الأمير كاميران بدرخان .. مهندس العلاقات الكُردية – اليَهودية/ج4

الأمير كاميران بدرخان
مهندس العلاقات الكُردية – اليَهودية/ج4

أ.د. فرست مرعي
وكانت سياسة الآشوريين أن يبعدوا السبايا إلى عدة أماكن نائية، منعزلة لكي لا يتيسر لهم التجمع في مكان واحد والتكتل على أمل العودة إلى مناطقهم التي أبعدوا عنها، وهكذا أبعد الآشوريون آسراهم اليهود من مملكتي إسرائيل ويهوذا إلى المناطق الجبلية المنعزلة في كردستان العراق وتركيا وإيران ضمن حدود الامبراطورية الآشورية، وأحلوا محلهم أقواماً من أنحاء الامبراطورية حتى خفيت أخبارهم عن اليهود في فلسطين، وفي العراق اعتبروا بحكم المفقودين، لذلك سماهم الباحثون (الأسباط العشرة المفقودة) لأن مملكة إسرائيل التي قضى عليها الآشوريون سنة722ق.م كانت تتألف من عشرة أسباط. وقد كون هؤلاء المسبيون قرى بين السكان الأكراد وفي المناطق العراقية الأخرى”. ينظر: أحمد سوسة، العرب واليهود في التاريخ، ص658 -519.
وبحسب المصادر الرومانية والإغريقية، فإنه بعد احتلال فلسطين من قبل الملك الأرمني تيكران الأكبر ما بين العامين 83- 77 ق.م؛ تم ترحيل عدد كبير من اليهود إلى الأجزاء الجنوبية من أرمينيا أو السهل الأرمني بالقرب من شمال بلاد الرافدين(= كردستان)، وتم توطينهم في مدينة تيكرانوكرتا(= ميافارقين – سليفان الواقعة على بعد 70كم شرق دياربكر) والتي كانت عاصمة أرمينيا التي أسسها تيكران الأكبر في أعالي نهر دجلة.
وبعد ذلك انحدروا نحو جنوب مدينة (تيكرانوكرتا) الى كردستان وشمال بلاد الرافدين كان الحاخامات اليهود يمارسون طقوسهم وبث تعاليمهم داخل البيئة المحلية، في محاولة منهم لتغيير ديانة سكانها إلى اليهودية، وهذه المحاولة لم تفشل، والدليل على ذلك أنه في فترةٍ ما؛ كان معظم مَنْ في مدينة أربيل الحالية في كردستان العراق قد تحوَّلوا إلى الديانة اليهودية بحسب التلمود، فقد اعتنقت السلالة الحاكمة سلالة حدياب (أو أدبابين) الديانة اليهودية، بما في ذلك الملك إيزاتيس وابنه مونوباز وزوجته الملكة هيلينا. ويعتقد المؤرخون اليهود أن هذه السلالة قد حكمت في أربيل في منتصف القرن الأول قبل الميلاد وبداية القرن الأول بعد الميلاد، وأن اليهودية كانت منتشرة في تلك الأصقاع بكثرة، و تعتبر اليوم مناطق كردية. وكان الملك الحديابي أيضا يتقبل التعاليم المسيحية، وقد سمح بموضوع التنصير أوالتبشير المسيحي، واستمر اليهود في العيش ككتلة سكانية كبيرة حتى منتصف القرن العشرين وتأسيس دولة إسرائيل. وكان اليهود الأكراد في مناطق شمال العراق يتحدثون الكردية، ويطلق عليهم في إسرائيل (اليهود الأكراد) أو (يهود زاخو) أو (اليهود الآشوريون)؛ وتحديدًا في المعابد اليهودية أو الكنيس.
