تاريخ الإسلام – قراءة جديدة – شيعة علي – سنام العرب

تاريخ الإسلام – قراءة جديدة – شيعة علي – سنام العرب

علي الابراهيمي

واحدة من أشد أنصار علي بن ابي طالب وأعرقهم كانت قبيلة ( ربيعة ) . ومواطنها التاريخية من مدينة الغراف في الناصرية حتى مدينة الكوت ، تجاورها من الشرق قبيلة طيء ، ومن الجنوب بكر بن وائل ، وبين طيء وبكر الموالي من نبط العراق ، ومن الشمال والغرب همدان ومذحج والنخع وأسد والأنصار .

جاء انه ( حين مرّ علي بأهل الرايات يوم صفين فنادى بصوت عال جهير كغير المكترث لما فيه الناس، وقال: لمن هذه الرايات؟ قلنا: رايات ربيعة. قال: بل هي رايات الله، عصم الله أهلها وصبرهم وثبت أقدامهم[1] ). وقال في اهم ليلة من ليالي صفين وأشدها : فخر طويل لك يا ربيعة . وكان امير المؤمنين علي بن ابي طالب قد سار بين رايات ربيعة في صفين ، فتعاهدوا على الموت الا يصاب وهو فيهم . وأحاطوا بأمير المؤمنين حياطة بياض العين بسوادها. وقد اشترط سبعة آلاف منهم الا يعودوا الا ان أزالوا فسطاط معاوية ، فلما رأى معاوية جلادتهم هرب الى بعض مخيم العسكر وخلى لهم عن فسطاطه بمشورة عمرو بن العاص . فقال لهم علي : أنتم رمحي ودرعي .

قال في الكامل في التاريخ ( … كر عبيد الله بن عمر وقال : يا أهل الشام إن هذا الحي من أهل العراق قتلة عثمان وأنصار علي . فشدوا على الناس شدة عظيمة ، فثبتت ربيعة ، وصبروا صبرا حسنا ، إلا قليلا من الضعفاء والفشلة ، وثبت أهل الرايات وأهل الصبر والحفاظ ، وقاتلوا قتالا حسنا ، وانهزم خالد بن المعمر مع من انهزم ، وكان على ربيعة ، فلما رأى أصحاب الرايات قد صبروا رجع ، وصاح بمن انهزم ، وأمرهم بالرجوع فرجعوا ، وكان خالد قد سعى به إلى علي أنه كاتب معاوية ، فأحضره علي ومعه ربيعة ، فسأله علي عما قيل ، وقال له : إن كنت فعلت ذلك فالحق بأي بلد شئت ، لا يكون لمعاوية عليه حكم . فأنكر ذلك . وقالت ربيعة : يا أمير المؤمنين ، لو نعلم أنه فعل ذلك لقتلناه ، فاستوثق منه علي بالعهود ، فلما فر اتهمه بعض الناس ، واعتذر هو بأني لما رأيت رجالا منا قد انهزموا استقبلتهم لأردهم إليكم ، فأقبلت بمن أطاعني إليكم . ولما رجع إلى مقامه حرض ربيعة ، فاشتد قتالهم مع – ضد – حمير وعبيد الله بن عمر ، حتى كثرت بينهم القتلى ، فقتل سمير بن الريان العجلي ، وكان شديد البأس ، وأتى زياد ( بن عمر ) بن خصفة عبدَ القيس فأعلمهم بما لقيت بكر بن وائل من حمير ، وقال : يا عبد القيس لا بكر بعد اليوم ، فأتت عبد القيس بني بكر ، فقاتلوا معهم ، فقتل ذو الكلاع الحميري وعبيد الله بن عمر )[2] . ومنه نعلم ان عبيد الله بن عمر يشير بصورة مباشرة الى ربيعة في مقتل عثمان بن عفان ، لا لأنهم كذلك فعلاً بل لما يعلمه من معارضتهم لحكومة عثمان واخلاصهم في دعم علي . ودعمهم لعلي واضح في محاكمتهم لأحد زعمائهم امام علي على الدين والعقيدة ، وهو امر يذكرنا بما فعله الأنصار في بعض مواقفهم عند رسول الله . خطب فيهم ( أبو عرفاء ) يوم صفين قائلاً ( … و إنّ الجنة لا يدخلها إلا الصابرون، الذين صبروا أنفسهم على فرائض اللّه و أمره، و ليس شي‌ء مما افترض اللّه على العباد أشد من الجهاد، هو أفضل الأعمال ثوابا. فإذا رأيتموني قد شددت فشدوا. ويحكم، أ ما تشتاقون إلى الجنة، أ ما تحبون أن يغفر اللّه لكم؟ ) فشد وشدوا معه فاقتتلوا قتالا شديدا، و أخذ الحضين يقول:

شدوا إذا ما شد باللواء* * * ذاك الرقاشي أبو عرفاء

فقاتل أبو عرفاء، حتّى قتل. و شدت ربيعة بعده شدة عظيمة على صفوف أهل الشام فنقضتها[3]. وهو لم يحرك فيهم الدنيا ، بل الآخرة بذكر الجنة ، وهو امر يكشف عن عظيم عقيدتهم في علي بن ابي طالب .

ومن ربيعة ( جميل بن كعب الثعلبي ) كان من سادات ربيعة، و شيعة عليّ، و أنصاره. حضر صفّين والجمل[4] . وكذلك ( الحضين ابن المنذر بن الحارث بن وعلة البصري الرقاشي الأنصاري) المتوفى 97 ه. محدّث يكنّى أبا ساسان، و هو صاحب راية عليّ (عليه السلام). ثقة صحيح، عن أبي بصير قال، قلت: لأبي عبد اللّه (عليه السلام) ارتد الناس إلا ثلاثة، أبو ذر، و المقداد، و سلمان، فقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) فأين، أبو ساسان، و أبو عمرة الأنصاري. و كان قليل الحديث. ولاه أمير المؤمنين (عليه السلام) إصطخر، و كان من سادات ربيعة مات في 97 ه. و له شعر حسان. و فيه قال الشاعر حين دفع (عليه السلام) إليه الراية يوم صفين و هو ابن تسع عشرة سنة:

لمن راية سوداء يخفق ظلّها* * * إذا قيل قدّمها حضين تقدما

و يوردها للطعن حتّى يزيرها* * * حياض المنايا تقطر الموت و الدّما[5]

ومن قمم ربيعة ( زيد – أبو عبد اللّه – ابن صوحان بن حجر بن الحارث بن الهجرس بن صبرة بن الحدرجان بن ليث بن ظالم بن ذهل بن عجل بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس الربعي العبدي ) قتل في 36 ه. محدّث أدرك النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و صحبه. و كان فاضلا دينا سيدا في قومه . قطعت يده في القادسية، و قتل يوم الجمل، فقال: ادفنوني في ثيابي، فإنّي مخاصم. قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم): «من سرّه أن ينظر إلى من يسبقه بعض أعضائه إلى الجنة، فلينظر إلى زيد بن صوحان». و أعقب: صعصعة . زيدا. سيحان. عبد اللّه، قتل سيحان، و عبد اللّه، يوم الجمل مع أبيهم، قتلهم عمرو بن يثربي، و أخذ أسيرا فأمر أمير المؤمنين (عليه السلام) بقتله فقتل. و كانت ربيعة من أخلص الناس في ولاء أمير المؤمنين (عليه السلام) و كذلك آل صوحان فقد كانت متهالكة في ولائه جميعهم[6] .

و لما انتهى عليّ (عليه السلام) إلى رايات ربيعة يوم العاشر، من أيام الحرب بصفين، قال ابن لقيط: إن أصيب عليّ فيكم افتضحتم و قد لجأ إليكم و ليس لكم يا معشر ربيعة، عذر في العرب إن أصيب عليّ فيكم، و منكم رجل حيّ، إن منعتموه فحمد الحياة ألبستموه، فقاتلوا قتالا شديدا لم يكن قبله مثله حين جاءهم عليّ، ففي ذلك تعاقدوا و تواصوا ألا ينظر رجل منهم خلفه حتّى يرد سرادق معاوية. فلما نظر إليهم معاوية قد أقبلوا قال:

إذا قلت قد ولت ربيعة أقبلت* * * كتائب منهم كالجبال تجالد

ثم قال معاوية لعمرو : ماذا ترى ؟ قال : أرى الا تحنث أخوالي الْيَوْمَ . فخلى معاوية عنهم ، وعن سرادقه . وخرج فاراً لائذاً الى بعض مضارب العسكر ، فدخل فيه[7] .

وكان من سادات ربيعة وهي الجبهة العظمى ( كردوس بن هانئ البكري ) القائل في فتنة التحكيم في صفين : ( أيها الناس ، إنا والله ما تولينا معاوية منذ تبرأنا منه ، ولا تبرأنا من علي منذ توليناه . وإن قتلانا لشهداء ، وإن أحياءنا لأبرار ، وإن علياً لعلى بينة من ربه ، ما أحدث إلا الإنصاف ، وكل محق منصف ، فمن سلم له نجا ، ومن خالفه هلك )[8] .

ومنهم ( مجزأة بن ثور بن عفير بن زهير بن عمرو بن كعب بن سدوس السدوسي ) صحابي. شاعر. فارس. و كان رئيسا شريفا، اشترك في صفين، و حارب أهل الشام مع ربيعة. فقد جاء أنّ ربيعة بعد مقتل أبي عرفاء، شدت شدة عظيمة على صفوف أهل الشام فنقضتها. و في ذلك قال مجزأة:

أضربهم و لا أرى معاوية* * * الأبرج العين العظيم الحاوية

هوت به في النار أم هاوية* * * جاوره فيها كلاب عاوية

أغوى طغا ما لا هدته هادية[9]

فيما كانت من ربيعة قبيلة العراق الأشهر ( بكر بن وائل ) تستميت في الدفاع عن حق علي بن ابي طالب ومنهجه . وموطنها في جنوب ذي قار حيث مدينة الناصرية الحالية ، ويمتد أعرابها الى الصحراء الممتدة بين العراق ونجد ، تجاورها من الغرب في السماوة قبيلة كلب ، حيث كان علي يجعل عليهما من يجبي صدقاتهما معاً احيانا[10] ، ومن الجنوب قبائل قيس عيلان وعمرو بن تميم ، ومن الشرق أنباط العراق الموالي ، ومن الشمال ربيعة . لذلك كان لهم دور مهم في قتال الخوارج في المثلث الواقع بين الديوانية والناصرية والسماوة[11] . وقد هاجر قسم كبير منها الى الموصل وشمال العراق وجنوب تركيا . بل كان قسم كبير من ربيعة في الجزء الشمالي الشرقي لجزيرة شمال العراق قبل الإسلام[12] . وقد كانت بكر بن وائل وعشائرها ( عجل ) و ( شيبان ) سبب انتصاف العرب من العجم في يوم ذي قار العظيم ، الذي حفظت فيه الأرض والعرض ، لا سيما ( عجل )[13] .

ومنها ( شقيق بن ثور بن عفير بن زهير بن كعب بن سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل ) المتوفى 64 ه. سيد فاضل، ساد قومه بعد قتل سويد بن منجوف بن ثور، و كان أول من دعا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) بالكوفة. و كان رئيس بكر بن وائل، و رايتهم معه يوم الجمل، و صفّين. مات عام 64 ه، بعد يزيد بن معاوية. و حمل الراية مولاه رشراشة. و ذكره الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) و هو من الثقات عند رجال الحديث. و قدم على معاوية في خلافته. و مات عام 64 ه[14] . ويصفه الذهبي ( الأمير أبو الفضل السدوسي ، سيد بكر بن وائل في الإسلام ، وكان رأسهم يوم صفين مع علي ، ويوم الجمل )[15] .

و( الأسود بن بشر بن خوط ) البكري عند التباس الامر يوم الجمل بين الإيمان الواعي والإيمان الساذج كان فارسا، و صاحب لواء عليّ (عليه السلام) يوم الجمل، فقتل فأخذه ابن عمه عبد بن بشر بن حسان بن خوط، فقتل فأخذه الحارث بن حسان بن خوط، فقتل. فأخذه ابنه عديس بن الحارث، فقتل. فأخذه ابن عمهم زهير بن عمرو بن خوط، فقتل. فتحاماه زهير بن عمرو بن مالك، فأخذه حفصة بن قيس بن مرة، فضرب بالسيف فقطع أنفه، و عاش بعد ذلك زمانا )[16] . و بشر بن حسان بن خوط بن مسعر بن عتود بن مالك بن الأعور بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن عليّ بن بكر الشيباني مقاتل، كان مع أبيه حسان في معركة الجمل، و شهدها مع أمير المؤمنين (عليه السلام)، و حين برز إلى القتال يومئذ، قال:

أنا ابن حسان بن خوط و أبي* * * وافد بكر كلّها إلى النبيّ‌[17]

وحارث بن حسان بن خوط بن مسعر بن عتود بن مالك بن الأعور بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر الشيباني المقتول في 36 ه مقاتل كأبيه و إخوته، و كان مع والده حسان في وقعة الجمل، و قاتلوا، و قتلوا جميعا ، و جاء أن كانت راية بكر بن وائل في بني ذهل، مع الحارث بن حسان ، و كان الحارث يقول:

أنا الرئيس الحارث بن حسان* * * لآل ذهل و لآل شيبان‌

و كان لواء عليّ (عليه السلام)، مع حسين بن محدوج بن بشر بن خوط، فقتل فأخذه أخوه حذيفة فقتل، فأخذه عمهما الأسود بن بشر بن خوط فقتل، فأخذه عنبس بن الحارث بن حسان بن خوط فقتل، فأخذه وهيب بن عمرو بن خوط فقتل، و أخذه الحارث و قتل[18]. ومنه نعلم مرتبة قبيلة بكر في التشيع ، ومنه ايضاً نعلم نوع الرجال الذين اختاروا علي بن ابي طالب .

و ( حسان بن خوط بن مسعر ) فارس، و كان شريفا في قومه. شهد الجمل مع أولاده، الحارث، و بشر، و أخوه بشر بن خوط، و أقاربه. و كان حسان هذا وافد بكر بن وائل إلى النبي[19] .

وحين وجه معاوية سفيان بن عوف في ستة آلاف وأمره ان يقطع هيت ويأتي الأنبار والمدائن فيوقع بأهلها فأتى هيت فلم يجد بها أحدا ، ثم اتي الأنبار وفيها مسلحة لعلي تكون خمسمائة رجل وقد تفرقوا ، ولم يبق منهم إلا مائتان ، لأنه كان عليهم كميل بن زياد فبلغه ان قوما بقرقيسيا يريدون الغارة على هيت فسار إليهم بغير أمر علي ، فأتى أصحاب سفيان وكميل غائب عنها وخليفته ( أشرس بن حسان البكري ) ، فطمع سفيان في أصحاب علي لقتلهم ، فقاتلهم فصبروا له وقتل صاحبهم أشرس وثلاثون رجلا [20]. ويبدو واضحاً انتشار بكر في جيوش علي وبقاؤهم جنبه عند غياب الناصر .

