الشفاعة،

الدكتور صالح الورداني
—–
ركز القرآن على المسئولية الفردية..
وأن الإنسان مسئول عن نفسه وعن خطاياه وأوزاره..
وأن مصيره في الآخرة مرتبط بعمله وما كسب في حياته..
وأنه يبعث فردا ويحاسب فردا..
وأن شفيعه هو عمله الصالح..
وأنه لا شفاعة لفاسد أو مجرم او آثم ..
وهو ما يظهر لنا من خلال النصوص التالية :
يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم..
كل نفس بما كسبت رهينة..
كل امرئ بما كسب رهين..
إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا..
يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ماعملت وهم لا يظلمون..
وجاء ت كل نفس معها سائق وشهيد..
اليوم تجزى كل نفس ما كسبت لا ظلم اليوم..
هنالك تتلو كل نفس ما اسلفت..
ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ماخولناكم وراء ظهوركم ومانرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ماكنتم تزعمون..
ومثل هذا كثير في القرآن..
وهو ما يضرب تلك الصورة العالقة في أذهان الناس عن الشفاعة..
او تلك الصورة التي تبرزها الروايات..
والتي هى أشبه بصكوك الغفران التي تعد من عورات الأديان..
والتي تبرز بقوة في شهر رمضان..
والله سبحانه هو عادل ولا يظلم أحدا فماهى الحاجة للشفاعة..؟
وإذا كان النافع الشافع يوم القيامة هو القلب السليم فماهى ضرورة الشفاعة..؟
وإذا كانت كل نفس تأتي يوم القيامة تجادل عن نفسها فما هى قيمة الشفاعة..
وهل غابت عن هؤلاء الذين يجادلون عن أنفسهم..؟
وإذا كانت كل نفس معها سائق وشهيد فأين الشفيع..؟
ألا يمكن القول أن فكرة الشفاعة تصطدم بعدل الله ورحمته..؟
أو على الأقل تتدخل في سلطة الله..
والاجابة على هذه التساؤلات وغيرها يتطلب منا اعادة قراءة نصوص الشفاعة في القرآن والروايات..
جاء في سورة البقرة : من ذا الذي يشفع عنده الا بإذنه..
وهو استفهام معناه الإنكار و النفي كما ذكر الطبرسي في تفسيره..
والاية لم تكشف لنا من يؤذن له بالشفاعة هل هم من البشر ام من الملائكة..؟
وهل يؤذن لهم ام لا..؟
وجاء في سورة يونس : ما من شفيع إلا من بعد إذنه..
وجاء في سورة سبأ : و لا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له..
وجاء في سورة طه : يومئذ لا تنفع الشفاعة الا من إذن له الرحمن ورضى له قولا..
وقد ربط النص الاخير الإذن بالشفاعة مع الرضى بالقول..
وهو شرط يصعب الشفاعة..
و يعني ان الشافع من الممكن ان تسقط شفاعته..
سواء كان من الملائكة او الرسل او الانبياء او غيرهم فجميعهم على درجة واحدة بعد ان جردوا من قداستهم امام الله..
ومرة أخرى لا تكشف لنا الآية عن الشفيع..
وجاء في الانبياء عن الملائكة :ولا يشفعون الا لمن ارتضى..
وايضا شفاعة الملائكة مرتبطة برضا الله وقبوله..
وجاء في سورة مريم : لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا..
والذين اتخذوا عند الرحمن عهدا هم أهل الايمان والعمل الصالح..
وهو يؤكد ما ذكرناه سابقا ان الشفيع هو العمل..
جاء في مجمع البيان للطبرسي : العهد هو الإيمان و الإقرار بوحدانية الله تعالى و تصديق أنبيائه..
وجاء في الميزان : و العهد هو الإيمان بالله و التصديق بالنبوة..
و قيل: هو شهادة أن لا إله إلا الله و أن يتبرأ من الحول و القوة و أن لا يرجو إلا الله، و الوجه الأول هو الأوجه و هو بالسياق أنسب..
وهو ما ذكره الطبري من قبل صاحب الميزان..
وجاء في اضواء البيان : إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً وهم المؤمنون والعهد : العمل الصالح..
وقال القرطبي : قال المفسرون : إلا من قال لا إله إلا الله..
