المتحف العراقي .. شمعة مضيئة في الظلام

بقلم : عضيد جواد الخميسي

لِمَ كدحت؟

ِلمَ قمت بالرحيل ؟

ِلمَ عانيت؟

قطعاً ، لَمْ أكسب شيئاً لنفسي ..

فقط استفدتُ من الأفعى ، يا أسد الأرض !..

( اللوح الحادي عشر ـ ملحمة كلكامش )

في هذا المقطع ، لُخّصت ملحمة كلكامش .

ليس هناك شيء اسمه الخلود..

لأن كلكامش كان مخطئاً !

لقد ترددت أصداء ملحمة كلكامش في جميع أنحاء العالم وعلى مدى آلاف السنين ، وستبقى هكذا الى الأبد تحمل معها أريج بلاد
الرافدين …

بدايات التكوين

احتلّ الجيش البريطاني بغداد ، عندما هُزم العثمانيون في 10 مارس/ آذار 1917 . عُينت “غيرترود بيل ” مستشارة للمندوب
السامي البريطاني اللواء السير ” بيرسي كوكس” ، ثم تولت منصب المفوض الأعلى للعراق . وقد كانت بيل ، سياسية وكاتبة ورحّالة إنكليزية ، ولديها ولعاً شديداً في الآثار .

بعد نهاية الحرب العالمية الأولى ، بدأت عدة فرق آثارية أوروبية وأمريكية في التنقيب عن الآثار في بلاد الرافدين . في
تلك الفترة ، تم تعيين بيل مديرة مؤقتة لمديرية الآثار في 22 أكتوبر/ تشرين الأول من عام 1921 ، وكان من جملة مهامهّا ، الإشراف على أعمال التنقيب والحفر في جميع أنحاء العراق بالتعاون مع العديد من الفرق الغربية .

كان عدد الآثار المكتشفة يتزايد بمرور الزمن جرّاء التنقيب القانوني والرسمي . وقد وضِعت معظم التحف واللقى الفنية الأثرية
التي عُثر عليها في معرض مؤقت افتتح في 11 مارس/ آذار 1921 .

من أجل الحفاظ على ثقافة وتراث بلاد الرافدين ، بدأت بيل بتخزين القطع الأثرية في الطابق السفلي من (مبنى القشلة) في بغداد
عام 1922 . ومن ثمّ أصبح هذا المكان في المبنى الحكومي معروف باسم “غرفة الأحجار البابلية ” ، وكان بمثابة نواة المستقبل لـ (متحف بغداد للآثار) .

حصيلة بيل من مجموعتها الفنية الاثرية الرافدينية ، كانت متواضعة في الأساس ، لكنها ساعدت أيضاً في إنشاء المدرسة البريطانية
للآثار في العراق ، وبما أن عدد القطع الأثرية في تزايد ، فإن مبنىً أكبر يضمّها جميعاً ، أمراً لا بد منه .

تفاوضت بيل مع الحكومة العراقية من أجل الحصول على مبنى آخر مناسب لخزن وعرض التحف واللقى الاثرية المحفوظة ، والتي سوف
يعثر عليها مستقبلاً . أخيرا تم اختيار مبنى دار الطباعة الحكومية الجديد ( المتحف البغدادي حالياً ) ، فعلى الرغم من أن المبنى مكوّن من طابقين ولم يمض على بنائه سوى بضعة سنوات ، إلاّ ان الحكومة لم تُبْد اعتراضاً على ذلك ، وقد جعلت مس بيل من تلك البناية متحفاً
صغيراً يضم جميع القطع الفنية الاثرية ، بعد إجراء بعض التحويرات على البناية كي تفي بالغرض المطلوب .

تم افتتاح متحف بغداد للآثار رسمياً الساعة الثامنة صباحاً ، في 14 يونيو/ حزيران من عام 1926. وصفت بيل ، على اعتبارها
مديرة المتحف الجديد ، بأن المتحف هو “متحف بريطاني صغير” حيث يجد الزائر فيه العديد من القطع الأثرية ، منسقة بشكل تسلسلي وفقاً لترتيبها الزمني ، مع وصف موجز لكل معروض كتب في اللغتين ، الإنكليزية والعربية .

