جائحة كورونة ونشر التعليم عن بُعد

د.ماجد احمد الزاملي

مع انتشار وباء كورونا وإغلاق المدارس والجامعات تزداد أهمية التعليم عبر شبكة الإنترنت في كل أنحاء العالم. وعليه تعمل الحكومات على تحديث شبكات الاتصال لديها وزيادة سرعة الشبكة العنكبوتية واعتماد برامج تعليم مناسبة لذلك. التعليم الرقمي أو الإلكتروني تعليم يتم عبر شبكات أو منصات إلكترونية حيث يتواصل الطالب والمدرس من خلالها. ومن أبرز متطلباته شبكة إنترنت قوية وكومبيوتر ومناهج تفاعلية وتشاركية. ويشهد التعليم الرقمي نموا كبيرا بسبب الإقبال المتزايد عليه في عصر ما يُسمّى الثورة الرقمية. ومن شأن أزمة كورونا أن تؤدي إلى تغيير في الطريقة التي ينظر بها العالم إلى التعليم، فرغم مساوئه التي يرى مراقبون أنها مؤقتة فقط وسيتم التغلب عليها مستقبلاً، يبقى التعليم عن بعد بديلاً للتعليم التقليدي في الحالات الحرجة، كما أن التعليم التقليدي بدوره يحتضن الكثير من المساوئ التي قد يدفع وباء كورونا إلى التفكير فيها بعمق، ومنها ما تشير إليه أستاذة الرعاية الاجتماعية البريطانية نيام سويني في مقال على “الغارديان”، إذ تقول إن النظام المدرسي يتعامل مع ثلث التلاميذ على أنهم فاشلين، ومن ذلك تركيزه على نظرية الامتحانات المسؤولة عن “ارتفاع درامي في الأمراض العقلية بين الأطفال والمراهقين”، وعدم اعترافه بإنجازات الأطفال، خاصة “تصنيفه من يسلكون مسار التكوين المهني على أنهم أقل جدارة من الآخرين”.

عملية التحوّل والتي تم تسميتها التعليم الإلكتروني ، ليس لها علاقة بالتعليم عن بعد وإنما هي عملية استغلال التكنولوجيا في التواصل مع عناصر العملية التعليمية فيما بينهم. التعلم عن بعد هو عبارة عن عملية معقدة تبدأ من التخطيط لتصميم المقررات بناءا على احتياجات الفئة المستهدفة ومن ثم تصميم عملية التقييم ثم نشر المقرر. إنّ العملية التعليمية الحالية عن بعد لم تغير شيئا من واقعها باستثناء استخدام التكنولوجيا، فالمصدر الأساسي مازال هو المحاضر كما مايزال المتعلم مستمعاً لا يشارك إلا القليل من خلال المهمات أو الواجبات والسبب في ذلك يعود إلى التحول المفاجئ بسبب الجائحة. أمام جميع الأنظمة التعليمية مهمة واحدة، ألا وهي التغلب على أزمة التعلُّم التي نشهدها حالياً، والتصدي للجائحة التي نواجهها جميعاً. والتحدي الماثل اليوم يتلخص في الحد من الآثار السلبية لهذه الجائحة على التعلُّم والتعليم المدرسي ما أمكن، والاستفادة من هذه التجربة للعودة إلى مسار تحسين التعلُّم بوتيرة أسرع. ويجب على الأنظمة التعليمية مثلما تفكر في التصدي لهذه الأزمة، أن تفكر أيضاً في كيفية الخروج منها وهي أقوى من ذي قبل، وبشعور متجدد بالمسؤولية من جانب جميع الأطراف الفاعلة فيها، وبإدراك واضح لمدى إلحاح الحاجة إلى سد الفجوات في فرص التعليم، وضمان حصول جميع الطلاب على فرص تعليم جيد متساوية.فالدول التي تستطيع أن تدير أزمتها مع الوباء بنجاح سيكون لها دور في “عالم ما بعد كورونة. ورغم انتشار استخدام الانترنت في المنطقة، إلّا أن العديد من الدول لم تختبر سابقاً التقنيات التي يتيحها التعليم الإلكتروني، ولا تزال التجارب العربية متواضعة جدا، ولا تتركز الناجحة منها جزئياً إلّا في بعض الدول النفطية الغنية، بل لم تستطع دول عربية كثيرة حتى إدخال التعليم عن بعد في النظام الجامعي، رغم أن جامعات عريقة عبر العالم اعتمدت المحاضرات الرقمية منذ أكثر من عقد .

