الاقتصاد العراقي … تمزق وانهيار وخزينة خاوية

صدمات كثيرة متوالية على كل الأصعدة تضربنا وتمزق قلوبنا كل يوم اهمها الأزمة المالية التي تواجه العراق وليست هي إلأ نتاج تراكمات من سوء السياسات الاقتصادية الفاشلة على امتداد عقود منصرمة ولم ترسم على اساس بناء دولة ولها خصوصيات ركائزمستقبلية وخاصة بعد عام 2003 حيث طغت الموازنة الاستثمارية على الانتاجية لصالح المجموعات الحاكمة و كيفية قنص الاموال والاستيلاء عليها لصالح تلك المجموعات المعينة وخلق مرحلة من مراحل تداعيات الاقتصاد العراقي و تتميز عن سابقاتها من التداعيات كونها دقت ناقوس الخطر لما سيحصل في المراحل اللاحقة بل أنها أصبحت المؤشر الذي من خلاله تصور سيناريو الكوارث المستقبلية، والكارثة المشاهدة انها لا توجد في كل ألوان الطيف السياسي العراقي أي استراتيجية لبرنامج اقتصادي منتج بديل عن النفط يحِّدد ملامح معينة لطبيعة هذا النظام مستقبلاً، رغم احتياطياته التي تبلغ اكثر من 80 مليار دولارفي بنوك الولايات المتحدة حسب المصادر وهو ما يعتبره صندوق النقد الدولي غير كاف بسبب فقدان الميزانية السنوية الدقيقة رغم ضخامة الموارد المالية النفطية في السنوات الاخيرة وفقدانها ولا يعرف مصيرها في العراق الذي يعتبر ثاني أكبر منتجي في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) واخيراً تعرضه لضربتين موجعتين، أولاً بانهيار أسعار النفط عالميا وذلك لاعتماده عليه في إيراداته المالية بنسبة 94% بحسب خبراء، وثانياً بتفشي فيروس كورونا، ما أثّر بشكل مباشر على الصادرات العالمية والعراق النفطية، إذ بلغت إيرادات البلاد من الخام الشهر الماضي 1.4 مليار دولار، أي أقل من ثلث مبلغ 4.5 مليارات دولار التي يحتاجها البلد شهرياً لدفع رواتب الموظفين في القطاع العام والتعويضات والتكاليف الحكومية وهيمنت ابرز الملفات التي على عاتق حكومة رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي وضع بصمات العبور منها ، وهو أمام مهمة صعبة ومعقدة للغاية بسبب التركة الثقيلة التي خلفتها له الحكومة السابقة من أزمة مالية خانقة تتزامن مع قرارات ارتجالية لحكومة عادل عبد المهدي المستقيلة واللجوء إلى الحلول غير المنطقية والمستعجلة والتي جرت نتيجة الاحتجاجات، أدى إلى زيادة التضخم في النفقات التشغيلية وأعباءً مالية إضافية، خصوصاً في التعويضات والرواتب وما شاهدنا من مافيات الإجرام والمافيات الاقتصادية، وكل أنواع المافيات، لذلك موضوع التحول من الاقتصاد السائب الحالية إلى اقتصاد السوق الحر يجب أن يكون مدروس .

وهو ناتج من سوء الادارات السابقة للأزمة الاقتصادية التي يعيشها العراق اليوم وكانت حتمية لسياسة الفشل التي انتهجتها حكومة عبد المهدي لارضاء الشارع المتظاهر دون حساب او كتاب وفشل اطروحاتها الاقتصادية التي كان يتداول الاعلام بها وكذلك الحكومات التي سبقتها التي أعقبت الغزو الأميركي عام 2003″.