في 12 يوليو/ تموز 1926 ، وعندما لم يمض شهراً على افتتاحها متحف بغداد للآثار ، توفيت مس بيل ، بسبب جرعة زائدة من الحبوب
المنوّمة ، ومن ثمّ إقالة البريطانيان ” ريتشارد كوك” ، وعالم الآشوريات “سيدني سميث ” من منصبيهما في إدارة المتحف بعد وفاة مَس بيل ، بسبب تهريبهما وحيازتها القطع الأثرية بطرق غير قانونية .

في عام 1931 ، تولى الألماني ” يوليوس غوردن” ، منصب مدير المتحف ، حتى أكتوبر من عام 1934 . ثم أُقيل من منصبه لأنه كان
أحد الشخصيات الرئيسية في ما يسمى (فضيحة آربتشيا Arpachiyah Scandal)
عام 1933 ، وكان من ضمن تلك الشخصيات أيضاً ” ماكس مالوان” زوج الكاتبة الانكليزية ” أجاثا كريستي ” ، وذلك عندما تجاهل المعنيون الآثاريون في تلك الفضيحة ، تعليمات وأنظمة الحكومة العراقية (حول كيفية تقسيم الآثار المنقّبة بين العراق والفرق الآثارية الغربية) . بعد
ذلك تم تعيين السيد “ساطع الحصري ” لتسنّم منصب مدير المتحف ، إذ كان أول عالم آثار عراقي يرأس إدارة المتحف ، وذلك بعد عامين من استقلال المملكة العراقية عن الانتداب البريطاني في تشرين الثاني / أكتوبر عام 1932.

البناية الجديدة

على الرغم من الوضع السياسي والاقتصادي غير المستقر نسبياً لمملكة العراق في أواخر أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي ،
إلاّ أن العديد من البعثات الاستكشافية الغربية القادمة ، كانت تعمل بجد وحماس لاكتشاف المزيد من الآثار.

استوعب متحف بغداد للآثار جميع القطع الأثرية التي تم تخزينها في مبنى القشلة واستقبل العدد المتزايد من المقتنيات .
ولكن بمرور الوقت ، أصبح المبنى ممتلئاً متجاوزاً حد التخزين المطلوب ، بسبب ذلك تم استبدال المتحف بآخر أوسع من أجل استيعاب هذا النمو المطرد من المقتنيات .

في يوليو/ تموز 1929 ، كانت قد اقترحت المدرسة الأمريكية للأبحاث الشرقية في تمويل وبناء متحف جديد ، غير ان الركود الاقتصادي
الذي أصاب الولايات المتحدة تسبب في إلغاء هذا المشروع . كانت هناك محاولة أخرى قامت بها مديرية الآثار في يناير/ كانون الثاني عام 1934 ، ولكن لم يكتب لها النجاح أيضاً .

أخيراً ، وفي 26 مايو/ أيار 1938 ، تمكنت مديرية الآثار من الحصول على التخصيصات المالية اللازمة من وزارة المالية ، وقطعة
أرض في منطقة (الصالحية / وسط بغداد) كهبة من دائرة السكك ، إذ كانت مساحة الأرض في الأصل 63,730 متر مربع ، إلاّ أنها تقلصت إلى 45,000 متر مربع بعد حين !.

صمم المهندس المعماري الألماني ” فيرنر مارش
Werner March”
مجمع المتاحف في الموقع الجديد القريب من محطة سكك شرقي بغداد ، وذلك لاتاحة الفرصة للمسافرين والسائحين القادمين من مطار بغداد الدولي القريب جداً ، من الوصول بسهولة لزيارة المتحف .

بدأت أعمال البناء قبل الحرب العالمية الثانية ، ولكن العمل توقف عام 1940 بسبب قيام الحرب . ولم يتم استئناف العمل
حتى 28 ديسمبر/ كانون الأول من عام 1955، وذلك بسبب العوائق الفنية والإدارية والمالية في العقود المبرمة . وقد تم الانتهاء من بناء المجمّع الحالي (المتحف والمديرية العامة للآثار) ، في عام 1963.

