قصة ملكة الليل الرافدينية

بقلم : عضيد جواد الخميسي

“ملكة الليل ” (وتُعرف أيضاً باسم ـ نحتية بورني) ، عبارة عن لوحة فخارية من الصلصال النقي ، يبلغ طولها (49.5 سم) ، وعرضها (37 سم) ، وبسمك (4.8 سم) ، وهي تجسّد امرأة مجنّحة عارية يحيط بها إثنان من طيور البوم ، واقفة بثبات على ظهري أسدين . يُعتقد أنها نُحتت في جنوب بلاد الرافدين عند مدينة بابل في عَهْد الملك البابلي حمورابي (1792-1750 ق.م) ، حيث تشترك في صفاتها الحِرَفية والتقنية مع مسلّته او شريعته الشهيرة ، وتتوافق أيضاً في صناعتها ، مع القطعة النحتية المعروفة باسم (إله أور ) خلال الفترة نفسها .

من المسلم به أن المرأة التي تم تصويرها في إطار الربّة ، هي إلهة لاشكّ فيها ، بسبب ارتدائها غطاء الرأس المقرنص للآلهة ، وتحمل رموزاً ، كالعصا ، والطوق المقدس في كلتا يديها المرفوعتين . يبدو من الصورة أيضاً ، أن المرأة ليست مجنّحة فحسب ، بل ان ساقيها تنتهي عند القدمين بأصابع عبارة عن مخالب للطيور و أظلاف الماعز، والتي تظهر منقضّة بهما على الأسدين الرابضين .

لم يتم الاتفاق على من هي هذه المرأة المجنّحة ، على الرغم من اعتقاد العلماء بشكل عام ، اما هي إنانا ( عشتار ) ، أو ليليث ، أو ارشكيگال . وهذه القطعة هي واحدة من مقتنيات المتحف البريطاني في لندن ، حيث مكانها الغرفة رقم 56 في المتحف .

قصة حيازة نحتية بورني

في عام 1935م ، كانت اللوحة النحتية في الأصل بحيازة تاجر آثار سوري ( سليم الحمصي ) وشريكه العراقي ( عبد الجبار البصري ) ، وقد عرض الحمصي اللوحة على المتحف البريطاني بسعر 350 جنيه استرليني ، أي بما يعادل 390 دولار أمريكي في ذلك الوقت ، لأن القطعة لم يجر التنقيب عنها من الناحية الأثرية ، ولكن ببساطة تمت سرقتها من منطقتها العراقية في عشرينيات أو ثلاثينيات القرن الماضي ، غير ان المتحف البريطاني رفض العرض كليّاً ، ولكن في عام 1936 م ، نُشرت صورة اللوحة في أولى صفحات صحيفة (أخبار لندن المصورّة Illustrated London News ) التي سلّطت الضوء على تلك التحفة الاثرية وقيمتها التاريخية ، مما أثار انتباه وفضول اللندنيين في معرفة تفاصيل أكثر عنها . ولكن على مايبدو ان ( سيدني بورني Sydney Burney ) قد سمح بنشر صورة اللوحة في الصحيفة ، بعد ان باعها التاجر السوري له ، وممانعة المتحف البريطاني في شرائها .

لا يعرف الكثير عن سيدني بورني بخلاف أنه كان قائداً في الجيش الإنكليزي خلال الحرب العالمية الأولى ، وبنفس الوقت كان رئيساً لجمعية تجار التحف في لندن .

تم تقطيع اللوحة النحتية الى ثلاثة اجزاء مع بعض الأجزاء المتناثرة منها عند شرائها في الأصل ، ولكن بمجرد اعادة تجميعها من جديد وإصلاحها ، وجِد أنها متكاملة تقريباً. تم فحص اللوحة وتحليلها عام 1933 وجرت المصادقة عليها عام 1935م قبل عرضها على المتحف البريطاني .

