الآثار الكوردية الملموسة والمجردة في جنوب كوردستان وخارجه؟

الآثار الكوردية الملموسة والمجردة في جنوب كوردستان وخارجه؟

محمد مندلاوي

بادئ الأمر، دعونا نشرح باختصار كلمة مجردة، ربما كلمة آثار مجردة تثير بعض التساؤلات لدى البعض، لكن حقيقة هناك آثار كوردية مجردة تشهد على قدم هذه الأمة العريقة، كالهورة – نوع من النعي الكوردي- التي عمرها آلاف السنين، وهي مجردة، وهكذا أسماء الأشخاص التي ترمز إلى أدوار وحضارات الكورد، كاسم مايخان، الذي يعني الخان الميدي، والميديون الكورد عاشوا قبل الميلاد، واسم خسرو الذي حوره العرب إلى كسرة الخ إنها أسماء مجردة. وأيضاً الكتب التاريخية التي تتحدث عن مجمل الحياة الكوردية في كوردستان، وهكذا القصائد الشعرية، والملاحم القصصية الخ. دعونا الآن نعرف بإيجاز ما هي الآثار. بلا شك يعرف القارئ أن هناك حقل علمي يسمى علم الآثار، هكذا تقول لنا المعاجم، هو علم خاص بدراسة القديم من تاريخ الحضارات الإنسانية، أو علم معرفة بقايا القوم من أبنية وتماثيل ونقود وفنون وحضارة، ومن ضمن هذا العلم دراسة ومعرفة القديم أو دراسة الوثائق القديمة. والآن نغوص في الموضوع ونبحث في صفحات التاريخ القديم، والقديم جداً، بشكل مختصر، هل وجد شعب ما باسم الكورد على أديم الأرض أم لا؟. مما لا يختلف عليه اثنان، أن السومريين أول من وجدوا في المنطقة التي تسمى الآن العراق، وبنو فيها أولى الحضارات البشرية. عزيزي المتابع، عندما أصفهم بأول شعب وجدوا في العراق أعني به، أنهم أول من ترك آثاراً وحضارة خلفه، كما تشاهد في المنطقة التي تحمل اسمه، أو في رفوف المتاحف العالمية. لقد ظهر جلياً اسم الكورد في الألواح السومرية المكتشفة، رغم أن هؤلاء السومريون تقول عنهم المصادر المتعددة أنهم نزلوا من جبال كوردستان إلى سومر، وهناك شواهد وقرائن كثيرة على أنهم من العرق الكوردي، لكن هذا ليس موضوعنا الآن، موضوعنا أن نبحث في ثنايا التاريخ عن اسم الكورد الصريح، وليس عن أسماء قبائل كانت تنتمي إلى الأمة الكوردية. مثلاً، نقلت لنا مصادر عديدة أن اسم الكورد ذكر في ألواح سومر مرات متعددة، منها ما نقله الآثار الفرنسي، (جان ماري دوران) سنة (1997) في ترجمته لعدة ألواح سومرية معدودة، والتي تتعلق بالممالك التي شهدتها كوردستان، إبان الوجود السومري، قال، يشاهد في هذه الألواح، اسم إمارة (كوردا- Kurda) ، التي كانت في جبل شنگال (سنجار) في كوردستان،راجع (جان ماري دوران – وثائق مراسلات قصر ماري – المجلد الأول 645 صفحة، مطبعة سيرف باريس، 1997 والمجلد الثاني 688 صفحة وهو يتحدث عن إمارة (كوردا)، انظر المجلد الأول الصفحات:60، 393، 414، 415، 416، 423، 427، 433، 503، 515، 517، 604، 605، 617، 622. أليس هذا الاسم الذي ظهر على المربع الطيني يختزل كل التاريخ الكوردي في ثناياه، ويلجم أصحاب العدائية المفرطة ضد الكورد؟؟.على أية حال. وفي صدر الإسلام، ذكر المؤرخون المسلمون، منهم الطبري (838- 923م) يقول:”عن مجاهد (حرقوه وانصروا آلهتكم) قال: قالها رجل من الأكراد” جاء هذا في كتاب جامع البيان في تفسير القرآن ج10 ص 43. كذلك جاء في كتاب (تفسير القرآن العظيم ج3ص183و 184) لابن كثير. و ذكره أيضاً ابن حيان الاندلسي في (تفسير البحر المحيط ج6 ص 328). والرازي في (مفاتيح الغيب ج11ص151). والبغوي في (معالم التنزيل ج3ص250): “إن كوردياً اسمه (هيزن) أشار على نمرود بوضع النبي