نُقلت موجودات المتحف القديم إلى المبنى الجديد في وقت لاحق ، وافتتح المتحف رسمياً في حفل بهيج يوم 9 نوفمبر/ تشرين
الثاني من عام 1966. كان المتحف الوطني الجديد يفتح أبوابه للجمهور من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الساعة الخامسة مساءً ، من ضمنها يوم الجمعة ، كما ان عروض المتحف تتألف من 13جناحاً ، ابتداءً من عصور ما قبل التاريخ وحتى أواخر الفترة الإسلامية .

أول مسمار في النعش

امتدت الحرب العراقية الإيرانية لمدة ثماني سنوات ، من سبتمبر/ أيلول 1980 إلى أغسطس/ آب 1988 ، والتي استنفدت موارد البلاد.
ومع ذلك ، كانت أبواب المتحف العراقي مفتوحة للجمهور في السنوات الاول من الحرب ، بعدئذ اقتصرت الزيارات على الأجانب والوفود الرسمية فقط (لأغراض الدعاية السياسية ) .

كانت هناك فرصة طيبة قد أتيحت لي شخصياً في زيارة المتحف برفقة أحد الصحفيين الإيطاليين في ربيع عام 1987، وذلك عندما
كنت أعمل لدى الملحقية الثقافية الإيطالية في بغداد ، وعلى الرغم من أنها كانت فترة قصيرة جداً لا تتعدى البضعة أشهر ، إلا أنني تركت العمل مرغماً لأسباب تتعلق بقوانين الدولة العراقية الجائرة ، وشروطها التعسفية والمُذِلّة الخاصة في التوظيف لدى الدوائر والمؤسسات
الدبلوماسية الأجنبية العاملة في العراق .

لم يُسمح للمواطنين من زيارة المتحف مرة أخرى ، إلاّ قبل بضع سنوات خلت . العديد من فرق التنقيب العالمية كانت مترددة
إلى حد ما في زيارة العراق ، باعتبارها منطقة حرب . تلا ذلك فترة قصيرة من وقف الحرب والتي استمرت مدة عامين فقط ، عندها تمكن علماء الآثار من تنفس الصعداء وزيارة العراق مرة اخرى .

كان الحدث المهم في تاريخ الشرق الأوسط الحديث ، هو غزو صدام حسين للكويت في 2 أغسطس/ آب عام 1990 ، مما أدى إلى فرض عقوبات
اقتصادية دولية على العراق . وما تمخض عن ذلك الغزو ، القيام بعملية عاصفة الصحراء الحربية لتحرير الكويت في 17 يناير/ كانون الثاني من عام 1991 ، واندلاع انتفاضة الشعب العراقي ضد النظام في عدد من مناطق العراق والفوضى التي رافقتها في مارس عام 1991. أثر ذلك تلقى
قطاع الآثار وبالأخص المتاحف ، ضربة قوية كان تأثيرها سيّء وعميق جداً . فقد أُغلقت العديد من المتاحف المحلية في المحافظات ، على الرغم من أن معظم محتوياتها قد نُقلت إلى بغداد لحفظها ، إلا أن بعض منها قد حُرق ، ونُهب بعضها الآخر خلال فوضى الانتفاضة.

كان الكثير من المواقع الأثرية في العراق ، فريسة سهلة للسرّاق والناهبين . وتسعينيات القرن الماضي ، تُعد فترة مزدهرة
لتهريب القطع الأثرية الثمينة من العراق ، وذلك عندما كان المتحف الوطني مغلقاً بوجه العراقيين والأجانب . وحتى الوفود الزائرة للعراق ، كانت برامجها تخلو من زيارة المتحف ، إلا أنه أفتتح مرة واحدة فقط خلال الاحتفالات في عيد ميلاد صدام حسين ، 28 أبريل/ نيسان 1999
، وحضر الحفل عدد من كبار المسؤولين ، والبعثات الدبلوماسية ، وقلّة منتخبة من المواطنين .

