من الظهيرة حتى الفجر : قصص قصيرة 

بقلم مهدي قاسم

 1 ــ من الظهيرة حتى الفجر ومن منتصف الليل حتى الظهيرة :

 انتابته  موجة من تداعيات شعور و تداخل أزمنة  متشابكة ، كأنما حنينا لزمن  قديم  ومبهم  بعض الشيء أو تهربا منه و إسقاطا من الذاكرة ، فتذكر أنه كان الوقت ظهيرة ، وفكر عندما ذهبنا  إلى بار لنشرب ، وشربنا فشربنا  حتى ملينا المكان ، فخرجنا من هناك و دخلنا بارا آخر فشربنا فسكرنا و  ألقينا شعرا  ثم تصياحنا وتشاجرنا ، و خرجنا و تمشينا مترنحين  في الشارع و تبولنا  على الأرصفة والحيطان بصيحات عالية  وحادة ، واستنشقنا هواء نقيا  بعدما كانت رؤوسنا  مليئة بدخان السجاير،  ثم وجدنا أنفسنا في بار ثالث في هذه المرة كان الوقت مساء ،  فواصلنا الشرب والسكر والتدخين والصياح و الهتاف شعرا ، حتى طلبنا منا صاحب البار المغادرة ،  لأنه قد حان وقت الإغلاق والراحة ، و لكننا طالبنا منه قليلا من الصبر والوقت بنصف ساعة  على الأقل ، فصبر علينا  ممتعضا  غير أن الوقت يبدو قد طال وطال  طال ساعة و اكثر  ، فاضطر صاحب المحل بعد توسلات و تذرعات لنا  بالمغادرة قائلا إن عماله قد تعبوا مرهقين  منهكين ،  و إصرارنا نحن على البقاء ، أن يرمينا إلى قارعة الطريق  بمساعدة عماله الممتعضين و ساخطين ، في طريقنا إلى بيت أحد أصدقائنا وجدنا محلا مفتوحا بعد للمشروبات واشترينا بضعة قنان حتى نحتسيها قبل النوم ، وما أن نهضنا وتناولنا إفطارنا  حتى ذهبنا إلى بار و شربنا فشربنا حتى سكرنا وتصايحنا و غنينا ثم تشاجرنا ثم بكى بعضنا مضرجا بالحزن على حال الوطن وعلى أحوالنا المزرية !!،  ومن هناك انتقلنا إلى بار ثان ثم ثالث  بضجة وصخب  وطلبنا مشروبا ومن ثم  ذهبنا من هناك إلى بار رابع  و سكرنا مساء و طوال الليل حتى الفجر .

مضت سنوات طويلة  ونحن نكافح و نناضل  هكذا من أجل الوطن ! …

وها هو يشعر و كأن ذاكرته قد تقيأت و أرتاحت .

2 ــ

قلة الوقت يا صاحبي :

قال أنه يفضّل نصوصا قصيرة  جدا  بحيث لا تتجاوز حدود أربعة أو خمسة أسطر   فقط ،  وإذا وجدها أطول من ذلك فأنه  لن يقرأها حتما  .؟.

و أضاف شاكيا بمرارة :

ــ بكل بساطة  يا صاحبي إنني أُعاني من  قلة الوقت  فليس عندي  الكثير من الوقت  لقراءة نصوص أطول !..

و عندما سُئل  عن طبيعة عمله الطويل المتعب و المنهك إلى هذا الحد ؟ ..

فأجاب مستغربا من سذاجة السؤال :

ــ عملي ؟!.. إذ أنا لا أعمل إطلاقا !.. لأنني محال على السوسيال  منذ كنت شابا يافعا في بلدان اللجوء ،  بحكم كوني مصابا باكتئاب نفسي أو شيء من هذا القبيل  !.. أراك مستغربا من كلامي ؟ .. حسنا  إذن فعليك أن تعلم  يا صاحبي أن قلة وقتي تأتي من كوني لا أعمل شيئا مطلقا .. فهذا هو  أحد أمراض عصرنا ، إذ يشعر المرء أنه يطوف فوق بحر من الوقت ، مع شعور مقابل بقلة الوقت !.. أليس كل هذا يُعد أمرا عجيبا ؟.!. ههههه ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here