المجلس الأوروبي: بغداد بحاجة لإعادة صياغة علاقاتها مع طهران وواشنطن

ترجمة / حامد احمد

بعد اكثر من خمسة اشهر من حكومة تسيير الأعمال وفشل مكلفين اثنين بتشكيل الحكومة، استقر العراق اخيرا بتنصيب رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي الذي تواجه حكومته مهمة صعبة في تحقيق الاستقرار لبلد يمر بمرحلة حرجة، ولحماية العراق من اي توترات بين الولايات المتحدة وايران.

جزء من نجاح الكاظمي في تشكيل حكومة جديدة هو في المرونة التي اتبعها. فخلال مرحلة تسميته للمنصب كان الكاظمي يتمتع بالبراغماتية وقبل بعدة تغييرات على مرشحي كابينته الوزارية. واشنطن دعمت سعيه برسائل اسناد واستثناء مهما للعراق لمدة 30 يوما باستيراد الكهرباء والغاز من ايران.

بعد حصول الكاظمي على ثقة البرلمان سارعت الولايات المتحدة للترحيب بالخبر مع قيام وزير خارجيتها مايك بومبيو بالاتصال به هاتفيا بنفس اليوم مبديا دعم اميركا للعراق ومدد فترة الاستثناء لاربعة اشهر للاستيراد من ايران. من جانب آخر هنأ وزير خارجية ايران جواد ظريف، الكاظمي لنيله ثقة البرلمان بتسلم المنصب .

الكاظمي ليس لديه حزب او كتلة في البرلمان يستند اليهم. وكونه مرشحا توافقيا فانه بحاجة لان يكسب رضا جميع الكتل السياسية تقريبا ليبقى في المنصب. هذا بالذات يجعل سعيه للخوض في اصلاحات مهمة صعبة، لانه يحتاج لتصويتات من احزاب وكتل ستكون داعمة له فقط عندما لا يتضررون من اجراءاته. طالما ان المحاصصة العرقية والاثنية ما تزال تسيطر على منظومة سياسة البلد، فانه سيتطلب من الكاظمي العمل ضمن هذا الاطار لتحقيق تقدم .

هناك خمسة تحديات مهمة ستتعامل معها حكومة الكاظمي تحدد مصير العراق على المدى القصير. التحدي الاول هو الاقتصاد والازمة المالية الناجمة عن انخفاض اسعار النفط وتأثير ذلك على تأمين توفير مرتبات ملايين من متقاعدي وموظفي القطاع العام .

التحدي الثاني يتمثل بعودة تهديدات تنظيم داعش، حيث قام مسلحو التنظيم بتنفيذ هجمات في عدة محافظات كانت تحت سيطرته خلال العام 2014، ويشكل ذلك تحديا يوميا تواجهه القوات الامنية في وقت تقلص فيه تواجد قوات التحالف الدولي في البلاد .

ثالثا سيتطلب من العراق ان يوازن تعامل منظومته الصحية مع فايروس كورونا بحذر مقابل احتياجاته الاقتصادية لان شريحة واسعة من السكان تعتمد على مدخولها اليومي لتلبية احتياجاتها المعيشية .

رابعا على الحكومة ان تستعيد بعض الثقة مع المحتجين من خلال اعادة تأكيد سيطرتها على اداء القوى الامنية ومحاسبة المتورطين باعتداءات وسوء معاملة ضدهم. وسارع الكاظمي الى اصدار أوامر بإطلاق سراح جميع المحتجين الذين اعتقلتهم القوات الامنية منذ شهر تشرين الاول عند بدء التظاهرات، وامر بإجراء تحقيق كامل في تعامل الحكومة مع المحتجين. وقرر الكاظمي ايضا اعادة تنصيب الفريق أول عبد الوهاب الساعدي كقائد لجهاز مكافحة الارهاب بعد ابعاده من قبل رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي. كثير من العراقيين رحبوا بحزمة الاجراءات هذه معتبرينها كخطوة اولى نحو تصحيح علاقة الحكومة مع المحتجين. ويفسح ذلك فرصة للكاظمي ايضا لانجاز اصلاحات اخرى اوسع .

اخيرا، تحتاج الحكومة الى ان تعيد ترتيب علاقاتها مع كل من طهران وواشنطن بطريقة بحيث تحافظ فيها على سيادة العراق وتسمح للحكومة الاتحادية باعادة فرض سيطرتها على مؤسساتها الامنية.

وشهدت علاقات بغداد الدبلوماسية مع واشنطن فتورا منذ تشرين الاول. ولدى الكاظمي الان فرصة لتخفيف هذا التوتر والتمهيد لخارطة طريق براغماتية للحوار الستراتيجي القادم بين الولايات المتحدة والعراق في حزيران. عمليا ان المفاوضات على خارطة طريق تواجد القوات الاميركية في البلد والشراكة مع العراق من المحتمل ان تستمر لما وراء الانتخابات الاميركية في تشرين الثاني .

ويبين الكاظمي انه بصدد تشكيل فريق خاص ليتهيأ لهذا الحوار. ضمن هذا السياق فانه من المحتمل ان تركز بغداد على ثلاث قضايا رئيسة تمكنها من معالجة ثلاث تحديات داخلية. الاولى تتعلق في كيفية استمرار الولايات المتحدة بمساعدتها في مواجهة تنظيم داعش وما يتوجب على العراق فعله لتحسين سياساته الامنية وبناها التحتية. والثانية تركز على توفير واشنطن دعمها الاقتصادي للعراق وجهودها في تشجيع المجتمع الدولي للمساهمة في دعم البلد ماديا اكثر لغرض جهود اعادة الاعمار. القضية الثالثة هي علاقة العراق مع ايران والفصائل المسلحة المقربة منها. سيتضمن ذلك النقاش حول قدرة العراق على حماية المصالح الاميركية ورغبة البيت الابيض بالتوقف عن استخدام العراق كساحة صراع ضد ايران .

ويتطلب من الكاظمي ايضا ان يدخل في حوار مواز مع ايران. وهذا مهم بالمقام الاول لضمان ان طهران لن تشعر انها مهددة بالمفاوضات العراقية الاميركية، وكذلك لبناء ثقة بان العراق سيبقى وديا تجاه ايران .

الكاظمي لديه فرصة لارجاع علاقة العراق مع الولايات المتحدة وايران الى الوضع الذي كانت عليه في عام 2017 عندما قدم الخصمان دعمهما للبلد ولم تحدث بينهما توترات.

عن: المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here