التسونامي الكبير

قامت الولايات المتحدة بتنظيم وقيادة تحالف دولي للإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003 . مع بدء قرع طبول الحرب التي لا مفر
منها ، تطورت سلسلة طويلة من الأحداث وبسرعة ، نوجزها على الوجه التالي :

أولاً ـ في 24 يناير/ كانون الثاني 2003 : أصدر المعهد الآثاري الأمريكي ، بيانا عاجلاً يدعو فيه إلى حماية التراث الأثري
العراقي . وفي نفس اليوم ، من خلال اجتماع القائمين على المعهد مع مسؤولي البنتاغون ووزارة الخارجية ، تم التأكيد على وجوب الحيطة والحذر من قيام عمليات النهب والسلب والتخريب للمتاحف العراقية ، ولكن للأسف لم تُتخذ التدابير اللازمة في منع حصول تلك الكارثة .

ثانياً ـ في 27 فبراير/ شباط : تم إغلاق المتحف العراقي رسمياً ، ومُنع الموظفون من مزاولة مهامهم الروتينية ، باستثناء
لجنة متخصصة وبإشراف من رئاسة الجمهورية ، واجبها القيام بعملية تعبئة مجموعات معينة من المقتنيات الاثرية في صناديق خاصة ونقلها الى أماكن غير معروفة ، وإخلاء عدد محدود من صالات المتحف ومخازنه ، ونقل الوثائق المهمة الى أماكن سرية وبعض الملاجئ . تُركت أعداد كبيرة
من التماثيل الكبيرة والمتوسطة و الجداريات واللوحات والأعمال اليدوية الصغيرة والكثير من التحف النادرة ، وكذلك جميع المعدات المختبرية في مكانها محمية بأكياس الرمل . وفي نفس اليوم ، بعثت جمعية الآثار الأمريكية برقية إلى وزير الدفاع ، دونالد رامسفيلد ، تحثه فيها
على حماية الآثار العراقية .

ثالثاً ـ في 6 مارس/ آذار : طلب المجلس الدولي للآثار والمواقع التاريخية من جميع الحكومات المساعدة في حماية الممتلكات
التراثية في العراق .

رابعاً ـ في 17 مارس/ آذار : أعطى الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش صدام وعائلته 48 ساعة لمغادرة العراق ، وإلا فقد يواجه
الحرب .

خامساً ـ في 19مارس/آذار: أصدرت اللجنة الدولية للدرع الأزرق بياناً عاجلاً تناشد فيه جميع الأطراف المتنازعة إلى منع
الضرر الذي قد يصيب التراث الثقافي العراقي من جرّاء الفعاليات الحربية ..

سادساً ـ في ليلة 20 ـ 21 مارس/ آذار : بدأت الحرب في الهجوم الجوي الواسع النطاق .

سابعاً ـ في 27 مارس/ آذار : حث المدير العام لليونسكو (كويشيرو ماتسورا) ، الولايات المتحدة الأمريكية على حماية التراث
الثقافي العراقي .

ثامناً ـ في 5 أبريل/ نيسان : دخلت القوات البريّة الأمريكية بغداد واشتبكت مع تشكيلات الحرس الجمهوري والجيش العراقي
ومليشيات شبه عسكرية مختلفة .

تاسعاً ـ في 8 أبريل / نيسان : هروب معظم الموظفين المكلّفين في التواجد والمجاميع العسكرية الداعمة الاخرى لحماية المتحف
العراقي مع اقتراب الاشتباكات العسكرية . وأخذت القوات الأمريكية بالتعامل مع الافراد المسلحين والقناصة العراقيين داخل المتحف ، وقد قامت احدى الدبابات الأمريكية بإطلاق قذيفة على واجهة المتحف مما أدى الى سقوط العديد من القتلى والجرحى .

عاشراً ـ في 9 أبريل/ نيسان : انهار نظام صدام حسين ، واحتلت القوات الأمريكية بغداد بالكامل .

أحد عشر- في 10 و11 أبريل/ نيسان : بدأت أعمال النهب والسلب والحرق والتخريب .

اثنا عشر- في 12 أبريل/ نيسان: وصل موظفو المتحف ومعهم حشود من المواطنين إلى المتحف لحمايته وتأمينه ، مستخدمين أسلحتهم
الشخصية. وقد نقلت وسائل الإعلام الدولية صوراً ومقاطع فيديو مروّعة عن المتحف المنكوب الى جميع أنحاء العالم ، مما أثار غضباً دولياً عارماً .

