في ظل جائحة الكورونا: المؤتمرات العلمية الافتراضية للجامعات العراقية

تعد المؤتمرات العلمية واحدة من اهم الاحداث الرئيسية في جدول اعمال العلماء لما لها من غرض مهم في تقديم اعمالهم الجديدة إلى زملائهم بهدف تلقي ردود الفعل في مرحلة مبكرة من أبحاثهم، وبالتالي فهي جزء لا يتجزأ من عملية البحث العلمي والابتكار والتنقيب العلمي. وهي بمثابة مراجعة أقران غير رسمية يمكن أن تساعد الباحثين على تطوير عملهم وتوضيحه وتنقيحه أثناء شروعهم في كتابته وتقديمه للمراجعة الرسمية والنشر النهائي. بالإضافة إلى ذلك، تتيح المؤتمرات للباحثين الاستماع إلى ما يبحثه الآخرون في مجالهم وفي التخصصات ذات الصلة، والتحدث مع الزملاء من مؤسسات مختلفة حول العالم، والتعرف على الأبحاث والأدوات والتقنيات الجديدة التي قد تكون ذات صلة بعملهم. بعض المؤتمرات صغيرة وتركز بشكل ضيق على موضوع معين، في حين أن البعض الآخر يهدف إلى جمع عدة آلاف من العلماء معًا سنويًا. بغض النظر عن حجم الاجتماع، فإن الهدف الرئيسي هو جمع مجتمع من العلماء معًا وتوفير الفرص لهم للتفاعل.

ومع إلغاء المؤتمرات العلمية في جميع أنحاء العالم، يعيد الباحثون التفكير في كيفية الارتباط مع بعضهم. وبدأ يطرح في اوساطنا العلمية سؤال حول “ما هو الهدف من المؤتمرات الآن؟” وعلى الرغم من اننا لن نتوقع حدوث تغيير جذري في الارتباطات العلمية، إلا أن البعض يأمل أن يؤدي هذا على الأقل إلى إجراء بعض التغيرات الحقيقية في طريقة عقد المؤتمرات وأساليب التفاعل بينهم عبرها. ولربما يمكن ان يحدث هذا التحول في جعل حضور المؤتمرات أكثر سهولة لمجموعة أوسع من الباحثين، على سبيل المثال أولئك من الجامعات التي تفتقر إلى الموارد وجامعات العالم النامي.

لجأ العديد من المنظمين والمشاركين إلى التفكير في عقد مؤتمرات افتراضية عبر الإنترنت كوسيلة للاتصال والتفاعل، وتحاكي على الأقل بعض أجزاء الاجتماع الفعلي. وهي بالرغم من الاستجابة الضعيفة لها يمكن أن تكون بداية التحول إلى مؤتمرات يسهل الوصول إليها. هناك عقبات كثيرة لابد من تخطيها وهي كيف تضمن تفاعلا بين الباحثين كما هو يحدث عادة في المؤتمرات والتي يعتبرها البعض اهم من القاء البحوث، فهي كمثل لعبة كرة القدم الافتراضية لا يمكن مقارنتها بلعبة كرة القدم الحقيقية!

المؤتمرات الافتراضية في الجامعات العراقية

في العراق، ومن دون دراسة او استعداد او خبرة، بدأت ظاهرة عقد المؤتمرات الافتراضية تغزوا المجتمع العلمي وبدأت الجامعات والكليات تتسابق لعقدها، لربما لتثبت للعالم ان العلماء والباحثين العراقيين لا تثنيهم إجراءات الحجر الصحي ولا بقاءهم في البيوت، ولربما وجدوا في الغاء عقد المؤتمرات العالمية، وتوقف او تعثر البحث العلمي في العالم غرابة وتعارضا مع المثابرة والجهد والتحدي العلمي الذي اعتادوا عليه في نشاطاتهم اليومية. لكنه لا تبدوا لي هذه هي الأسباب الحقيقية التي دعت الجامعات العراقية الى عقد مؤتمرات افتراضية، عكس ما يجري في العالم من تشاءم حول إمكانية مثل هذه المؤتمرات ان تحل محل المؤتمرات التقليدية وتحقق نفس أهدافها.

ما يبدو لي ان المسؤولين في الوزارة تبنوا قرارا من مثل دفع الجامعات على الاستمرار في نشاطاتها في عقد المؤتمرات وبصورة افتراضية، وهو ما يتلاءم مع استمرار التدريس اون لاين. وطالما ان المشاركة في المؤتمرات لها ما يغديها من دوافع متمثلة في كتب الشكر، والنشر، وشروط التحصيل للشهادات العليا، والترقية العلمية، فأنها لابد ان تلاقي من الترحيب بما يكفل عقدها واستمراريتها بالرغم من ضعف البحث العلمي او حتى توقفه.

كنت قد تساءلت مرات ومرات عن السبب في عقد الجامعات والكليات والاقسام مؤتمرات علمية؟ هل ان الباحثين في حاجة الى اعلام زملائهم بمنتوجاتهم، وانهم بحاجة الى وسيلة للترويج لعملهم؟ أم انه كتعويض لهم لعدم تمكنهم من المشاركة في المؤتمرات العلمية العالمية؟ ام لأنه مجرد تقليد سيء لما يجرى في العالم اعتدنا عليه منذ أيام الحصار في العهد البائد؟؟ من الغرابة ان نجد في العراق هذا العدد الهائل من المؤتمرات العلمية الباهظة التكاليف بالمقارنة بالجامعات العالمية التي نادرا ما تعقد مؤتمرات بنفسها، فالمؤتمرات في العالم تعقدها منظمات ومؤسسات وجمعيات مستقلة تستقطب فيها علماء من كل الجامعات ومن كل البلدان، وتحقق في العادة ارباح للمنظمين. الغرابة في المؤتمرات العراقية كونها مجرد عرض للأعمال الجديدة للباحثين ومن دون مراجعة أقران حقيقية لها، وليس كمجال لتنظيم برامج التعاون العلمي بين الباحثين أنفسهم، وبينهم وبين الشركات ومؤسسات البحث والتطوير، ولا الى رسم خطط لعمليات مشتركة لتحصيل أموال جديدة للبحث العلمي.

