العراق… فقدان التخطيط الاستراتيجي

العراق… فقدان التخطيط الاستراتيجي

المؤشرات التي تطلق على الدول الهشة وبهذه التسمية تكون وفق مبادئ خاصة و بعد ان يدرس عدد من علماء الاجتماع تلك الدول محل البحث بشكل مستقل ويقيمون الأوضاع فيها بناء على أهم الأحداث التي تشهدها مقارنة بالأعوام السابقة ، كما تعتمد التقيمات على البيانات الرقمية الصادرة من البنك الدولي والأمم المتحدة ومنظمات دولية كمنظمة العمل الدولية ومنظمة الصحة العالمية.

وبإلقاء نظرة سريعة على تلك المؤشرات التي على أساسها تُقاس هشاشة الدول أو ضعفها نجدها تنقسم إلى خمسة نقاط رئيسية، واهمها “التماسك والاستقرار” الأجهزة الأمنية تظهر كدولة داخل دولة.”التنمية الاقتصادية غير المتوازنة “والتدهور الاقتصادي “. التي تقاس من خلال عوامل واساس يرتكز عليها هؤلاء العلماء وبدورها إلى عدد من المحاور الفرعية. لتشمل الأمن وانقسامات المكونات والشكاوى والمطالب الجماعية. ويصدر بعدها بيان عن صندوق السلام الذي تأسس عام ١٩٥٧ للبحث في قضايا وموضوعات تتعلق بتداعيات الحرب الباردة وعلى رأسها سباق التسلح النووي وقضايا نزع السلاح النووي، ثم بدأ القائمون على الصندوق مع بداية التسعينيات – وتحديداً عقب انهيار سور برلين – في تحويل اهتمامهم إلى القضايا التي تمثل تحدياً لأمن واستقرار العالم كالأمن الإنساني والصراعات المسلحة والنزاعات الدولية وحقوق الانسان. وتتم دراسة وطرح تلك القضايا بالتعاون مع الحكومات والأجهزة الأمنية ومنظمات المجتمع المدني.ويتم قياس تلك المحاور من خلال تحليل الدراسات والأبحاث التي تصدر عن الجامعات والمراكز البحثية والمنظمات الدولية والتقارير الإعلامية، حيث يتم كل عام تحليل بين ٤٥-٥٠ مليون تقرير خاص بحوالي 178 دولة في المجالات السياسة والاجتماعية لتلك الدول التي لديها قدرة في حدود متدنية لإتمام وظائف إدارة الحكم، وتعاني من أزمات داخلية وخارجية على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تفشي متلازمة الفقر والبطالة والفساد وانعدام الأمن. ناهيك عن تفشي الفساد السياسي والمالي في نظمها والاقتصادية

.واطلق على العراق وسميت بالدولة الهشة وفق تلك المؤشرات بنسبة 99,1 في الدرجات القصوى للهشاشة في سنة 2019 في العاشر من أبريل. حيث رصد التقرير أهم الاتجاهات الخاصة بتطور حالة الصراع في العالم،، بعد ان ازدادت الصراعات العنيفة فيه بشكل غير مسبوق منذ عام 2003، واصبح اكثر تدهوراً بعد سقوط النطام السابق و الموقف الهش بكل تعقيداته هو سيد الموقف واثر النفقات المالية الغير المشروعة والفساد الاداري والمالي وانتشار الرشوة وضعف الحكومات المتعاقبة وفقدان الرقابة المالية التي تعتبر إحدى أهم الأدوات المستخدمة في الحفاظ على فاعلية الضبط العام والشامل لحركة موارد الدخل القومي وثرواته المتنوعة في أي دولة من دول العالم؛ إذ لا يقتصر مفهوم الرقابة المالية من وجهة النظر الاقتصادية الحديثة، على مجرد متابعة ضخ الموارد المالية في قنواتها المعنية وكذلك بيع وشراء المناصب من اعلى المستويات الى اقلها وغيرها من الاتجاهات السلبية التي ساعدة وادة إلى مخاطر نتجت عنها عدم الاستقرار و الأوضاع الفوضوية . واهم فشل هو في السياسات الكلية ويتمثل بفقدان التخطيط الاستراتيجي وهو الجزءً الذي لا يتجزأ من استمرارية العمل في الحياة بشكل عام، وفقدان التوازن في المؤسسات التربوية بنحو خاص؛ كونه يعدُّ من والوظائف الارتكازية للمؤسسات التربوية ومهامها؛ من أجل التغيير واستدامة البقاء، ولولا التخطيط الاستراتيجي لما استطاعت دول العالم المتقدم من استشراف المستقبل وفرض نفسها على الآخرين رغم قلة الامكانيات المادية والموارد الطبيعية التي من الله على العراق منها .