ثلاثة عشر- في 13 أبريل/ نيسان : طلبت إدارة المتحف العراقي من الجيش الأمريكي التدخل ومنع المزيد من السرقة والتخريب
.

أربعة عشر- في 14 أبريل/ نيسان : وعد وزير الخارجية الأمريكي كولن باول بحماية المتحف وإصلاح الأضرار الناجمة من العمليات
العسكرية ومن فوضى النهب .

خمسة عشر- في 15 أبريل/ نيسان : لا يزال المتحف في حالة من انعدام الأمن ، واستمرار أعمال النهب والسرقة .

ستة عشر- في 16 أبريل/ نيسان : بعد ملاحظة التباطؤ في السلب والنهب لمدة ستة أيام متواصلة دون مبالاة ، أخيراً دخلت القوات
الأمريكية المتحف ، لحمايته !!.

سبعة عشر- في 17 أبريل/ نيسان : بدأ موظفو المتحف برفع الأنقاض والقيام بأعمال تنظيف أجنحة المعروضات ، وتوثيق الموجودات
من الآثار السليمة والمتضررة منها في سجلات ، وتقيّم الأضرار الشاملة . وعند هذا اليوم ، عقدت اليونسكو اجتماعاً دولياً للخبراء في فرنسا حول كارثة المتحف العراقي .

ثمانية عشر- في 21 أبريل/ نيسان : وصلت مجموعة من المحققين الأمريكيين برئاسة العقيد البحري ماثيو بوغدانس، لتقييم الوضع
المأساوي الذي طال المتحف !!.

السلب والنهب

تم تحديد أربعة أصناف لأعمال النهب والسرقة :

1. الصنف الأول ، عبارة عن مجموعة من الأشخاص قاموا بأعمال النهب العشوائي والغير المنظم ، إذ تم نهب بعض النسخ المقلدّة
، في حين تركت القطع الأصلية المجاورة سليمة وبدون أضرار . بالإضافة إلى ذلك ، تركزت السرقات عند هذا الصنف في الغالب ، على الأثاث وأجهزة الكمبيوتر وأجهزة التلفزيون والأدوات المختبرية والسيارات ، وما إلى ذلك . و يُعتقد بأن الأهالي من الفقراء الذين يعيشون في المنطقة
المجاورة لموقع المتحف ، هم المقصودون بذلك .

2. ركز الصنف الثاني من السرَّاق على الأجنحة الخاصة في المتحف ، وكان هؤلاء يعرفون تماماً ما الذي يتعين عليهم سرقته
، مثل إناء الوركاء، قناع الوركاء، تمثال باسيتكي وقيثارة أور الذهبية ، وكذلك استهدفت هذه المجموعة تمثال بلا رأس للملك السومري في لكش (انتيمينا )، وهو أثقل الأشياء المنهوبة من المتحف .

3. أما هذا الصنف ، فقد توجه مباشرة الى المخازن الارضيّة للمتحف والتي لم تظهر عليها أية علامات كسر للأقفال أو تحطيم
للأبواب ، إذ تم سرقة العديد من قطع الفخار ، الجرار ، الأوعية ، …إلخ .

4. كانت تلك هي اخطر مجموعة في هذا التصنيف من اللصوص ، عندما قامت بسرقة الغرف الصغيرة الواقعة في أقبية المتحف ، وهي
مقتنيات نفيسة و ثمينة جداً، وعادة ما تكون خفيفة الوزن ويمكن نقلها بسهولة ، مثل آلاف الأختام الأسطوانية والخرز والأحجار والمجوهرات ، والتي بمجموعها كانت مخفية داخل الخزنات والصناديق ، ومكان خزنها بعيد وسرّي للغاية . من الواضح أن عملية النهب هذه جاءت بتوجيه
من أشخاص على علم ودراية بمكان وتفاصيل تلك المقتنيات ، وكان منفذو تلك الجريمة ، يمتلكون مفاتيح الغرف والخزائن الخاصة بالمتحف ، و يعرفون ما في داخلها بالضبط .