في العقود اللاحقة ، تنقلّت ملكية اللوحة (نحتية بورني ) بين العديد من هواة جمع التحف والعملات الخاصة. وكان آخر هؤلاء الياباني “ساكاموتو گورو” ، الذي باعها الى المتحف البريطاني بسعر 1.5 (مليون ونصف المليون جنيه إسترليني ) (1.9 مليون دولار) في عام 2003 م ، احتفاءً بالذكرى السنوية الـ 250 لتأسيس المتحف ، وهو السعر الأعلى بكثير مما عرض في عام 1935. عند ذلك تحول اسم القطعة المعروفة بـ ( نحتية بورني ) الى تسميتها الجديدة “ملكة الليل” ، وذلك بسبب الصبغة السوداء الداكنة للخلفية الأصلية من اللوحة والعناصر المصاحبة (الأجنحة ، والأقدام ذات المخالب ، وبقية الرموز) .

غالباً ما تُربط الشخصية الأنثوية في ثقافة بلاد الرافدين القديمة مع العالم السفلي أو عالم الظلام ، وعلى ضوء ذلك اقترح علماء الآثار تسميتها ملكة الليل او الظلام . وبالتالي فهي تسمية حديثة وليست قديمة للوحة ، ولا توجد طريقة لمعرفة اسمها الأصلي ، أو الغرض الذي تمّ صناعتها من أجله .

مكونّات اللوحة

تم عمل اللوحة من الصلصال او الطين النقي مع إضافة بعض قشور وألياف النباتات كي تكسبها المتانة ومنعاً في تصدعها .

تَبيّن فيما بعد ، أن القطعة الفنية الأثرية ، قد وضعت في فرن حراري لتجفيفها وليس عن طريق حرارة الشمس ، مما يدل على أهميتها ، حيث يتم صناعة أهم الأعمال الفنية والهندسية بهذه الطريقة فقط . وبسبب ندرة الأخشاب في جنوب بلاد الرافدين ، أدى الى غياب أعمال النحت الخشبية والفنون الاخرى في الحضارتين السومرية والبابلية .

عالمة الآثار الدكتورة “دومينيك كولون ” ، التي كانت تعمل في المتحف البريطاني حتى عام 2005 م ، كتبت عن صناعة اللوحة النحتية “ملكة الليل” في التعليق التالي :

“… تم ضغط الطين في قالب وتُرك ليجف في الشمس … كان الشكل مصنوعاً من الطين القاسي إلى حد ما ، وقد وضع في قالب خاص ، مع إضافة المزيد من الطين والضغط من الخلف لتشكيل اللوحة ، وبالتالي فإن شخصية الملكة جزء لا يتجزأ من اللوحة ولم تتم إضافتها الى خلفية اللوحة لاحقًا كما يُعتقد . بعد التجفيف ، رُفعت اللوحة من القالب ، ونُحتت التفاصيل الدقيقة بواسطة أداة صلبة ( لربما قطعة من الحجر الصلد) وتم تنعيم سطح اللوحة بقطعة جافة من جلود الحيوانات . إذ لا يزال هذا السطح الأملس مرئياً ومحسوساً في أماكن معينة ، لا سيما بالقرب من سرّة الملكة … وقد قُطعت حواف اللوحة بسكين . بعد ذلك تمّ فخر المنحوتة في الفرن .” (ص 15)

بمجرد الانتهاء من فخر القطعة وتبريدها ، طُليت خلفية اللوحة باللون الأسود ، والمرأة والبومين باللون الأحمر ، والأسدين باللون الأبيض مع أشجار سوداء . كانت الرموز على اللوحة ، مثل العصا والطوق المقدس ، وقلادة المرأة ، وغطاء رأسها ، جميعها مذّهبة . ربما لا يزال هناك بعض آثار الألوان الأصلية على اللوحة الى اليوم ، على الرغم من أنها قد اضمحلّت إلى حد كبير مع مرور الزمن .