ومن بكر بن وائل ايضاً ( حريث بن جابر الحنفي البكري ) فارس، شاعر، رئيس بني حنيفة، و من أصحاب أمير المؤمنين‌ (عليه السلام) المخلصين في ولائه. شهد صفين و أبلى فيها بلاء حسنا. و أمره عليّ (عليه السلام) على لهازم البصرة يوم صفين. و جاء أنّه قتل عبيد اللّه بن عمر بن الخطاب. و كان حريث نازلا بين العسكرين في قبة له حمراء، و كان إذا التقى الناس للقتال أمدهم بالشراب من اللبن و السويق و الماء، فمن شاء أكل أو شرب. و له أخبار تدل على ثباته في طاعة علي (عليه السلام).[21]

ومن بكر بن وائل كانت قبيلة ( شيبان ) الموالية ، ومركزها حيث تقطن قبيلة البدور الْيَوْمَ في محيط مدينة البطحاء . وهذه النسبة إلى شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أقصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. قبيل كبير من بكر بن وائل ينسب إليه خلق كثير من الصحابة و التابعين و الأمراء و الفرسان و العلماء في كل فن[22]. وكانوا ممن قام مبكراً لقتال الخوارج مع علي بن ابي طالب ، اذ قام ( صيفي بن فسيل الشيباني ) فقال : يا أمير المؤمنين نحن حزبك وأنصارك نعادي من عاديت ونشايع من أناب إلى طاعتك فسر بنا إلى عدوك من كانوا وأينما كانوا فإنك إن شاء الله لن تؤتى من قلة عدد ولا ضعف نية اتباع[23] .

ومن بكر ( نعيم بن هبيرة بن شبل بن يثربي بن امرئ القيس بن ربيعة بن مالك بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل الشيباني ) فارس كأخيه مصقلة، الذي هرب إلى معاوية، و استعان به على إغراء ربيعة. و نعيم كان شديد التشيع، كتب إليه مصقلة من الشام مع رجل من نصارى تغلب اسمه حلوان، يقول له: إنّ معاوية قد وعدك الإمارة و الكرامة، فأقبل ساعة يلقاك رسولي، و السلام. فأخذه مالك بن كعب الأرحبي فسرّحه إلى عليّ. فقطع يده فمات. و كتب نعيم إلى مصقلة يقول:

لا ترمينّ هداك اللّه معترضا* * * بالظن منك فما بالي و حلوانا

ذاك الحريص على ما نال من طمع* * * و هو البعيد فلا يحزنك إن خانا

ما ذا أردت إلى إرساله سفها* * * ترجو سقاط امرئ لم يلف و سنانا

قد كنت في منظر عن ذا و مستمع* * * تحمي العراق و تدعى خير شيبانا

عرّضته لعليّ أنّه أسد* * * يمشي العرضنة من آساد خفانا

لو كنت أديت مال القوم مصطبرا* * * للحق أحييت أحيانا و موتانا

لكن لحقت بأهل الشام ملتمسا* * * فضل ابن هند و ذاك الرّأي أشجانا

فاليوم تقرع سن العجز من ندم* * * ما ذا تقول و قد كان الذي كانا

أصبحت تبغضك الأحياء قاطبة* * * لم يرفع اللّه بالبغضاء إنسانا

قتل نعيم سنة 66 ه ست و ستين[24] . وسعره يُبين شدة ولاء شيبان ووعيهم واخلاصهم .

منهم ( يزيد بن الحارث بن رويم بن عبد اللّه بن سعد بن مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل الشيباني ) المتوفى 68 ه . قائد فارس من الأمراء، و شاعر فاضل، أدرك عصر النبوّة، و أسلم على يد أمير المؤمنين (عليه السلام): و شهد اليمامة، و نزل البصرة، ثم كان أميرا على (الريّ) قصبة بلاد الجبال. و لما استباح الخوارج ما بين اصفهان و الأهواز، يقتلون و ينهبون قصدوا الريّ، و رأى يزيد كثرتهم فدخل المدينة فحاصروه، و طال عليه الحصار فخرج إليهم فقاتلوه. و انقلب أهل الريّ على يزيد، فأعانوا الخوارج، و انتهت المعركة بمقتل يزيد و أعقب حوشب، و ابن حوشب العوام المحدّث[25] . ويبدو انه بسبب تعاونه مع ( ال الزبير )[26] لاحقاً لم يتفاعل معه أهل العراق فتركوه لأهل الري والخوارج .

وفِي الجنوب العراقي التاريخي من ربيعة ايضاً كانت قبيلة ( عبد القيس ) – التي هي اصل البحرين والأحساء والقطيف وجزء كبير من البصرة الْيَوْمَ[27] – في اخلاص منقطع النظير لعلي . وكانت تحيط بهم قبائل تميم وضبة وأزد عُمان وقيس عيلان .

وقد كانوا يردون مدينة رسول الله في اول الدعوة الإسلامية ، فقد وردوها بعد معركة احد بيوم وفِي غزوة حمراء الأسد[28] ، ولا يعقل – وهم بهذه الرجاحة والارتكاز العقلي التوحيدي التاريخي والإخلاص اللاحق – الا انهم اسلموا من اول الامر على مراحل .وحين قيل: يا رسول الله هؤلاء وفد عبد القيس قال مرحبا بهم نعم القوم عبد القيس اللهم اغفر لعبد القيس اتوني لا يسألوني مالا هم خير أهل المشرق ورئيسهم عبد الله بن عوف الأشبح وكان دميما فقال رسول الله ص انما يحتاج من الرجل إلى أصغريه قلبه ولسانه وقال له فيك خصلتان يحبهما الله الحلم والأناة[29] . وقد قرأ ملك البحرين ( المنذر بن ساوى العبدي ) كتاب رسول الله بنفسه على قومه ودعاهم الى الإسلام[30] .

وفي معجم البلدان القطيف هي مدينة بالبحرين هي اليوم قصبتها وأعظم مدنها وكان قديما اسما لكورة هناك غلب عليها الآن اسم هذه المدينة ولما قدم وفد عبد القيس على النبي ص قال لسيديها الجون والجارود وجعل يسألهما عن البلاد فقال يا رسول الله دخلتها قال نعم دخلت هجر وأخذت إقليدها [31]. ونساء عبد القيس هن اللواتي ارسلهن علي بن ابي طالب عشرين امرأة مع ام المؤمنين عائشة الى المدينة بعد انتصاره في معركة الجمل عليهن العمائم والسيوف[32] . وقبل ذلك التحمت قبيلة عبد القيس بجيش طلحة والزبير قبل قدوم جيش امير المؤمنين علي . اذ اقبل حكيم بن جبلة العبدي وهو على الخيل، فأنشب القتال، وأشرع أصحاب عائشة رماحهم، وأمسكوا ليمسك حكيم وأصحابه، فلم ينته وقاتلهم وأصحاب عائشة كافون يدفعون عن أنفسهم وحكيم يذمر خيله ويركبهم بها[33] .

وقد نُقل ان الأشرف بن حكيم بن جبلة العبدي من عبد القيس من أهل البصرة ، فارس، قتل مع أبيه حكيم بن جبلة قبل مجيء عليّ (عليه السلام) إلى البصرة، قتله أصحاب ام المؤمنين عائشة مع سبعين رجلا من عبد القيس، و كانت عبد القيس، مخلصة في ولاء أمير المؤمنين (عليه السلام). فكان كأبيه من خلّص شيعة عليّ (عليه السلام)[34] . وكذلك ( الرعل بن جبلة العبدي البصري ) استشهد يوم الجمل سنة 36 ه. قتله أصحاب الجمل، قبل مجي‌ء أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى البصرة، مع أخيه حكيم بن جبلة، و سبعين رجلا من عبد قيس. و كان حكيم، و أخوه الرعل من خيار الشيعة[35].

ومنها ( عمرو بن مرجوم بن عبد مر بن قيس بن شهاب بن رباح بن عبد اللّه بن زياد بن عصر العبدي ) صحابي، فارس، و كان والده من أشراف عبد القيس، و رؤسائها في الجاهلية، و كان ابنه عمرو، سيّدا شريفا في الإسلام، و هو الذي جاء يوم الجمل في أربعة آلاف، و صار مع عليّ (عليه السلام) و كان على عبد القيس . و لما كتب أمير المؤمنين كتابا إلى ابن عباس، و إلى أهل البصرة فقرأ عليهم كتاب عليّ (عليه السلام)، قام إليه عمرو بن مرجوم فقال: وفق اللّه أمير المؤمنين، و جمع له أمر المسلمين، و لعن المحلّين القاسطين، الذين لا يقرءون القرآن، نحن و اللّه عليهم حنقون، و لهم في اللّه مفارقون، فمتى أردتنا صحبك خيّلنا و رجلنا[36] .

و عندما خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) في البصرة قبيل المعركة، و أنذر أصحاب الجمل ثلاثة أيام ليكفوا و يرعووا قام إليه ( شداد بن شمر العبدي ) فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال: أما بعد فإنّه لما كثر الخطاؤون تمرد الجاحدون، فزعنا إلى آل نبينا الذين بهم ابتدأنا بالكرامة، و هدانا من الضلالة، الزموهم رحمكم اللّه و دعوا من أخذ يمينا و شمالا، فإنّ أولئك في غمرتهم يعمهون، و في ضلالهم يترددون[37] .

ومنهم ( صعصعة بن صوحان بن حجر بن الحارث بن الهجرس بن صبرة بن الحدرجان بن عساس العبدي الكوفي ) التابعي الكبير، العالم الجليل، الخطيب الأديب، الفصيح البليغ المتكلم. مات في خلافة معاوية. بعد أن حضر جنازة أمير المؤمنين (عليه السلام) و بكى عليه و رثاه بكلمات، و أثار على رأسه التراب. و جاء أنّ المغيرة نفاه بأمر معاوية من الكوفة إلى الجزيرة أو إلى البحرين فمات بها. و له مع معاوية مواقف حاسمة. قال الشعبي: كنت أتعلم منه الخطب، و جاء أنّه قام صعصعة يوما إلى عثمان بن عفان، و هو على المنبر، فقال: يا أمير المؤمنين ملت فمالت أمتك، اعتدل يا أمير المؤمنين تعتدل أمتك. و له شعر في المعاجم. و منه قوله في رثاء عليّ (عليه السلام):

ألا من لي بانسك يا اخيّا* * * و من لي أن أبثّك ما لديّا

طوتك خطوب دهر قد توالى* * * لديك خطوبه نشرا و طيّا

فلو نشرت قواك لي المنايا* * * شكوت إليك ما صنعت إليّا

بكيتك يا عليّ بدرّ عيني* * * فلم يغن البكاء عليك شيّا

كفى حزنا بدفنك ثم إنّي* * * نفضت تراب قبرك من يديّا

و كانت في حياتك لي عظات* * * و أنت اليوم أوعظ منك حيّا

فيا أسفي عليك و طول شوقي* * * ألا لو أنّ ذلك ردّ شيّا[38]

وقد استأذن صعصعة على علي ع وقد اتاه عائدا لما ضربه ابن ملجم فلم يكن عليه إذن فقال صعصعة للآذن: قل له يرحمك الله يا أمير المؤمنين حيا وميتا لقد كان الله في صدرك عظيما ولقد كنت بذات الله عليما. فابلغه الآذن فقال قل له وأنت يرحمك الله فلقد كنت خفيف المئونة كثير المعونة[39] .

ومنهم ( المثنى بن مخرمة العبدي ) القائل لابن الحضرمي رسول معاوية لأهل البصرة والذي اثار الشغب فيها ضد امير المؤمنين علي بن ابي طالب بغياب ابن عباس واليه عليها : ( لا و الّذي لا إله إلّا هو لئن ترجع إلى مكانك الذي أقبلت منه لنجاهدنّك بأسيافنا، و أيدينا و نبالنا، و أسنة رماحنا، نحن ندع ابن عمّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، و سيد المسلمين، و ندخل في طاعة حزب من الأحزاب طاغ ! و اللّه لا يكون ذلك أبدا، حتّى نسيّر كتيبة، و نفلق السيوف بالهام )[40] .

وقد خرجت عبد القيس وبكر بن وائل ترد جيش طلحة والزبير وام المؤمنين عائشة عن البصرة بعد ان عاث فيها فساداً وقتلاً ونهباً لبيت المال وشراء الذمم ، قبل وصول جيش امير المؤمنين علي اليها ، فخرجوا حتى كانوا على طريق علي يؤمنونه[41] . وحين أقام علي بذي قار ينتظر محمدا ومحمدا قبل الجمل أتاه الخبر بما لقيت ربيعة وخروج عبد القيس ونزولهم بالطريق ، فقال : (عبد القيس خير ربيعة وفي كل ربيعة خير وقال:
يا لهف ما نفسي على ربيعة * ربيعة السامعة المطيعة

قد سبقتني فيهم الوقيعة * دعا علي دعوة سميعه

حلوا بها المنزلة الرفيعة )[42]

ويبدو ان واحداً من اعظم أصحاب علي بن ابي طالب وهو ( رُشيد الهجري ) ينسب الى هجر من بلاد البحرين تلك التي كانت تقطنها عبد القيس . عن قنوا بنت رشيد الهجري قالت: ( سمعت أبي يقول: أخبرني أمير المؤمنين صلوات الله عليه فقال: يا رشيد كيف صبرك إذا أرسل إليك دعي بني أمية فقطع يديك ورجليك ولسانك؟ قلت: يا أمير المؤمنين آخر ذلك إلى الجنة؟ فقال: يا رشيد أنت معي في الدنيا والآخرة، قالت: والله ما ذهبت الأيام حتى أرسل إليه عبيد الله بن زياد الدعي فدعاه إلى البراءة من أمير المؤمنين عليه السلام فأبى أن يتبر أمنه، وقال له الدعي: فبأي ميتة قال لك تموت؟ فقال له: أخبرني خليلي أنك تدعوني إلى البراءة فلا أبرأ منه، فتقدمني فتقطع يدي ورجلي ولساني فقال: والله لأكذبن قوله قال: فقدموه فقطعوا يديه ورجليه وتركوا لسانه، فحملت أطرافه يديه ورجليه، فقلت: يا أبت هل تجد ألما لما أصابك؟ فقال لا يا بنية إلا كالزحام بين الناس، فلما احتملناه وأخرجناه من القصر اجتمع الناس حوله فقال: ائتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم ما يكون إلى يوم القيامة فأرسل إليه الحجام حتى قطع لسانه فمات رحمة الله عليه في ليلته[43] ) . وقد كان الامام علي يسميه رُشيد البلايا ، وقد ألقى اليه علم البلايا والمنايا . وقد كان بنو امية يفرضون على عرفاء الاقوام والجماعات تسليم المعارضين لظلمهم[44] , وكان هؤلاء الدعاة يذهبون غدرا , حتى انه وميثم التمار وحبيب بن مظاهر الأسدي كانوا يحدثون الناس كيف هو مقتلهم[45] . وهو لا شك دور مهم لعبه أمثال رُشيد واصحابه هؤلاء في إيصال علوم علي بن ابي طالب وبالتالي رسول الله الخفية الى الناس او الى مستحقيها منهم .

