التركمان الشيعة منقسمين إلى جزئين، جزء مرتبط تنظيميًا أو عقائديًا بالجهات السياسية-المسلحة المدعومة من إيران، وهو جزء يدعم بحماس مطلب انسحاب القوات الأمريكية من العراق، نصرةً لمواقف إيران أما الجزء الآخر من التركمان الشيعة فهم غير المرتبطين بالقوى السياسية والمسلحة القريبة من إيران، ولديهم نفس هواجس وانتقادات العرب الشيعة (من خارج القوى السياسية) حول هذه القضية والتركمان السُنة أيضًا منقسمين إلى جزئين بخصوص تلك القضية، قسم منهم يشترك مع العرب السُنة والكرد في نفس المخاوف من تداعيات الانسحاب الأمريكي، أما القسم الآخر فيرى أن الانسحاب الأمريكي قد يكون فيه مصلحة للتركمان، إذا شمل مناطق شمال العراق؛ لأنه سيُضعف قوة “بعض” الأطراف الكردية التي تستقوي بالوجود والدعم الأمريكي، لاستهداف وجود التركمان وحقوقهم في العراق إن المطالبة بخروج القوات الأمريكية من العراق هو حق مشروع كفلته القوانين والأعراف الدولية، ومن المؤكد أن خلو العراق من كل أنواع الوجود الأجنبي والتدخلات الخارجية (الأمريكية أو الإيرانية) يعد مكسبًا استراتيجيًا.

لكن هذا الحق يجب أن ينطلق من تفاهمات وحوارات بين كل مكونات الشعب العراقي السياسية والمجتمعية، مع مباحثات رصينة مع الجانب الأمريكي، وأن تتم كل هذه الخطوات في إطار مصلحة الشعب العراقي ومتطلبات أمنه واستقراره غير أن ما يجري حاليًا في العراق بشأن قضية الوجود العسكري الأمريكي هو فوضى سياسية وأمنية غير محسوبة العواقب، تتم في أجواء متوترة وتتفرد أطراف سياسية-مسلحة محددة باتخاذ قرارات خطيرة تتعلق بحاضر ومستقبل كل مكونات الشعب العراقي، بالاعتماد فقط على رأيها ورؤيتها لمسار الأحداث وعلى الإرشادات والنصائح والدعم الذي يأتيها من الخارج، دون التشاور مع باقي الأطراف والشركاء في الوطن أو في العملية السياسية

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here