أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّابِعَةُ (١٨)

نـــــــــــــــزار حيدر

(هـ) والأَخيرة

{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}.

ثانيا؛ بينما يرى صاحبُ النَّهج الأَوَّل السُّلطة كغنيمةٍ يسعى لها بشتَّى الطُّرُق حتَّى إِذا تيقَّنَ أَنَّهُ لا يستحقَّها بأَيِّ حالٍ من الأَحوال، ففي الأُمَّة مَن هوَ أَكفأَ مِنْهُبكلِّ المعايير والمَقاييس، يرى صاحب النَّهج الثَّاني فيها رسالة ومَسؤُوليَّة، لا ينبغي أَن يتصدَّى لها مَن لا يستحقُّ أَو إِذا لم يكُن بمقدُورهِ أَن يعدِلَ أَو ينجحَ فيإِنجازِ مسؤُوليَّاتهِ، أَو أَنَّ الظُّروف غَير مُلائمة، أَو أَنَّ الأُمَّة لا تستحقّ قيادتهُ وأَنَّها غَيْر جديرة بها، فيترُك السُّلطة لتتحمَّل الأُمَّة المسؤُوليَّة، فهوَ يحترمُ إِرادتها فيالإِختيار حتّى إِذَا كانت على خطأ.

يقولُ أَميرُ المُؤمنين (ع) {أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهذَا الاَْمْرِ أَقْوَاهُمْ عَلَيْهِ، وَأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللهِ فِيهِ، فَإِنْ شَغَبَ شَاغِبٌ اسْتُعْتِبَ، فَإِنْ أَبَى قُوتِلَ}.

ويقولُ (ع) {اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الَّذِي كَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِي سُلْطَان، وَلاَ الِْتمَاسَ شِيء مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ، وَلكِنْ لِنَرِدَ الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ، وَنُظْهِرَ الاِْصْلاَحَفِي بِلاَدِكَ، فَيَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ، وَتُقَامَ الْمُعَطَّلَةُ مِنْ حُدُودِكَ.

اللَّهُمْ إِنّي أَوَّلُ مَنْ أَنابَ، وَسَمِعَ وَأَجَابَ، لَمْ يَسْبِقْنِي إِلاَّ رَسُولُ اللهِ (ص)بِالصَّلاَةِ}.

ويقولُ (ع) {أَأَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ؛ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ، وَلاَ أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ، أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ! فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ،كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا، أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا، تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلاَفِهَا، وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا، أَوْ أُتْرَكَ سُدىً، أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً، أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلاَلَةِ، أَوْأَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ!}.

فالسُّلطة ليست تفاخُراً ولا امتيازاً ولا جاهاً وإِنَّما هي مسؤُوليَّة فإِمَّا أَن يتحمَّلها مَن يقدِرَ عليها أَو يترُكها لمن يقدرَ عليها.

ولذلكَ وردَ في الحديثِ الشَّريفِ عن رَسُولِ الله (ص) {ملعونٌ ملعونٌ مَن ضيَّعَ مَن يعولُ} وقَولهُ {أَعظمُ الخِيانة خيانةُ الأُمَّة} والتي تتجلَّى بتسلُّقِ العاجِز لجدارِالسُّلطةِ.

ثالثاً؛ صاحبُ النَّهج الأَوَّل يُفكِّر بعقليَّةٍ ضيِّقةٍ فلا يرى أَبعدَ من أَرنبةِ أَنفهِ عندما يتحدَّث أَو يحدِّثونهُ عن السُّلطة، أَمَّا صاحبُ النَّهج الثَّاني فذو رُؤيةٍ إِستراتيجيَّةٍونظرةٍ ثاقبةٍ وبصيرةٍ واضحةٍ {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} يُفكِّرُ بعيداً فيحسبُ لكلِّ شيءٍحسابهُ ويرمي ببصرهِ أَقصى القَوم كما يصِفُ ذلكَ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) لإِبنهِ مُحمَّد بن الحنفيَّة عندما سلَّمهُ الرَّاية في يَوْمِ صفِّين.