ومن ربيعة كان القبيلة المتذبذبة بسبب حركتها في الأعراب ( عنزة ) ، والتي تزوج علي منها[46] ليأتلفها ، والتي سنعلم من حالها بأذن الله مستقبلاً الكثير . وكان بصفين من عنزة وهي من قبائل ربيعة أربعة آلاف محجف ، والذين وجهتهم ربيعة مع بعض القبائل لكسر طوق أهل الشام على جيش علي بعد ان أرسل اليهم الأشتر يحثهم ، ففر أهل الشام كاليعافير . لكنهم – عنزة – كانوا اول من خرج على علي ، اذ خرج الأشعث بذلك الكتاب – كتاب التحكيم بصفين – يقرؤه على الناس ويعرضه عليهم ، ويمر به على صفوف أهل الشام وراياتهم فرضوا بذلك ، ثم مر به على صفوف أهل العراق وراياتهم ، حتى مر برايات ( عنزة ) وكان منهم بصفين مع علي ع أربعة آلاف محجف فقرأه عليهم ، فقال معدان وجعد العنزيان فتيان اخوان منهم : لا حكم الا لله . ثم حملا على أهل الشام بسيوفهما حتى قتلا على باب رواق معاوية. ثم مر بها على ( مراد ) فقال صالح بن شقيق من رؤسائهم : – ما لعلي في الدماء قد حكم * لو قاتل الأحزاب يوما ما ظلم – لا حكم الا لله ولو كره المشركون. ثم مر على رايات بني ( راسب ) فقرأها عليهم ، فقال رجل منهم : لا حكم الا لله يقضي بالحق وهو خير الفاصلين . فقال رجل منهم لآخر : اما هذا فقد طعن طعنة نافذة . وخرج عروة بن أدية أخو ( مرداس بن أدية التميمي ) فقال : أ تحكمون الرجال في أمر الله لا حكم الا لله فأين قتلانا يا أشعث . وشد بسيفه ليضرب به الأشعث فأخطأه وضرب به عجز دابته ضربة خفيفة وصاح به الناس ان أمسك يدك فكف ورجع الأشعث إلى قومه فمشى إليه رجال من بني تميم فيهم الأحنف بن قيس واعتذروا إليه فقبل منهم .

ومن الواضح ان هذه القبائل تشترك في البداوة وكونها من الفئة التي عرفت الإسلام ولم تعرف علي بعد ، وقد احتاج بعضها الى سنين طويلة ودم الحسين للانتقال من المستوى الابتدائي للإسلام الى مستوى معرفة الإمامة[47] . حتى ان احد زعماء بعض تميم كان من الذين يثبطون الناس عن علي في الكوفة في حربه ضد معاوية الى جانب ابي موسى الاشعري[48] .

فيما كانت قبيلة ( بني اسد ) التي وفد وفدها الى رسول الله طائعاً دون ان يرسل اليهم النبي من يدعوهم[49] . وهي من اعظم القبائل تأثيرا في التاريخ القديم والحديث للمسلمين ، لا سيما الشيعة ، ويكفي انها احد اهم عوامل الحسم في معركة القادسية ضد الإمبراطورية الفارسية ، وهي المعركة المفصلية في تاريخ الشرق الإسلامي ، سبقتها ممهدة بكسر جيش الفرس جارتها ربيعة لا سيما منها بكر بن وائل[50] ، على تفصيل سيأتي بأذن الله .

وكانت بنو اسد تقطن كربلاء والحلة ، الى جوار النخع ، وجنوبها همدان ومذحج ، وشرقها طيء . وقد أسست بالتعاون مع النخع الدولة المزيدية في الحلة ، ثم هاجر قسم كبير منها مع قسم كبير من النخع ايضاً الى عمق الأهوار العراقية حيث مدينة الچبايش – الجزائر – الحالية .

يقول أبو جهمة الأسدي يرد عليه من أبيات كعب بن جغيل شاعر أهل الشام الذي اساء لبكر بن وائل وبني اسد :

وقد صبرت حول ابن عم محمد * لدى الموت شهباء المناكب شارف

فما برحوا حتى رأى الله صبرهم * وحتى أتيحت بالأكف المصاحف

بمرج ترى الرايات فيه كأنها * إذا جنحت للطعن طير عواكف

وقد غدا يوم صفين ( قبيصة بن جابر الأسدي ) في بني أسد ، وهم حي الكوفة بعد همدان ، فقال : يا معشر بني أسد أما انا فلا اقصر دون صاحبي وأما أنتم فذلك إليكم . ثم تقدم برايته وهو يقول:
قد حافظت في حربها بنو أسد * ما مثلها تحت العجاج من أحد

أقرب من يمن وأنأى من نكد * كأننا ركن ثبير أو أحد

لسنا بأوباش ولا بيض البلد * لكننا المحة من ولد سعد

كنت ترانا في العجاج كالأسد * يا ليت روحي قد نأى عن الجسد

فقاتل القوم ولم يكونوا على ما يريد في الجهد ، فعدلهم على ما يحب ، فظفر . ثم أتى عليا ع ، فقال : يا أمير المؤمنين ان استهانة النفوس في الحرب أبقى لها والقتل خير لها في الآخرة[51] .

وهذا التأخير من بني اسد دون ما يريده قبيصة بن جابر ناشئ عن كونهم من القبائل المضرية ، وهي قبائل فهمها لم يكن ناضجاً فيما يخص الإمامة ، ولم تكن بمستوى ربيعة وبعض الازد وطيء العراق . وقد احتاجت الى وقت تفهم فيه هذه القضية الدينية .

وبنو اسد لأنهم سكنة مركز الكوفة في المنطقة الممتدة بين النجف والحلة وكربلاء كانوا اقل قبائل مضر احتياجاً للوقت ، اذ فهموا معنى ورتبة الإمامة سريعاً ، لا سيما بعد شهادة الحسين ، فصاروا أيقونة التشيع التاريخية . وقد ساهم في سرعة معارفهم العلوية اختلاطهم بربيعة والنخع وطيء . ولهذه العلة التاريخية ، من تدرج المعرفة والوعي ، كانت ( الرقة ) في الشام جل أهلها العثمانية الذين فروا من الكوفة برأيهم وأهوائهم إلى معاوية ، فغلقوا أبوابها وتحصنوا فيها ، وأميرهم ( سماك بن مخرمة الأسدي ) في طاعة معاوية ، وكان قد فارق عليا في نحو مائة رجل من بني أسد ، ثم اخذ يكاتب قومه حتى لحق به منهم سبعمائة رجل[52] . وقد أسهمت مثل هذه الهجرة في نقاء ارض العراق من النواصب على مراحل ، بلغت ذروتها بعد معركة ألطف حين لفظهم العراق .

ومنها ( أنس بن الحارث بن نبيه بن كاهل بن عمرو بن صعب بن اسد بن خزيمة الأسدي الكاهلي الكوفي ) الشهيد في 61 ه، صحابي جليل القدر رأى النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و سمع حديثه و حدث به ما رواه جم غفير من العامة و الخاصة عنه. و دونوه في كتب الأحاديث و السنن و الصحاح، و اشترك في حروب رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و حضر بدر و حنين و قاتل، و عرف بالصدق‌ و الوثاقة و حسن النية و السيرة، و عداده في الكوفيين. و بعد وفاة النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) انتقل إلى الكوفة، و حين قدم الحسين (عليه السلام) العراق و نزل كربلاء توجه إليه و التقى معه ليلا و أدركته الشهادة، بعد أن سمع من النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) قوله « إنّ ابني هذا يقتل بأرض من أرض العراق فمن أدركه فلينصره >> و كان الحسين بن عليّ في حجر الرسول (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)» ، فقتل مع الحسين (عليه السلام) ، ذكره ابن داود، في أصحاب الرسول (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و في أصحاب علي، و الحسن، و الحسين (عليهم السلام)، و لعله كان أكبر المقاتلين سنّا يومذاك في كربلاء، و جاء في بعض المراجع: خرج أنس بن الحارث الكاهلي و هو يقول:

قد علمت كاهلنا و ذودان* * * و الخندفيون و قيس غيلان‌

بأنّ قومي آفة للأقران* * * يا قوم كونوا كأسود خفان‌

و استقبلوا القوم بضرب الآن* * * آل عليّ شيعة الرحمن‌

و آل حرب شيعة الشيطان

ثم قاتل حتّى قتل. و في حبيب بن مظاهر، و أنس يقول الكميت بن زياد الأسدي:

سوى عصبة فيهم حبيب معفر* * * قضى نحبه و الكاهلي مرمل‌

و كان والده الحارث بن نبيه أيضا من الصحابة. و من أهل الصفة[53].

والامر كما يبدو واضحاً ان بني اسد كانوا وظلوا من أوعى واخلص الناس لحق علي بن ابي طالب . حتى انهم الذين كانوا يعلمون موضع قبر علي بن ابي طالب في الغريين واقاموا حوله دون القبائل[54] . وهو كما سياتي باْذن الله امر لم ينقطع حتى كتابة هذه السطور .

بل من الأسديين من كان من خالصة علي بن ابي طالب فهذا ( خندف بن زهير الأسدي ) تابعي ثقة. جاء أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) دعا كاتبه عبيد اللّه بن أبي رافع، فقال: أدخل عليّ عشرة من ثقاتي. فقال: سمّهم يا أمير المؤمنين، فسمّاهم، و ذكر منهم خندف بن زهير الأسدي[55] .

ومن اسد ( زفر بن زيد بن حذيفة الأسدي ) فارس، أمير و كان من سادة بني أسد، اشترك في صفين، و جاء بقومه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام). قال ابن قتيبة: «قام إلى عليّ فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ طيئا إخواننا و جيراننا، قد أجابوا عديّا، ولي في قومي طاعة فائذن لي فاتهم. قال: نعم. فأتاهم فجمعهم، و قال: يا بني أسد إنّ عديّ ابن حاتم ضمن لعليّ قومه، فأجابوه و قضوا عنه ذمامه فلم يعتل الغني بالغنى، و لا الفقير بالفقر، و واسى بعضهم بعضا، حتّى كأنّهم المهاجرون في الهجرة و الأنصار في الإثرة و هم جيرانكم في الديار و خلطاؤكم في الأموال فأنشدكم اللّه لا يقول الناس غدا، نصرت طي‌ء و خذلت بنو أسد، و إنّ الجار يقاس بالجار، كالنعل بالنعل، فإن خفتم فتوسعوا في بلادهم، و انضموا إلى جبلهم، و هذه دعوة لها ثواب من اللّه في الدنيا الآخرة». فقام إليه رجل منهم، فقال له: يا زفر إنّك لست كعدي، و لا أسد كطيئ، ارتدّت العرب فثبتت طي‌ء على الإسلام، و جاد عديّ بالصدقة، و قاتل بقومه قومك، فو اللّه لو نفرت طي‌ء بأجمعها لمنعت رعاؤها دارها، و لو أنّ معنا أضعافنا لخفنا على دارنا، فإن كان لا يرضيك منّا إلا ما أرضى عديّا من طي‌ء، فليس ذلك عندنا و إن كان يرضيك قدر ما يرد عنا عذر الخذلان و إثم المعصية، فلك ذلك منا . فسار معه من أسد جماعة ليست كجماعة طي‌ء حتّى قدم بها على عليّ (عليه السلام)[56] .

وكان فارس أهل الكوفة الذي لا ينازع رجل كان يقال له ( العكبر ابن جدير الأسدي ) ، وكان فارس أهل الشام الذي لا ينازع عوف بن مجزأة الكوفي [ المرادي ] المكنى أبا أحمر ، وهو أبو الذي استنقذ الحجاج بن يوسف يوم صرع في المسجد بمكة . وكان العكبر له عبادة ولسان لا يطاق ، فقام إلى علي فقال : « يا أمير المؤمنين ، إن في أيدينا عهدا من الله لا نحتاج فيه إلى الناس ، وقد ظننا بأهل الشام الصبر وظنوه بنا فصبرنا وصبروا . وقد عجبت من صبر أهل الدنيا لأهل الآخرة ، وصبر أهل الحق على أهل الباطل ، ورغبة أهل الدنيا ، ثم نظرت فإذا أعجب ما يعجبني جهلي بآية من كتاب الله : ( الم . أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون . ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) . وأثنى عليه على خيرا ، وقال خيرا . وخرج الناس إلى مصافهم وخرج [ عوف بن مجزأة ] المرادي نادرا من الناس ، وكذلك كان يصنع . وقد كان قتل قبل ذلك نفرا [ من أهل العراق ] مبارزة ، فنادى : يا أهل العراق ، هل من رجل عصاه سيفه يبارزني ، ولا أغركم من نفسي ، فأنا فارس زوف فصاح الناس بالعكبر ، فخرج إليه منقطعا من أصحابه والناس وقوف ، ووقف المرادي وهو يقول :

بالشام أمــن ليس فيــه خوف * بالشــام عدل ليس فيــه حيف

بالشام جود ليس فيـــه ســوف * أنــا المرادي ورهطــي زوف
أنا ابن مجــزاة واسمـي عــوف * هل مـــن عراقي عصــاه سيف
* يبـــرز لي وكيف لـــي وكيف *

فبرز إليه العكبر وهو يقول :

الشام محل والعـــراق تمطــر * بهــا الإمـام والإمــام معـذر

والشام فيها للإمـــام معــور * أنــا العراقـي واسمـي العكبـر

ابن جدير وأبـــوه المنـــذر * ادن فإنـــي للكمى مصحــر

فاطعنا فصرعه العكبر فقتله ، ومعاوية على التل في أناس من قريش ونفر من الناس قليل ، فوجه العكبر فرسه فملأ فروجه ركضا يضربه بالسوط ، مسرعا نحو التل ، فنظر إليه معاوية فقال : إن هذا الرجل مغلوب على عقله أو مستأمن ، فاسألوه . فأتاه رجل وهو في حمى فرس فناداه فلم يجبه ، فمضى [ مبادرا ] حتى انتهى إلى معاوية وجعل يطعن في أعراض الخيل ، ورجا العكبر أن يفردوا له معاوية ، فقتل رجالا ، وقام القوم دون معاوية بالسيوف والرماح ، فلما لم يصل إلى معاوية نادى : أولى لك يا ابن هند ، أنا الغلام الأسدي . فرجع إلى علي فقال له : ماذا دعاك إلى ما صنعت يا عكبر ؟ [ لا تلق نفسك إلى التهلكة ] قال : أردت غرة ابن هند . وانكسر أهل الشام لقتل [ عوف ] المرادي ، وهدر معاوية دم العكبر ، فقال العكبر : يد الله فوق يد معاوية ، فأين دفاع الله عن المؤمنين[57] .

وقد كانت بنو اسد سر الانتصار على الجيش الفارسي في معركة ( القادسية ) ، اذ بقيت ليال تقاتل وحدها ، وجيش سعد بن ابي وقّاص لا يتدخل ، وهي صامدة ، حتى أتاها مدد أهل العراق ( النخع ) قادماً من الشام ، بعد انتهاء معركة اليرموك ، فاجتمعوا ( اسد ) و ( النخع ) وكسروا جيش الفرس ، ثم اشترك باقي العرب . وقد كان من عظيم معرفتهم بحق علي ان مغضبهم الذي يراد ان يقام عليه الحد من قبل شرطة علي يرى ان فراقه كفر ، فكيف بمن صاحبه[58] .

وان كانت هذه القبائل من ربيعة ، فقد كان أشهر من عرف من ( مضر ) – التي تنتشر شمالي نجد[59] – الصحابي ( المسيّب بن نجبة بن ربيعة بن رباح بن عوف بن هلال بن شمخ بن فزارة الفزاريّ ) له إدراك، و قد شهد القادسيّة و فتوح[60] العراق فيما ذكر ابن سعد، و له رواية عن حذيفة و علي … و قال ابن سعد: كان مع عليّ في مشاهده، و قتل يوم عين الوردة مع النوّاس. و قال ابن أبي حاتم، عن أبيه: قتل مع سليمان بن صرد في طلب دم الحسين سنة خمس و ستين[61] .

