مصر – اثيوبيا … اشكالية الهيمنة..؟؟…1

د. اكرم هواس

عادت هذه الايام قضية سد النهضة الى الواجهة بشكل اكثر وضوحا في بنيتها السياسية بعد ان هيمنت لفترة الامور الفنية و التقنية و سؤالالمحكمة و كذلك محاولة ايجاد طرف ثالث … الولايات المتحدة او فرنسا وفق الرؤية المصرية على الاقل..

مع كل التقدير للزملاء الباحثين … اود ان ابتعد عن الاشكاليات الفنية و التقنية.. كما اريد ان اعبر بسرعة ايضا موضوع عرض القضية علىالمحكمة الدولية… ليس فقط بسبب رفض اثيوبيا و انما ايضا لسبب مهم كنت قد تحدث عنه في دراسات سابقة منذ ما يقرب من عقدينبالنسبة الى المشكلة المائية بين العراق و تركيا… و ايضا كررتها في ندوات و مقالات مختلفة و هي ان القوانين الدولية لم تعد فعالة في ايجادحلول لقضايا تاريخية تدخل فيها عوامل كثيرة و تتقاطع فيها مصالح حياتية و تتغير فيها معالم القضية و تتوسع و تضيق آفاقها هنا و هناك..

الملاحظة الاولية من تكرار الوساطات و ادخال اطراف ثالثة مختلفة و كذلك جولات المفاوضات غير الجدية و التركيز احيانا على هذا او ذاكمن الابعاد الفنية و التاريخية و الدينية و غيرها هي انها تستهدف خلق فجوة زمنية او كسب وقت كما يسمى عادة لتحقيق ترتيبات سياسية واستراتيجية تتخطى قضية السد و حتى موضوع المياه ذاتها و حصصها و مدى توظيف تدفقها في خدمة مشاريع طاقة و زراعة و غيرها…

مع كل الاحترام لدور السودان المتواضع و الذي يقترب كثيرا من فكرة عدم الانحياز الايجابي… فان مستوى تحرك الطرفين الرئيسين و هنااعني مصر و اثيوبيا … يظهر ان لدى كل منها مشروعا للهيمنة في منطقة القرن الافريقي … لكن هذه الهيمنة و ان كانت تهدف الى اعادةبناء شبكة المصالح في المنطقة بشكل يضمن مركزية دور هذه الدولة او تلك اي مصر و اثيوبيا… الا انها لا تشكل طوقا استعمارياً… بلتقترب كثيرا من المفهوم الامريكي اي “القيادة Leadership” و التي تعتمد على آلية Rearticulation of Powers اي اعادة مفصلةالقوى الفاعلة تحت قيادة اخلاقية و شرعية ..

اعتقد ان ملاحظة مبسطة لصورة مصر و اثيوبيا في مشهد تطور العلاقات الدولية في السنوات الاخيرة تدعم فرضية مشروع الهيمنة … حيث ان حضور مصر في الساحة واضح رغم كل الانتقادات التي عادة توجهها المنظمات الدولية و المتعلقة بحقوق الانسان و الافتقار الىالديمقراطية السياسية و الاجتماعية .. الخ… يؤكد لنا ان مصر تحتل اولوية لدى كل القوى الكبرى في العالم رغم تقاطع الصراعات والمصالح بين هذه القوى و اعني الولايات المتحدة و روسيا و الصين و القوى الفاعلة في الاتحاد الاوربي اي المانيا و فرنسا و بريطانيا..

هذه الحالة الامتيازية تنطبق ايضا على اثيوبيا بشكل او اخر .. دعنا فقط نذكر ان جائزة نوبل للسلام يرتبط بشكل مباشر بالمشاريع الدوليةالكبرى و ليس باي علاقة محلية كما توحي التاويلات الساذجة احيانا .. هذه الجائزة تهدف بشكلٍ اساسي الى اعادة تاهيل قوى محلية اودولية لكي تلعب دورا اكبر و اكثر تاثيرا على المسرح الدولي او الاقليمي … لا اريد ان اطيل كثيراً في هذه النقطة لكن فيما يتعلق بالشرقالاوسط فان منح الرئيس السادات و رئيس وزراء اسرائيل و من ثم الناشطة توكل كرمان من اليمن و ضحية الاغتصاب نادية مراد من العراقتظهر بشكل واضح الاهمية العابرة للشأن المحلي و لمفهوم السلام ذاته…. و الامثلة على المستوى الدولي لا يختلف كثيرا فالرئيس اوباما مثلاتفاجأ بمنحه الجائزة لانه لم يحقق شيء سوى التوقيع على الاتفاق النووي مع ايران… و هو اتفاق كان يهدف الى تغيير النظام في ايران منالداخل (موضوع ربما نكتب عنه مستقبلا).. و على ذات الاساس يمكن ان نفترض ان رئيس الوزراء احمد آبي لم يحصل على الجائزة فقطلانه يحمل نوايا مخلصة لخلق اواصر سلم بين قبائل تحارب بعضها البعض منذ الاف السنوات .. فهل حقق شيئا..ام ان الجائزة العالميةالاهم باتت تمنح على اساس “انما الاعمال بالنيات”..؟؟..

الان اذا عدنا الى فرضية مشاريع الهيمنة لابد ان نطرح تساؤلات جدية… ما هي اهمية مصر و اثيوبيا في النظام الدولي القائم او الزائل اوالقادم… وما هي التحديات التي تواجهها كل بلد و حدود امكانياتها .. و ما دور سد النهضة و غاز المتوسط و التطورات في ليبيا و التوترالمصري التركي في مشروع الهيمنة..؟؟ … كل هذه و تساؤلات اخرى سنناقشها في المقالات القادمة ضمن هذه السلسلة…

لكن الخلاصة الاولية هي انه … لاشك ان هناك تصادم بين مشروعي مصر و اثيوبيا … لكن هل يعني ذلك هناك “ضرورة” لقيام حرب … ؟؟.. أشك في ذلك لان منطق التنمية و الحرب لا يلتقيان … و اعتقد ان الشعار الذي ظهر في الستينات من القرن الماضي “يد تبني و يدتحمل السلاح” لم يكن سوى كلام دوغمائي فاقد لاي قيمة واقعية لان ما تبنيه السواعد في سنة يمكن ان تهدمه قنبلة صغيرة في دقائققليلة… ثم ان اغلب مراحل تجارب اثيوبيا و مصر الفرعونية التاريخية تعلمنا ان الاولية كانت تدور حول بناء دولة و مجتمع مستقر اكثر منكونها تدعم رؤى امبراطورية توسعية محاربة…. كما انه في المرحلة الحالية يشهد كل من البلدين المئات و ربما الالاف من المشاريع التنموية وعليه فلا يمكن تصور ان العقلانية التاريخية ستودي بكل شيء هكذا كما يتصور البعض … سأعود الى هذه النقطة لاحقا لانها تحتل اهميةكبرى في مشروع الهيمنة… حبي للجميع

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here