التعليم عن بعد هو مجموعة من العلوم الذكية التي تدار من خلال عالم المعرفة بهدف تحقيق كثير من التوازنات في المجتمعات الإنسانية، فهو بمنزلة حرب كونية شاملة على الأمية، إضافة إلى أنه يسهم في رفع المستوى الثقافي والعلمي والاجتماعي لدى أفراد المجتمع، وهو أيضا يعالج النقص في كوادر المدرسين والمدربين، ويسد العجز في المباني التعليمية والجامعية، ويعمل على تغطية القصور في الإمكانات، كما يوفر التعليم عن بعد مصادر تعليمية متنوعة ومتعددة بأسعار لا تضاهى ولا تزاحم.لقد حقق التعليم عن بعد في كبريات الجامعات الأمريكية والأوروبية وفي كل دول العالم المتقدم انتشارا ونجاحا منقطع النظير، وأثبت

للإنسان الذي يبحث عن المعرفة والعلوم بأنه في أيد أمينة، وأنه سيحقق مكاسب علمية يصعب تحقيقها في التعليم النظامي.

وقد فتحت دول كمصر منصة تواصل تعليمية تدعى “إدموندو” لمساعدة المعلمين على التواصل مع طلابهم بأمان. كما أعلنت وزارة التربية في الجزائر عن إطلاق خطة تعليم رقمي عن بعد وفي الأردن أُطلقت منصة “نور سبيس” التعليمية، كبديل عن انقطاع التعليم بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد. و بدأت القنوات التلفزيونية، وخصوصا العمومية منها، بث برامج تعليمية وكذلك فعلت إذاعات محلية مثل إذاعة مدينة وجدة بالمغرب التي تبث محاضرات للطلاب بالتعاون مع أساتذة جامعة “محمد الأول” بوجدة. وأكد دكتور عبدالباسط الحكيمي رئيس قسم القانون العام في جامعة مملكة البحرين إن قبل هذه الأزمة الكثير من الأساتذة كانوا يسخدمون نظام “التعليم الإلكتروني” بشكل جزئي وقد تلقوا تدريبات ودورات كافية في هذا الموضوع، وإن إذا استمرت الأزمة لا قدر الله فإن الجامعات ستستمر بإجراء العملية التعليمية بهذه الأساليب لأن لا يمكن أن نترك مستقبل أبنائنا الطلبة يضيع وخاصة إن التعليم الإلكتروني أثبت نجاحه وهو أسلوب مستخدم في كافة دول العالم حالياً، ولكننا لا ننكر إن التعليم في الصفوف العادية يفرق وهو بالتأكيد أسهل وأبسط بالنسبة للطالب والأستاذ أيضاً . التفاوت بين الدول من حيث التطور التكنولوجي واستخدام التكنولوجيا في تطوير شتى المجالات في تلك المجتمعات أدى إلى عدم المساواة الرقمية والعدالة الاجتماعية سواء بين الدول مع بعضها البعض أو داخل الدول نفسها. فلقد أسقطت الفرضيات القائمة على أن التكنولوجيا الرقمية تساعد بعض الشيء في تحقيق العدالة والمساواة الاجتماعية، حيث أنه في الواقع تعمّقت اللامساواة الرقمية في التدريس عن بعد في حالات الطوارئ.

يعتمد التعليم الإلكتروني على تخطيط وتصميم تعليمي دقيق باستخدام نموذج ممنهج للتخطيط والتصميم، وتتم عملية التصميم وفق نموذج ممنهج ينبني عليه قرارات تؤثر في جودة التعليم عن بعد، وهذه المنهجية والتخطيط هي ما تغيب عن التدريس الطاريء حاليا. وستمر أزمة كورونا، ولكن ينبغي ألا نعود ببساطة لممارسات التدريس والتعلم كما هي قبل ُ كورونا وننسى ما اكتسبناه خلال فترة التدريس الطاريء عن بعد. بل يتوقع أن يكون التدريس ُ الطاريء عن بعد إحدى مهارات أعضاء هيئة التدريس وجزءا من برامج تطويرهم، ولتطوير كل المعنيين بالمهمة التعليمية في الكليات والجامعات.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here