قال الشيخ جعفر السبحانى في كتابه الحديث النبوي : انّ الامعان في الآيات الواردة حول الشفاعة تثبت بأنّها حقّ خاص باللّه سبحانه يأذن لعدّة خاصّة من عباده المقربين،
ولا يأذن لهم أن يشفعوا إلاّ في حقّ عدّة معينة فقد وضع القرآن حدوداً وقيوداً في الشافع والمشفوع له..
ومما سبق يتبين لنا ان الشفاعة في القرآن مقيدة بإذن من الله..
ومن اخطر صور الانحراف محاولة اخضاع النص القرآني لرواية..
أو ربطه بسبب النزول..
ومحاولة ربط النص القرآني بسبب نزوله يعنى تعطيل هذا النص..
كما هو حال الناسخ والمنسوخ..
وكما قيل العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب..
أي النصوص القرآنية عامة في لفظها وليست خاصة في معناها ومرادها..
والا فما هى قيمتها وضرورتها بعد انقضاء سبب النزول..
أما صورة الشفاعة في الروايات فتتناقض تماما مع صورتها في القرآن..
وعلى رأس هذه الروايات الرواية المشتركة بين السنة والشيعة : شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي..
والمعتقد المشترك بين السنة والشيعة ينص على عدم تكفير اصحاب الكبائر ،وان من قال
لا إله إلا الله يخرج من النار بالشفاعة..
وهذا المعتقد يبرر نجاة اصحاب الكبائر من النار بالشفاعة..
وهذا يعنى نجاة كل الطغاة والجبارين من حكام المسلمين وغيرهم على مستوى الماضي والحاضر..
جاء في بحار الانوار : اعتقادنا في الشفاعة أنها لمن ارتضي دينه من أهل الكبائر والصغائر فأما التائبون من الذنوب فغير محتاجين إلى الشفاعة..
وجاء في كتب السنن : أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ وَلاَ فَخْرَ قَالَ فَيَفْزَعُ النَّاسُ ثَلاَثَ فَزَعَاتٍ فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ أَنْتَ أَبُونَا آدَمُ فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ..
فَيَقُولُ إِنِّى أَذْنَبْتُ ذَنْبًا أُهْبِطْتُ مِنْهُ إِلَى الأَرْضِ وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا..
فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُ إِنِّى دَعَوْتُ عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ دَعْوَةً فَأُهْلِكُوا وَلَكِنِ اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ..
فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ إِنِّى كَذَبْتُ ثَلاَثَ كَذَبَاتٍ..
فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ إِنِّى قَدْ قَتَلْتُ نَفْسًا وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى..
فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ إِنِّى عُبِدْتُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّدًا..
قَالَ فَيَأْتُونَنِى فَأَشفع لهم..
ومثل هذه الرواية في بحار الانوار..
وجاء في الكافي : ولا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ،إلا من دان الله بولاية أمير المؤمنين عليه السلام والأئمة عليهم السلام من بعده فهو العهد عند الله..
وجاء في مستدرك سفينة البحار باب تحت عنوان : باب أنَّهم شفعاء الخلق، وأنَّ إياب الخلق إليهم، وحسابهم عليهم..
وباب آخر تحت عنوان : الصفح عن الشيعة، وشفاعة أئمَّتهم فيهم..
وما نخرج به من هذه الروايات ان السنة اتكلوا على النبي (ص)..
والشيعة اتكلوا على أهل البيت..
ورواية اصحاب السنن فيها طعن وتجريح للرسل ليس مكان مناقشته هنا..
الا ان الرواية تبين ان الرسل تخلوا عن اقوامهم ولم يقبلوا الشفاعة فيهم..
وهو ما يعني انه لاقيمة لهم عند الله ولا مكانة..
وهذا كله من الاسرائيليات..
وما هو مصير الأقوام السابقة الذين لا يعرفون أهل البيت ولا ولايتهم..؟
هل يشفع لهم أهل البيت وهم لا يعرفونهم ام يهملونهم كما اهملهم رسلهم..؟
والخلاصة أن هناك إسراف شديد في فهم الشفاعة..
وهو اسراف نابع من الروايات لا من القرآن..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here