ومن المهم ذكره في هذا الصدد أن هؤلاء اليهود المسبيين لايزالون رغم مرور حوالى 2800 سنة على نفيهم إلى كردستان يتكلمون فيما بينهم بلغتهم الأصلية الترجوم، إحدى لهجات اللغة الآرامية القديمة، وفضلاً عن ذلك فهم لا يزالون متمسكين بديانتهم الأصلية… وقد أفلحت الحركة الصهيونية في تهجير كل اليهود الأكراد من العراق إلى إسرائيل.. ويؤيد الباحثون نقلاً عن هؤلاء اليهود الأكراد بأنهم أحفاد اليهود الذين سباهم الآشوريون ونقلوهم إلى منطقة كردستان، وقد أيد ذلك بنيامين التطيلي الذي زار هذه المنطقة في القرن الثاني عشر الميلادي، فقال في رحلته عن العمادية:” يقيم بها خمسة وعشرون ألف يهودي وهم جماعات منتشرة في أكثر من مائة موقع من جبال خفتيان عند تخوم بلاد مادى، ويهودها من بقايا الجالية الأولى التي أسرها شلمنصر ملك أشور، ويتفاهمون بلسان الترجوم وبينهم عدد من كبار العلماء، والعمادية على مسيرة يوم من تخوم بلاد العجم، ويؤدي يهودها الجزية للمسلمين شأن سائر اليهود المقيمين في الديار الإسلامية”. ينظر: رحلة بنيامين التطيلي، ترجمة: عزرا حداد، ص153-154.
وقد توصل المبشر الامريكي الطبيب آساهيل كرانت (1807-1844م)، الذي قضى عدة سنوات في كردستان وتجول في العديد من أجزائها، إلى أن أكثرية يهود كردستان هم من أحفاد السبايا الآشوريين، وأنهم أخذوا بتعاليم المسيح بعد ظهوره، وصاروا يعرفون بالنساطرة نسبة إلى نسطور، أو الآشورية فيما بعد بعد وصول بعثات الكنيسة الانكليكانية في أواخر القرن التاسع عشر. والدكتور كرانت حل بين النساطرة على رأس بعثة أوفدها مجلس البعثات التبشيرية البروتستانتية الامريكي سنة 1839م وبحكم مهنته كطبيب كان يسهل عليه التوغل بين المسيحيين والكرد في تلك المناطق الجبلية الصعبة والمحفوفة بالمخاطر، واتخذ الدكتور كرانت من مدينة أورمية مركزاً لعمله وتعلم لغة النساطرة (الآرامية السريانية). وتعلم اللغة الكردية أيضاً، وقد قضى الدكتور كرانت ست سنوات في منطقة كردستان، وبعد دراسة عميقة لهؤلاء المسيحيين النساطرة وتقاليدهم وطقوسهم الدينية واتصالاته بشخصياتهم الدينية والقبائلية، وبخاصة اتصاله ببطريكهم مار شمعون الذي كان يتواجد مقره في قرية قودشانس الواقعة شمال شرق مدينة جولامرك، توصل إلى أن النساطرة القاطنين في كردستان هم أحفاد الأسباط العشرة المفقودة، الذين سباهم الآشوريين وأبعدوهم إلى مناطق أشور النائية، وهي المناطق التي ورد ذكرها في التوارة، أي حلح وخابور ونهر جوزان ومدن مادي (2مل17: 6، 18: 11)، وتتوسط هذه المناطق التي تقع في كردستان وقد كانوا على رأي كرانت يهوداً عندما نفاهم الآشوريين إلى هذه المناطق الجبلية النائية، ثم لما ظهر السيد المسيح(عليه السلام) بعد حوالى سبعة قرون اتخذوا تعاليمه ديناً لهم، وذلك نتيجة البعثات المسيحية التي أوفدها أتباع المسيح إلى هذه المناطق للتنبشير بتعاليم الدين المسيحي الجديد بينهم، وكان ذلك بعد وفاة المسيح بحوالي قرنين.
وقد حافظ هؤلاء اليهود المتنصرون على تقاليدهم وعاداتهم القديمة، التي هي نفس تقاليد وطقوس وعادات ولغة اليهود القاطنين في تلك المناطق، وهم قلة بينهم لم يتنصروا، حتى أنه من الصعب التمييز بين النساطرة، وبين اليهود المجاورين لهم في المنطقة.
ويذكر الدكتور كرانت أنه شاهد مخطوطاً بالسريانية لدى المار شمعون الرئيس الروحي للنساطرة يرجع إلى ما قبل أكثر من سبعمائة سنة يؤيد كون النساطرة أحفاد الأسباط العشرة.
