مسارات الحراك الجماهيري و فرص نجاحه

مسارات الحراك الجماهيري و فرص نجاحه

ان الحراك الشعبي الذي انطلق في الاول من تشرين الاول شكل انعطافةً جديده لسلسلة من الاحتجاجات والتظاهرات الشعبيه في جميع الاصعدة ، المطلبيه لاجل الخدمات وفرص العمل تطورت شيئاً فشيئاً نحو مطالب اكثر جذريةً باتجاه الفساد المستشري الذي تمارسه احزاب السلطه واستغلالها لمؤسسات للدوله في نهب المال العام ثم باتجاه نظام المحاصصة السياسيه الطائفيه والاثنيه والتوافق السياسي الذي بدد كل إمكانية للتنميه في البلد مما فاقم من أزمة البطاله وازدياد معدلات الفقر وعمق من أزمات البلاد الاقتصاديه والاجتماعيه .

لقد خبرت تلك القطاعات الشبابيه مكامن الخلل في العملية السياسيه وبدأ الناشطون المدنيون في بث الوعي المطلبي والوطني في نفوس الجماهير عموماً منذ سنوات املاً في تحقيق إصلاحات ناجعة وتحقيق المطالَب العادله للجماهير الشعبيه .

وقد تعمقت الانتفاضة الشعبيه وحصلت على تعاطف ودعم شعبي واسع وتجذرت اكثر فأكثر في الضمير المجتمعي وتبلورت مطالبها باتجاه إنقاذ البلاد وإرساء أسس حقيقيه لنظام ديمقراطي يمثل كل الفئات الاجتماعية عبر انتخابات نزيهه ،ويحقق العدالة الاجتماعية وينهض بأعباء التنمية الاقتصاديه لبناء الدوله المدنية وسيادة القانون واحترام مبدأ المواطَنة . وقد صيغت تلك الأهداف والية تحقيقها في اطر دستورية متاحة لتعزيز مبدأ السلم الاجتماعي وعدم إلغاء الآخر وتجنب الصدام المسلح مع قوى النظام القمعية ومليشيات الأحزاب المتنفذة التي تعكس بنى الدولة العميقة .

وبما ان فرصة التغيير الثوري الحاسم او قلب النظام وإزاحة الأحزاب المتنفذة ، لا تخلو من مخاطر الحرب الأهليه واضعاف اجهزة الدولة وتعريض البلاد لمخاطر التدخلات الخارجية وتقسيم البلاد. فان المسار السلمي ضمن الأسس الدستورية يبدو الطريق الوحيد لوصول قوى الإصلاح الشعبية الحقيقية الى مراكز النفوذ في العملية السياسية لتحقيق مطالب ثورة تشرين في إطار تداول السلطة ضمن العملية الديمقراطية والانتخابات النزيهه.

وهنا يبدو اصرار ثوار تشرين على عدم تقديم مرشحهم لرئاسة الوزراء قد جاء في سياق التأكيد على عدم الاخلال بالمسار الدستوري ووعياً بميزان القوى داخل البرلمان الحالي المنحاز تماماً لصالح احزاب الفساد المتنفذة التي ستُسقِط اَي مرشح من ثوار تشرين ، وصعوبة تمرير اَي مرشح يهدد مصالحها بشكل مباشر وحاسم .

وبالاستناد الى المسار السلمي الذي تمسك به الحراك الجماهيري فان الحلول الوسطية وتطمين كل الأطراف الى الالتزام بالأسس الدستورية هو الطريق الأمثل وصولاً الى اجراء التغيير المنشود ووضع العملية السياسية على سكة الإصلاح الجذري الذي لا يستثني حتى الدستور .

يأتي ذلك في الوقت الذي تدعي كل أطراف العملية السياسية الالتزام بالدستور والعملية السياسية رغم تجاوزاتها ، ولَيها لكل الأسس الدستورية خدمة لمصالحها الحزبية والفئوية المكوناتية ، ولألقاء الحجة عليها وإجبارها للرضوخ لهذا المسار بدل أساليب القمع الوحشية التي اتبعتها الأجهزه القمعية ومليشيات احزاب السلطة.