ومن مضر كذلك ( ال ابي الجعد ) . وأبوهم ( أبو جعد رافع الأشجعي ) من أشجع بن ريث بن غطفان . محدّث كوفي. حدّث أيضا عن ابن مسعود. مات و خلّف: سالما، عبيدا، زيادا، و كلهم من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) و كان من أشراف و أعيان القوم. و آل أبي الجعد من البيوتات العريقة الأصيلة في الكوفة، الموالية للعترة الطاهرة (عليهم السلام). و الذابين عنهم بأموالهم و أنفسهم[62] . وجاء في معجم رجال الحديث : (عبد الله بن أبي الجعد : يقال له عبيد النخعي: أخو سالم، مولاهم، كوفي، من أصحاب علي بن الحسين (عليه السلام)، رجال الشيخ . ويأتي عن البرقي عد عبيدة بن أبي الجعد، من خواص أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام). وقال الوحيد في التعليقة معترضا على الشيخ – قدس سره – في قوله: (يقال له عبيد) ما لفظه: ” عبد الله بن أبي الجعد ليس هو عبيد بل أخوه، كما مر في أخويه سالم وزياد… “. أقول: ما ذكره – قدس سره – مبني على ما حكي عن جامع الأصول من أن اخوة سالم، زياد وعبد الله وعبيد الله، فلو صح هذا عن جامع الأصول فمن أين يقدم قوله على قول الشيخ من أن أخوة سالم، زياد وعبيد . قال النجاشي في ترجمة رافع بن سلمة بن زياد بن أبي الجعد الأشجعي: ” ثقة من بيت الثقات “. أقول: ظاهر هذا الكلام أن المعروفين من هذا البيت كلهم ثقات، فيكون عبد الله بن أبي الجعد ثقة أيضا )[63] .

فيما كانت قبيلة ( طَي ) في العراق ذراعاً لعلي ، وقد ظلت ولا زالت متمثلة في شقها العراقي قبيلة ( بني لام ) على هذا الولاء والفاعلية كما سياتي بأذن الله . واسم ( لام ) كانت منتشراً في أصول طَي ، كما في ( لام ) جد ( فرعة بنت سعد بن حارثة بن لام الطائي ) و ( زينب بنت أوس بن حارثة بن لام ) زوجات النعمان بن المنذر الملك[64] . وموطنها يمتد من مدينة العمارة الحالية حتى ديالى في العراق ، على طول الشريط الحدودي مع ايران ، وهذا سبب استخلاف علي لعدي بن حاتم الطائي على المدائن عند مسيره الى صفين[65] ، وكذلك قتل الخوارج ثلاث نساء من طيء هناك . وتحدهم الأهواز شرقا ، لذلك كانوا هم المدد الذي وصل الى جيش امير المؤمنين علي لقتال الخوارج الذين نهبوا بيت مال الأهواز ، وكان على رأس المدد ( خالد بن معدان الطائي )[66] ، وتحدهم ربيعة وقبائل اسد والازد الكوفية غربا ، وقسم منها كان في شمال الحجاز حول جبل طيء ودولة ال الرشيد . وقسم اخر كبير جداً يمتد من الاْردن حتى داخل فلسطين ، لذلك كان من هذا القسم الأخير البعض من طيء في جيش معاوية[67] ، وهو امر يكشف تعدد ولاءات القبائل الكبيرة ، لكن مع بقاء عمودها هو المقياس ، وقد كان عمود طيء في العراق . لهذا كانوا في كتائب جيش الستين الفاً الذي خرج لحرب أهل الشام بعد تحكيم الحكمين[68] . ويبدو من تولية رسول الله زعيمها عدي بن حاتم على صدقات طيء وأسد ان أرضهم كانت واحدة[69] . وقد ضمن احد رجالاتها وهو احمد بن محمد الطائي خراج نصف العراق للدولة العباسية في أيام المعتضد[70] .

وقد فقد سيدها ( عدي بن حاتم الطائي ) أولاده الثلاثة فداءً لعلي ( طرفة ، طراف ، طريف ) فوارس، شهدوا صفين، و النهروان مع عليّ (عليه السلام) و قتلوا. و جاء، قال رجل يومئذ لعدي بن حاتم: يا أبا طريف، أ لم أسمعك تقول يوم الدار: و اللّه لا تحبق فيها عناق حولية، و قد رأيت ما كان فيها؟ قال: بلى. و قد كانت فقئت عين عدي و قتل بنوه، و اللّه لقد حبقت[71] . وقد كان احد رسل رسول الله بكتابه الى قيصر الروم[72] . وهو ( عدي بن حاتم بن عبد اللّه بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي بن أخزم بن ربيعة بن جرول بن ثمل بن عمرو بن الغوث بن طي بن ادد بن مالك بن زيد بن كهلان الطائي الأنصاري الطائي ). أسلم سنة تسع، و كان من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، و شهد الجمل، و صفّين، و فقئت عينه في يوم الجمل، و قتل أولاده، طريف، و طراف، و طرفة . و له شعر في المواقف. مات عام 68 ه، و هو ابن مائة و عشرين سنة. و لا عقب له. و قال بعضهم خلال القتال:

شفى السيف من زيد، و هند نفوسنا* * * شفاء و من عيني عدي بن حاتم‌[73]

وله الموقف المشرف البطولي عندما رفع أهل الشام المصاحف على رؤوسهم حيلة اذ قام فقال : يا أمير المؤمنين إن كان أهل الباطل لا يقومون باهل الحق فإنه لم يصب عصبة منا إلا وقد أصيب مثلها منهم وكل مقروح ولكنا أمثل بقية منهم وقد جزع القوم وليس بعد الجزع إلا ما تحب فناجز القوم[74] . وكان احد رؤساء العراق المبادرين لحرب الخوارج فور نزول امير المؤمنين علي عن المنبر يستحث الناس .

وحين خرج الحسن ع لاستنهاض الناس لملاقاة جيش أهل الشام القادم الى العراق بعد رحيل امير المؤمنين علي بن ابي طالب ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فان الله كتب الجهاد على خلقه وسماه كرها ثم قال لأهل الجهاد من المؤمنين اصبروا ان الله مع الصابرين ، فلستم أيها الناس نائلين ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون ، إنه بلغني ان معاوية بلغه انا كنا أزمعنا على المسير إليه فتحرك لذلك فاخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم بالنخيلة . وإنه في كلامه ليتخوف خذلان الناس له ، فسكتوا فما تكلم منهم أحد ولا أجابه بحرف . فلما رأى ذلك ( عدي بن حاتم ) قام فقال: إنا ابن حاتم سبحان الله ما أقبح هذا المقام ، ألا تجيبون امامكم وابن بنت نبيكم ، أين خطباء مضر المصر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة ، فإذا جد الجد فرواغون كالثعالب ، أ ما تخافون مقت الله ولا عيبها وعارها . ثم استقبل الحسن بوجهه ، فقال : أصاب الله بك المراشد وجنبك المكاره ووفقك لما تحمد ورده وصدره ، قد سمعنا مقالتك وانتهينا إلى أمرك لك وأطعناك فيما قلت وما رأيت ، وهذا وجهي إلى معسكري ، فمن أحب أن يوافيني فليواف . ثم مضى لوجهه فخرج عن المسجد ودابته بالباب فركبها ومضى إلى النخيلة وأمر غلامه أن يلحقه بما يصلحه وكان عدي بن حاتم أول الناس عسكرا[75] . وكان من الثوار المجلبين الناس على عثمان والذين شاركوا في قتله[76] . وكان من عظيم وعيه انه يصرح ببغضه لآل الوليد بن المغيرة المخزومي في شعره ، لما يعلمه من نفاقهم ، ومنه نعرف مستوى عقيدته العالي ومعرفته العميقة بحق الإسلام[77] .

وهذا ( بشر بن العشوش الطائي الملقطي ) فارس محارب، شاعر فاضل، مخلص في ولائه و محبته لأمير المؤمنين (عليه السلام). حضر صفّين، و قاتل قتالا شديدا، و حاربت طي‌ء مع أمير المؤمنين (عليه السلام) حربا عظيمة، و تداعت و ارتجزت، و قتل منها أبطال‌[78] .

و ( سعيد بن عبيد الطائي ) قتل في 37 ه ، فارس، اشترك في الجمل، و قتل بصفّين. و لما نزل أمير المؤمنين (عليه السلام) الربذة، أتته جماعة من طي، و فيهم سعيد ( فقال: يا أمير المؤمنين إنّ من الناس من يعبّر لسانه عما في قلبه، و إنّي و اللّه ما كل ما أجد في قلبي يعبّر عنه لساني، و سأجاهد و باللّه التوفيق، أما أنا فسأنصح لك في السر و العلانية، و أقاتل عدوك في كل موطن، و أرى لك من الحق ما لا أراه لأحد من أهل زمانك، لفضلك و قرابتك. قال عليّ (عليه السلام): رحمك اللّه قد أدى لسانك عما يجن ضميرك ) ، فقتل معه بصفّين[79]. وقاتلت طيء يومئذ قتالا شديدا ، فعبيت لهم جموع ، فأتاهم حمرة بن مالك الهمداني ، فقال : من القوم ؟ فقال له عبد الله بن خليفة ، وكان شيعيا شاعرا خطيبا : نحن طيء السهل ، وطيء الرمل ، وطيء الجبل ، الممنوع ذي النخل ، نحن طيء الرماح ، وطيء البطاح ، فرسان الصباح . فقال حمرة بن مالك : إنك لحسن الثناء على قومك . واقتتل الناس قتالا شديدا ، فناداهم : يا معشر طيء ، فدى لكم طارفي وتالدي ! قاتلوا على الدين والأحساب[80].

ومن طَي ( لأم بْن زياد بْن غطيف بْن سعد بْن الحشرج الطائي ) ، وهو اخ عدي بن حاتم الطائي لأمه . وقد ولاه علي بن ابي طالب المدائن[81] . اذ كانت ارض طَي العراق من جبل اجا حتى ديالى الْيَوْمَ في العراق ، وهي الأرض التي حمتها ( بنو لام ) طيلة قرون ، اذ كان حلفها يعادل حلف ( المنتفك ) لبني اسد وبني مالك الأشتر في الوظيفة والعقيدة . وقد كانت راية علي مع ( ابي الجوشاء الطائي ) يوم خرج من الكوفة الى صفين[82] .

وعند بدء مسير علي بن ابي طالب لرد جيش ام المؤمنين عائشة وطلحة والزبير قبل بدء معركة الجمل وهو بالربذة أتته جماعة من ( طئ ) ، فقيل له هذه جماعة قد أتتك منهم من يريد الخروج معك ومنهم من يريد التسليم عليك ، قال جزى الله كليهما خيرا وفضل المجاهدين على القاعدين اجرا عظيما . ثم سار من الربذة ، وعلى مقدمته أبو ليلى بن عمر بن الجراح والراية مع محمد بن الحنفية وعلى الميمنة عبد الله بن العباس وعلى الميسرة عمر بن أبي سلمة وعلي على ناقة حمراء يقود فرسا كميتا ، حتى نزل بفيد ، فأتته ( أسد ) و ( طئ ) فعرضوا عليه أنفسهم ، فقال الزموا قراركم في المهاجرين كفاية ، كما فعلت بعدهم بكر بن وائل[83] . ومنه نعلم حجم ولاء هذه القبائل .

اما ( خزاعة ) التي كان شاعرها ( دعبل ) أيقونة الولاء لعلي بن ابي طالب وأولاده لاحقا وصارت جزءاً رئيساً من منظومة التشيع في جنوب العراق ، فقد قال الزهري: وكانت خزاعة عيبة نصح رسول الله مسلمها ومشركها لا يخفون عنه شيئا كان بمكة[84] . كما فعل معبد الخُزاعي في المكيدة ضد المشركين لصالح المسلمين في غزوة حمراء الأسد[85] . وقد كانت خزاعة حلفاء لبني هاشم قبل الإسلام ، لما علموا من سماحتهم ونهجهم في الحق ، حتى قال شاعرهم بعد الإسلام وقبل الفتح يستنجد بالرسول :

يا رب أني ناشد محمدا * حلف ابيه وأبينا الاتلدا

ان قريشا أخلفوك الموعدا * ونقضوا ميثاقك المؤكدا

هم بيتونا بالوتير هجدا * وقتلونا ركعا وسجدا

فكان ان اختارت خزاعة يوم الحديبية ان تكون في صف محمد رغم سكنها بين ظهراني المشركين من قريش[86] . وكما هو واضح في ابيات الشاعر الخُزاعي ( وقتلونا ركعا وسجدا ) ان خزاعة كانت مسلمة حينها . او في رواية أخرى قال : قتلونا وقد أسلمنا[87] .

وحين سارت قريش لحرب النبي ووصلت الى الأبواء الموضع الذي فيه قبر آمنة أم النبي ص فأرادوا نبش قبرها أشارت بذلك هند بنت عتبة فمنع منه ذوو الرأي منهم وقالوا لو فعلنا نبشت بنو بكر وخزاعة موتانا عند مجيئهم وكانوا حلفاء رسول الله[88] .

ومن شعر ( سليمان بن صرد الخُزاعي ) الذي يجيب فيه شعر حامل لواء سيد أهل اليمن في الشام ( حوشب ذي ظليم ) الذي هاجم فيه أهل العراق واتهمهم بالتذبذب يمكننا ان نفهم بوضوح ان خزاعة كان قسم كبير منهم من أهل العراق الاصلاء ، اذ قال :

يا لك يوما كاسفا عصبصبا * يا لك يوما لا يواري كوكبا

يا أيها الحي الذي تذبذبا * لست أخاف ذا ظليم حوشبا

لأن فينا بطلا مجربا * ابن بديل كالهزبر مغضبا

امسى علي عندنا محببا * نفديه بالام ولا نبقي أبا[89]

وكان على ميمنة علي يوم صفين ( عبد الله بن بديل بن ورقاء الخُزاعي ) ، ( وزحف عبد الله بن بديل في الميمنة نحو حبيب بن مسلمة ، وهو في ميسرة معاوية ، فلم يزل يحوزه ويكشف خيله حتى اضطرهم إلى قبة معاوية عند الظهر ، وحرض عبد الله بن بديل أصحابه فقال : ألا إن معاوية ادعى ما ليس له ، ونازع الحق أهله ، وعاند من ليس مثله ، وجادل بالباطل ليدحض به الحق ، وصال عليكم بالأعراب والأحزاب الذين قد زين لهم الضلالة ، وزرع في قلوبهم حب الفتنة ، ولبس عليهم الأمر ، وزادهم رجسا إلى رجسهم ، فقاتلوا الطغاة الجفاة ولا تخشوهم ، ( قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين) … وقاتلهم عبد الله بن بديل في الميمنة قتالا شديدا حتى انتهى إلى قبة معاوية . وأقبل الذين تبايعوا على الموت إلى معاوية ، فأمرهم أن يصمدوا لابن بديل في الميمنة … وانتهى – الأشتر – إلى عبد الله بن بديل وهو في عصابة من القراء نحو المائتين أو الثلاثمائة ، قد لصقوا بالأرض كأنهم جثا ، فكشف عنهم أهل الشام ، فأبصروا إخوانهم فقالوا : ما فعل أمير المؤمنين ؟ قالوا : حي صالح في الميسرة ، يقاتل الناس أمامه . فقالوا : الحمد لله ! قد كنا ظننا أنه قد هلك وهلكتم . وقال عبد الله بن بديل [ لأصحابه ] : استقدموا بنا . فقال الأشتر : لا تفعل واثبت مع الناس ، فإنه خير لهم وأبقى لك ولأصحابك . فأبى ومضى كما هو نحو معاوية ، وحوله كأمثال الجبال وبيده سيفان ، وخرج عبد الله أمام أصحابه يقتل كل من دنا منه حتى قتل جماعة ، ودنا من معاوية ، فنهض إليه الناس من كل جانب ، وأحيط به وبطائفة من أصحابه ، فقاتل حتى قتل ، وقتل ناس من أصحابه ، ورجعت طائفة منهم مجرحين . فبعث الأشتر الحارث بن جمهان الجعفي ، فحمل على أهل الشام الذين يتبعون من انهزم من أصحاب عبد الله حتى نفسوا عنهم ، وانتهوا إلى الأشتر ، وكان معاوية قد رأى ابن بديل وهو يضرب قدما ، فقال : أترونه كبش القوم ؟ فلما قتل أرسل إليه لينظروا من هو ، فلم يعرفه أهل الشام فجاء إليه ، فلما رآه عرفه فقال : هذا عبد الله بن بديل ، والله لو استطاعت نساء خزاعة لقاتلتنا فضلا عن رجالها ! وتمثل بقول حاتم :أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها وإن شمرت يوما به الحرب شمرا )[90] .قال البخاري في تاريخه أنه ممن دخل على عثمان ، فطعن عثمان في ودجه ، وعلا التنوخي عثمان بالسيف . أسلم مع أبيه قبل الفتح ، وشهد الفتح وما بعدها ، وكان شريفا وجليلا ، قتل هو وأخوه عبد الرحمن يوم صفين مع علي ، وكان على الرجالة[91] .

