أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّابِعَةُ

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ

السَّنةُ السَّابِعَةُ

(٦)

نـــــــــــــــزار حيدر

{إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا}.

فالتَّمكينُ لا يتحقَّقُ بالصِّدفةِ، وإِنَّما بالأَسباب والمُسبِّبات، وهذهِ واحدةٌ من أَهم سُنن الله في خلقهِ، وهي أَنَّهُ تعالى جعلَ لكلِّ شيءٍ سبباً ولكلِّ نتيجةٍ مُقدِّماتٍ.

حتَّى هلاك الأُمم جعلَ الله لهُ سبباً يتمثَّل في ذنُوب عبادهِ، ولذلكَ وردَ في القُرآن الكريم {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُبِذُنُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} وقولهُ تعالى {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}.

وأَكثر من هذا عندما يقولُ عزَّ وجلَّ {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} وقولهُ تعالى{وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ۖ وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}.

ويتحقَّقُ التَّمكين بنوعَينِ من الأَسباب؛

الأَوَّل؛ إِلهيٌّ غيبيٌّ يمُدُّها الله تعالى عباده، كما في قولهِ تعالى {كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} وهو الذيسخَّر كلَّ شيءٍ للعبادِ ليعمُرُوا الأَرضَ كما في قولهِ تعالى {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍيَتَفَكَّرُونَ} وقولهُ تعالى {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ}.

والثَّاني؛ إِستعداداتٌ نفسيَّةٌ وروحيَّةٌ يتمتَّعُ بها أُناسٌ دونَ غيرهِم على قاعدةِ {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ۚ} في حكمةٍ إِلهيَّةٍ تخفىعلى كثيرٍ منَّا.

وبالإِستعداداتِ يتقدَّم أُناسٌ بفضلهِم ويتأَخَّر آخرون، حتَّى يكونُ الوعدُ الإِلهي بالعطاءِ حسب ذلكَ كما في قولهِ تعالى {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوارَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ۖ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ}.

الذي ينبغي أَن لا نغفلَ عنهُ دائماً هو أَنَّ كلَّ أَسباب التَّمكين تعودُ إِلى الله تعالى، فهوَ المصدرُ فليسَ للإِنسانِ أَن يخلُقَ شيئاً منها بإِرادتهِ المُطلقة، ولعلَّ فيبلاءِ فايرُوس كورُونا اليَوم أَكبر وأَوضح دليلٌ على ذلكَ، فبلحظةٍ يقفُ الإِنسانُ عاجزاً أَمامَ ما يصفهُ القرآن الكريم بقَولهِ {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ۚ وَمَاهِيَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ} على الرَّغمِ مِن أَنَّهُ يمتلكُ كلَّ شيءٍ! أَو هكذا يظُنُّ!.

وعندما يغفلُ المرءُ عن هذهِ الحقيقة يتكبَّر ويتجبَّر فيتحوَّلُ التَّمكينُ إِلى بلاءٍ على نفسهِ وعلى المُجتمع، وهي الحقيقة التي نقرأَ أَرقى صُورِها في قصَّة صاحبالبُستان الذي ظنَّ أَنَّ ما تمكَّنَ منهُ هو بإِرادتهِ فحسب ولا دخلَ لأَحدٍ فيهِ.

وعندما صبَّحَ عليهِ الصَّباح إِذا بهِ ينتبهُ للحقيقةِ ولكن بعدَ فواتِ الأَوان!.

تقولُ القِصَّة القُرآنيَّة؛

وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا* كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَانَهَرًا* وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا* وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا* وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةًوَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا* قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا* لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُبِرَبِّي أَحَدًا* وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا* فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَالسَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا* أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا* وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا* وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا* هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا}.

وصدقَ العظيمُ الذي قالَ في مُحكمِ كتابهِ الكريمِ {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}.

وبالغفلةِ ينسى الإِنسانُ ربَّهُ، وبالبلاءِ ينتبه!.

٢٩ نيسان ٢٠٢٠

لِلتَّواصُل؛

E_mail: [email protected]

‏Face Book: Nazar Haidar

Twitter: @NazarHaidar2

Skype: nazarhaidar1

‏WhatsApp, Telegram & Viber : + 1(804) 837-3920

*التلِغرام؛

https://t.me/NHIRAQ

*الواتس آب

https://chat.whatsapp.com/KtL7ZL3dfhi8dsTKUKjHOz

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here