ولكلِّ ذلكَ فإِنَّ السُّلطة تسعى إِلى صاحب النَّهج الثَّاني، أَمَّا صاحب النَّهج الأَوَّل فيجثو على رُكبتَيهِ لنيلِها.

يشرحُ أميرُ المُؤمنِينَ (ع) حال الخلافة عندما جاءتهُ جاثيةً على رُكبتَيها مُتوسِّلةً بهِ {وَبَسَطْتُمْ يَدِي فَكَفَفْتُهَا، وَمَدَدْتُمُوهَا فَقَبَضْتُهَا، ثُمَّ تَدَاكَكْتُمْ عَلَيَّ تَدَاكَّ الاِْبِلِالْهِيمِ عَلَى حِيَاضِهَا يَوْمَ وِرْدِهَا، حَتَّى انْقَطَعَتِ النَّعْلُ، وَسَقَطَ الرِّدَاءُ، وَوُطِىءَ الضَّعِيفُ، وَبَلَغَ مِنْ سُرُورِ النَّاسِ بِبَيْعَتِهِمْ إِيَّايَ أَنِ ابْتَهَجَ بِهَا الصَّغِيرُ، وَهَدَجَ إِلَيْهَاالْكَبِيرُ، وَتَحَامَلَ نَحْوَهَا الْعَلِيلُ، وَحَسَرَتْ إِلَيْهَا الْكِعَابُ.

رابعاً؛ صاحبُ النَّهج الأَوَّل يعيشُ اللَّحظة أَمَّا صاحبُ النَّهج الثَّاني فيرسمُ أُسُساً وقواعدَ إِستراتيجيَّة بمعنى المفاهيم التي تتعلَّق بالسُّلطة.

يقولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {وقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ وَالمَغَانِمِ وَالاَحْكَامِ وَإِمَامَةِ الْمُسْلِمِينَ الْبَخِيلُ، فَتَكُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ نَهْمَتُهُ، وَلاَالْجَاهِلُ فَيُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ، وَلاَ الْجَافِي فَيَقْطَعَهُمْ بِجَفَائِهِ، وَلاَ الجَائِفُ لِلدُّوَلِ فَيَتَّخِذَ قَوْماً دُونَ قَوْم، وَلاَ الْمُرْتَشِي فِي الْحُكْمِ فَيَذْهَبَ بِالْحُقُوقِ وَيَقِفَ بِهَا دُونَ المَقَاطِعِ، وَلاَالْمَعطِّلُ لِلسُّنَّةِ فَيُهْلِكَ الاُمَّةَ}.

ومنها قولهُ (ع) لإِبن عبَّاس عندما دَخَلَ عليهِ في ذي قار وهوَ يخصِفُ نعلهُ؛ ما قيمةُ هذا النَّعل؟! فأَجابهُ إِبنُ عبَّاس؛ لا قيمةَ لَهُ يا أَميرَ المُؤمنِينَ، فقالَ لَهُ الإِمامُ(ع) {والله لهِيَ أَحبُّ إِليَّ من إِمرتِكُم هذهِ إِلَّا أَن أُقيمَ حقّاً وأَدفعَ باطِلاً}.

فالسُّلطةُ التي لا تفعل ذلكَ باطلةٌ وإِن تشبَّهت بالحقِّ!.

١١ مايس [أَيَّار] ٢٠٢٠

لِلتَّواصُل؛

E_mail: [email protected]

‏Face Book: Nazar Haidar

Twitter: @NazarHaidar2

Skype: nazarhaidar1

‏WhatsApp, Telegram & Viber : + 1(804) 837-3920

*التلِغرام؛

https://t.me/NHIRAQ

*الواتس آب

https://chat.whatsapp.com/KtL7ZL3dfhi8dsTKUKjHOz

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here