إبراهيم في المنجنيق أو حرقه بالنار”. القصة واضحة، أنها ملفقة لتشويه وتقزيم الكورد من قبل الفرس ومن ثم العرب، لكن، الذي يخدمني أنا ككوردي ذكر اسم الكورد بصورته الحالية في زمن النبي إبراهيم، أي: قبل أربعة آلاف سنة. طبعاً جميع هؤلاء الذين ذكروا وقوع القصة بعد أكثر من 2000عام تحديداً في صدر الإسلام، حين زعموا أن “هيزن” كان شخصاً كوردياً من أعراب فارس؟؟!!. إن الخطأ الذي وقع فيه جميع هؤلاء، الذين ذكروا القصة في صدر الإسلام أنهم نقلوا القصة بعد عشرات القرون من وقوعها، وعندها كان الفرس موجودون على مسرح الأحداث، لكنهم لم يعرفوا عند وقوع الحادثة، أي في عهد نمرود والنبي إبراهيم لم يوجد شعب فارسي، فقط وجد الكورد وغير الفرس، ومن يقول غير هذا، ويخالفنا في الرأي، فليأتي لنا بمصدر ما، مثلما ذكر الكورد في ذلك التاريخ باسمه الصريح فليأتي لنا بمصدر يذكر لنا الفرس بالاسم، وعندها نسلم له، ونقبله منه بدون جدال. بغير هذا، أن وصف الكورد كأعراب فارس مجرد تلفيق قام به الفرس ومن سار في ركابهم. ثم نطلب من الذين يعادون كل شيء كوردي، أن صنع المنجنيق من قبل الكورد قبل 4000 عام في ذلك العصر الغابر أليس يوازي صنع صاروخ كروز في عصرنا الراهن؟؟ أليس هذا يدل على أن هذا الكوردي صاحب حضارة عريقة؟ هذا ما نريد إيصاله لمن يزور التاريخ. ألم يكن (كاوه الحداد) صاحب مصنع لصناعة السيوف والخناجر الخ هل ننظر إلى صناعة السيوف في ذلك التاريخ كما هي اليوم؟؟. للعلم، أن ذات الصنعة انتقلت عبر الأجيال حيث أن أحفاد كاوه في شرق كوردستان، وتحديداً في مدينة (كرند) لا زالوا يصنعون السكاكين، والخناجر وما شابه. للعلم، أن اسم خنجر كوردية وفارسية وهو “خونگەر” حوره العرب إلى خنجر. إن الروايات الإسلامية التي جاءت في مجمل الكتب الإسلامية، و التي تقول، أن الذي أشار إلى وضع النبي إبراهيم في “المنجنيق” كان شخصا كورديا اسمه (هيزن) القصة واضحة أنها ملفقة ضد الكورد من قبل الفرس ومن ثم العرب، لكن الذي يخدمني أنا ككوردي في هذه القصة شيئين مهمين، الأول وجود و ذكر اسم الكورد صراحة قبل أربعة آلاف سنة، والشيء الثاني، يتعلق بصنع المنجنيق في ذلك العصر الغابر، أليس يوازي صنع صاروخ في عصرنا الراهن؟؟ أليس هذا يدل على أن هذا الكوردي صاحب حضارة عريقة باعتراف محتليه؟. هذا ما نريد إيصاله لمن يزور التاريخ، أرجو من القارئ العزيز أن يحكم عقله، إن شعباً ذكر قبل آلاف السنين بتلك الصفات التي ذكرناها، هل لم يكن له قلاع للذود عن نفسه، هل لم يكن له بيوت يقيم فيها؟ هل لم يكن له أدوات التي احتاجها لإدامة حياته اليومية؟ الخ. وفي العصر (الفتوحات) الإسلامية، أي قبل أكثر من 1400 عام، لقد ذُكر الكورد في وطنهم كوردستان في العديد من المصادر الإسلامية منها كتاب (فتوح البلدان) للمؤرخ الإسلامي (أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري) المتوفى في بغداد سنة (297) للهجرة، المصادف (892) ميلادية، يزودنا (البلاذري) في كتابه بالآتي: حدثني (أبو رجاء الحلواني)، عن (أبيه)،عن (مشايخ) شهرزور قالوا:(شهرزور) و(الصامغان) و (دراباد) من فتوح (عتبة بن فرقد السلمي). فتحها وقاتل الأكراد فقتل منهم خلقاً. للعلم أن اسم شهرزور قديماً كان يطلق على غالبية أراضي جنوب كوردستان؟. حسبما وصل إلينا من السلف، أن من كان قوياً بين الكورد يحكم في شهرزور، حتى أن اسمها يعني مدينة القوة. عندما يذكر