وقد أورد كرانت أدلة كثيرة لدعم ما توصل إليه بخصوص أصل المسيحيين النساطرة في كتاب نشره بالإنجليزية تحت عنوان (النساطرة أو الأسباط المفقودة) وطبع هذا الكتاب في نيويورك سنة 1841م، ثم ترجم إلى الفرنسية، وطبعت الترجمة في باريس سنة 1843م.
Grant, “The Nestoroans or the lost Tribes” N.Y., 1841.
ويرى الدكتور نيوزنر صاحب كتاب (تاريخ اليهود في بابل) أن الأدلة التي أوردها كرانت، في دعم الرأي القائل بأن النساطرة هم في الأصل من اليهود الذين نفاهم الآشوريون إلى منطقة كردستان، ثم تنصروا بعد ظهور المسيح تقيم حجة قوية مقنعة لتقبل هذه النظرية”. Neusner, “The Jews in Babylonia, 111, p354”.
وفي هذا الصدد لا يمكن نسيان دور (آسينات بارزاني- Asenath ) ابنة الحاخام صموئيل بن ناثانيل هاليفي بارزاني من كردستان، تزوجت في وقت لاحق من الحاخام يعقوب مزراحي من العمادية (في كردستان العراق) وهو واحد من أفضل طلاب والدها الذي حاضر في يشيفا. كانت مشهورة بمعرفتها بالتوراة والتلمود والكابالا والقانون اليهودي، وقد عاشت في الموصل منعام1590 الى 1670م بعد وفاة زوجها في وقت مبكر، أصبحت رئيسة المدرسة الدينية التوراتية (يشيفا) في العمادية ، وفي النهاية تم الاعتراف بها كمدربة رئيسية للتوراة في كردستان، وكانت تسمى ( tanna’it طالبة تلمودية) تمارس التصوف، وكانت معروفة بكونها تعرف أسماء الله السرية، وهي أيضا معروفة جيدا بشعرها والقيادة الممتازة للغة العبرية، قصائدها هي من بين الأمثلة القليلة للنصوص العبرية الحديثة المبكرة التي كتبها إمرأة في كردستان في التاريخ اليهودي العام.
لقد سبق اليهود الكردستانيون اليهود الاخرين في الهجرة الى فلسطين بصورة فردية لدوافع دينية واقتصادية، بدأت الهجرة اليهودية إلى فلسطين (ولاية دمشق ومتصرفية القدس آنذاك تحت الحكم العثماني) في القرن السادس عشر الميلادي الى منطقة صفد شمال فلسطين تحديداً، مع وصول مجموعة من علماء الحاخامات إلى مدينة صفد الواقعة في منطقة الجليل في شمال فلسطين، وتم تأسيس حي يهودي كردستاني هناك نتيجة لذلك، وبحلول سنة 1660م انتهت فترة ازدهار صفد، مع صراع القوى الدرزية في المنطقة وتراجع اقتصادي.
وفي سنة 1812م وبتأثير الرسائل الدعائية التي كان اليهود الكردستانيين يتلقونها من المهاجرين الذين سبقوهم و يصورون لهم الوضع بأنه كان مثالياً، فقد بدأ اليهود الكردستانيين في الانضمام الى اخوانهم في فلسطين، لأنهم كانوا يعتقدون بأنهم أبناء اليهود الذين تم نفيهم من قبل الملوك الآشوريين والكلدانيين من مملكتي اسرائيل ويهودا في سنوات 722ق.م و587ق.م على التوالي.
فعلى سبيل المثال هاجر جميع يهود قرية برآشي الواقعة شرق مصيف (سواره توكه) شمال مدينة دهوك الى فلسطين سنة1812م وبنوا لانفسهم كُنيساً هناك، واستقر يهود مدينة أورمية (= كردستان ايران) في القسم الجديد لمدينة القدس (= أورشليم) قبل الحرب العالمية الاولى .
واستقر غالبية اليهود الكردستانيين في مدينة القدس الغربية (= أورشليم)، وتحديداً في منطقة (محانح يهودا- Mehaneh Yehuda) والجبال المحيطة بها، بالاضافة الى قرية (آلروي – Elroy ) قرب مدينة حيفا، كما بنوا لأنفسهم مستوطنة (نسحاريم( Nshareem- عام1950م بعد هجرتهم الى اسرائيل.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here