تحديد مكان اللوحة

على الرغم من عدم معرفة مكان صنع اللوحة على وجه التحديد ، ولأي غرض ، أو لأية إلهة تمثل . كانت أوجه التشابه في التقنية بينها وبين ما يسمى بـ (إلهة أورـ ننار) ، تبدو مدهشة لدرجة أنه تم التكهن بأن مدينة أور السومرية هي مكانها الأصلي . كتبت الدكتورة كولون المقطع التالي :

” تقترب إلهة أور كثيراً من ملكة الليل ، من ناحية الجودة والإتقان والتفاصيل العامة ، لدرجة أنه يمكن اعتبارها قد صنعت في نفس الورشة ، ومكانها المرجّح هو مدينة أور ، حيث تم حفر مناطق أثرية واسعة تعود الى العصر البابلي القديم بين عامي 1922 و 1934. ” (ص 20)

الشخص الأول الذي سرق اللوحة ، يمكن أن يكون أحد أعضاء الفريق المكلَّف في الحفر خلال تلك الفترة ، ولربما شخص أو مجموعة أشخاص من صيادي الآثار قام ( قاموا ) في رصد اللوحة ومكان خزنها ، ثم اختفت بمجرد اكتشافها .

تم اقتراح نظريات حول مكانها الأصلي حسب اعتقاد الباحثين الذين تعمقوا في دراستها. واحدة من تلك النظريات تتعلق في ممارسة الدعارة المقدسة في جميع أنحاء بلاد الرافدين القديمة ، إذ يعتقد المؤرخ والباحث الدنماركي الكبير “ثوركيلد جاكوبسن “، ” أن اللوحة شكلت جزءاً من مزار في بيت للدعارة ” . ومع ذلك ، فإن الدكتورة كولون علقت على الموضوع قائلة :

” إذا كان الأمر كذلك ، فيجب أن يكون هذا البيت او المكان ، مبنىً راق للغاية ، كما يتضح من الجودة الاستثنائية للقطعة النحتية ” (ص22).

تعتقد الدكتورة كولون ، بأن اللوحة كانت معلقة على حائط متين من الطوب الطيني ، أو محفوظة داخل طوق طيني صلد ، وعندما اِنهار الجدار الطيني ، فإن اللوحة تُركت سليمة نسبياً ولم تتعرض الى أضرار بالغة . من المرّجح أيضاً ، أن القطعة الاثرية بقيت مطمورة لأكثر من 3000 سنة ، ودليل ذلك على أنها قد دُفنت في وقت مبكر عند مكان المبنى الذي كانت معروضة فيه بعد انهياره أو التخلّي عنه ، وبالتالي فإنها ظلت محمية من التحلل أو التخريب والعبث .

هوية ملكة الليل

تُعد هوية الملكة أكثر الجوانب إثارة للاهتمام في هذا الموضوع ، وكما ذكرنا في مقدمته ، تم اقتراح ثلاث مرشحات : ( إنانا ، ليليث ، وإرشكيگال ). المؤرخ البروفيسور البريطاني “جيريمي بلاك “كتب عن المرأة الربّة أو الإلهة في بلاد الرافدين ، التعليق التالي :

” كانت المرأة العارية مشهورة في جميع أنحاء بلاد الرافدين ، والتماثيل المصنوعة يدوياً من الطين للإناث العاريات في عصور ما قبل التاريخ ، معروفة وقائمة ، كما أن ملامح الأنوثة تبدو عليها واضحة . ويُعتقد ان مجموعة التماثيل المفخورة أو المصنوعة بواسطة القوالب الحجرية للنساء العاريات ، قد ظهرت لأول مرة في بداية الألفية الثانية قبل الميلاد … ومن غير المرجح أنها كانت تمثل أم الإلهة الشاملة ، ولكنها كانت تهدف إلى تعزيز مفهوم الخصوبة في تلك الفترة . ” (ص 144)

قد تنطبق بعض مواصفات الإلهة ( إنانا ) والتي تتماشى مع لوحة ملكة الليل في تشجيع الخصوبة ، كونها إلهة الحب والجنس والحرب أيضاً ، ولكن هناك عدداً من المشاكل في هذا التوصيف بالمقارنة مع مثيلاتها . لذا دعونا نتعرّف على شخصية هؤلاء الرّبات أو الإلهات ( إنانا ، ليليث ، ارشكيگال ) ، مع المقارنة والمقاربة بينهن .

