العالم…التعاون والتشاور وتغليب القيم الانسانية

إن العالم يقف على مفترق طرق و يواجه اليوم مشكلات وقضايا عديدة، ولا سبيل لحل هذه المشكلات الا بالتعاون والتشاور والتنسيق بين كل الدول المحبة للخير على مختلف المستويات وإن على الامم المتحدة ومجلس الامن أن تتخذ قرارات بشأن استخدام امكانياتهما الدبلوماسية والمالية للدفاع عن الحرية والديمقراطية بعد ان استبيحت القيم الانسانية في الكثير من المناطق والدول وخاصة الولايات المتحدة الامريكية بعد ان أجج دونالد ترامب رئيسها الحالي مشاعر الكراهية والخوف، وبث بذور الفرقة. فاستهدافه البشع لأعضاء الكونغرس من النساء إنما يفضح عنصريته وكراهيته للأجانب وفي صميم سياساته البغيضة وفي الحوادث الاخيرة اثبت ذلك ” وبعض المدن الامريكية تعيش اليوم مشروعاً عنصرياً لا يمكن ان يكون امراً عفوياً ” وتغريدتان للرئيس ترامب فهمت انها تحرض على العنف واطلاق النارواصبح سلوكا عادياً بعد وفاة جورج فلويد بيد رجال الشرطة وبشكل بشع ما اغضبت دمائه الشارع.

المنظمات الدولية والانسانية هنا اذا ما كانت لا تملك القدرة على دعم الشعوب السائرة في سبيل تحقيق التحول الديمقراطي في دعمها وتغليب ميزان القوة لصالحها في مواجهتها اوالتنكر لتلك القيم لتحل محلها أنظمة استبدادية و الإخفاق في ذلك وترك تلك البلدان تتخبط في أزماتها ليتحول العالم الى كوارث وتحكمه قوانين الغابة .

لقد اصبح موضوع حرية الانسان مجالاً للعديد من العلوم الانسانية، و كل الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعني أن للبلدان إمكانية إتيان بالفعل الحر أو عدمه ، مع عدم الاضرار بالاخرين. وهذا ما دفع البعض إلى تلخيص حقوق الانسان في مصطلح الحرية، وهي صيغة الاكثر سهولة والاكثر اكتمالا ِّ بالمتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ،لإن لحرية الانسان ارتباطا ُوثيقاً بالاخلاق والدين والفلسفة. كما أن هذا الحق يعتبر أساس منظومة حماية حقوق الخليقة الانسانية ؛ إذ إن هذا الحق يتطلب ممارسته توفر هامش من التحرك الغير مقيد، لكنه شديدة ِّ الحساسية تجاه جملة المتغيرات الدولية التي تطبع المجتمع الدولي وتؤثر على الانظمة الداخلية ِّ للدول، سواء أكانت هذه المتغيرات ذات طبيعة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية. ومن ِّ أبرز آثار هذه المتغيرات ممارسات الانسان لحريته.

إن تاريخ الكثير من الشعوب شرقا وغربا بالأمس واليوم حافل بالنضال ضد الاستبداد والمطالبة بالحقوق ، وفي سبيل الحرية ، والعدالة الاجتماعية وإن كل السياسات والضغوطات المتبعة تجاه قضايا دول مثل ايران ،سوريا،العراق ، لبنان، فلسطين ،اليمن والبحرين وشعوب غيرها إنما هي سياسات استعمارية استغلالية تحاول ان تزيد من مآسي المنطقة وشعوبها ولكن لا يمكن من ان تستطيع ان تخضعها و المؤكد أن الاستبداد بدأ يشهد انحساراً واضحاً لبعض مظاهره على الأقل في هذه البلدان وتباشير الخلاص وكسر الأغلال التي كانت تكبل هذه الشعوب دقت نواقيسها ومنهم من تحرر ويقف بشموخ رغم كل المحاولات في لي ذراعه ومنهم على وشك لامحال ،لان الدين الاسلامي هو أساس الحياة في هذه الدول وله ارتباط وثيق مع بمختلف جوانب الحياة الاجتماعية فيها ولكن على كل حال هناك مفاهيم كثيرة للحرية تدور حول مدى قدرة الإنسان، وعلى مدى ما يتمتع به الإنسان من اختيار؟ وهل أفعال الإنسان فعلاً أفعال هو مختار فيها وتعبر عن إرادته وعن قناعته؟ أم أن الإنسان مجبر وتفرض عليه كثير من الإكراهات؟، فالنص القرآني أعطى أهمية بالغة للحرية الدينية، ووضع أسس ممارسة هذا الحق والضوابط التي يجب الوقوف عندها، قال الله تعالى في سورة البقرة : ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي )وعليه فالحرية الدينية سند الانسان في التحرر الداخلي، وتسهم في تحطيم كل الاصنام والاوثان التي تسلب حريته، بل تزيد من تعقيداتها لديهم وتذهبهم باختلاق أزمات أخرى جديدة، ما يصعب عليهم التلاعب بأحلام وطموحات الشعوب واستغلالها لصالح سيادتهم الاستبدادية ، ومع الاسف إن أوروبا المعاصرة عرفت في القرن العشرين نظما استبدادية قمعت الكثير من الشعوب بأساليب متطورة و أحرزت الحكومات السلطوية خطوات كبيرة ومبتكرة إلى الأمام .

ومن هنا يستوجب من الانسان الحر المتسلح بالثقافة ان يقف مع صيحة الجماهير ومواجهة من يمارس على أرزاق الامة النهب، ومن يعتدي على كرامتهم، ويستهين بهم في الداخل او الخارج فنهضة الحرية بالحقيقة هي ثورة الكرامة هي ثورة اقتصادية و سياسية ضد الاستبداد فالناس لا يتحدثون عن الحرية بالمعنى الفلسفي والمعنى الديني المطلق وإنما يتحدثون عن الحرية في مواجهة ما يكبل إرادتهم من حكم الطغات ومواليهم و نهابي لقمة عيشهم، و معتدي على كرامتهم، فالحرية في مواجهة الاستبداد بكل أنواعه الاستبداد وبالتالي هذه النهضة هي نهضة الحرية بكل معانيها ، و الحوار مع هذه القوى خدمة لمصلحة المجتمع لابد منها على ان لا يتنازل عن حقهم، ويعبر عن مواقفهم ، و لا ينقل رؤيته الشخصية، بل لا بد أن ترتبط هذه الرؤية بالصراع السياسي والاجتماعي الذي يزخر به مجتمع ما ، ومن هنا تبرز أهمية قوة المجتمع المدني المؤمنة بالحوار، فلا جدوى، ولا قوة لحوار المثقف مع السلطة باعتباره يعبر عن رؤية معينة إلا إذا ساندته قوة اجتماعية صلبة من قوى المجتمع المدني ، فالبون شاسع بين الخبير الذي يتعاون مع السلطة لإنجاز عمل فني معين ليلتقي الأوامر ، ولا يسمح له بإبداء الرأي إلا ضمن اختصاصه الفني، وبين الانسان الحر المدافع عن رؤية مجتمعية وحضارية معينة والذي يناضل من أجل الحريّة والتقدم ، ويتصدى لكلّ محاولات احتكار السلطة، وتسخيرها لفائدة فئات اجتماعية محظوظة على حساب مصلحة المجتمع والناس..

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here