ومن تسيب وانفلات وخزينة منهوبة وخاوية والبحث عن مكسب يوزع من خلاله موارد الدولة وتفعيله قطاعات بديلة عن النفط مثل الغاز والزراعة والصناعة والسياحة والمنافذ الحدودية لتأمين رواتب الموظفين والمتقاعدين التي يعتبرها الجميع خطاً أحمر، وكذلك ملف أعمار المناطق المحررة من سيطرة تنظيم داعش وعودة النازحين الذي يعتقد المحللون ان الكاظمي يمتلك “علاقات داخلية وخارجية متوازنة ” ولكن لا يمتلك العصى السحرية لكي يتجاوزها بتلك السرعة فضلا عن رغبة بعض الدول تقديم دعمه لحكومته وفق شروط خاصة ، ما يوفر له فرصا لمواجهة الأزمة الحالية ومجبر للتعامل معها ووضعت عدت سيناريوهات أو طروحات للتعامل مع الأزمة المالية من بينها تخفيض الإنفاق على المشاريع الثانوية، ووقف تسديد القروض الدولية للعراق من خلال تحرك سياسي ودبلوماسي بالتراضي مع تلك الدول، فضلا عن فرض نظام ادخار إجباري على المرتبات التي تدفعها الدولة ، ان هذه المرحلة أظهرت هشاشة الاوضاع في العراق وهو يعيش محنة تاريخية لم يمر بها طوال التاريخ ، وحالته المحزنة لمن أحبوه وعشقوه بالصورة التي تعلموها وتربوا على حضارته المنكوبة وكأنهم غير قادرين على إفراز نخبة سياسية تضع المصلحة العامة فوق المصلحة الشخصية والحزبية الضيقة وانتجت نخب مزيفة وعديمة الكفاءة و الأهلية السياسية بكل ما يعنيه ذلك من مؤهلات شخصية الواجب توفرها فيمن يطمح إلى الوصول إلى المؤسسات للمساهمة في تدبير الشأن العام؛ ولا يهمهم من استيلائهم على المؤسسات إلا مصلحتهم الشخصية والحزبية الضيقة وكنا نظن فيهم خيراً كثير، وهم يظنون كل صيحة عليهم هو العدو وقاموا بتصفية من لا يرقى لهم و كان الفساد قد خرج من مكاتب الوزراء باعتراف الوزراء انفسهم وتبين أن هذا الوطن قامت عليه كيانات سياسية خاضعة بطريقة أو بأخرى الى ما يتيسر لهم من الاموال والمكتسبات والعبث بالخيرات و لا تمت بأي شكل من الاشكال الى الاخلاقيات او مصلحة الشعب وبوصفهم مجموعة لها تركيبتها الثقافية والاجتماعية بأية صلة، وأن الاستبدادات اصبحت محكمة في وجدان البعض مما يترتب على ذلك من فساد وتخلف هو الغالب على هذه الاحزاب الكارتونية و الكيانات المستهلكة لقدرات وامكانيات البلد التاريخية والثقافية والاجتماعية العريقة وتبددت الأحلام الجميلة التي كان ابنائه يحلمون بها ، وينقلب الى واقع مرير يسوده التمزق المجتمعي كمنتج عن التمزق السياسي، وأنه لا بد من الوحدة السياسية لتحقيق الوحدة المجتمعية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمؤسساتية و لا شك فيه أن من لا يشغلهم ولا يهمهم شأن السياسة ويفضلون حتى البعد عن مجرد الحديث فيها و يقلقهم ويؤرقهم شعور بالخطر المتسارع في التمزق والتشظي في المجتمع، ويحسّون بأن الخطر يكبر ويزداد. وهنا نزداد حيرة، إذ كيف نوقف هذه الحالة المتدهورة على مستوى المجتمع حتى في نواته أي الأسرة؟ لا شيء حاليا سوى أن ندعوا أن يؤلف بين قلوبنا التي قد تسكنها القليل أو الكثير من الضغائن والأطماع والمصالح والأنانية.

بلادنا بصدد البحث عن عقد اجتماعي جديد، ينخرط فيه الجميع، وقاعدته الصلبة هي النموذج التنموي الشامل الجديد، فإنه، لكي يُكتب له النجاح لاي مشروع لسياسي واقتصادي واجتماعي كبير يصب في مصلحة الاجيال القادمة ، لا بد له أن يستند على نموذج ديمقراطي صحيح متكامل ، لا يُنظر فيه إلى الانتخابات إلا كوسيلة أو آلية قادرة على إفراز النخب المحلية والجهوية والوطنية القادرة على تحقيق الكرامة والحرية والمساواة والعدالة وتكافؤ الفرص واحترام الاختلاف و تحقيق كل ما يضمن للمواطنين التمتع بالمواطنة الكاملة.

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here