إنانا

إذا قبلنا النتائج التي توصل إليها الدكتور بلاك وغيره وممن يتفقون معه ، فإن ذلك يمثل مشكلة مع إنانا كملكة الليل ، لأنها لم تكن تُعتبر إلهة شاملة بالطريقة التي كانت تتبعها ( ننهورساج ) . كانت نينهورساج أم الآلهة وكان ينظر إليها من قبل الإلهة (الأم العظيمة ). هناك أيضاً مشكلة اخرى مع إنانا ، حيث أن ملكة الليل تنبع من عناصرها ورموزها في اللوحة ، فعندما ترتبط إنانا مع الأسود في شخصيتها ، وكذلك مع غطاء الرأس ورموز الطوق والعصا ، وكما هو الحال مع القلادة ، فإن هذا كله ينطبق عليها تماماً ، ولكنها تخالف جميع التوصيفات المعروفة عنها مع وجود الأجنحة و مخالب القدم ، أو طيور البوم التي ظهرت مع ملكة الليل . يقدم الباحث والمؤرخ ثوركيلد جاكوبسون ، الذي يدعو إنانا بالملكة ، أربعة جوانب من اللوحة تشير إلى هوية الملكة :

أولاً ـ الأسود هي سمة من سمات إنانا .

ثانياً ـ الجبال الموجودة أسفل الأسود في اللوحة ، هي انعكاس لحقيقة أن منزل إنانا الأصلي كان على قمم الجبال إلى الشرق من بلاد الرافدين .

ثالثاً ـ أخذت إنانا الطوق المقدس والعصا معها في نزولها إلى العالم السفلي ، أما القلادة ، فهي ترمز لها كزانية.

رابعاً ـ ظهور أجنحتها ، و مخالب الطيور في قدميها ، ومعها البومين ، يفيد بأن إنانا مصوّرة في هيئتها من إلهة البومة وإلهة البغاء.

ومع ذلك ، ترفض الدكتورة كولون تلك الادعاءات مشيرةً إلى أن إنانا ” مرتبطة بأسد واحد وليس اثنين ” ، ويمكن استبعاد النقطة المتعلقة برمز القلادة والطوق حيث ” كان يمكن ارتداؤها أو الاحتفاظ بها من قبل أي إلهة “(ص42).

تشير الدكتورة كولون أيضا إلى أن ” أول صورة منشورة لملكة الليل في القطعة النحتية خلال عام 1936 تنص على ما يلي (عشتار .. إلهة الحب السومرية ) ، وان البوم المحيطة بها ، سببت لها مشكلة “(ص43 ).

كان عشتار اسماً آخر أضيف لاحقاً لإنانا ، وعلى الرغم من ذكر البوم في الحكايات المتعلقة بالإلهة ، إلا أنها لم تكن جزءاً من أيقوناتها أبداً . علاوة على ذلك ، لم يتم تمثيلها مطلقاً بتلك الهيئة في أي فن قديم يذكر، ولكن دائماً ما يمكن قوله ، إن سلسلة الجبال في قاعدة اللوحة ، يمّكن لإنانا من أن تدافع عن هويتها مع ليليث ، و ارشكيگال .

