قريبا من حياة زهد وتقشف بسيطة.. وبعيدا عن هوس استهلاك جنوني و منهك ..

بقلم مهدي قاسم

بعد استغراق في حياة مريحة و ترف نسبي ، مع إشباع دائم من كل شيء لحد إفراط وتجشؤ احيانا
!! .. حيث شيئا فشيئا ماتت فرحتنا و غبطتنا الطفولية .. حتى لم نعد نفرح لأي شيء كان و مهما كان .. فربما ما ينقصنا الآن هو قليل من حياة زهد وتقشف طوعيين .. لننفّض أو نرمي عن كاهلنا كل هذه الأثقال المرهقة و المنهكة من هوس استهلاكي عديد ومتواصل ومجهد يوم بعد يوما
.. عسى ولعل نعثر على غبطة روح حقيقية تملأ قلوبنا و تأسرها بألق و بهجة أشياء بسيطة و قيمة وذات حميمية دافئة من مستلزمات حياة يومية فحسب ، تلك التي تبهج ـــ عادة ـــ قلب الأطفال و الفلاحين و أهل القرى الفقراء .. لنعود كما كنا ومثلما كنا ، حتى نفرح فرحة أطفال
صميمية وجزلة بملأ قلوبنا المترعة مع بهجة روح يانعة و متوهجة .. بعدما أفسد حياتنا كل هذا الترف النسبي المسموم وهو يضخّه قلقا و ضجرا و بهوتا وخواء شاسعا بحلته الرمادية التي تزدهي بها أيامنا الرقمية ، وهي تمضي بسرعة غريبة وكأنها قطيع من خراف متشابهة شكل
و أحجام ولون ، بحيث ننسى أحيانا عند أي رقم وصلنا بخيول ساعتنا الصاروخية المتطايرة بقوادم متواثبة بجنون أخرق : أعند يوم أمس ،أم عند حدود اليوم ، أم في منتصف يوم غد ، دون أن نعلم بذلك بعد ؟! .. كما لو كنا في خريف متهجم ومكفهر أبدي وسط وحشة اختيارية قد
تبدو مريحة وأنيسة ألأكثر سطوة حضور آخرين .. حتى لنكاد نضيق ذرعا بحياتنا والتي تبدو أحيانا وكأنها علب ضيقة من بلاستيك بارد ومنفر ..و كأن الحياة قد فقدت طعمها الحلو واللذيذ و المغري السابق ، بالرغم من تمتعنا بكل شيء استهلاكي عصري وفاخر .. ولكن ما من شيء غير
جحافل هذا القلق و حدوة الضيق والتململ و ذلك الضجر الإخطبوطي المتربص والخانق ..

آنذاك يأخذني حنين قديم إلى سكون قرى بعيدة مضطجعة بروية وتأن في أحضان حقول تمتد
كجسد محيط مندلق من أسره ، و على طول البصر البعيد لتلتقي مع آفاق منحنية عبر الأثير الأزرق

كأنما لتتحاضن مع قامة سنابل عالية برؤوسها الشامخة والشقراء وهي تلوّح لأشعة الشمس
بتيجانها الذهبية المشعة بكل ود و حميمية وتآخِ أبدي ..

حينذاك تثير شهيتي فجأة نكهة رغيف خبز شعير ساخن مع حبات تمر بطول أصبع مكتنز بنسغه
الحلو،

بل أكثر حلاوة حتى من العسل نفسه

حيث يوسّطهما قدح كبير من لبن رائب كمليكة مهيبة !..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here