الدور الرقابي لمحكمة التمييز على منطقية أسباب الحكم القضائي

القاضي عبد الستار ناهي

عندما يتصدى القاضي لاصدار الحكم القضائي الذي يحوز حجية الامر المقتضي به لاستحصال الخصم حقه الثابت فيه عبر دوائر التنفيذ، فأن القاضي بإصداره الحكم لا يكون فعله ذلك بدوافع عاطفية، ورغبة شخصية، او نزوة شخصية عابرة ، بل هو نتاج لسياق ذهني لا مجرد عملية تطبيق آلي للنص القانوني بل هو مقيد بمبادىء يطلق عليها اسم ((المنطق)) و دور القاضي يكمن في ترجيح الحقوق المتنازع عليها من خلال الوقائع المعروضة من الخصوم ودوره حَكَما عادلا في وزن الادلة المطروحة- مع ما له من دور ايجابي من خلال توسيع سلطته في توجيه الدعوى بما يكفل التطبيق السليم لاحكام القانون وصولا الى الحكم العادل في القضية المنظورة-

ومن هذا المنطلق يصدر حكمه الذي ألُزم ان ياتي مُسببا تسبيبا منطقيا موجها للعقل والمنطق ليحقق التسبيب غايته باقناع الخصوم وجهة الطعن بما ذهبه اليه، ولن يتحقق هذا الا اذا جاءت اسباب حكمه مقنعة ولا تكون مقنعة الا اذا جاءت على وفق مقتضى العقل والمنطق لان عدالة الحكم القضائي لا تكون بكفاية اسبابه ووجودها لان اشتراط الاسباب في الحكم لم تكن لجوانب شكليه بل لابد ان تكون على وفق المنطق بما توصل اليه من استقرائه لادلة الخصوم والواقعة محل النزاع.

ويذهب الفقه انه ينبغي لمقدمات التسبيب ابتداء ان تكون سليمة وغير متناقضة وما يبني عليها من احكام محتملا عقلا ومنطقا اما اذا استحال عقلا استخلاص الواقعة التي اعتمدها الحكم فانه سوف يشوبه خطا في الاستدلال ، لذلك فان الالتزام بالتسبيب و بيان الاسباب الواقعية والقانونية التي تؤدي الى المنطوق الذي انتهى اليه قاضي الموضوع من خلال قواعد العقل والمنطق وهي بذلك تكشف عن مدى منطقية الاقتناع الموضوعي للقاضي لان حكم القاضي هو تعبير عن نشاط ذهني وفكري فلا بد من قيامه على تفكير منطقي لايجاد رابطة عقلية بين وقائع معلومة وغير معلومة حتى يأتي رأي القاضي في الدعوى نتيجة اقتناع يقيني لا نتيجة اهواء او عاطفة عارضة او فكرة مبهمة او غامضة تعكسه اسباب الحكم وتثبت انه جاء فعلا كنتيجة منطقية لمقدمات ادت اليه.

فالحكم القضائي عبارة عن مقدمة كبرى وهي القواعد القانونية ومقدمة صغرى وهي الوقائع والنتيجة والذي هي ما تمخض عنها تطبيق القانون على الوقائع فمتى جاء استخلاص المحكمة للنتيجة التي انتهى اليها مقبوله ومستساغة كان الحكم منطقيا.

واذا جاء الحكم القضائي فاقدا شرط منطقية الاسباب اي كون الاسباب لا تؤدي عقلا ولا منطقا الى النتيجة التي توصل اليها القاضي في حكمه فانه يحمل بين طياته احد عيوب التسبيب المتمثلة بفساد الاستدلال.

ومنطقية الاسباب و وجودها في الحكم القضائي امر بغاية الاهمية لان الاتجاه نحو المنطقية ووجودها يضفي القوة عليه و يمّكن جهة الطعن من اداء دورها الرقابي من خلال الاسباب الواردة في الحكم ويتأكد لها ان عمل القاضي المتمثل بالحكم الصادر لم يستخلص الا بناءً على قياس قضائي صحيح مستقى من مصادره من القانون والعقل.

وانه جاء عن طريق استقراء عناصر الواقعة بعد تحليلها ثم اعاده تركيبها لاستنباط الوقائع الثابتة و ان النتيجة التي توصل اليها كانت من المقدمتين الكبرى والصغرى بشكل مستساغ، بمعنى ان استخلاص النتائج النهائية من هاتين المقدمتين كان استخلاصا منطقيا مقبول في العقل.ما يجعل حكمه متى جاء على ضوء البناء المنطقي المذكور صحيحا و موافقا للقانون لاشتماله على الاسباب القانونية الملزم ببيانها في حكمه. وبخلاف ذلك يجعل من حكمه مشوبا بالبطلان لفساده بالاستدلال، ويكون الحكم مشوبا بالفساد بالاستدلال كذلك اذا انطوت اسبابه على عيب ينال من سلامة الاستنباط. ويتحقق كذلك عندما تستند المحكمة في اقتناعها الى ادلة غير صالحة من ناحية الواقع بما انتهت اليه او عدم فهم العناصر الواقعية التي خلصت اليها او وقوع التناقض بين تلك العناصر. فأن الحكم اذا صدر في ضوء الحالات السابقة يفقد الاساس المنطقي بصدوره ويصبح تماما كالحكم المنعدم التسبيب.

وفي ضوء ما تقدم نرى ان المنطق القانوني هو تطبيق قواعد علم المنطق واسسه على المسائل القانونية، و هو اسلوب التفكير الذي يعطي حلاً قانونيا لوقائع مطروحة ومن ثم الحصول على نتائج مترتبه ترتيبا منطقيا مبنياً على مقدمات مما يعكس العلاقة الوثيقة الصلة بين علميّ المنطق والقانون.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here