التساؤل الاخر الذي طرحته في الماضي والذي لا أجد اجابة عنه هو: هل ان عدد المؤتمرات العلمية في العراق هو انعكاس لكثرة البحوث العلمية واهميتها؟ لو ان المؤتمرات العلمية غير موجودة في العراق، هل ستتأثر نوعية البحوث، وهل يقل عددها وعدد الأوراق المنشورة؟

واليوم وفي ظل هجوم العالم الافتراضي نتساءل عن الدوافع لعقد المؤتمرات العلمية الافتراضية. لربما هناك بعض التبريرات الموضوعية والتي تتمحور حول ضرورة الاستمرار في تقليد اعتدنا عليه سابقا وليس من بديل في أيام انتشار الجائحة الا عقدها عن طريق الانترنت. إذا كان هذا هو التبرير الصحيح أستطيع القول ان هذه المؤتمرات الافتراضية لن تختلف كثيرا عن المؤتمرات التقليدية في الجودة والشمولية والاهمية، ولسبب ان المؤتمرات التقليدية السابقة ما كانت بحقيقتها الا افتراضية فيما عدا الحضور البدني للمشاركين. من هذا المنطلق أرحب بالمؤتمرات الافتراضية لأنها ستوفر أموال عقد مؤتمرات لا تسمن ولا تغني عن جوع. وقد تساعد في تحقيق التفاعل الابداعي بين المشاركين والذي تفتقده المؤتمرات التقليدية، والذي يعتبر في العادة اساسا لنجاح أي مؤتمر. ولربما أيضا لن يتم دعوة المسؤولين من غير الاختصاص، ولا في جلوسهم في الصفوف الأمامية، مما يسمح لأصحاب الشأن من المشاركين من وجود فعلي مبني على الرغبة الحرة فلا يتركون المؤتمر حال مغادرة المسؤولين كعادتهم في المؤتمرات التقليدية. ومن المحتمل ان لا تكون هناك شهادات مشاركة، وعندها ستكون المشاركة للمهتمين فقط. وسيكون رائعا إذا تخلت المؤتمرات الافتراضية عن فكرة نشر الأبحاث التي اعتادت عليها المؤتمرات التقليدية لان مشروع القاء البحث في مؤتمر ونشره عن طريق المؤتمر نفسه لا يعد له اية اهمية كإنتاج علمي، ولا يمكن لهذا البحث من الاعتراف به كإنتاج علمي الا بعد نشره في مجلة علمية.

مع الأسف ما كانت هذه الا كلمات عابرة لا أرى انها ستؤثر في العقلية السائدة لعقد المؤتمرات، ومع هذا، ولربما، سيضطر المنظمون للمؤتمرات الافتراضية من تحقيقها لما تفرضه عليهم طبيعة وشروط التواصل عبر الانترنت.

دعني اتمادى وأزيد في تمنياتي بالدعوة الى مشاريع وفعاليات كتطوير للمؤتمرات او كبديل عنها، وهي كالتالي:

1- اقامة ورشات عمل لتحسين كفاءة الاستاذ والطالب، وتطوير قابلياتهم الابداعية والمهنية.

2- تحسين اسلوب كتابة مشاريع البحث العلمي، وربط اهدافها بالنشر بالمجلات العالمية الكبرى.

3- التخلي عن استخدام عنوان “المؤتمر العالمي” فالعالمية لا تتحقق بمجرد مشاركة عدة شخصيات من خارج البلاد.

4- تجنب عقد مؤتمرات شاملة تضم على سبيل المثال الطب والعلوم والهندسة والانسانيات لان ذلك لا يتناسب وطبيعة المؤتمرات العلمية ويضفي على المؤتمر صفة “بتاع كله” على حد قول المصريين.

5- منع تنظيم المؤتمرات من قبل الكليات والاقسام وتشجيع اقامة المؤتمرات العلمية من قبل مؤسسات مستقلة خارج الجامعات وبتمويل من قبل المشاركين عن طريق استحصال اجور المشاركة.

6- التقليل قدر الامكان من دعوة المسؤولين لافتتاح المؤتمرات، وعدم السماح بحضور المؤتمر لغير المشاركين الفعليين.

7- مقاومة الرغبات في وضع توصيات عامة شكلية لا علاقة خاصة بأهداف المؤتمر، ولا تتوفر الارضية الواقعية لتحقيقها في فترة ما بين مؤتمرين.

8- نشر مختصرات البحوث فقط وتجنب قدر الإمكان نشر البحوث كاملة في اجراءات المؤتمر لان ذلك قد يمنع نشر البحث في مجلة علمية رصينة، كما ان نشر “بحوث” المؤتمرات كاملة يشجع الادعاءات الزائفة والمواد المقتبسة والضعيفة.

————————

محمد الربيعي

بروفسور الهندسة الخلوية، جامعة دبلن

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here