ليليث

ليليث ، تُعد شخصية عدوانية في التاريخ القديم ، وليس إلهة ، على الرغم من وجود بعض أوجه التشابه بين ليليث والبوم ، فهي ليست من نفس نوع البوم التي تظهر على لوحة ملكة الليل . علاوة على ذلك ، فقد جاءت فكرة ليليث من التقاليد العبرية ، وليس من ثقافة بلاد الرافدين ، وتتشابه الى حد ما مع عفريتة بلاد الرافدين المعروفة باسم (ليليتو). كانت ليليتو ، والتي تسمى بـ عفريتة ( آردات ليلي ) ، فهي خطرة جداً بشكل خاص على الرجال الذين تغريهم ثم تحطم قلوبهم . العفاريت الأشرار الذكور من هذا النوع ، يسمى (اللولو) ، الذين يقومون بافتراس النساء ثم يقضون عليهن ، كما انهم يشكلون تهديداً كبيراً على النساء الحوامل أو اللائي أنجبن للتو ، وكذلك على الأطفال الرضّع .

يتناول المؤرخ اليهودي الهنغاري ( رافائيل بطي ) في كتابه (الإلهة العبرية ، الطبعة الثالثة ، 1990) ، القصيدة السومرية گلگامش وشجرة الهلوب ، من ان العفريتة والتي تدعى ( ليليث ) قامت ببناء منزلها في شجرة الهلوب على ضفاف نهر الفرات ، وذلك قبل أن يأمرها گلگامش بذلك . ثم يصف بطي لوحة بورني في التعليق التالي :

” إن اللوحة الطينية الرافدينية ، تتوافق وتتزامن تقريباً مع القصيدة أعلاه ، وكما يبدو شكلها في عيون البشر على أنها ليليث ، فهي نحيلة ، حسنة الشكل ، جميلة وعارية ، بأجنحة وأرجل بمخالب و أظلاف. انها تقف منتصبة على اثنين من الأسود الرابضين ، ويحيط بها زوج من البوم . ترتدي على رأسها قبعة مزينة بعدة أزواج من القرون ، وهي تحمل بين يديها طوق و قضبان . من الواضح أن هذا الوصف لم يكن لعفريتة وضيعة ، ولكنه ينطبق على إلهة تروّض الوحوش البرية ، ويبدو ذلك واضحاً من خلال وجود طائر البوم في النقش ، والذي يرمز الى الليل ، أو الظلام ” .

مع ذلك ، فإن احتمال أن تكون لوحة ملكة الليل ، التي هي بدرجة عالية من المهارة في مجال الحرف اليدوية والاهتمام بالتفاصيل ، قد تمثل شخصية (ليليتو) . حسب المعتقدات العبرية ، كانت ليليث أول امرأة خلقها الله ، والتي رفضت الخضوع لمطالب آدم الجنسية فغادرت مسكنها ، وبالتالي تمرّدت على الله وقوانينه التي يخضع البشر إليها . كان يُعتقد أيضاً ، بأنها استوطنت الأراضي القاحلة مثلها مثل ليليتو ، فقد كانت تلاحق الرجال السعداء و المهذبين منذ ذلك الحين . ووفقًا لأي من المعتقدات سواء العبرية منها أم الرافدينية ، لم تكن ليليتو شخصية مشهورة بما يكفي لتجسيدها في لوحة فنية متقنة العمل مثل “ملكة الليل “. كتب الدكتور بلاك التعليق التالي :

” أن آلهة الشر والعفاريت نادراً ما يُصورون في الفن ، ربما كان يُعتقد ، من أن صورهم قد تعرّض الناس للخطر” (ص62).

إرشكيگال

المنافس الثالث ، أخت إنانا الكبرى (إرشكيگال ) ، وهي ملكة العظماء في العالم السفلي . اسمها يعني “سيدة المكان العظيم” التي تشير إلى أرض الموتى وهناك عدد من جوانب اللوحة التي تشير إلى ان إرشكيگال أقرب مرشحة في ان تكون ملكة الليل .

