العراق بين مطرقة ازماته المالية وسندان ازماته الدولية والحاجة الى عودة هوشيار زيباري

مصطفى الرشيد
آن الاوان للتفكير بعيداً عن المزايدات والعنتريات التي اوصلت العراق الى الهاوية، فالسيد مصطفى الكاظمي استلم عملياً دولة منهارة ووضعه اشبه بوضع العبادي في بداية مرحلته، فهي حرب ضد الدواعش وتكاليفها الخيالية وازمة اقتصادية عاصفة نتيجة انخفاض اسعار النفط وكارثة وبائية بسبب ازمة كورونا واحتقان في الشارع المطالب بالتغيير. وهذه النتيجة لم يصلها العراق من فراغ بل جاءت كنتيجة منطقية متوقعة لسوء الادارة والفساد، ولعل الوحيد الذي دفع ثمن جرأته على محاربة الفساد هو هوشيار زيباري ابان توليه منصب وزير المالية في حكومة العبادي إذ فتح الموضوع الذي لم يجرء احد على التلميح له وهو الجنود والموظفين الفضائيين الذين اثقلوا كاهل الدولة برواتبهم وامتيازاتهم، وكما هو معروف كانت النتيجة انه تم اقصاء الرجل بتهم مصطنعة اثبت في الجلسة البرلمانية بالوثائق انها تهم كيدية ولكن قرار الفساد كان اقوى، واقول ربما كان زيباري احسن حظاً من المرحوم قاسم ضعيف الزبيدي مدير مالية الحشد الشعبي والذي حاول ان يطبق توجه زيباري فتم اغتياله بدم بارد واغلق موضوعه.
اليوم نحن بحاجة الى ان نقيم منطقيا الوضع لنحدد احتاج العراق للخروج من ازماته الطاحنة فالبلاد تسيير نحو اعلان الافلاس بخطى متواترة، وبالتالي انهيار الدولة والفوضى العارمة التي ستحول البلد الى كنتونات مليشاوية وسيناريو اقرب الى السيناريو الليبي وبمراحل ربما اسوء.
كما هو معروف فان ظرف العبادي والدعم الامريكي اللا محدود الذي تلقاه لمحاربة تنظيم داعش سمح بترحيل بعض المشاكل ولكنه عجز عن حلها، خصوصا في وجود السيد الجعفري كوزير للخارجية والذي اصبحت نوادره وزلاته مصدر احراج كبير للعراق فلم يستطع العبادي الاستفادة من زخم محاربة داعش والانتصار عليه في تخفيض ديون العراق او في جمع الموارد لاعادة اعماره ففشل مؤتمر الكويت فشلاً ذريعاً، ليتسلم المسؤولية بعده السيد عادل عبد المهدي بكل ما يمثله من حالة العجز الكلي والتقييد ويتلى الخارجية السيد محمد علي الحكيم والذي بدء مندفعاً برغبة الاصلاح على حد قوله ولكنه كان بدون بوصله ولا خبرة سياسية وهذا ما ثبت من خلال فترة استيزاره فضعف موقعه كوزير وتطاول عليه حتى بعض الموظفين ولم يتمكن من ادارة الوزارة فهو اراد ان يجمع كل الصلاحيات في يده ويدير كل الامور دون اعتماد على ادواته الدبلوماسية من سفراء وكوارد وسفارات عراقية الامر الذي ادى في النهاية الى انه فشل في كل شيء فتحول العراق الى ساحة صراع ميداني امريكي-ايراني ونفذت عملية امريكية مباشرة وقتل على اثرها كل من سليماني والمهندس، كما وتحول العراق الى ميدان دم لحصد ارواح المتظاهرين فساء الوضع الدولي وتخلت معظم دول العالم حتى عن الدعم الخجول الذي كانت تقدمه.
