عن الثقافة والمثقفين

عن الثقافة والمثقفين
علاء كرم الله

لا تتقدم الأمم ولا تزدهر الشعوب ألا بالثقافة، فهي القاسم المشترك لكل تقدم وأزدهار ونمو وتطور في شتى مجالات الحياة. كما أن صور الجمال والأناقة والذوق والرقي والتحضر في الحياة لا تكتمل ألا بالثقافة. فالثقافة هي من تحمي تطور البلدان وأزدهارها من أية تشويه. وبالتالي هي من تعطي للحياة طعمها وذوقها وجمالها. ولذا نرى أن العراقيين يفتقدون ولا يشعرون بطعم الحياة في العراق بسبب تدني المستوى الثقافي وتراجع أفاق الثقافة والمعرفة والتحضر في العراق وتحديدا في السنوات التي أعقبت الأحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 . أن الرسالة الألهية التي بشر بها الرسول العظيم محمد (ص) بقدر ما كانت رسالة للتوحيد وللعلم والمعرفة فهي في مضمونها كانت رسالة ثقافية وتوعوية للبشرية جمعاء. فالعظيم محمد (ص) لم يكن نبيا فقط بل كان أستاذا ومعلما وهو بحق المثقف الأول بالعالم الذي جاء برسالة النور والهداية والأخلاق والمعرفة والعلم من غار حراء ليقدمها الى العالم أجمع على طبق من المحبة والسلام!. وقد نقلت لنا الكثير من الروايات والأحاديث المسندة والمعتبرة والمنقولة من مصادر موثوقة، كيف كان النبي العظيم (ص) يتكلم مع الناس ويعلمهم وينشر بينهم الثقافة والمعرفة في كل أمور الحياة وتفاصيلها. فتكلم وعلم الناس قبل 1400 سنة عن أداب الطعام وكيف نأكل وكيف نشرب وكيف ننام وكيف نتكلم وكيف نصغي للحديث وعلمنا وعلمنا الكثير الكثير من الممارسات في أمور حياتنا والعجيب أن كل ما تكلم به نبينا العظيم وعلمنا عليه كله يدخل ضمن أطار الثقافة وما يعرف الآن ( بالأتكيت والبرستيج)!، الذي تتحدث به الصالونات الأدبية والثقافية و تقام فيه الدورات وتلقى به المحاضرات ويسمعها ويدخلها حتى رؤوساء الدول؟!. وقد أختلط مفهوم الثقافة وتوصيف الشخص بالمثقف لدى الكثيرين من الناس مثلما أختلطت عليهم الكثيرمن أمور حياتهم!. فمثلا يطلق الناس على الطبيب والمهندس والصيدلي وأستاذ الجامعة والمدرس والمعلم وكل من تبؤ مركزا وضيفيا عاليا بأنه أنسان مثقف! ولا أدري لماذا؟ وهذا خطأ كبير!، فالطبيب والمهندس والصيدلي وأستاذ الجامعة هم متعلمين تعليميا أكاديميا عاليا وفي تخصصات معينة، فليس كل من تعلم وحصل على شهادة عليا يكون بالضرورة مثقفا!؟. وهنا نقول أيضا بأنه ليس كل من دأب الذهاب يوم الجمعة الى شارع المتنبي نطلق عليه عبارة مثقف كما هو شائع بين الناس!، ونفس الشيء نقول بأنه ليس كل من أشترى كتابا وقرأه هو مثقف وليس من كتب مقالا صحفيا أو مارس العمل الأعلامي هو مثقف! وهكذا، لأن الثقافة هي غير ذلك تماما!. لا شك بأن القراءة والمعرفة والتعليم الأكاديمي العالي والتواصل مع المثقفين وحضور مجالسهم وألأستماع الى أدابهم هي كلها أدوات لخلق الأنسان المثقف!. ولكن يبقى السلوك اليومي للأنسان وكيفية تعامله مع الآخرين في البيت والشارع والمقهى والسينما ومع الجيران والأصدقاء ومع زملائه في العمل وما الى ذلك من أي تصرف وسلوك يومي، هو المعيار الحقيقي لثقافته ورقيه وتحضره. فهل الطبيب والصيدلي الجشع والذين لا يعرفون الأنسانية والرحمة يمكن أن نسميهم مثقفين؟