العدد الدقيق من القطع الأثرية المسروقة غير معروف تماماً في الوقت الحاضر، وأن الرقم الذي بلغ حوالي 15,000 خمسة عشر
ألف قطعة مفقودة ، هو رقم مقبول الى حد ما . إذ بالغت وسائل الاعلام كثيراً عندما طرحت الرقم 170,000مائة وسبعون ألف قطعة أثرية ، وحتى انه قد زيد الى 600,000 ستمائة ألف قطعة أثرية التي نُهبت من المتحف ، وهي أرقام يصعب تصديقها ، بالنظر الى قدرة المتحف الاستيعابية
، ومساحة صالات العروض وعدد الأجنحة التي ضمّت تلك المقتنيات ، ولكن يمكننا القول ، في ان 6000 ستة آلاف قطعة أثرية تقريباً ، هو الرقم الحقيقي الذي تم استرجاعه حتى الآن ، حسبما ذكرته مصادر المتحف .

إعادة التأهيل

استعاد المتحف عافيته تدريجياً ، لكنه ظلّ مغلقاً أمام الجمهور .

في 3 يوليو/تموز 2003 ، تم افتتاح المتحف لمدة ساعتين فقط ، وذلك لعرض كنز النمرود ، الذي تم العثور عليه بتاريخ 1 يونيو/
حزيران 2003 ، في قبو البنك المركزي العراقي عندما غمرته المياه إبّان الاجتياح الأمريكي واحتلال بغداد . وقد حضر بول بريمر مدير سلطة التحالف المؤقتة في العراق المعرض مع سياسيين وصحفيين (مُنع دخول المواطنين ) ، ثم تم إغلاقه بعد ذلك ، وفي اليوم التالي ، ُنقل كنز
النمرود إلى مكان آمن . وتنتشر الأخبار بين الحين والآخر ، عن إعادة قطع أثرية مسروقة الى المتحف .

بدأت اعمال الاعمار والتجديد للمتحف في عام 2004 ، مع نظام أمني حديث ، مزوّد بالكاميرات ، والمختبرات العصرية ، وجملة
من المستلزمات التي تتناسب إلى حد ما مع معايير المتاحف المتطورة .

في ديسمبر/ كانون الأول 2008 : أُفتتح المتحف بحضور الصحفيين لبضع ساعات فقط ، وذلك عندما استعاد السياسي أحمد الجلبي
بعض القطع الأثرية المسروقة من خارج العراق .

في 23 فبراير/شباط 2009 : افتتح رئيس مجلس الوزراء الأسبق نوري المالكي ، المتحف ليوم واحد فقط ، ليبعث برسالة إلى العالم
مفادها ، في أن الوضع في العراق بات مستقّراً وآمناً !!.

في 9 يونيو / حزيران 2009 : بعض المقتنيات الأثرية المتميزة في المتحف العراقي قد دخلت صورها عبر الإنترنت ، من خلال المشروع
الإيطالي للمتحف العراقي الافتراضي .

في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 : تم استخدام تقنية ” Google Street View ” تمكن القيام بجولة ما يسمى “الواقع الافتراضي”
المجّاني في المتحف .

في السنوات التي تلت ، تم تجديد جميع الصالات وترميمها تدريجياً ، وعُرضت المحتويات في واجهات زجاجية حديثة . ومن ثم أعيد
افتتاح المتحف رسمياً للجمهور في 28 فبراير/شباط عام 2015 من قبل رئيس مجلس الوزراء السابق حيدر العبادي .

أخيراً ، ما علينا إلاّ القول : ان التأريخ قد جعل من العراقيين الوريث الشرعي لتراث بلادهم ، ومن أرض الرافدين منطلقاً
للنهوض في الحضارة ، لذا فهي مسؤولية الجميع في الحفاظ على تلك التركة التي يتمناها من ليس لديه تاريخ وحضارة …

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كاثرين هانسون ـ نهب وتدمير ماضي العراق (منشورات متحف المعهد الشرقي) جامعة شيكاغو ـ 2008 .

لورنس روثفيلد ـ اغتصاب بلاد الرافدين ـ مطبعة جامعة شيكاغو ـ 2009 .

BBC NEWS ـ رحلة في المتحف الوطني العراقي (التجوّل في الواقع الافتراضي) ـ 2015 .

مجموعة أخبار ومقالات مختارة منشورة في عدد من الصحف والمواقع الإعلامية العراقية والأجنبية .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here