النظام الرأسمالى وثقافة الاستهلاك

النظام الرأسمالى وثقافة الاستهلاك
مع كل التناقضات التى يقوم عليها النظام الراسمالى الا انه مازال هو الاكثر نجاحا من الانظمه التى سبقته (الاقطاع* والاشتراكيه كما طبقت قبل تكامل الشروط الموضوعيه لقيامها فى الاتحاد السوفيتى والمنظومه الاشتراكيه او فى الاشتراكيات العربيه الدكتاتوريه وكما يبدو ومع جميع انواع الازمات الهيكليه التى صاحبته, فائض الانتاج, تدهور العمله والقوه الشرائيه والازمة الماليه والبنوك لعام 2008- 2009 وحاليا الازمه الاعنف والاكثر ضررا واذى, وكذلك ازمة كرونا سوف يتم اجتيازها بمبالغ خياليه وكالعادة على حساب المواطنين, وكما يوصفون بدافعى الضرائب. لابد من طرح السؤال, الاسئله حول مقومات هذا الاستمرار والنجاح. انها بكل تأكيد ليست نظرية ادم سميث حول طموح الفرد ورفاهية المجتمع حيث اصبحت الراسماليه شركات متعددة الجنسيه تعمل عالميا ولها مصانع ومنتجات متنوعه ومراكز للفكر والستراتيجيه,التى تشمل الابتكار والتجديد وتوفير الارضيه الفكريه والنفسيه بان شراء, اقتناء وامتلاك ما تقدمه وتنتجه هذه الشركات يعطى شعورا بالنجاح والمكافئه وبلوغ الحداثه, وما يقع ضمن عملية التسويق, بمعنى تهيئه السكان, المستهلكين, على مختلف اعمارهم واوضاعهم الاقتصاديه- الاجتماعيه فى التوجه نحو الاستهلاك المستمر والمتجدد كاديولوجيه واسلوب حياة من اجل ان تصبح ثقافه لها ديناميكيتها الذاتيه.
ان احد مقومات نجاح النظام الراسمالى هو عملية تكامل توفير السلع والبضائع المختلفه ومستلزمات الحياة الضروريه للسكان من خلال انتاج هذه البضائع وتسويقها. ان عملية التسويق, البيع تحقق لاصحاب المصانع اهدافهم للحصول على الارباح, بمعنى ان توفير هذه البضائع وتسويقها لا يمكن النظر اليها كفضاء للحريه والديمقراطيه التى يتميز بها هذا النظام وانماالجهود المكثفه للحصول على الارباح والثروه وبالتالى بالمكانه والنفوذ الاجتماعى والسياسى, بمعنى ان هذه البضائع ليست منة ومنحة من النظام للسكان بقدر ما هى ضروره لاستمراره ووجوده وتحقيق اهدافه. فى هذا الاطار يجب التفكير فى الطريقه, الطرق الامثل لبيع البضائع والسلع وسيل وصولها الى المستهلكين, ولذلك ابتكر اسلوب البيع بالتقسيط, الذى يقوم على تجزئة المبلغ الى عدة اقساط مريحه دون ان تؤثر على وضع المستهلك المادى وبنفس الوقت يشعر بالفرحه ويتمتع بأمكانيات وفوائد هذه السلع. الا ان القضيه لاتقف عند الحاجات الملحه وانما الى مختلف انواع البضائع المكمله التى تتجدد بشكل مستمر, بشكل جديد اكثر جاذبية وفوائد اضافيه مغريه والتى يمكن قد سبقه اليها الجيران, احد الاقارب والاصدقاء. ان عملية خلق الحاجات عملية ضروريه وملازمه وستراتيجية تعتمد تعطيل التفكير والتاكيد على ايجابية التفاعل بين التطلع الاستهلاكى واثره الايجابى فى تكون اجواء الفرح والمتعه ومشاعر النجاح والاقتدار,
ان عملية التسويق لها ادوات ووسائل تعمل بدقه وتاخد بدراسات ميدانيه حول الاذواق, التصورات والعادات والتقاليد, وتعلب الدعايه والاعلان دورا كبيرا فى تقدم مستجدات الصناعه باجمل الصور والاجواء المغريه وما يرتبط بها من فوائد تتمثل فى سرعة الانجاز ودقته وسهولة استخدامه ومنظره الجميل, ويمكن ان تكون ارخص ثمنا وهذا غير متوفع. ان سكان اوربا الغربيه ا,مريكا واليابان واغلب دول العالم مثقلون بالديون للبنوك ولمصارف التى تعمل جاهدة على تسهيل عملية الاقتراض الى اقصى حد ممكن. ان البيوت المؤثثه جيدا والمجهزه بافضل الاجهزه الكهربائيه, وحتى السياره, للزوج والزوجه تم الحصول عليها عن طريف البنوك والاقتراض التى غالبا لم تسدد اقساطها بعد. ان العملية يمكن ان تاخذ منحى اعتيادى اذا لم يحصل الاستغناء عن عمل احد الزوجين ويتقلص الدخل الشهرى وتتحول القروض الى كارثه اذا تم الاستغناء عن كلاهما معا ويصبح تسديد البدلات الشهريه مع الوقت والاستمرار فى حالة العطاله يودى الى ىشروع البنك باجراء عملية الحجز على ما يمكن حجزه وعرضه فى المزاد وربما ينتهى عقد ايجار للشقه الفخمه !! ان العائله تنحدر الى مستوى اخر لا يستطيعوا فيه عرض صورة الناجح المسيطر, وتتأرجح المكانه الاجتماعيه وتتلاشى سمات التفوق والنجاح. ان مثل هذه التطوراتاصبحت قضايا ملموسه وتتكرر يوميا فى مختلف المدن.