تم استخدام فكرة الأجنحة بوضع الانقباض في جميع أنحاء بلاد ما بين النهرين ، في الإشارة إلى وجود إله أو روح مرتبطة بالعالم السفلي ، وللملكة مثل هذه الأجنحة. عاشت إرشكيگال في قصر العالم السفلي ، ويسمى “گنزير” ، ويعتقد أنها منطقة تقع في الجبال الشرقية من بلاد الرافدين ، والتي من شأنها أن تمثل سلسلة الجبال الممثلة على طول الجزء السفلي من اللوحة. فيما يتعلق بگنزير والعالم السفلي ، أدناه مقطع لأحد النصوص القديمة ، والذي جاء في دراسة الدكتورة كولون عن ” ملكة الليل ” :

” لقد كان مكاناً مظلماً ومرعباً ، لقد توفي الموتى أو العراة أو الذين يرتدون الأجنحة كالطيور ، هاموا في هذا المكان ، دون شيء للشرب أو الاكل غير التراب فقط ، يتناولونه كطعام . على مختلف ما أنجزوه خلال حياتهم ، كان الحكم الوحيد عليهم هو الموت الذي أعلنته إرشكيگال “(ص 44 ) .

تُصوَّر إرشكيگال في قصيدة ( نزول إنانا إلى العالم السفلي ) على أنها كانت عارية : ” لا توجد أردية على جسدها.كان صدرها عار . تناثر شعرها حول رأسها مثل الكرّاث ” (فولكشتاين و كريمر ، ص65) . وكما يُشاهد في اللوحة ، فإن الملكة تظهر عارية ، على العكس من إنانا التي صُورت في شخصيتها التخيلية. كتبت الدكتورة كولون التعليق التالي :

” كإلهة ، كانت ارشكيگال مُحقّة في ان تضع غطاء الرأس المقرنص على رأسها ، وتمسك في يديها العصا والطوق المقدس . وجبهتها ثابتة وغير قابلة للتغيير ، وبصفتها ملكة العالم السفلي حيث تحدد (المصائر) ، فقد كان حكمها هو الحكم النهائي ، ربما كان يحق لها الحصول على اثنين من رموز العصا والطوق المقدس . ” (ص 44)

وبنفس الطريقة ، يمكن أن تمثل الأسود التي تقف عليها الملكة ، هو تفوّق إرشكيگال على أكثر الكائنات الحية قوة ، ويمكن جعل طائر البوم ممثلاً لعنصر الظلام المرتبط بأرض الأموات . يبدو أن كل رموز الأيقونات الخاصة في ملكة الليل ، تشير إلى أن الإلهة المتجسدة في اللوحة النحتية ، لربما تعود إلى شخصية ( إرشكيگال) ، ولكن ، كما تقول الدكتورة كولون : ” لا يمكن صياغة تعريف محدد لشخصية إرشكيگال ، كونها لا تملك مقومات وعناصر معروفة ومحددة ، وارتباطها مع الموت ، جعلها شخصية لا تحظى بشعبية “(ص 45).

أخيرا ، ولعدم وجود خصائص مميزة و واضحة لـ (إرشكيگال ، و ليليث ، و إنانا ) لمقارنتهن مع لوحة ملكة الليل ، فإن هوية الملكة تبقى لغزاً محيرّاً في رأي الباحثين والمؤرخين في الوقت الحاضر على الأقل …

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

آن بيرنغ ـ أسطورة الآلهة ـ آركانا للنشر ـ لندن ـ 1991.

جيريمي بلاك ـ آلهة وشياطين ورموز بلاد الرافدين القديمة ـ مطبعة جامعة تكساس ـ 1992.

دومينيك كولون ـ ملكة الليل ـ من مطبوعات المتحف البريطاني ـ 2005 .

ديان فولكشتاين ، صمويل نوح كريمر ـ إنانا ملكة السماء والأرض ـ هاربر للنشر ـ 1983.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here