ومن وجوه خزاعة ( سليمان بن صرد بن الجون بن أبي الجون عبد العزى بن منقذ بن ربيعة بن أصرم بن ضبيس بن حرام بن حبشية بن كعب الخزاعي ) المقتول 65 ه. وعمره وق التسعين . رئيس التوابين يومئذ، خرج في أربعة آلاف يطلبون بدم الإمام الحسين (عليه السلام) و التقوا بعبيد اللّه بن زياد، و اقتتلوا، و قتل سليمان يوم عين الوردة. و كان محدّثا ثقة و له صحبة و رواية. و كانت له سن عالية، و شرف في قومه، فلما قبض النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) تحول فنزل الكوفة حين نزلها المسلمون، و شهد الجمل، و صفين[92] . وكان ممن كتب الى عثمان بن عفان يعترض على سياسته الدنيوية[93] .

ومن خزاعة كذلك ( عبد الرحمن بن أبزي الخزاعي ) مولى نافع بن عبد الحارث الخزاعي. سكن الكوفة و ولاه أمير المؤمنين (عليه السلام) على خراسان. أدرك النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و صلّى خلفه. و أعقب: سعيدا وَعَبد الله[94] .

ومن وجوه خزاعة البيض ( عمرو بن الحمق الخُزاعي ) . أسلم قبل الفتح، وهاجر الى المدينة، فكان الصحابيّ البر الذي حظي بدعوة النبي صلى اللّه عليه وآله بأن يمتعه اللّه بشبابه، فمرت عليه ثمانون سنة ولم ير له شعرة بيضاء على صباحة في وجهه كانت تزيده بهاء. وصحب بعده امير المؤمنين علياً عليه السلام، فكان الحواري المخلص الذي يقول له بحق: «ليت في جندي مائة مثلك». وشهد معه الجمل وصفين والنهروان. ودعا له امير المؤمنين بقوله: «اللهم نور قلبه بالتقى، واهده الى صراطك المستقيم». وقال له: «يا عمرو انك لمقتول بعدي، وان رأسك لمنقول، وهو أول رأس ينقل في الاسلام. والويل لقاتلك ». قال ابن الاثير (ج 3 ص 183): «ولما قدم زياد الكوفة قال له عمارة بن عقبة بن ابي معيط: ان عمرو بن الحمق يجمع اليه شيعة أبي تراب، فأرسل اليه زياد: ما هذه الجماعات عندك ؟ من أردت كلامه ففي المسجد ». «ثم لم يزل عمرو [فيما يروي الطبري] خائفاً مترقباً حتى كانت حادثة حجر بن عدي الكندي فأبلى فيها بلاء حسناً وضربه رجل من الحمراء – شرطة زياد – يدعى بكر بن عبيد بعمود على رأسه فوقع وحمله الشيعة فخبأوه في دار رجل من الازد، ثم خرج فاراً وصحبه الزعيم الآخر [رفاعة بن شداد] فيمما المدائن ثم ارتحلا حتى أتيا ارض الموصل فكمنا في جبل هناك، واستنكر عامل ذلك الرستاق شأنهما فسار اليهما بالخيل، فأما عمرو فلم يصل الموصل الا مريضاً بالاستسقاء، ولم يكن عنده امتناع. واما رفاعة بن شداد – وكان شاباً قوياً – فوثب على فرس له جواد، وقال لعمرو: أقاتل عنك، قال: وما ينفعني ان تقاتل، انج بنفسك ان استطعت. فحمل عليهم فأفرجوا له، فخرج تنفر به فرسه، وخرجت الخيل في طلبه – وكان رامياً – فأخذ لا يلحقه فارس الا رماه فجرحه او عقره فانصرفوا عنه. وسألوا عمراً: من انت ؟ فقال: من ان تركتموه كان أسلم لكم، وان قتلتموه كان أضرّ لكم !. فسألوه فأبى ان يخبرهم، فبعث به ابن أبي بلتعة، عامل الرستاق، الى عامل الموصل، وهو (عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عثمان الثقفي)، فلما رأى عمرو بن الحمق عرفه، وكتب الى معاوية بخبره، فأمره معاوية بأن يطعنه تسع طعنات كما كان فعل بعثمان فطعن ومات بالاولى منهن أو الثانية»[95] . وكان ممن كتب الى عثمان مهدداً بالثورة ايضاً . و( عمارة ) الذي اشتكى ابن الحمق الى ابن زياد هو احد ولد عقبة بن ابي معيط المبشرين بالنار على لسان رسول الله كما يأتي ، وابن ابي معيط هو من كان يجيش ضد رسول والإسلام في بدر ، اذ عيّر امية بن خلف بأنه من النساء حين اجمع على القعود وعدم الذهاب ، فاستجاشه وهيّجه[96] .

وكان على ميمنة علي يوم صفين عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي وعلى ميسرته عبد الله بن العباس وقراء العراق مع ثلاثة نفر مع عمار بن ياسر وقيس بن سعد وعبد الله بن بديل والناس على راياتهم ومراكزهم وعلي في القلب في أهل المدينة والكوفة والبصرة وعظم من معه من المدينة الأنصار ومعه من خزاعة عدد حسن ومن كنانة وغيرهم من أهل المدينة ثم زحف علي بالناس[97] .

ورغم ان ( الازد ) بطن كبير في العرب ، وفيه من اختار غير علي بن ابي طالب ، الا ان نسبتهم العظمى كانت في عداد علي . ومنهم ( جندب بن عبد اللّه بن زهير بن الحارث بن كثير بن جشم بن سبيع بن مالك بن ذهل بن مازن بن ذبيان بن ثعلبة بن الدؤل بن سعد مناة بن غامد الأزدي الغامدي ) المقتول 37 ه. فارس سكن الشام، و الكوفة. حضر مع الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) حرب الجمل، و حرب صفّين و قتل فيها سنة 37 ه. و كان على الرجالة يوم صفّين. قتله رأس أزد الشام و قتل من رهطه، عجل، و سعد، ابنا عبد اللّه من بني ثعلبة. و في معاجم التأريخ أخبار تدل على عظيم شجاعته و بسالته، و على شدة إخلاصه في حبّ عليّ (عليه السلام)، و قوة إيمانه، و جاء في بعض المراجع: أنّه كان من الصحابة الذين جاءوا مع عليّ (عليه السلام) إلى صفّين[98] . وقد روي ان النبي قال لوفدهم حين جاءوا مسلمين ( مَرْحَبًا بِكُمْ أَحْسَنَ النَّاسِ وجُوهًا وَأَصْدَقَهُ لِقَاءً وَأَطْيَبَهُ كَلامًا وَأَعْظَمَهُ أَمَانَةً أَنْتُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْكُمْ ” . وَجَعَلَ شِعَارَهُمْ مَبْرُورًا ) [99].

الا ان الازد كانوا شعوباً كما قلنا ، منهم ازد العراق ، الذين آمنوا ثم تشيعوا وكانوا قوة الإسلام ، ومنهم ازد شنوءة في جهة عُمان ، وقد اسلموا طوعاً لكنهم كانوا غير واعين لمعاني الإسلام العميقة ، لذلك كان يبعث النبي مع وفدهم الرسل المعلمين لهم ، ومنهم ازد غسان في الشام ، الذين رمى ملكهم الحارث بن ابي شمر الغساني كتاب رسول الله وهدد مبعوثه[100] . ويبدو ان ذلك ناشئ عن القرب او البعد من مركز العراق ( الكوفة ) .

ومن اصول الازد ( شريك بن الحارث – الأعور- ابن عبد اللّه بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد اللّه بن مالك بن نصر بن الأزد الحارثي البصري ) المتوفى 60 ه. كان شاعرا، متكلما شجاعا. صحب أمير المؤمنين (عليه السلام). و دخل على معاوية، فقال له: ما اسمك؟ فقال: شريك، قال: ابن من؟ قال: ابن الأعور. قال: إنّك شريك و ما للّه من شريك. و إنّك لابن الأعور، و الصحيح خير. و إنّك لدميم سيئ الخلق، فكيف سدت قومك؟، فقال: و أنت يا معاوية و اللّه، و ما معاوية إلا كلبة عوت فاستعوت، فسميت معاوية. و إنّك لابن صخر، و السهل خير. و إنّك لابن حرب، و السلم خير. و إنّك لابن أميّة، و أميّة أمة صغرت بها. فكيف سميت أمير المؤمنين؟ فقال معاوية: واحدة بواحدة و البادي أظلم .. فقال شريك:

أ يشتمني معاوية بن حرب* * * و سيفي صارم و معي لساني‌

و حولي من ذوي يمن ليوث* * * ضراغمة تهش إلى الطعان‌

يعيّرني الدّمامة من سفاه* * * و ربّات الحجال هي الغواني‌

ذوات الحسن و الريبال شتن* * * سهيم وجهه ماضي الجنان‌

فلا تبسط لسانك يا ابن حرب* * * فإنّك قد بلغت مدى الأماني‌

متى ما تدع قومك أدع قومي* * * و تختلف الأسنة بالطعان‌

يجبني كل غطريف شجاع* * * كريم قد توشح باليماني‌

فإن تك من أمية في ذراها* * * فإنّي من بني عبد المدان‌

و إن تك للشقاء لنا أميرا* * * فإنّا لا نقيم على الهوان‌

فقاسمه معاوية، أن يسكت و قرّبه و أدناه و أرضاه. ذكره الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب عليّ (عليه السلام). و له أخبار و حوادث وافرة. و شعر كثير في المعاجم و السير[101].

كذلك ( ظالم بن سراق بن صبيح بن كندي بن عمرو بن عدي بن وائل بن الحارث بن العتيك بن الأزد بن عمران بن عمرو بن مزيقياء ) أزدي يكنّى (أبو صفرة) مات بالبصرة، و صلّى عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) و أعقب: المهلب. ذكره الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب عليّ (عليه السلام). و قدم بعد الجمل، و قال لعليّ (عليه السلام): أما و اللّه لو شهدتك ما فاتك أزدي. و ابنه أبو سعيد المهلب، كان من أشجع الناس و حمى البصرة من الخوارج، مات سنة 83 ه[102] . وقد كان لآل المهلب بعد ذلك شان سياسي مهم لا سيما في دولة ال بويه متمثلين بكاتب معز الدولة الحسن بن محمد المهلّبي[103] والذي كان حسن السيرة قد كشف الظلامات وقرب العلماء والادباء واحسن اليهم عند ولايته الوزارة[104] ، كما كانت لهم علاقات واسعة مع النخع وأبناء الأشتر وثوراتهم ضد بني أمية .

ومن الازد ( مخنف بن سليم بن الحارث بن عوف بن ثعلبة بن عامر بن ذهل بن مازن بن ذبيان بن ثعلبة بن الدؤل بن سعد مناه بن غامد الأزدي الغامدي ) له صحبة روى عنه أبو رملة واسمه عامر يعد في الكوفيين وكان نقيب الأزد بالكوفة وقيل إنه بصري واستعمله علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه على مدينة أصفهان وشهد معه صفين وكان معه راية الأزد ومن ولد مخنف بن سليم أبو مخنف لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم صاحب الاخبار والسير[105] .

ومنهم ( هبيرة بن النعمان بن قيس بن مالك بن معاوية بن سعنة بن بداء بن سعد بن عمرو بن ذهل بن مران بن جعفى بن سعد العشيرة الجعفي ) له إدراك وكان من أمراء علي وشهد معه صفين واستعمله على المدائن وكان شريفا[106] .

ومن الازد ( كميل النخعي ) و ( شبيب بن عامر الأزدي ) عامله (عليه السلام) على نصيبين. و هو جد الكرماني صاحب خراسان. ففي عام 39 ه، سيّر معاوية جيشا إلى بلاد الجزيرة، فكتب شبيب إلى كميل بن زياد و هو بهيت يعلمه خبرهم فسار كميل إليه نجدة في ستمائة فارس فأدركهم كميل و قاتلهم و هزمهم و غلب على عسكرهم و أكثر القتل فيهم. من أهل الشام، و أقبل شبيب بن عامر من نصيبين فرأى كميل قد وقع بالقوم و هنأه بالظفر، و اتبع الشاميين فلم يلحقهم فعبر الفرات و بث خيله، فأغارت على أهل الشام حتى بلغ بعلبك، فوجّه معاوية إليه حبيب بن مسلمة، فلم يدركه و رجع شبيب فأغار على نواحي الرقة، فلم يدع للعثمانية بها ماشية إلا استاقها و لا خيلا و لا سلاحا إلا أخذه، و عاد إلى نصيبين، و كتب إلى عليّ، فكتب إليه عليّ ينهاه عن أخذ أموال الناس إلا الخيل و السلاح الذي يقاتلون به، و قال: رحم اللّه شبيبا لقد أبعد الغارة، و عجل الانتصار[107] . وكميل هو ( بن زياد بن نهيك بن هيثم بن سعد بن مالك بن حرب )، من صحابة علي عليه السلام وشيعته وخاصته، وقتله الحجاج على المذهب فيمن قتل من الشيعة[108] .

وقد كان النجباء من قبيلة ( مذحج ) الازدية العراقية في الكوفة ينتظرون انارة علي بن ابي طالب للتحرك ، كما فعل ( اويس القرني ) . وهو أويس بن عامر بن جزء بن مالك بن عمرو بن سعد بن عصوان بن قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد (يحابر) بن مالك بن أدد بن مذحج المرادي، المعروف بأويس القرني المقتول بصفين سنة 37 ه، كان من خيار التابعين و لم ير النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و لم يصحبه، و من الزهاد و أهل الفقه و العلم، سكن الكوفة، ثم خرج إلى صفّين و قد تقلد بسيفين، و يقال : كان معه مرماة و مخلاة من الحصى، فسلّم على أمير المؤمنين (عليه السلام) و ودعه، و برز مع رجالة ربيعة فقتل من يومه و صلّى عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) و دفنه[109]. وقد كانت دعوة مذحج وطيء واحدة في صفين مع رايتين[110] ، مما يكشف عن قربهما .

