بين وجع السن ووجع الطائفية

بين وجع السن ووجع الطائفية

د. حسن كاظم محمد

المشهد الأول
في فترة مرحلة وباء كورونا كنت مقيماً في ضواحي مدينة نيوكاسل الواقعة شمال انكلترا، وفي ظروف الإقامة الجبرية في المنزل بسبب تبعات جائحة كورونا، وكنت أقضي وقتي في المطالعة والتواصل مع أصدقاء وأحبة لي داخل وخارج المملكة المتحدة. وبهذه الظروف تعرضت لألم شديد في أحد أسناني المتبقية مع شكّي بوجود التهاب في جذر السن. اتصلت بطبيب أسنان المنطقة وأخبرت موظفة الاستقبال بحالتي فأجابتني معتذرةً بأن العيادة مغلقة لأجلٍ غير معلوم وأن بالإمكان كتابة وصفة ضد الالتهاب لمدة أسبوع ومراقبة النتائج. استلمت الوصفة عبر الهاتف وعند وصولي إلى الصيدلية لاحظت بأن جزء صغير من الباب الرئيسي مفتوح ويُسمح لشخصٍ واحد بالدخول، وشاهدت الصيدلانية كأنها وككككككنما ذاهبة بسفرة إلى الفضاء من شدة الاحتياط. أخذت الدواء مضاعفاً لتجنب الخروج تارةً أخرى، واستعملت العلاج لفترة عشرة أيام صابراً على الألم والقلق من دون فائدةٍ تُذكر. راودتني فكرة اللجوء إلى مستشفى متخصص، وعند اتصالي بهم أخبرت بأنها تحولت إلى معالجة مرض كورونا وحذّروني من الاقتراب منها. وأخيراً سلّمت الأمر إلى السن العنيد بانتظار اليوم الذي أتمكن فيه فتح فمي للآخرين لإجراء القلع والخلاص منه نهائياً.

المشهد الثاني
يبدو أن مرض الطائفية وأوجاعها وصراعاتها ومحاصصاتها المتناحرة كمرض عضال في العراق قد فاقت سمعته وأخباره حتى وباء الكورونا في اكتساح الحدود والقارات والأجناس. فما أن ألتقي هنا في بريطانيا، بلد كل الأجناس والطوائف، بأي شخص صدفة في أي محل عابر، ويعرف بأني عراقي حتى يبادرني بالسؤال ” هل أنت شيعي أم سني ؟ ”
لقد عشت ودرست هنا ردحاً من الزمن وعرفنا الناس من كل البلدان والأجناس والقوميات والطوائف والمِلل. لم يطرق سمعي يوماً أن سأل أحدهم ” هل أنت بوذي أو هندوسي أو أرثدودكسي ؟”
والحق مع السائل هنا فأبعاد مرض الطائفية العراقية وآثاره المدمرة وسمعته قد طغت حتى على وباء الكورونا. سيجد العلماء لقاحاً أو علاجاً لمرض الكورونا خلال بضعة أشهر، لكن كم سيتطلب القضاء على مرض الطائفية في العراق ؟ العلم عند الله، لكن يجب أن نكون متفائلين ونعمل على كل المستويات بهذا الاتجاه.

الأبوذية
أهلي علّموني بصغر سنّي
ماكو هذا شيعي وذاك سنّي
كل اللي عـرفـته ألـم سـنّي
يِشلع كلبي لـو طَوّل عـليّه
وإلى اللقاء

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here