شعب ما قبل 1400 عام لم يخلق في تلك اللحظة التي دون فيها اسمه، على أقل تقدير وجوده يسبق التاريخ الذي ذكر فيه بما يعادله أو أكثر؟. ويذكر ابن الأثير قلاع الأكراد وحصونهم في صدر الإسلام. جاء في كتاب (الكامل في التاريخ) لـ(أبو حسن علي بن محمد بن عبد الكريم)، المعروف بـ(ابن الأثير) المولود سنة (1160م) و المتوفى سنة (1233م)،يقول:”إن (عمر بن الخطاب) استعمل عتبة بن فرقد على الموصل و(فتحها) سنة (عشرين) – أي قبل 1421 عام- فأتاها فقاتله أهل نينوى فأخذ حصنها وهو الشرقي عنوةً وعبر دجلة فصالحه أهل الحصن الغربي وهو الموصل على الجزية ثم فتح المرج وبانهذار و باعذرا وحبتون وداسن وجميع معاقل الأكراد و قردى و بازبدى وجميع أعمال الموصل صارت للمسلمين” – الأصح صارت للعرب الغزاة-. السؤال هنا، أين تلك المعاقل الكوردية التي ذكرت قبل 1421 عام الآن!!!. من الذين ذكروا الكورد قبل المسيحية والإسلام في (الموصل) القائد اليوناني (كزينفون) في كتابه ( رحلة العشرة آلاف مقاتل ) الذي مر (بالموصل) أثناء عودته من (بابل) الإيرانية آنذاك إلى (يونان) وذلك في منتصف القرن (الخامس) ق.م. فقد ذكرها هكذا (موسيلا) لا يزال الكورد في “بهدينان” التي تقع موصل من ضمنها يذكروها بهذه الصيغة “موسيل”. وذكر (كزنفون) وجود الكورد والقرى الكوردية في هذه المنطقة وصعوبة اجتيازه لمناطقهم بسبب محاربتهم له وتكبيد جيشه العديد من القتلى والجرحى. أليس هذا تاريخ معتبر يذكر الكورد في المنطقة قبل 2500 عام، أين القرى الكوردية التي تحدث عنها القائد اليوناني كزينفون؟؟!!. عندما تذكر كتب التاريخ وتحديداً كتب الفرس بأن الساسانيين من العرق الكوردي، أليس عنده تعتبر آثار المدائن (طاق كسرى) آثار كوردية؟؟ خاصة أن إحدى أحيائها كانت تسمى في زمن الساسانيين لـ”كوردآباد” أي: معمورة الكورد. بالمناسبة بنا الشاه الساساني الكوردي قبل الإسلام مدينة قرب موصل سماها باسمه “خسرو آباد” حوره العرب إلى خورسآباد. ثم، أليست أربيل وقلعتها كوردية، لأنها ذكرت في العهد السومري، الذي عند المقارنة قلنا أن بين الزي السومري، والكلمات السومرية، وقواعد اللغة السومرية، والأدوات التي استخدمها السومريون الخ هناك تطابق مع ما عند الكورد اليوم؟. أضف أن المؤرخين والشعراء ذكروا الكورد في أربيل قبل 1000 عام من الآن، وذكرنا قصيدتيه التي هجا فيها الكورد والأخرى التي عدل عن هجاءه، وذكرتها في الحلقة الرابعة من أصل خمس حلقات في مقالي الذي بعنوان: ياقو بلو.. الموهوم بانتسابه إلى الهوية الآشورية البائدة 4-5. وعن كركوك وقلعتا هي الأخرى كما أربيل كوردية 100% يقول المؤرخ المحقق (كمال مظهر أحمد) في كتابه كركوك وتوابعها حكم التأريخ والضمير ص 11 نقلاً عن كتاب منهجي مصري يدرس في الجامعات في مصر: غدت هذه الحقيقة التأريخية أمراً مسلماً به حتى في الكتب المنهجية العربية العامة. ويقول: ورد في كتاب “الجغرافية السياسية” من تأليف عدد من الأساتذة الجامعيين المصريين في عام 1961، منهم الدكتور دولت أحمد صادق وآخرون ما نصه بهذا الخصوص: الأكراد سلالة منحدرة من أصل شمالي.. وكانت لهم دولة قديمة عاصمتها أرابخا، هي كركوك الحالية. هذه معاهد أكاديمية تقول كركوك مدينة كوردية، بلا شك أن قلعتها هي الأخرى كوردية، لأن تاريخ استيطان التر كمان فيها حديث، لقد جاءوا إليها مع الاحتلال الصفوي، والتركي البغيض. وهكذا المستوطنون العرب،أن وجودهم