ان المراكز المتعددة للدولة العميقة وامتلاكها للسلاح ، يعقد سبل الوصول الى حلول مبنية على أسس دستورية ، وتبقى إمكانية تمردها على قرارات الدولة شاخصة باستمرار هذا ان لم تؤثر بالأساس على صياغة تلك القرارات.ولا يمكن تعزيز دور الدولة الا بايجاد صيغ مناسبة لإنهاء دور مراكز القوى تلك وفك قيودها التي فرضتها على عنق اجهزة الدولة.

ان حل تلك التشكيلات العسكرية خارج إطار القوات المسلحة وضمها الى تشكيلات الجيش كافراد وليس كفصائل ومصادرة كل الأسلحة في مستودعاتها ومنع اَي حزب له اَي تشكيلات مسلحة للمشاركة في الانتخابات ، سيفتح الطريق لوضع مسار العملية السياسية على سكة الإصلاحات التي شخصتها ثورة تشرين كمطالب أساسية لإجراء التغيير المنشود.

ان ضمان إستقلالية القرار الحكومي بعيداً عن سطوة احزاب الفساد ومليشياتها مسألة في غاية الأهميه لنجاح الأداء الحكومي والذي يأتي فقط بالاعتماد على قوة ضغط الحراك الجماهيري وتمهيد الطريق له لأداء دوره الثوري في التغيير كجناح ساند في حال صدق النوايا لحكومة السيد الكاظمي. وبالضد من ذلك ستبدد فرص نجاح الحكومة في وضع الأمور في نصابها الدستوري الصحيح وتنفيذ المطلب الأساسي في اجراء انتخابات نزيهة .

وسوف لن يكون مصيرها أحسن من مصير حكومة عبد المهدي المستقيلة، الامر الذي يلغي إمكانية حلحلة الأزمة السياسية في البلاد وتلجأ عندها قوى الثورة إلى وسائل اخرى للتغيير ، فان كل من يتصور ان جذوة الثورة قد خمدت فهو واهم فقد اثبتت احداث بابل وغيرها ان الجماهير متوثبة لنجدة المعتصمين عند تعرضهم لأي محاولة غادرة من اَي تيار او فصيل مسلح.

ولا مناص من البدئ بأخذ زمام المبادرة باجراءات ثورية مناطقية لحسم الصراع لصالحها في انتخاب ممثلين إداريين مستقلين ، فالثوار يمتلكون شرعية جماهيرية باكبر استفتاء شعبي عبرت عنه الجماهير في مشاركتها الواسعه ودعمها للثورة، كل ذلك بمواجهة سلطة فاقدة لشرعيتها منذ العزوف الجماهيري الكبير عن المشاركة في الانتخابات الاخيرة.

فبقاء الاعتصامات في ساحات التظاهر وتعزيزها بالمد الجماهيري هي الضمانة الأكيدة لاستمرار قوى التغيير على التأثير على مسار العملية السياسية باتجاه الإصلاح الحقيقي، كما كان منذ انطلاقة الثورة في إسقاط حكومة عبد المهدي وارباك سلطة الأحزاب الفاسدة ، رغم القمع الغير مسبوق الذي تعرضت له الجماهير المنتفضة وجسامة التضحيات التي قدمتها.

وتاتي هنا أهمية تطوير الأساليب النضالية للثورة في توحيد قوى الثورة وبلورة قيادتها لضبط إيقاعها ومركزة قرارها وتحييد محاولات تيارات وأحزاب سلطة الفساد من الاندساس وتفريق صفوفها وإجهاضها . ان تنظيم صفوف الثوار وتوحيد لوائها سيضعف بشكل كبير تلك المحاولات لضربها او افراغ شعاراتها من محتواها وتشويهها، وسيعطيها دفقاً جماهيرياً جديداً مع تعزيز الثقة بقدرتها على مجابهة التحديات التي تواجهها ونجاحها في تحقيق أهدافها.

د. صباح الغبان
٢٠٢٠/٦/٥

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here