وقد كان سيد مذحج ( هانئ بن عروة بن الفضفاض بن عمران الغطيفي المرادي ) أحد سادات الكوفة وأشرافها ، وسيد ( مراد ) التي كانت ارضها حيث مرقد ميثم التمار في العراق في قضاء الكوفة الحالي[111] . وكان أول أمره من خواص علي بن أبي طالب… ثم كان عبيد الله بن زياد (أمير البصرة والكوفة) يبالغ في إكرامه إلى أن بلغه أن مسلم بن عقيل (رسول الحسين إلى أهل الكوفة) مختبئ عنده، وكان ابن زياد جادا في البحث عن ابن عقيل، فدعا بهانئ وعاتبه، فأنكر، فأتاه بالمخبر، فاعترف وامتنع من تسليمه. وغضب ابن زياد، وضربه، وحبسه، ثم قتله، في خبر طويل. وصلبه بسوق الكوفة. وموضع قبره في الكوفة . وفيه وفي ابن عقيل، يقول عبد الله بن الزبير الاسدي قصيدته التي أولها:

إذا كنت لا تدرين ما الموت فانظري * إلى هانئ في السوق وابن عقيل

إلى بطل قد هشم السيف وجهه * وآخر، يهوي من طمار، قتيل[112]

وَمِمَّا يكشف اسلام مذحج المبكر على يدي رسول الله ان النبي جعل امير مراد المذحجي ( فروة بن مسيك المرادي ) على صدقات مراد وزبيد ومذحج حين قدم عليه وفدا [113]، مما يكشف عن اسلام كل هذا المجموع لما جعل عليه من ولاية الخاص . وقد ثارت مذحج فيمن ثار على ابي بكر[114] .

عن جابر بن عمير الأنصاري قال والله لكأني اسمع عليا يوم الهرير حين سار أهل الشام وذلك بعد ما طحنت رحى ( مذحج ) فيما بيننا وبين عك ولخم وجذام والأشعريين بأمر عظيم تشيب منه النواصي من حين استقبلت الشمس حتى قام قائم الظهيرة ثم إن عليا قال حتى متى نخلي بين هذين الحيين قد فنيا وأنتم وقوف تنظرون إليهم أ ما تخافون مقت الله[115] .

ومن مذحج ( سويد بن غفلة بن عوسجة بن عامر الجعفي الكوفي ) المتوفى 81 ه، و قد بلغ مائة و ثلاثين سنة . الفقيه، الإمام العابد القانع الزاهد المتواضع، كبير القدر. مولده عام الفيل، قدم المدينة حين نفضت الأيدي من دفنه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، و أخذ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) و عاد إلى الكوفة. و كان يؤم قومه قياما، و هو ابن مائة و عشرين سنة. مات عام 80، و قيل 81، و جاء 82 ه. روى عنه جمع كثير. و كان يقول: أنا لدة رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) ولدت عام الفيل. و أخذ عن الإمام الحسن (عليه السلام)، و كان فقيها عابدا قانعا كبير القدر، من أولياء عليّ (عليه السلام)[116] . وقد وثقه أعلام الجرح والتعديل ، حيث وصفه الذهبي ( الإمام ، القدوة )[117] .

ومن مذحج ايضاً قبيلتها الأكثر ولاءه لعلي بن ابي طالب ( النخع ) . وقد انتسب الأشتر النخعي صريحاً الى ( مذحج ) في شعره ، حيث قال ( انا ابن خير مذحج مركبا * من خيرها نفسا واما وأبا )[118] .

والنخع ارتبطت تاريخياً وعسكرياً ببني اسد ، حيث اشتركا في كسر جيش الفرس في معركة القادسية ، قبل ان يدخل باقي العرب . وكانت نساء النخع ترفض رجوع أبنائهن مفتخرين قبل هزيمة الفرس او الموت ، لهذا تزوجت عند القادسية سبعمائة امرأة نخعية ، رغبة من القبائل في خؤولة هذه القبيلة ذات البأس ، حتى سُميت النخع أصهار العرب . وقد كانوا رجعوا حينها من معركة اليرموك ضد الروم في الشام ، وكان يقودهم الأشتر[119] ، الذي طلب الى أمراء جيش المسلمين الذين جعلهم عمر بن الخطاب الا يشتركوا مع النخع في القتال ضد الروم ، بعد ان رأى تذبذب وتردد وخشية هؤلاء الامراء عند مشاهدتهم عظمة جيش الروم ، فاختار القليل الصلب من قومه على الكثير المتردد من غيرهم . ورغم ان الرواة نسبوا ان الأشتر اشترك في اليرموك ولم يشترك في القادسية الا ان مقدم جيش العراق وعلى مقدمته النخع من اليرموك – وقد كان عليهم الأشتر – الى القادسية وعداء رواة السلطة للأشتر يجعلنا نعتقد انه كان مشتركاً قد ظلمته الروايا الرسمية عن القادسية ، لا سيما ان جيش الخلافة بقيادة ابي عبيدة وأمراء قريش كان منكسراً لعدة الروم حتى مقدم خالد بن الوليد بأهل العراق الى الشام ، التمر الذي يكشف بسالتهم[120] .

وكان النخع اول من بنى قبر الحسين بن علي وحوله في كربلاء . وقد شاركوا في بناء الدولة المزيدية في الحلة ، وكانوا قادتها العسكريين ، ثم هاجر قسم كبير منهم مع بني اسد الى بطائح ذي قار ، ومنهم ال إبراهيم وال كاشف الغطاء وال الكرباسي وال شيخ راضي الْيَوْمَ في العراق ، وال معرفي في الكويت .

ويكفي للدلالة على ولائها ذكر اسم رئيسها ( مالك الأشتر ) أمير من كبار الفرسان و الشجعان، و كان رئيس قومه، أدرك الجاهلية و سكن الكوفة، و شهد مع أمير المؤمنين (عليه السلام) المواطن و المشاهد كلها[121] . يقول ابن الأثير في احداث سنة سبع وثلاثين ( وأصبح علي فجعل على خيل الكوفة الأشتر ، وعلى جند البصرة سهل بن حنيف ، وعلى رجالة الكوفة عمار بن ياسر ، وعلى رجالة البصرة قيس بن سعد، وهاشم بن عتبة المرقال معه الراية ، وجعل مسعر بن فدكي على قراء الكوفة وأهل البصرة . وبعث معاوية على ميمنته ابن ذي الكلاع الحميري ، وعلى ميسرته حبيب بن مسلمة الفهري وعلى مقدمته أبا الأعور السلمي ، وعلى خيل دمشق عمرو بن العاص ، وعلى رجالة دمشق مسلم بن عقبة المري ، وعلى الناس كلهم الضحاك بن قيس ، وبايع رجال من أهل الشام على الموت ، فعقلوا أنفسهم بالعمائم ، وكانوا خمسة صفوف ، وخرجوا أول يوم من صفر فاقتتلوا ، وكان على الذين خرجوا من أهل الكوفة الأشتر … وزحف الأشتر نحو الميمنة ، وثاب إليه الناس ، وتراجعوا ، من أهل البصرة وغيرهم فلم يقصد كتيبة إلا كشفها ، ولا جمعا إلا حازه ورده … وقاتلت النخع يومئذ قتالا شديدا ، فأصيب منهم حيان وبكر ابنا هوذة، وشعيب بن نعيم، وربيعة بن مالك بن وهبيل، وأبي أخو علقمة بن قيس الفقيه ، وقطعت رجل علقمة يومئذ ، فكان يقول : ما أحب أن رجلي أصح مما كانت ، وإنها لمما أرجو بها الثواب وحسن الجزاء من ربي . قال : ورأيت أخي في المنام فقلت له : ماذا قدمتم عليه ؟ فقال لي : إنا التقينا نحن والقوم عند الله – تعالى – ، فاحتججنا فحججناهم ، فما سررت بشيء سروري بتلك الرؤيا ، ( وكان يقال لأبي : أبي الصلاة ، لكثرة صلاته ) )[122] . وكان الأشتر يرد المنهزمين ويجمع الصفوف اذا تشتت شملها ، حتى كان محوراً في صفين[123] .

وقد اقبل الناس على الأشتر ، فقالوا : يوم من أيامك الأول وقد بلغ لواء معاوية حيث ترى . فاخذ الأشتر لواء فحمل وهو يقول:

اني انا الأشتر معروف الشتر * أني انا الأفعى العراقي الذكر

لا من ربيعة ولا حي مضر * لكنني من مذحج الغر الغرر

فضارب القوم حتى ردهم على اعقابهم ، فرجعت خيل عمرو ، وقال النجاشي في ذلك:
– رأينا اللواء لواء العقاب * يقحمه الشانئ الأخزر

كليث العرين خلال العجاج * واقبل في خيله الأبتر

دعونا لها الكبش كبش العراق * وقد خالط العسكر العسكر

فرد اللواء على عقبه * وفاز بحظوتها الأشتر

كما كان يفعل في مثلها * إذا الناب معصوصب منكر

فان يدفع الله عن نفسه * فحظ العراق بها الأوفر

إذا الأشتر الخير خلى العراق * فقد ذهب العرف والمنكر

وتلك العراق ومن عرقت * كفقع تبينه القرقر [124]

ومن الواضح من هذه الأشعار تصريح الأشتر بعراقيته ، وأصالتها ، ولا يصح لمهاجر من أهل اليمن ان يقول ذلك . كما يتضح من شعر النجاشي ان الأشتر ( كبش العراق ) لا اليمن ، وتلك العراق ومن عرقت كما يقول ، وليس ومن هاجرت ، ولا حتى بالإشارة .

وحين دعا معاوية مروان بن الحكم ، فقال : إن الأشتر قد غمني فاخرج بهذه الخيل … ودعا معاوية عمرا وأمره بالخروج إلى الأشتر … فخرج عمرو في تلك الخيل ، فلقيه الأشتر امام الخيل وهو يقول:

يا ليت شعري كيف لي بعمرو * ذاك الذي أوجبت فيه نذري

ذاك الذي اطلبه بوتري * ذاك الذي فيه شفاء صدري

ذاك الذي ان القه بعمري * تغل به عند اللقاء قدري

أو لا فربي عاذري بعذري

فعرف عمرو انه الأشتر فجبن وفشل ، واستحيا ان يرجع ، فاقبل نحو الصوت وهو يرتجز، فلما غشيه الأشتر بالرمح راع عنه عمرو ، فطعنه الأشتر في وجهه فلم يصنع شيئا ، وثقل عمرو فامسك على وجهه وثنى عنان فرسه ورجع راكضا إلى المعسكر. ونادى غلام من يحصب يا عمرو عليك العفا ما هبت الصبا يا لحمير هاتوا اللواء فأخذه وكان غلاما شابا وهو يرتجز ، فنادى الأشتر ابنه ( إبراهيم ) : خذ اللواء ، فغلام لغلام . فأخذه إبراهيم وتقدم وهو يقول:

يا أيها السائل عني لا ترع * أقدم فاني من عرانين النخع

كيف ترى طعن العراقي الجذع * أطير في يوم الوغى ولا أقع

ما ساءكم سر وما ضر نفع * أعددت ذا اليوم لهول المطلع

وحمل على الحميري ، فالتقاه الحميري بلوائه ورمحه ولم يبرحا يطعن كل واحد منهما صاحبه حتى سقط الحميري قتيلا[125] .

وفِي ليلة المناجزة التي عزمها امير المؤمنين على أهل الشام قال الأشتر شعرا ، فلما انتهى إلى معاوية شعر الأشتر قال : شعر منكر من شاعر منكر رأس أهل العراق وعظيمهم ومسعر حربهم وأول الفتنة وآخرها[126] .

وفِي ليلة الهرير الكبرى في صفين خرج رجل من أهل العراق على فرس كميت ذنوب عليه السلاح لا يرى منه إلا عيناه وبيده الرمح ، فجعل يضرب رؤوس أصحاب علي بالقناة وهو يقول : سووا صفوفكم . حتى إذا عدل الصفوف والرايات استقبلهم بوجهه وولى أهل الشام ظهره ، ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال : الحمد لله الذي جعل فيكم ابن عم نبيكم اقدمهم هجرة وأولهم اسلاما سيف من سيوف الله صبه على أعدائه فانظروا إلي إذا حمي الوطيس وثار القتام وتكسرت المران وجالت الخيل بالأبطال فلا اسمع إلا غمغمة أو همهمة . ثم حمل على أهل الشام وكسر فيهم رمحه ثم رجع فإذا هو الأشتر . وكانت رايته مع ( حيّان بن هوذة النخعي ) وهو يتقدم بهم . وقد رفض الأشتر – من شدة وعيه – وقف القتال بعد رفع أهل الشام للمصاحف ، لولا ان سمع اقدام الخوارج على قتل علي امير المؤمنين اذا لم يكف الأشتر . وقيل لعلي ع لما كتبت الصحيفة ان الأشتر لم يرض بما في الصحيفة ولا يرى الا قتال القوم فقال علي بلى ان الأشتر يرضى إذا رضيت وقد رضيت ورضيتم ولا يصلح الرجوع بعد الرضا ولا التبديل بعد الاقرار الا أن يعصي الله ويتعدى ما في كتابه واما الذي ذكرتم من تركه أمري فلست أتخوفه على ذلك وليت فيكم مثله اثنين بل ليت فيكم مثله واحدا يرى في عدوه مثل رأيه إذا لخفت علي مؤونتكم ورجوت أن يستقيم لي بعض أودكم . ولما بلغ عليا قتله قال إنا لله وإنا إليه راجعون، مالك وما مالك وهل موجود مثل ذلك، لو كان من حديد لكان فندا أو من حجر لكان صلدا على مثله فلتبك البواكي[127] . والاشتر هو ( مالك بن الحارث بن يغوث ) كان من امراء امير المؤمنين وكان فارساً شجاعاً من اكابر الشيعة وعظمائها وشديد التحق بولاء امير المؤمنين شديد الشوكة على من خالفه . وقد روى ابن ابي الحديد المعتزلي ( قلت لله أم قامت عن الأشتر لو أن إنساناً يقسم أن لله تعالى ما خلق في العرب ولا في العجم أشجع منه إلا أستاذه عليه السلام لما خشيت عليه الإثم ولله در القائل وقد سئل عن الأشتر: ما أقول في رجل هزمت حياته أهل الشام وهزم موته أهل العراق ) . وقد رووا شهادة النبي له بأنه مؤمن في قصة دفن ابي ذرّ[128] .

وكان ( ربيعة بن مالك بن وهبيل ) من الصحابة الذين شهدوا صفين مع علي عليه السلام[129] . و ( فلما انصرف أبو الاعور عن الحرب راجعا سبق إلى الماء فغلب عليه في الموضع المعروف بقناصرين إلى جانب صفين وساق الاشتر يتبعه فوجده غالبا على الماء وكان في أربعة آلاف من مستبصري أهل العراق فصدموا أبا الاعور وأزالوه عن الماء فأقبل معاوية في جميع الفيلق بقضه وقضيضه فلما رآهم الاشتر انحاز إلى علي )[130] .