لقد اصبح مع الزمن ومن خلال التجربه الذاتيه والعامه ان البضائع سوى الاستهلاكيه, المعمره او الانتاجيه يتم تصميمها لفترة زمنيه محدده, لها عمر وظيفى محدد, ومع حساب عطل بعض الادوات التى يجب تبديلها, وليس اخيرا عدم جدوى التصليح لعدم وجود من يتعاطى التصليح واذا وجد البعض فان التكاليف تكاد ان تكون بقدر سعر وحدة جديده, وهكذا يتم شراء وحدة جديده بالتقسيط المريح وبهذا فأن المواطن العادى يدور فى حلقه مغلقهحينما ينتهى من تسديد احد القروض يتقدم بطلب قرص جديد, انتصارا لعقليه وايديولوجية الاستهلاك التى اخذت تستشرى واصبحت احد مقومات النجاح والحداثه بل انها ثقافه قائمه بذاتها ولها خصوصيتها, ان هذه الثقافه الاستهلاكيه قد سيطرت على شرائح واسعه فى المجتمع منذ عشرات السنين وما زالت تعمل بدون هواده. ان العلامات التجاريه المعروفه لها السبق فى بلورة التفكير والسلوك النمطى والشعور بالاهليه والرفاهيه والنجاح, علامات تجاريه فى الملابس والاحذيه والعطور…الخ والموده التى تتجدد بشكل مستمر تعمل عليها هذه المؤسسات والبيوت على بلورته واستمراره. ان التجديد المستمر فى البضائع والمنتجات يلزم ليس فقط خلق حاجات جديده وانما مواكبة عمليه تسهيل دفع اثمان البضائع التى يتم شرائها سوى كان ذلك فى احد متاجر الاغذيه الصغيرة والكبيره او اسواق العمارات المتعددة الطوابق والخدمات, المولات. لقد اصبح شيئا عاديا جدا ان تقدم بطاقة البنك وتدفع بها الحساب بكل راحه وفخر واعتزاز, كما ان البنوك تتسابق فيما بينها للحصول على الزبائن وتقديم التسهيلات لربطهم بالماستر كارت والامريكان اكسبريس وما شاكل وذلك لكى يتم دفع الحساب خارج البلد دون ان تنقطع موجات المتعه ونشوة وحلاوة الشراء والاستهلاك. ان هذه التسهيلات تقوم على تعطيل التفكير والموقف النقدى فى حقيقة الحاجه الى هذه البضائع, وقد اثبتت التجارب العلميه بان الدفع بالطاقه الائتمانيه اكثر ثلاثة اضعاف من الشراء الكاش. ان عمليه التسوق بالكارت تحصل فى عالم افتراضى, كل ما يحتاجه المستهلك هو تقدم بطاقه, قصاصة ورق لها مفعول سحرى, لا يحتاج لاستلام البضائع سوى كتابه الرقم السرى, اربعة ارقام, ان اللحظات امام الكاشير لا تستغرق سوى ثوانى محدودات, بسيطه جدا مقابل هذه البضائع, دون التفكير بمستوى بالرصيد الحقيقى فى البنك. منذ تطور تنكنولوجيا المعلومات , الحاسوب, التليفونات النقاله الستلايت…الخ اصبح كل فرد منا له عدة تليفونات نقاله نتيجه لعمليات التجديد التى حصلت عليها وما تقدمه من خدمات وامكانيات جديده, وهذا يحصل ايضا بالنسبه للحواسيب. ولكن هل ان هذا التجديد لكل واحد منا ضروره ملحه ويجيد الاستفادة من خدماتها, ام اننا اصبحنا اسرى لعوامل خارجيه يمكن ان تفضى علينا لمسه من الخصوصيه والتميز كتعويض عن خيبات امل ومعوقات قرارها فى الوعى الباطن او فى الوعى المنحرف. ان نجاح واستمرار الرأسماليه فى اغراء السوق بمختلف البضائع وخلق ضرورات جديده, يطرح السؤال نفسه حول الازمه الدائمه والحاجه الماسه للسكن وغلاء بدلات الايجارات والعزوف عن بناء وحدات سكنيه لذوى الدخل المحدود.
د. حامد السهيل 6. 5. 2020

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here