اذن في هذه الصورة المأساوية استلم مصطفى الكاظمي السيد وهدفه الاول ابعاد العراق عن اتون الصراع الامريكي- الايراني وتحسين علاقاته الاقليمية والدولية خصوصا مع الدول العربية لضمان الحصول على الدعم الخليجي للنهوض بالاقتصاد العراقي لان الموارد الموجودة لا يمكن لها ظل الرواتب المليونية واستشراء الفساد من ان تغطي نفقات الدولة العادية مع انهيار اسعار النفط، هذه الطموحات العالية للسيد الكاظمي باعادة ترتيب البيت العراقي لا يمكن ان تتحقق الا اذا كان بمعيته وزير خارجية قوي ولديه العلاقات القدرة على رسم استراتيجيات تحقق الاهداف على المدى القصير والمتوسط، واذا بحثنا في خيارات الكاظمي سنجد ان الخيار الوحيد المتاح له هو السيد هوشيار زيباري، وبعيداً عن الماديات في موضوع استفتاء اقليم كردستان والذي صوت فيه الكرد بنسبة 100% لصالح تأسيس دولة، فالموضوع كله هذا هو اساسه تثبيت الحلم التاريخي للكرد دون امكانية لتحقيقه لا حاليا ولا حتى في المستقبل المنظور، ومن هذا المنطلق تم قبول تعيين برهم صالح رئيساً للجمهورية وفؤاد حسين وزيراً للمالية وبقية الوزراء الكرد وكلهم ممن شاركوا في الاستفتاء، اذن هذا الموضوع لم يكن حتى عقبة امام تولي ارفع منصب سيادي في العراق وهو رئاسة الجمهورية. وهذه المقدمة هدفها دحض حجج واهية، ونعود الى الموضوع الاساس لماذا حددنا هوشيار زيباري بانه خيار الكاظمي الوحيد للعبور بالعراق من ازماته؟
والجواب هو ان زيباري الوحيد الذي تمكن من تحقيق التوازن في علاقات العراق بين امريكا وايران فالرجل استطاع ان يوطد علاقاته بالطرفين وتمكن من عقد اجتماع 5+1 في بغداد بحضور ايران وامريكا والدول المهم في الاتحاد الاوروبي وبالتالي تحولت بغداد الى ساحة للتوافق بين الاطراف المتصارعة، كما واثمرت جهوده عن الانفتاح على الدول العربية ونجح في عقد قمة بغداد العربية ليؤكد نجاحه في دمج العراق في محيطه العربي وبالتوازي مع علاقات مميزة مع ايرن اصبح العراق دولة لديها علاقات خارجية وتمثيل دولي قوي، وتمكن على اثر جهوده في اخراج العراق من 98% من تقييدات بنود الفصل السابع من مثياق الامم المتحدة واعاد التفاوض وجدولة الديون مع الدائنين في نادي باريس وغيره من المجموعات الدولية والمنظمات التي تملك ديوناً على العراق فاسقط مليارت الدولارات من ديون العراق واعاد جدولة بقية الديون بشروط مُيسرة، وحتى اصرار المالكي الغريب في انسحاب القوات الامريكية نظمه بطريقة ودية مع الولايات المتحدة وحصل على اتفاقية الاطار الاستراتيجي التي لولاها لما قامت امريكا بتوفير الدعم العسكري المباشر اللاحق لمحاربة الدواعش الذي وصل شرهم الى اطراف بغداد بعد سقوط بعض اهم المحافظات العراقية تباعاً.
اذن هوشيار زيباري قادر اذا ما تعاون مع الكاظمي على تحويل العراق من ساحة صراع عسكري مباشر بين ايران وامريكا الى ساحة لخلق التفاهمات التهدئة بين الطرفين أي نقطة التقاء، ولديه القدرة على اعادة العراق الى حاضنته العربية بما يملكه من علاقات وخبرة واسعة تمكنه من استجلاب دعم مالي واستثماري مباشر للعراق، كما ولديه القدرة على تهيئة الاجواء لاسقاط بعض الديون الدولية وتخفيف القسم الاخر منها واعادة الجدولة بشروط ميُسرة، وداخلياً فتجربته في خلق التوافق الايجابي بين حكومتي المركز والاقليم انعكس ايجابياً في خفض حدة التوترات بين الطرفين وهو امر مطلوب بشدة في المرحلة القادمة، فترتيب البيت بدء من الداخل ثم يتم الانطلاق الى الخارج.
الخطر مُحدق بالعراق والبلاد على حافة الافلاس والعقوبات الامريكية وحتى لو نجح بايدن في الانتخابات فان ما يجهله البعض ان بادين هو من الصقور المحافظين في الحزب الديمقراطي لذا لم يقحم نفسه بالتسويات التي اجراها اوباما ووزير خارجيته كيري، وهو صاحب نظرية تقسيم العراق الى ثلاث دول، لذا فان توقع ان يكون بادين اخف وةطئة من ترامب هذا توقع ساذج، العراق على شفا عقوبات امريكية بسبب التوتر بين امريكا وايران، وحتى بدون العقوبات فان الانهيار الاقتصادي اصبح ماثلاً للعيان وامر واقع وقريب ان لم يجد الكاظمي مساندة قوية من وزير خارجية متمكن كهوشيار زيباري.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here