، وهل المهندس الذي يغش في عمله ولا وجود لشيء أسمه الأخلاص في قاموس حياته وعمله يمكن أن نسميه مثقف؟، وهل أستاذ الجامعة والمدرس والمعلم المرتشي والذي لا يلقي المحاضرة على الطلاب ولا يؤدي واجبه بهمة ونشاط وحرص أثناء الدوام حتى يجبر الطلاب على الدروس الخصوصية يمكن أن نسميه مثقف؟!، وهل رئيس الوزراء أو الوزير أو المدير العام الفاسد يمكن ان نطلق عليه عبارة مثقف؟! أن المثقف الحقيقي هو الذي يكون سلوكه سويا بين الناس،ويكون بعيدا عن الكذب والنفاق والأنتهازية والوصولية والفساد ويكون صادقا مع نفسه ومع الآخرين مهما كان مستواه الأجتماعي والوظيفي والعلمي، فالثقافة هي عنوان كبير لكل المباديء السامية والنبيلة وهي بالتالي لا تستقيم مع الصفات السيئة والمرفوضة أخلاقيا وأجتماعيا وحتى دينيا. فالهدوء والسكينة والتقوى والقناعة والأيمان والحلم والصدق والنزاهة والشرف والنبل كلها تدخل ضمن خيمة الثقافة والمثقف. ومن الطبيعي أذا كانت الطبقة السياسية التي تقود البلاد مثقفة بالمعنى الحقيقي والمفردات التي أشرنا أليها آنفا، فلا شك أن الأزدهار والأمان والخير والسلام سيعم البلاد والعباد، ونظرة الى دول أوربا وما تنعم به من سلام وأمان وعدل وسيادة القانون هو بسبب طبقتها السياسية الأنسانية المثقفة. وفي عراق ما بعد الأحتلال الأمريكي عام 2003 كم سمعنا ورأينا عناوين سياسية وسياسيين بحملون أعلى الشهادات من أمريكا وبريطانيا وباقي دول الغرب وبمختلف الأختصاصات وكم تأملنا منهم وبهم خيرا ونظرنا أليهم بأحترام وأجلال وأكبار بأعتبارهم مثقفين! حسب رأي ومفهوم الغالبية من الناس، لأننا أعتقدنا أنهم يحملون الأنسانية في دواخلهم ، وأذا بنا نتفاجأ بفسادهم وكذبهم ونفاقهم ودونيتهم وسرقتهم للمال العام وأكلهم للسحت الحرام!. نعود لنؤكد بأنه ليست العبرة بأن تشتري الكتب وتقرأ وليست العبرة أن تذهب للمسرح والسينما وتسمع الموسيقى وتحضر المنتديات الأدبية والثقافية وتداوم على الذهاب الى شارع المتنبي بأعتباره ملتقى المثقفين والنخب! وليست العبرة أن تقرأ القرآن وتحفظ الأحاديث النبوية وأقوال الأئمة وتؤدي الفرائض وتذهب للجوامع والحسينيات. العبرة هو أن تترجم كل ذلك في سلوكك اليومي وأخلاقية تعاملك مع الغير، فأن أستطعت على ذلك عندها أعرف بأنك هو الأنسان المثقف مهما كان مستواك الأجتماعي والوظيفي والعلمي (( ليس المهم أن يكون في جيبك قرآن ، المهم أن تكون في أخلاقك أية)). وأخيرا أسأل القاريء الكريم وعلى ضوء المعطيات والمفاهيم التي ذكرناها، هل تعتبر نفسك أنسانا مثقفا؟!.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here