في مدينة التي عمرها 5000 سنة يقدر بعشرات السنين لا غير. لو يلاحظ، حتى أن الزي العربي، الذي هو عبارة عن عقال وثوب عريض لا يناسب وطبيعة كركوك، التي شوهد سكانها الكورد دائماً وعلى مر آلاف السنين بالزي الكوردي. وفي مدينة مندلي الكوردية والكوردستانية، التي هي مدينتي، هناك قلعة كوردية قديمة تسمى “قەڵا سەفی= Qala safy” أضف لهذا أن البعثة الألمانية اكتشفت عام 1966 جسر (قنطرة) في مندلي قالوا عمره 6000 سنة. لكي يعرف القارئ حقيقة هذه المدينة الكوردية ذكر الأستاذ أحمد ناصر الفيلي في كتابه (مندلي في ذاكرة التاريخ) ص 88 وهو ينقل عن الطبري في كتابه (تاريخ الرسل والملوك) ج6 ص389 طبع دار المعارف في مصر عام 1966: قيام الخليفة العباسي المعتز عام 251هـ بتوجيه جيش نحو بندنيجين (مندلي)، لغرض تأديب حاكمها حسن بن علي، استصرخ عليهم حسن بن علي أكراداً… . وقال الفيلي في ذات الصفحة: دخلت الإسلام إلى مندلي عام 38هـ. وينقل في ص 89 نقلاً عن كتاب ابن الأثير في كتابه (الكامل في التاريخ)ج5 ص217 دار بيروت للطباعة والنشر عام 1965: وفي فترة حكم البويهيون عام 1003م سيروا إبان مشكلاتهم مع الحكومة البازرگانية جيشاً نحو مندلي بإمرة قائد من ديلم، وقد ردوا على أعقابهم بعد أن اصطداهم بالكورد المدافعين عن المدينة الذين هزموهم وغنموا منهم الغنائم. السؤال هنا، هل لدى المستوطنون الأعراب في مندلي مثل هذا التاريخ؟؟. عزيزي القارئ، هناك مئات المصادر إذا لم نقل آلاف قديمة وحديثة، عربية، وتركية، وفارسية، وأوروبية، وأمريكية وهي تتحدث عن كوردية وكوردستانية هذه المدن والقرى القديمة. لكي يعرف غير الكورد ماذا جرى للكورد على أيدي الغرباء الذين استوطنوا عراق وكوردستان بعد الكورد بزمن طويل وفي مقدمتهم الآشوريون الذين أفنوا عام 612 ق.م. من الوجود. بهذا الصدد يقول باقر ياسين:احتل آشوربانيبال سوسة (شوش) عاصمة دولة إيلام (عيلام) ودمر المدينة تدميراً كاملاً، لم يبق على أبنية، ومعابد، ولم يسلم من شروره حتى القبور، لقد نبش القبور قبراً قبرا ثم قام بتدمير عظام الملوك المدفونين فيه وحرقها، وبعثرها. أتلاحظ، الحقد الأعمى!!، أتلاحظ الطغيان!!. حتى العظام لم تسلم منهم، يأتي الآن أحدهم ويجتر أين الآثار الكوردية؟؟؟!!!. وقبل باقر ياسين بآلاف السنين، قالت التوراة، عن النبي حزقيال: ما من شخص في إيلام (عيلام) إلا ومرره الأشوريون تحت حد السيف. أي: قُطعت رقبته.
كي لا نرهق القارئ الكريم، نكتفي بهذا القدر، ونقول له، رغم أن الاستعمار البريطاني، والفرنسي (الكافر) ووكلائهما في المنطقة حاولوا طمس تاريخ وحضارة الكورد، وإعطاء اسمه للغير، الذي لا يمت بأية صلة بهذه المنطقة، وبهذا التاريخ والحضارة. الذي أقوله في ختام هذه المقالة،حقيقة نحن مدينين للتطور التكنولوجي الذي حدث في عصرنا الراهن، لأنه لم يبق على شيء مخفي ومستور، حقاً يجب أن يتغير التاريخ وتعنون الأشياء بتاريخ قبل الانترنيت وبعد الانترنيت، شبيه بقبل المسيح وبعد المسيح. ها هي بفضل الانترنيت آثار الكورد بدأت تنتفض من تحت الركام التي تجمع فوقها بفعل فاعل وتشهد على عراقتها، رغماً على أنف الاحتلال العربي، التركي، الفارسي، وعملائهم، الذين زرعوا في كوردستان كخنجر غدر في خاصرة الأمة الكوردية.

” مهما يكن فلا بد من تحرير كوردستان” (دكتور أحمد خليل)

28 05 2020

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here