أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّابِعَةُ (٤)

نـــــــــــــــزار حيدر

{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}.

متى يكونُ التَّمكينُ في محلِّهِ؟!.

متى لا نهدِرُ الطَّاقات ونُبذِّر بالأَسبابِ ونُضيِّعُ الوقت فنضعَ أَسباب ومُقوِّمات وأَدوات التَّمكين في محلِّها؟!.

أَحياناً نفشلُ في تمكينِ الفردِ أَو الجماعة فنظنُّ أَنَّ السَّبب في شرُوط التَّمكين، وهذا خطأٌ شائِعٌ خاصَّةً في المُجتمعات المُتخلِّفة.

إِذا أَردنا أَن ننتبهَ لمثلِ هذا الخطأ الشَّائع ينبغي أَن ننتبهَ إِلى حقيقةٍ في غايةِ الأَهميَّة، وهيَ؛

أَنَّ أَدوات التَّمكين على نوعَينِ؛ الأَوَّل هو المُشاعة التي يخلقها الله تعالى {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} أَو الفُرص القائمةفي كُلِّ مكانٍ تقريباً، وهيَ التي يُمكنُ لكلِّ امرءٍ أَن ينهلَ منها إِذا شاءَ، كفُرص التَّعليم مثلاً، فكلُّ الأَطفال يذهبُون إِلى المدرسةِ، أَو يجب، وكلُّهم يتلقُّونَ نفسالدُّروس ونفس عدد ساعات الحُصص الدِّراسيَّة.

أَمَّا الثَّاني فهي أَدواتٌ خاصَّة تعتمد على القدُرات الإِستيعابيَّة لكلِّ فردٍ أَو جماعةٍ في المُجتمع، قدرتهُ أَو قدرتهُم على استيعابِ أَدوات التَّمكين وظروفهِ وأَسبابهِ،ومدى استِعدادهِم للتَّضحيةِ مِن أَجلِ استيعابِها على قاعدة [مَن طلبَ العُلى سهرَ اللَّيالي] مثلاً.

وهُنا يبدأُ الفرق بين النَّاس، فهذا ناجحٌ وذاكَ فاشلٌ، هذا مُتميِّزٌ وذاكَ غَير مُتميِّز، وهذا خلَّاقٌ في تفكيرهِ وفي عقليَّتهِ التي يُفكِّر بها وذاكَ كلاسيكي في تفكيرهِ،وهذا مُثابرٌ حريصٌ على اغتنامِ الفُرص وذاك لا يُبالي إِذا ضاعت عليهِ.

وعندَ هذا المُفترق تشخص مسؤُوليَّتنا في تحديدِ مقدارِ وحجمِ ونوعِ أَدوات التَّمكينُ التي يجب أَن تُمنحَ لهذا ولا تُمنح لذاكَ، في إِطارِ العدلِ في توزيعِ فُرصالتَّمكين، أَمَّا إِذا أَردنا أَن نتعاملَ بالتَّساوي، ففي هذهِ الحالة سيُظلمُ أُناسٌ ويُفرِّطُ آخرُون بأَدوات التَّمكين، يُظلَمُ من يتميَّز بالقُدرةِ الإِستيعابيَّة الأَوسع والأَنشطلأَسباب التَّمكين، ويُفرِّط بها الكسُول الذي لا يمتلكَ مثلَ هذهِ القُدُرات.

يقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {أَفْلَحَ مَنْ نَهَضَ بِجَنَاح، أوِ اسْتَسْلَمَ فَأَراحَ، مَاءٌ آجِنٌ، وَلُقْمَةٌ يَغُصُّ بِهَا آكِلُهَا، وَمُجْتَنِي الَّثمَرَةِ لِغَيْرِ وَقْتِ إِينَاعِهَا كالزَّارعِ بِغَيْرِ أَرْضِهِ}.

إِنَّ التَّمييز هُنا لا يُعتبَرُ ظُلماً أَو بخساً لحقِّ أَحدٍ أَبداً، فالقُدُرات الإِستيعابيَّة بطبيعتِها تختلف مِن واحدٍ لآخر، لأَسبابٍ عدَّةٍ كالوراثةِ والتَّربيةِ والتَّعليمِ والنَّفسيَّةِوالشَّخصيَّةِ والطَّبائعِ وغيرِها كثيرةٌ، ليست كلَّها قابِلة للصَّقل والبلوَرة والتَّطوير بإِرادتِنا إِذ يعتمدُ الكثيرُ منها على إِرادة الفرد نفسِه وعلى طبيعتهِ الشَّخصيَّة،ولذلكَ نلحظُ أَنَّ النَّاسَ مُختلفُونَ في كلِّ شيءٍ، كما نُلاحظُ أَنَّ المرءَ المُتميِّز في الإِدارةِ هو ليسَ كذلكَ في مجالِ البحثِ العلمي، وآخر خلَّاقٌ في عقليَّتهِ الإِقتصاديَّةفاشلٌ في دراستهِ الأَكاديميَّة، وثالثٌ مُتميِّزٌ في الرِّياضة غَير مُبالٍ بالتَّعليم، وهكذا.

وإِنَّ مِن العدل أَن نُشخِّص حاجة كلَّ فردٍ قبلَ أَن نُهيِّء لهُ أَسباب التَّمكين في مجالهِ الذي يستوعبهُ، أَمَّا إِذا أَصررنا على تمكينِ فاشلٍ في الدِّراسة رغماً عنهُوكلَّ عقلهِ مشغُولٌ بكُرةِ القدمِ التي لو وجدَ فُرَصَ التَّمكينِ لأَبدعَ فيها، فهذا يعني أَنَّنا نُفرِّط بالطَّاقة ونهدر الوقت بِلا فائِدة.

وهذهِ هي واحدةٌ من أَسوء مشاكلَ مُجتمعاتِنا، فإِصرارُ الوالدَين مثلاً على الإِبن لينخرِطَ في تخصُّصٍ علميٍّ هوَ لا يرغبُ فيهِ، لا يساعدُ على تمكينهِ، وإِنَّماعلى العكسِ من ذلكَ، سيُساهمُ رُبما في تدميرهِ وتدميرِ مُستقبلهِ وتضييعِ فُرصةٍ على المُجتمع يمكنُ اقتناصَها إِذا مكَّن الوالدَان الولدَ أَن يختارَ الإِختصاصالذي يحبُّهُ ليُبدِعَ ويُنتِجَ فيهِ، وبالتَّالي تكونُ جهودهُ العلميَّة والعمليَّة أَكثرُ فائدَةً للمُجتمع لو أَنَّهُ أُجبِر على شيءٍ لا يُحِبُّهُ ولا يجدُ نفسهُ فيهِ.

مُهمَّتُنا اكتشاف الطَّاقات الخلَّاقةِ في الأَفرادِ لنُمكِّنها، وليس إِقحامُ خياراتَنا أَو رغباتَنا في الأَفرادِ.

٢٧ نيسان ٢٠٢٠

لِلتَّواصُل؛

E_mail: [email protected]

‏Face Book: Nazar Haidar

Twitter: @NazarHaidar2

Skype: nazarhaidar1

‏WhatsApp, Telegram & Viber : + 1(804) 837-3920

*التلِغرام؛

https://t.me/NHIRAQ

*الواتس آب

https://chat.whatsapp.com/KtL7ZL3dfhi8dsTKUKjHOz

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here