ويبدو ان النخع وال الأشتر كان لهم من الموالي النبط من حملوا عقيدتهم ، وبالتالي هي سرت عن طريقهم في غير العرب . فهذا ( فرّوخ ) مولى لبني الأشتر النخعي يحدّث : ( رأيت عليا في بني ديوار وأنا غلام فقال: أتعرفني؟ قلت نعم، أنت أمير المؤمنين . ثم أتى آخر فقال : أتعرفني؟ فقال: لا. فاشترى منه قميصا زابيّاً فلبسه فمد كمّ القميص فإذا هو مع أصابعه، فقال له: كفه فلما كفه لبسه وقال: الحمد لله الذي كسا علي أبي طالب )[131] . ثم اختص ال دراج بالدراسة عند الموالي من ال اعين , وهما عائلتان من اضخم عوائل الشيعة العلمية في عهد الصادقين[132] .

وقد جاء في الحديث – عن عبد الله – يعني ابن مسعود – قال‏:‏ شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لهذا الحي من النخع، أو قال‏:‏ يثني عليهم حتى تمنيت أني رجل منهم‏.‏ رواه أحمد والبزار والطبراني، ورجال أحمد ثقات[133]‏.‏ وقد روي انه وفد على النبي من النخع ( رجلان بعثهما قومهما إليه ص وافدين بإسلامهم فبايعاه على قومهما فاعجب رسول الله ص شأنهما وحسن هيئتهما فقال هل وراءكما من قومكما مثلكما قالا يا رسول الله قد خلفنا من قومنا سبعين رجلا كلهم أفضل منا فقال اللهم بارك في النخع ).

وقد شهدوا مع رسول الله فتح مكة وكانت رايتهم مع ( ارطأة بن شراحيل بن كعب ) الذي شهد بذات الراية يوم القادسية فقتل وأخذ الراية اخوه ( دريد ) الذي قتل تحتها ايضاً [134] . وهذا مما يغفله التاريخ عمدا لتشيعهم العلوي . ولا شك انهم عرفوا مكانة علي حين قدموا معه في حجة الوداع وخطب النبي وافهم الناس الا يشكوا علياً لأنه خشن في ذات الله ، والاهم ان علياً كان والياً على اليمانية حتى حجة الوداع [135] ، كأنما أراد رسول الله ان يزدادوا بعلي معرفة وهو بهم ارتباطا .

وَمِمَّا يبرز كفاءتهم ودورهم في نصرة علي قول الأشعث بن قيس يوم صفين – وكان لواء الأشعث مع معاوية بن الحارث – فقال له الأشعث: ( لله أنت ! ، ليس النخع بخير من كندة، قدم لواءك )[136] . فقد كانت البسالة تظهر حتى على شبابهم وحديثي السن منهم . اذ حين ( قال الأشتر لسنان بن مالك النخعي : انطلق إلى أبي الأعور – قائد جيش معاوية – فادعه إلى المبارزة . فقال سنان : إلى مبارزتي أو مبارزتك ؟ قال : إلى مبارزتي . فقال الأشتر : لو امرتك بمبارزته فعلت ؟ قال : نعم ، والله الذي لا اله الا هو لو أمرتني أن اعترض صفهم بسيفي فعلت . فقال : يا ابن أخي أطال الله بقاءك قد والله ازددت فيك رغبة )[137] . وكان ( كميل بن زياد النخعي ) أميراً على مسلحة علي في الأنبار على حدود أهل الشام .

ومن نساء النخع ( ام الهيثم بنت الأسود ) الراثية لعلي بن ابي طالب بقصيدة قالت فيها :

ألا يا عين ويحك أسعدينا * ألا تبكي أمير المؤمنينا

تبكي أم كلثوم عليه * بعبرتها وقد رأت اليقينا

ألا قل للخوارج حيث كانوا * فلا قرت عيون الشامتينا

أفي شهر الصيام فجعتمونا * بخير الناس طرا أجمعينا

قتلتم خير من ركب المطايا * وذللها ومن ركب السفينا

ومن لبس النعال ومن حذاها * ومن قرأ المثاني والمئينا

فكل مناقب الخيرات فيه * وحب رسول رب العالمينا

لقد علمت قريش حيث كانت * بأنك خيرها حسبا ودينا

وإذا استقبلت وجه أبي حسين * رأيت البدر فوق الناظرينا

وكنا قبل مقتله بخير * نرى مولى رسول الله فينا

يقيم الحق لا يرتاب فيه * ويعدل في العدا والأقربينا

وليس بكاتم علما لديه * ولم يخلق من المتجبرينا

كأن الناس إذ فقدوا عليا * نعام حار في بلد سنينا

فلا تشمت معاوية بن صخر * فإن بقية الخلفاء فينا [138]

وأم الهيثم النخعية هي ذاتها من استوهبت جثة عبد الرحمن بن ملجم – قاتل علي – وأحرقتها بالنار[139] .

ويبدو من خلال السياق التاريخي ان النخع كانوا يسيرون مع علي حيث سار ، اذ لا نراهم يعرضون أنفسهم عليه كما القبائل الموالية الأخرى ، لكننا نجدهم في كل معركة ، كما ان رئيسهم الأشتر كان رسول علي في عدة مناسبات ، او جليسه ، او قائد جيشه ، دون فاصلة من موعد او استنصار او ان يندبهم قبلها . وكانت النخع وطيء هم الصابرون حين اشتد قتال صفين وبلغت ذروتها[140] .

وقسم كبير من ( الأشعريين ) ، من سبأ ، عرفوا حق علي ، تأثراً بسبأ العراق ، رغم ان منهم من كان منافقاً كأبي موسى الأشعري ، ومنهم من كان في جيش بني أمية . فهم من بنوا وأقاموا مدينة العلم والدين ( قم ) في ايران لاحقاً ، فقد شهدوا عن رسول الله غزوة أوطاس ، حيث قال خصمهم يرثي قاتلا زعيم الأشعريين ابي عامر

إن الرزية قتل العلا * ء وأوفى جميعا ولم يسندا

هما القاتلان أبا عامر * وقد كان داهية أربدا

هما تركاه لدى معرك * كأن على عطفه مجسدا[141]

اما قبيلة ( همدان ) ، التي سكنت الكوفة ثم هاجر قسم منها شرقا ، فقد كانت رمز الولاء لعلي . عن البراء بن عازب ( … اسلمت همدان جميعا – في يوم واحد – فكتب علي إلى رسول الله ص بإسلامهم ، فلما قرأ الكتاب خر ساجدا ثم رفع رأسه وقال : السلام على همدان ) . وهذه السجدة النبوية والسلام إنما هي رسالة عظيمة للأمة منه تخبر عن دور عظيم لهذه القبيلة بعده . ومن ذلك اليوم صارت همدان من أنصار علي ع وشيعته وأخلصت في ذلك. ولما رد أربد الفزاري على علي قبل حرب صفين وهرب لحقته همدان إلى السوق البراذين فقتلوه وطئا بأرجلهم وضربا بأيديهم ونعال سيوفهم فقال فيه الشاعر:
أعوذ بربي أن تكون منيتي * كما مات في سوق البراذين أربد

تعاوره همدان خفق نعالهم * إذا رفعت عند يد وضعت يد

وقال لهم أمير المؤمنين ع يوم صفين يا معشر همدان أنتم درعي ورمحي[142]

وقد صرع ارفع رؤوسها ( بريد ، شتير ، شرحبيل ، كريب ، مرثد ، هبيرة ) بصفّين، كلّ واحد يأخذ اللواء بعد الآخر، حتّى استشهدوا جميعا سنة 37 ه ، و كانوا قد صبروا في ميمنة عليّ (عليه السلام) كلما قتل منهم، رجل أخذ الراية آخر ، و كانوا في مقدمة عصابة مالك الأشتر، و كلهم من همدان و من رؤساء القبيلة[143] . ومن يعرف ما مالك لعلي يعرف ما معنى وجود همدان معه .

وقد قال فيهم النبي حين وفدوا اليه ( نِعْمَ الْحَيُّ هَمْدَانُ مَا أَسْرَعَهَا إِلَى النَّصْرِ ، وَأَصْبَرَهَا عَلَى الْجَهْدِ ، مِنْهُمْ أَبْدَالٌ وَفِيهِمْ أَوْتَادُ الإِسْلامِ ” ، فَأَسْلَمُوا ، فَكَتَبَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا )[144] .

وفيهم قال علي يوم صفين :

دعوت فلباني من القوم عصبة * فوارس من همدان غير لئام

فوارس من همدان ليسوا بعزل * غداة الوغى من شاكر وشبام

وكل رديني وعضب تخاله * إذا اختلف الأقوام شعل ضرام

لهمدان أخلاق ودين يزينهم * وبأس إذا لاقوا وجد خصام

وجد وصدق في الحروب ونجدة * وقول إذا قالوا بغير اثام

متى تأتهم في دارهم تستضيفهم * تبت ناعما في خدمة وطعام

يقودهم حامي الحقيقة منهم * سعيد بن قيس والكريم محامي

جزى الله همدان الجنان فإنها * سمام العدى في كل يوم سمام

فلو كنت بوابا على باب جنة * لقلت لهمدان ادخلوا بسلام[145]

وقد جاء أنّ مالك الأشتر استقبله شباب من همدان، و كانوا ثمانمائة مقاتل يومئذ، و كانوا صبروا في الميمنة، و منهم عبد اللّه، و بكر، بنو زيد ، فقتلوا جميعا في صفّين سنة 37 ه[146] . وحين انتدب معاوية قطيع أهل الشام ( عك ) لقتال خير أهل العراق همدان اشترطت عك زيادة العطاء من المال والإقطاع من الأراضي كي تقاتل همدان ، فجعل لها معاوية ما اشترطت ، فكانت أشد اقداماً طمعاً ، ثم حمية وعصبية قبلية بعدئذ ، فصمدت لها ( همدان ) وقد اقسم أبناؤها انهم لن يرجعوا حتى تولي عك عن مقامها ، فكان هذا . وحين حزن امير المؤمنين من شخوص النفوس المريضة الى مال معاوية جاءت همدان تخبره انها تريد الآخرة ، فحمد فعلهم واثنى عليهم[147] . وقد كان بعض همدان رسل علي الى الأقاليم وصد الغارات ، مثل ( مالك بن كعب الهمداني ) الذي بعثه الى دومة الجندل لصد غارات جند معاوية ودعوة أهلها الى الحق[148] .

رأس همدان ( سعيد بن قيس الهمداني الكوفي ) . فارس شهد الجمل، و كان على حمير. و قيل: إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) أقامه بالكوفة. و يعتبر من كبار التابعين و رؤسائهم، و زهادهم. و حضر صفّين، و كان من المخلصين في ولاء عليّ (عليه السلام) و من الشجعان المعروفين، و كان سيد همدان و عظيمها و المطاع فيها، و له بصفّين مقامات مشهودة مشهورة، و له فيها أشعار، و بعد عليّ (عليه السلام)، التحق بالإمام الحسن (عليه السلام) و كان ملازما له[149] . وحين أراد امير المؤمنين علي الخروج الى الشام بعد قصة الحكمين بالباطل ، وعزّ الناصر ، قام سعيد بن قيس الهمداني فقال : يا أمير المؤمنين سمعا وطاعة وودا ونصيحة أنا أول الناس جاء بما سالت[150] .

ومن همدان ( الحارث – الأعور – ابن عبد اللّه بن كعب بن أسد بن خالد بن حوث -عبد اللّه – بن سبع بن صعب بن معاوية بن كثير بن مالك بن جشم بن حاشد بن خيران بن نوف بن همدان السبعي ) مات 65 ه. محدّث ثقة، صادق عالم، من أوعية العلم و من كبار علماء التابعين، و من أفقه علماء عصره، و تعلم من أمير المؤمنين (عليه السلام) علما جمّا. سيّما علم الفرائض، و الحساب. و كان من القراء قرأ على عليّ (عليه السلام) و عبد اللّه بن مسعود[151].

ومن هذه القبيلة ايضاً ( برير بن خضير الهمداني المشرقي ) الشهيد 61 ه ، كان زاهدا عابدا، سيد القراء تابعيا ناسكا، من أصحاب عليّ (عليه السلام) و أقرأ أهل زمانه. و كان من أشراف الكوفة، و لما بلغه خبر الإمام الحسين (عليه السلام) و توجهه إلى العراق، سار من الكوفة إلى مكة و اجتمع به و جاء معه إلى كربلاء، و استشهد يوم عاشوراء. له كتاب القضايا و الأحكام[152].

ومنهم ( يزيد بن قيس بن تمام ) من بني صعب من همدان ، والٍ من الرؤساء الكبار ، أقامه قراء الكوفة أميراً عليها ، ثم كان مع علي في حروبه ، وولي شرطته ، ثم ولاه أصبهان والري وهمذان ، و كان من خطباء صفين ، وهو المعني بقول ثمامة ( معاويَ ان لا تسرع السير نحونا فبايع علياً او يزيد اليمانيا )[153] .

ومنهم ( حجر بن قيس الهمداني المدري ) من المختصين بخدمة أمير المؤمنين (عليه السلام)، و يقال له الحجوري. كان من خيار التابعين، و في الطبقة الأولى ممن كان باليمن، بعد الصحابة من المحدّثين. و قد جاء عن عبد اللّه بن طاوس، قال: رأيت حجر المدري، و قد أقامه أحمد بن إبراهيم خليفة بني أمية في الجامع، ليلعن عليا أو يقتل، فقال حجر: أما إنّ الأمير أحمد بن إبراهيم أمرني أن ألعن عليّا فالعنوه‌ لعنه اللّه، فقال طاوس: فلقد أعمى اللّه قلوبهم حتّى لم يقف أحد منهم على ما قال. له في السنن أحاديث، روى عن زيد بن ثابت، و ابن عباس[154] .

فيما يمكننا معرفة عمق العقيدة العلوية في همدان من موقف ( سودة بنت عمارة بن الأشتر الهمدانية ) شاعرة من شواعر العرب، ذات فصاحة و بيان و قدرة، و من نصيرات أمير المؤمنين (عليه السلام) و التي كانت تحض الرجال على القتال. وفدت على معاوية بن أبي سفيان، فاستأذنت عليه. فأذن لها، فلما دخلت عليه سلّمت فقال لها: كيف أنت يا ابنة الأشتر؟ قالت: بخير يا أمير المؤمنين، قال لها: أنت القائلة لأبيك:

شمّر لفعل أبيك يا ابن عمارة* * * يوم الطعان و ملتقى الأقران‌

و انصر عليّا، و الحسين، و رهطه* * * و اقصد لهند و ابنها بهوان‌

إنّ الإمام أخا الإمام محمد* * * علم الهدى، و منارة الإيمان‌

فقد الجيوش و سر أمام لوائه* * * قدما بأبيض صارم و سنان‌

قالت: إي و اللّه، ما مثلي من رغب عن الحق، أو اعتذر بالكذب. قال لها: فما حملك على ذلك؟ قالت: حب عليّ، و اتباع الحق. قال: فو اللّه ما أرى عليك من أثر عليّ شيئا. قالت يا أمير المؤمنين: مات الرأس و بتر الذنب، فدع عنك تذكار ما قد نسي، و إعادة ما مضى. قال: هيهات ما مثل مقام أخيك ينسى، و ما لقيت من قومك و أخيك. قالت: صدقت و اللّه يا أمير المؤمنين، ما كان أخي خفيّ المقام، ذليل المكان[155] .