في حين تعاني أغلب المؤسسات التربوية العراقية من التحديات التي تواجهها، وعدم قدرتها على التفاعل الحقيقي مع قضايا المجتمع؛ مما يؤثر على مواكبة المتطلبات واحتياجات التنمية المستقبلية ؛ كونها ما تزال أسيرةَ عدم الاستقلالية والتدخلات من أطراف مختلفة وضعف المسؤوليين عليها ، ورهينة الأوضاع السياسية المتهورة الغير مستقرة مما تنعكس على بيئتها الداخلية والخارجية، وهذا يستدعي المراجعة الدورية للمؤسسات التربوية وضخها بالطاقات المتخصصة في ظل التوجهات العصرية الرقمية، إذ لا يمكن أن تكون بعيدة عنها، ومنعزلة في برجها العاجي دون تطوير؛ مما يحتم مسايرة التغيّرات وفق منظومة القيم المجتمعية؛ وبعد فقدانها في بلد كالعراق الذي يمثل ثقلاً سياسياً، اقتصادياً، واستراتيجياً في المنطقة والعالم ،و يمتلك من ثروات ظاهرة وباطنة، تجعله محط أنظار المحيط الإقليمي والدولي ومن المؤسف ان يكون ضمن هذه المجموعة لفقدان الإرادة السياسية الركيزة الأساس في مكافحة الفساد والحدّ من آثاره المدمرة على مقدرات الشعب، ولو افترضنا توافر هذه الإرادة بنسبة ما، فالتساؤل الذي يطرح ما الآليات أو الخطوات التي يجب القيام بها على المدى القريب والبعيد ، و يجدر بمؤسساته الاقتصادية التخلي عن تطبيق الأنماط والآليات الرقابية التقليدية والسطحية فيما يتعلق بموارده المالية وقنواته الاستثمارية في القطاعات الاقتصادية الفاعلة والوطنية كافة، مما يتطلب وضع الخطط الاستراتيجية لاستكشاف نقاط الضعف في تخطيط السياسات والاستثماروالتي لها القدرة علي مواجهة التحديات وتتصدا لها.كما تمثل مجال ريادة الأعمال بوابة مثالية يمكن الدخول من خلالها لتحقيق التنوع المطلوب في المصادر الاقتصادية والموارد المالية للعراق، فهو المجال المناسب لاحتواء الطاقات الشابة وإخراجها من حالة اليأس الاقتصادي والمعيشي السائد حالياً بين العراقيين، وكي يقف المخطط الاقتصادي العراقي على وضعية هذه البوابة المهيأة والمشرعة أمام المبادرين وملامحها لدراسة وضعية الاقتصاد الريادي، لمعرفة دوره المفتقد في التنمية، ومدى مشاركاته المتاحة ضمن مسار التحول العراقي المطلوب باتجاه التحرر من أحادية الريع النفطي، نحو تنويع مصادر الدخل، وشمولية الموارد وتعدد أنماطها المساعدة في تعظيم الناتج القومي، وكذلك لمعرفة ملامح الخريطة الاقتصادية العراقية المثلى من حيث قبول القطاعات المختلفة تطبيقات ريادة الأعمال من عدمه، فضلاً عن تناول نوعية الحلول التي يمكن أن تقدمها المشاريع الريادية لأهم المشكلات المزمنة بالعراق، وعلى رأسها مشكلتا الفقر والبطالة، وتحديد أي الشرائح الاجتماعية العراقية أولى وأجدى بإنجاح هذا المجال، وهو الذي يضمن أهدافها الأصيلة.

عبد الخالق الفلاح- باحث واعلامي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here