أثر غياب القوى الديموقراطية على انتفاضة شعبنا

لم تستطع القوى الديموقراطيّة العراقية على إختلاف مدارسها الفكرية من ترجمة المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي هيمنت على البلاد منذ الاحتلال لليوم، تلك التي عانى ويعاني منها قطاع واسع جدا من جماهير شعبنا، الى فعل جماهيري منظّم ليواجه آلة الفساد والخراب السلطويتين. وفشل هذه القوى في بلورة مواقف موحدّة وإن بالحد الأدنى منها بعض الأحيان، دفع القوى المهيمنة على السلطة نحو المضيّ اكثر في استهتارها بمقدرّات شعبنا ووطننا، هذا الاستهتار الذي دفع شعبنا ليعلن اولى جولات نضاله ضدها في شباط 2011 ، ليبدأ من حينها وبهدوء الربيع العراقي الذي لم تكتمل ملامحه لليوم رغم تجاوزه بعض الصعاب التي لم يكن من الممكن تجاوزها سابقا، نتيجة تجذّر العامل الطائفي من جهة وإرتفاع اسعار النفط الذي ساهمت امواله في تحييد الملايين من الموظفين ونحن نعيش الدولة الريعية بكامل اوصافها وابعدتهم عن المشاركة في الحياة السياسية بشكل ايجابي.

لقد إنطلقت إنتفاضة شعبنا بعد تجربة مؤلمة وطويلة مع قوى طائفية فاسدة أوصلت البلاد الى حافة الهاوية، لتتخلى الجماهير المنتفضة عن النضالات المطلبية نحو نضال أوسع وأكثر مساحة، أي النضال من أجل تغيير كامل وشامل لشكل اللوحة السياسية في البلاد. وهنا كان على اليسار والقوى والمنظمات المهنية والديموقراطية وهي تعيش إستعادة الجماهير لوعيها أن تنسّق خطابها السياسي وأن تعمل معا متجاوزة إنقساماتها من أجل إعادة إكتشاف شعبنا وهو يسطّر إحدى أكبر مآثره في تاريخه الحديث، والمساهمة الفاعلة في هذا الحراك الجماهيري لتأخذ هذه المأثرة قوّة أكبر ومساحة أوسع. كما كان عليها (لايزال) أن تستوعب الظروف والأحداث والتغيّرات التي رافقت وترافق هذه الإنتفاضة بإعتبارها مشروعا للتغيير، وأن تعمل دون كلل على تعميق الهوّة بين الجماهير المسحوقة والسلطة الفاسدة، لا أن تضع قدما مع الجماهير وأخرى مع السلطة أو إحدى أركانها خصوصا وإن كانت السلطة أو ميليشياتها إرتكبت وترتكب جرائم القتل والإختطاف وإرهاب الناشطين.

الأولوية الآن هو تحويل الحراك الجماهيري من شكله الحالي الى حراك أغلبية جماهيرية أي العمل على دفع فئات أوسع من المجتمع للمشاركة والمساهمة بالإنتفاضة، وهذه المهمّة هي مَهمّة اليسار والقوى الديموقراطيّة تحديدا وليس غيرها. فهل اليسار ومعه القوى الديموقراطية قادرون على تحقيق هذه المَهمّة، وهل سلوك اليسار والقوى الديموقراطية وسياساتهم وتعاطيهم مع القوى السياسية المناوئة للإنتفاضة مقبول جماهيريا؟

المساهمة في إنتفاضة شعبنا تتطلب إصطفاف كامل مع الجماهير التي قدّمت لليوم المئات من الشهداء والآلاف من الجرحى والمعاقين والعشرات من المخطوفين والمغيّبين، والإجابة عن عشرات الأسئلة التي يطرحونها وهم يبحثون عن سبل جديدة لديمومة الإنتفاضة وإستمرارها حتى تحقيق مطالبها. لا أن يكون خطاب هذه القوى منسجما مع مطالب الجماهير من جهة وناعما مع القوى التي تساهم بقتل نفس هذه الجماهير من جهة ثانية، من خلال إستمرار عملها مع هذه القوى التي تعرفها الجماهير كقوى مجرمة ساهمت في قتل عشرات المنتفضين وتعمل بشكل فاعل على وأد الإنتفاضة.

ستبقى الجماهير وهي تواجه آلة القمع السلطوية الميليشياوية تتعرّض لأبشع أشكال التنكيل دون ظهير سياسي تستند اليه، واليسار والقوى الديموقراطية لم يحسموا أمرهم بإنحيازهم الكامل الى جانبهم لليوم، وستكون الإنتفاضة معرّضة لإنتكاسات كبيرة قبل أن تتكلّل بالنصر القادم حتما. الّا أنّ الجماهير وهي في غمرة نضالها هذا تردّد بشكل غير مباشر كلمات لينين بلغة عراقيّة أصيلة ونابعة من رحم المعاناة التي تعيشها ” قدّموا لنا تنظيما من الثوريين، وسنقلب العراق رأسا على عقب”. وإن كان وعي الجماهير اليوم ليس كما الأمس، فوعي اليسار والقوى الديموقراطية وهي تعيش حالة إستعادة هذا الوعي أن تكون كما وعي الجماهير اليوم وليس كما وعيها بالأمس.

من غير الممكن جمع ” صيف وشته بفرد سطح ” ، فهل يعي اليسار ومعه القوى الديموقراطية هذا المثل.

زكي رضا

الدنمارك

7/6/2020

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here