وان كانت طَي و خزاعة و الازد و مذحج و النخع والأشعريون و همدان من قبائل ( سبأ ) القحطانية ، فقد كان خيرتهم الصحابي الجليل ( عمار بن ياسر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن الوذيم بن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر الأكبر بن يام بن عنس بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ) . آتاه اللّه تعالى الحكمة، و أجلسه على كرسي الاستقامة، و أشرق عليه أنوار الملكوت. من كبار الصحابة هاجر مع النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) إلى المدينة، فهو من المهاجرين الأولين. و شهد بدرا و المشاهد كلها، و صلّى القبلتين. و لرسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) فيه فضائل و مناقب و ثناء. ساهم في بناء مسجد قبا، و اشترك في حرب اليمامة، و قطعت أذنه. استشهد بصفين سنة 37 ه، و دفنه أمير المؤمنين (عليه السلام) بثيابه، و لم يغسّله و دفنه بصفين. و خلّف: سعدا. محمدا. و عمره يوم قتل ثلاث و تسعون سنة، له 62 حديثا في كتب السنن[156] . وقد شهد عمرو بن العاص عند قتله في مجلس معاوية ان النبي قال تقتله الفئة الباغية ، فأغضب معاوية منه[157] . وقد كان مميزاً لأهل الباطل في زمان النبي ، حتى انه كان على خلاف حاد مع خالد بن الوليد ، وهو الخلاف الذي وصل الى سمع النبي فبيّن مقام عمار وان من يعاديه يعادي الله[158] . وهو سبب تسمية الشيعة بالسبئية .

[1] تاريخ الأمم والملوك / الطبري / دار الكتب العلمية / ج ٣ / ص ٩٦

[2] الكامل في التاريخ / ابن الأثير / دار الكتاب العربي / ج ٢ / احداث سنة سبع وثلاثين

[3] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ١ / ص ١٠١

[4] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ١ / ص ١١٣

[5] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ١ / ص ١٦٧

[6] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ١ / ص ٢٣٦ – ٢٣٧

[7] كتاب صفين / ابن ديزيل / دار الكتب العلمية / ص ١٠٠ الهامش

[8] كتاب وقعة صفين / نصر بن مزاحم المنقري / ص ٤٨٤

[9] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ٢ / ص ٥١٢

[10] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ٢ / ص ٤١٦

[11] اعيان الشيعة / ج ١ / ص ٥٢٥

[12]تاريخ التمدن الإسلامي 2 \ جرجي زيدان \ ص 47

[13] تاريخ الأمم والملوك / الطبري / دار كتاب / ج ٢ / ص ٢٠٨ – ٢٠٩

[14] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ١ / ص ٢٨٦

[15] سير أعلام النبلاء / الذهبي / مؤسسة الرسالة / الجزء الثالث / ص ٥٣٨

[16] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ١ / ص٥٩

[17] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ١ / ص٧٨

[18] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ١ / ص١٢٦

[19] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ١ / ص ١٦٠

[20] الغارات / ج ٢

[21] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ١ / ص ١٥٦

[22] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ١ / ص ١٠٢

[23] الإمامة والسياسة / ابن قتيبة الدينوري / دار الكتب العلمية / ص ١١٨

[24] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ٢ / ص ٥٧٩

[25] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ٢ / ص ٦٠٦

[26] مقتل الحسين / أبو مخنف الازدي / تعليق : الحسن الغفاري / ص ٢٦٠

[27] أعيان الشيعة / ج ١ / ص ١٩٧

[28] تاريخ الأمم والملوك / الطبري / مؤسسة الاعلمي / ج ٢ / ص ٢١٧

[29] أعيان الشيعة / ج ١ / ص ٢٤٢

[30] أعيان الشيعة / ج ١ / ص ٢٤٥

[31] معجم البلدان / ياقوت الحموي / دار الكتب العلمية / ج ٤ / ص ٤٢٩

[32] موسوعة ال بيت النبي / د. مجدي باسلوم – سميرة مسكي / دار الكتب العلمية / ج ٢ / ص ٦٣

[33] إمتاع الأسماع / تقي الدين المقريزي / دار الكتب العلمية / ج ١٣ / ص ٢٣٤

[34] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ١ / ص٦٤

[35] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ١ / ص ٢١٤

[36] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ٢ / ص ٤٥٤

[37] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ١ / ص ٢٧٨

[38] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ١ / ص ٢٩٣ – ٢٩٤

[39] مقاتل الطالبيين / أبو الفرج الأصفهاني / دار الكتب العلمية / ص ٢٢

[40] منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة / ميرزا حبيب الله الخوئي

[41] الكامل في التاريخ / ابن الأثير / دار الكتاب العربي / ج ٢ / ص ٥٨١

[42] اعيان الشيعة / ج ١ / ص ٤٥٤

[43] بحار الأنوار / المجلسي / دار احياء التراث العربي / ج ٧٢ / ص ٤٣٣

[44] رجال الكشي / مؤسسة النشر الإسلامي / ط ١ / ص 82 \ ح 6

[45] رجال الكشي / مؤسسة النشر الإسلامي / ط ١ / ص ٧٦ و ٧٨

[46] رجال الكشي / مؤسسة النشر الإسلامي / ط ١ / ص ٧٤ / ح ٢

[47] اعيان الشيعة / ج ١ / ص ٤٩٠ – ٥١٤

[48] اعيان الشيعة / ج ١ / ص 565

[49] البداية والنهاية / ج ٥ / وفود بني اسد

[50] تاريخ الطبري / مؤسسة الاعلمي / ج ٢ / ص ٦٠٦ – ٦٠٧

[51] اعيان الشيعة / ج ١ / ص ٤٩٤ – ٤٩٥

[52] وقعة صفين / المنقري / ص ١٤٦

[53] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ١ / ص٦٨-٦٩

[54] اعيان الشيعة \ دار التعارف \ ج 1 \ ص 535 – 536

[55] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ١ / ص ١٩٧

[56] الإمامة والسياسة / ابن قتيبة الدينوري / دار الأضواء / ج ١ / ص ٧٨

[57] وقعة صفين / نصر بن مزاحم المنقري / تحقيق : عبد السلام محمد هارون / ص ٤٥٠ – ٤٥٣

[58] رجال الكشي / مؤسسة النشر الإسلامي / ط ١ / ص ٨٧ / ح ١

[59] تاريخ التمدن الإسلامي 2 \ جرجي زيدان \ ص 47 فيما كان قسم كبير منها في الجزء الجنوبي الغربي لجزيرة شمال العراق قبل الإسلام \

[60]اختيار معرفة الرجال \ الكشي \ ص 470 ح 1 يرى الشيعة ان كل فتح بغير اذن الامام المعصوم ضلال , وان للإمام المعصوم تحرير العبيد الذين اخذوا في هذا الطريق \

[61] الإصابة في تمييز الصحابة / ابن حجر العسقلاني / دار الكتب العلمية / ج ٦ / ص ٢٣٤

[62] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ٢ / ص ٦٢١

[63] معجم رجال الحديث / أبو القاسم الخوئي / ط الخامسة ١٩٩٢م / ج ١١ / ص ٩٢

[64] كمامة الزهر وصدفة الدرر / ابن بدرون / دار الكتب العلمية / ص ١٥٨ الهامش

[65] وقعة صفين / ص ١٤٣

[66] الكامل في التاريخ / ابن الأثير

[67] وقعة صفين / المنقري / ص ٢٠٢

[68] اعيان الشيعة / ج ١ / ص ٥٢٢

[69] الكامل في التاريخ / ابن الأثير / دار بيروت / ج ٢ / ص ٣٠١

[70] تاريخ التمدن الإسلامي 2 \ جرجي زيدان \ ص 73

[71] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ١ / ص ٣٠٢

[72] السيرة الحلبية / ج ٣ / ص ٢٨٤

[73] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ٢ / ص ٤١٢

[74] وقعة صفين / المنقري / ص ٤٨٢

[75] شرح نهج البلاغة / ابن ابي الحديد / ج ١٦ / ص ٣٨

[76] البداية والنهاية / ابن كثير / دار الكتب العلمية / ج٤ / ص ٢٤٨

[77] وقعة صفين / المنقري / ص ٤٣٠

[78] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ١ / ص٧٩

[79] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ١ / ص٢٤٨

[80] الكامل في التاريخ / ابن الأثير / دار الكتاب العربي / ج ٢ / احداث سنة سبع وثلاثين

[81] انساب الأشراف / البلاذري / امر صفين

[82] معجم رجال الحديث / أبو القاسم الخوئي / ج ٢٢ / ص ١٠٩

[83] أعيان الشيعة / ج ١ / ص ٤٥١ – ٤٥٤

[84] البداية والنهاية / الجزء الرابع / غزوة الحديبية

[85] عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير / ابن سيد الناس / ج ٢ / ص ٥

[86] البداية والنهاية / الجزء الرابع / غزوة الفتح الأعظم

[87] تاريخ الطبري / دار الفكر / ج ٢ / ص ١٦٥

[88] أعيان الشيعة / ج ١ / ص ٢٥٣

[89] وقعة صفين / المنقري / ص ٤٠٠

[90] الكامل في التاريخ / ابن الأثير / دار الكتاب العربي / ج ٢ / احداث سنة سبع وثلاثين

[91] سير أعلام النبلاء / الذهبي / مؤسسة الرسالة / ج ٢٨ / ص ٢٧٧

[92] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / محمد هادي الأميني / دار الكتاب الإسلامي / ط ١ / ج ١ / ص ٢٦٤

[93] أعيان الشيعة / ج ١ / ص ٤٤٠

[94] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / محمد هادي الأميني / دار الكتاب الإسلامي / ط ١ / ج ١ / ص ٣٢٥

[95] صلح الحسن عليه السلام / السيد عبد الحسين شرف الدين / ص ٣٤٥

[96] تاريخ الطبري / ج ٢ / ذكر واقعة بدر الكبرى

[97] وقعة صفين / المنقري / ص ٢٣٢

[98] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / محمد هادي الأميني / دار الكتاب الإسلامي / ط ١ / ج ١ / ص١١٩

[99] الطبقات الكبرى / ابن سعد / دار صادر / ج ١ / ص ٣٣٨

[100] أعيان الشيعة / ج ١ / ص ٢٤٤

[101] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / محمد هادي الأميني / دار الكتاب الإسلامي / ط ١ / ج ١ / ص ٢٨٢-٢٨٣

[102] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / محمد هادي الأميني / دار الكتاب الإسلامي / ط ١ / ج ١ / ص ٣٠٦

[103]تاريخ ابن خلدون / دار الفكر / ج ٤ / ص 575

[104] تاريخ ابن خلدون / دار الفكر / ج ٤ / ص 580

[105] اسد الغابة / ابن الأثير / انتشارات اسماعيليان / ج ٤ / ص ٣٣٩

[106] الإصابة في تمييز الصحابة / ابن حجر العسقلاني / دار الكتب العلمية / ج ٦ / ص ٤٤٦

[107] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / محمد هادي الأميني / دار الكتاب الإسلامي / ط ١ / ج ١ / ص ٢٧٦

[108] بحار الأنوار / المجلسي / ج ٤٢ / ص ١٦٣

[109] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / محمد هادي الأميني / دار الكتاب الإسلامي / ط ١ / ج ١ / ص ٧٠

[110] اعيان الشيعة / ج ١ / ص ٢٧٥

[111] رجال الكشي / مؤسسة النشر الإسلامي / ط ١ / ص ٨١ / ح ٥

[112] الأعلام / الزركلي / ج ٨ / ص ٦٨

[113] نهاية الأرب في فنون الأدب / شهاب الدين النويري / ط ٢٠١٨ / ج ١٨ / ص ٥٥

[114] تاريخ الطبري / مؤسسة الاعلمي / ج ٢ / ص. ٥٣٨

[115] اعيان الشيعة / ج ١ / ص ٥١٠

[116] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ١ / ص ٢٧٠

[117] سير أعلام النبلاء / الجزء الرابع

[118] المناقب / احمد بن محمد المكي الخوارزمي / مؤسسة النشر الإسلامي / ص ٢١٦

[119] تاريخ الطبري / مؤسسة الاعلمي / ج ٢ / ص ٥٩٧

[120] تاريخ الطبري / مؤسسة الاعلمي / ج ٢ / ص ٥٩٧ – ٦٠٢

[121] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ٢ / ص ٥٠٥

[122] الكامل في التاريخ / ابن الأثير / دار الكتاب العربي / ج ٢ / احداث سنة سبع وثلاثين

[123] اعيان الشيعة / ج ١ / ص ٤٨٨

[124] اعيان الشيعة / ج ١ / ص ٥٠٠

[125] شرح نهج البلاغة / ابن ابي الحديد / ج ٨ / ص ٨١

[126] شرح نهج البلاغة / ج ١٥ / ص ١٢٢

[127] اعيان الشيعة / ج ١ / ص ٥١٠ – ٥١٨

[128] رجال الكشي / مؤسسة النشر الإسلامي / ط ١ / ص ٦٥٩

[129] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / محمد هادي الأميني / دار الكتاب الإسلامي / ط ١ / ج ١ / ص ٢١٢

[130] بحار الأنوار / محمد باقر المجلسي / ج ٣٢ / ص ٤٣٤

[131] الطبقات الكبرى / ابن سعد / دار الكتب العلمية / ج ٣ / ص ٢٠

[132] رجال الكشي / مؤسسة النشر الإسلامي / ط ١ / ص 125 ح 6

[133] مجمع الزوائد ومنبع الفوائد / نور الدين الهيثمي / مكتبة المقدسي / كتاب المناقب / باب ما جاء في النخع / ح ١٦٥٩٥

[134] شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية / الزرقاني المالكي / ج ٥ / ص ٢٣٤ / الوفد الخامس والثلاثون

[135] أعيان الشيعة / ج ١ / ص ٢٨٩

[136] كتاب وقعة صفين / نصر بن مزاحم المنقري / المؤسسة العربية الحديثة / ص ١٨٠

[137] بحار الأنوار / محمد باقر المجلسي / ج ٣٢ / ص ٤٣٣

[138] موسوعة الامام علي بن ابي طالب في الكتاب والسنة والتاريخ / محمد الريشهري / دار الحديث / ج ٨ / ص ٣٥٤

[139] الإرشاد / المفيد / دار المفيد / ج ١ / ص ٢٢

[140] اعيان الشيعة / ج ١ / ص ٤٨٩

[141] البداية والنهاية / الجزء الرابع / غزوة أوطاس

[142] أعيان الشيعة / ج ١ / ص ٤١٠ و ص 553

[143] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ١ / ص٧٥ -٧٦

[144] تلخيص المتشابه في الرسم وحماية ما أشكل منه عن بوادر التصحيف والوهم / الخطيب البغدادي / دار الكتب العلمية / ص ٤٠٤

[145] عمار بن ياسر / محمد جواد الفقيه / مؤسسة الاعلمي / ج ١ / ص ٢٠٨ \\ اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 553

[146] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ١ / ص٨٥

[147] اعيان الشيعة / ج ١ / ص ٥٠٥

[148] الكامل في التاريخ / ابن الأثير / دار بيروت للطباعة / ج ٣ / ص ٣٨١

[149] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ١ / ص ٢٤٤

[150] تاريخ الأمم والملوك / الطبري / دار الكتب العلمية / ج ٣ / ص ١١٨

[151] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ١ / ص ١٣١

[152] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ١ / ص٧٧

[153] ترتيب الأعلام على الأعوام / خير الدين الزركلي / دار الارقم بن ابي الارقم / ج ١ / ص ١٢٦

[154] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ١ / ص ١٥٠

[155] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ٢ / ص ٦٧٠

[156] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ٢ / ص ٤٣٢

[157] رجال الكشي / مؤسسة النشر الإسلامي / ط ١ / ص ٤٢ / ح ١٦

[158] رجال الكشي / مؤسسة النشر الإسلامي / ط ١ / ص ٤٢ / ح ١٤

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here